عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-19, 20:53 رقم المشاركة : 10
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: أسس وأخلاقيات البحث العلمي عند البيروني بقلم د. بركات محمد مراد


.
3 ـــ الحياد :




وهذا معنى ثالث من معاني الموضوعية, يجب أن يتصف به العالم, بمعنى أن يعطى كُل رأى من الآراء المعارضة حقة الكامل في التعبير عن نفسه, ويزن كل الحجج التى تُقال بميزتن يخلو من الغرض أو التحيز. فالموضوعات التي يعالجها والأفكار التي تقدم إليه, تقف كلها أمامه على قدم المساواة دون أية محاولة مُسبقة من جانبه لتفضيل إحداها على الأخرى. وعندما ينحاز العالم آخر الأمر, فلابد أن يكون إنحيازه هذا مبنيا على تقدير موضوعي بحت لإِيجابيات الحجج وسلبياتها(107).


وهذا المعنى من معانى الموضوعية نتبينه بوضوح في كتابات البيروني ومؤلفاته فنجد في مقدمة كتاب عن الهند حين يبين لنا منهجه في تناول عقائد الهنود ومعتقداتهم وشرح أفكارهم ونظرياتهم أنه يتوخى الموضوعية المطلقة, ويحاول تحقيق أعلى حياد يمكن أن يقوم به باحث علمي في قوله : (( ففعلته غير باهت على الخصم ولا متحرج عن حكاية كلامه, وإن باين الحق واستفظع سماعه عند أهله فهو إعتقاده وهو أبصر به, وليس الكتاب كتاب حجاج وجدل حتى استعمل فيه بإيراد حُجج الخصوم ومناقضة الزائع منهم عن الحق, وإنما هو كتاب حكاية, فأورد كلام الهند على وجهه وأضيف إليه ما لليونانيين من أمثلة لتعريف المقارنة بينهم))(108).


كان يتضح لنا حياد البيروني وأمانته العلمية في عرض آراء الغير وأفكاره, حين ينسب النظريات الرياضية من هندسة وحساب مثلثات إلى أصحابها سواء كان من علماء المسلمين أو الفرس, وهى براهين ونظريات كثيرة في كتابه (( استخراج الأوتار في الدائرة)), وتظهر أهمية هذا ـــ مثلا ـــ حين يذكر برهان عمله ((أرشميدس)) في مساحة المثلثات بالتفاضل. يقول محقق الكتاب : (( هذا البرهان رائع بالنسبة لعصر أرشميدس, ولم أعثر على مثيل لهذا البرهان في أى مصدر سابق عربي أو أجنبي, وذكر البيروني لهذا البرهان مع نسبته لأرشميدس يدل على أمانة علمية نزيهة كان يتصف بها العلماء العرب, إذ كانوا دائما ينسبون الفضل لأصحاب الـــفضل ولـــــيس لأنفسهم))(109).


وينصف البيروني في كثير من كتبه كل جُهد علمى يُبذل في سبيل البحث العلمي فعلى الرغم من نقده لمناهج الهنود في البحث. إلا أنه يعرف لعلمائهم قدرهم, فقد كان يحترم (( براهمهر)) ويقول في (( بُنجل)) صاحب كتاب (( مانس الصغير)) بعد أن يورد كلامه العلمي في انقلاب الشمس السنوي : (( وهذا كلام صادر عن راصد مدقق أو مُعبر بأرصاد قديمه معه كبيرة))(110).


ويذكر البيروني رأية في (( بطليموس)) رغم نقده له في كثير من المواضع : فأرصاده أحق مما عول هو عليه من الأرصاد غير المدققة التي حكاها ... لعدلنا ضرورة إلى أعمال بطليموس لأنه تولاها وأحتاط فيها وإن كانت أحدث عهدا))(111). ويبين في موضع آخر سبب وثوقه في أعمال بطليموس, لإِستنادها إلى العيان أو إقترانها بالبرهان العلمى (112).


كما تظهر أمتنة البيروني العلمية وحياده التام في مقدمة كتاب (( القانون المسعودي)) حين يقول (( وإنما فعلت ما هو واجب على كل إنسان أن يعمله في صناعته من تقبل إجتهاد من تقدمه بالمنة, وتصحيح خلل إن عثر عليه بلا حشمة .. وقرنت بكل عمل في كل باب من علله, وذكرت مانوليتُ من عمله, ما يبعد به المتأمل عن تقليدي فيه, أو الإِصلاح لما زللت عنه أو سهوت في حسابه))(113).

من كل هذا يتبين لنا مدى إلتزام البيروني بالموضوعية التامة متمثلة في معانيها الثلاثة من الروح النقدية والنزاهة, والحياد, إزراء كل مايسهم في بناءه من نظريات وأفكار ويؤلفه من أعمال ورسائل, ويمكننا أن نضيف صفات خلقية أخرى اتصف بها, وظهرت في كتاباته واضحة جلية, مثل حبه الشديد للعلم وشغفه العميق والدلئب في البحث عن مظانه, يتضح لنا هذا إذا علمنا أنه قضى نيفا وأربعين سنة يبحث عن كتاب ((سفر الأسرار)) لماني, وعندما أتاه أحدهم بهذا الكتاب مع كتب أخرى له يقول : (( فغشينى له من الفرح مايغشى الظمآن من رؤية الشراب )) (114).

وكذلك إتصف البيروني بالتواضع الشديد, ويتضح لنا ذلك حين يؤلف كتابه (( الآثار الباقية)) إجابة لأحد تلاميذه سأله أن يضع كتابا عن تواريخ الأمم وأعيادها وأعمالها وأفكارها. فيقول في مقدمة الكتاب أننى بذلت في (( إستفراع الوسع واستنفاد الجهد في الإِبانة عن ذلك على حسب مابلغه علمي إن بسماع وإن بعيان وقياس)) (115).

ثم يقول في نهايته بتواضع العلماء : (( والناظر فيه لايخلو من أن يكون مثلي فيحمدني ويشكر فعلي فيما سعيت فيه, أو يكون لمرتبته مزية على مرتبتي, فيتفضل بإصلاح الخلل ويعذر فيما عساه وقع من الزلل. فأما الثالث فقد كُفيته لأنقياده للإِستفادة أو معادلته ماعجز عنه))(116).




4 ـــ الصبر والمثابرة :
يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس