عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-10, 10:42 رقم المشاركة : 3
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: أسس وأخلاقيات البحث العلمي عند البيروني بقلم د. بركات محمد مراد


أساتذة البيروني


ولع البيروني منذ صغره بالاطلاع على شتى العلوم والفنون, وكان شديد الفهم للقراءة والبحث, يدل على ذلك كثرة الكتب والمؤلفات التي تصادفنا عند مطالعة

كتبه, فهو دائما يذكر مراجعه والمؤلفات التي طالعها ووقف عليها في أى مسألة علمية يتعرض لها, كما يذكر العلماء والمفكرين أصحاب هذه الفكرة أو تلك, فهو دائما يؤصل الأفكار ويرجعها إلى أصحابها القدامى من هنود أو فرس أو يونان.


ويبدو أنه لنبوغه المبكر قد التقى بكثير من العلماء والمفكرين في عصرة, وتتلمذ عليهم, لشغفه بالبحث وحبه في الاطلاع والمعرفة. ولا نعرف عن أساتذته في مرحلة الشبية سوى ذلك العالم اليوناني الذي حدثنا عنه البيروني في كتابه الصيدنة بأنه كان يجمع له النباتات وبذورها, ليعلمه أسمائها باليونانية, ويبدو أن ذلك غرس في نفسه حب الاستطلاع والتقصى في البحث, والاهتمام بتلك العلوم الطبيعية, بل دفعه إلى الانتقال من العلوم الطبيعية القريبة المنال كدراسة النباتات والأعشاب إلى الاهتمام بالأفلاك والكواكب ورصدها ومعرفة أسرارها, وكان ذلك على يد أستاذ الفلك الجليل (( أبى نصر منصور بن على بن عراق )) وكان ابن أخى خوارزمشاه, زكان يلي بطليموس في علم الرياضة وأنواعه كما يقول (( النظامي العروضي في « جهار مقاله » ))(17).
فآل عراق قد غذوني بدرهم
ومنصور منهم قد تولى غراسيا


وقد صنف أبو نصر مجموعة كبيرة من الرسائل بالتماس من البيروني واستدعائه, كما يظهر من طرق الخطابات التي خاطب بها البيروني في أثناء هذه الرسائل. وكانت لأبى نصر(18) عناية وعطف زائد على تلميذه البيروني, وكلما كانت تظهر اشكالات رياضية للبيوني سرعان ما كان يعرضها عليه, وهو يهديه إلى حلها بغاية الشفقة والحنان, يتضح هذا من عبارته في ((رسالة جدول التقويم))(19) حيث يقول للبيروني :


(( وهذا كاف فيما سألت عنه لمن كمل للنظر في مثله فإنه لابد أن يحيل فيه وفي غيره بما يشاكله على مقدمات له تتضمنها كتب مشهورة لمن يتقدمنا ولنا أيضا ـــ وأنت بحمد الله مستغن عن جميع ذلك بما حصل لك من هذا العلم الشريف )). وكذلك عبارته في رسالة (( في جواب مسائل الهندسة )) (ص 2) :
(( وصلت المسائل التي قرنتها بكتابك وذكرت أن ثلثا منها قد تضمنها كتاب (( أبى سهل الكوهي)) في البركار التام ... وسئلتني عملها بالأصول الهندسية والطرق الصناعية ... أجبتك إلى ملتمسك.


وفي (ص 21) : (( فهذه أجوبة المسائل التي سألت الابانة عنها على قرب غورها وسهولة مأخذها )).


ويبدو من هذه الردود أن تلمذة البيروني لأستاذه لم تنقطع حتى بعد رحيله عنه, بل ظلت قائمة ومتصلة في صورة مراسلات علمية بينهما, عندما يرسل إليه البيروني مسائل رياضية واشكالات يصعب عليه حلها؛ فيجيبه أستاذه بكتابة رسائل يحل فيها هذه الاشكالات ويوضح تلك المسائل الرياضية بما يحلوها من مقدمات ونظريات.


ويؤكد البيروني على هذه الرسائل في كتابه (( الآثار الباقية )) وفي فهرست مصنفاته حيث يقول (ص47) : (( ومما عمله غيري بتسمى فهو بمنزلة الربائب في الجحور والقلائد في النحور لا أميز بينها وبين الأبناء, فما تولاه باسمى أبو نصر منصور بن على بن عراق مولى أمير المؤمنين ))(20).


ويعتبر أبو نصر هذا من تلاميذ أبو الوفاء البوزجاتي المنجم والرياضي والفلكي المشهور, زكان أبو نصر من العلماء الثلاثة الكبار الذين أشتهروا في علم الفلك والتنجيم في القرون الوسطى ـــ أولهم أبو الوفا البوزجاني الذي أضاف أشياء كثيرة في حساب المثلثات. وثانيهم أبو محمود حامد الخجندي الذي نسبت إليه النظرية الشائعة. وثالثهم أبو نصر الذي أصلح شكل أكرمانا لاوسي(21).


ومن هنا ندرك المستوى العلمي الذي وصل إليه البيروني في الرياضيات والفلك بتتلمذه على هذا الاستاذ الجليل الذي غرس فيه حبهما, وجعله كثير الشغف والاهتمام بالأرصاد والقياسات الفلكية منذ حداثته.


وقد ألتقى البيروني حين غادر وطنه في سن الخامسة والعشرين عقب إحدى الانقلابات, بأستاذه الكبير أبو سهل المسيحي, وهو الطبيب الفلكي المسيحي الذي يعتبر الكثيرون(22), أستاذ ابن سينا في صناعة الطب. وقد تتلمذ بدوره على كتب جالينوس وأفكار اليونان العلمية. وقد صنف ابن سينا كتبا للمسيحي وجعلها بأسمه على حد تعبير ابن أبي أصيبعة اعترافا بفضله. ويبدو أن البيروني قد تأثر إلى حد كبير بهذا العالم الجليل, وخاصة في تلك النواحي الحسية من المنهج العلمي الذي برع فيه البيروني وخاصة جانب الاختبار والتجريب, الذي كان يمارس على نطاق واسع في النواحي الطبية, والتي لا يكفي فيها قراءة الكتب وحدها, بل لابد من الممارسة والتجريب.


ومن أساتذته أيضا عبد الصمد الأول بن عبد الصمد الحكر (( الذى لقى مصرعه على يد السلطان محمود الغزنوى حين دخل خوارزم, إذ اتهمه بالقرمطة والكفر ))(23), وقد تأثر البيروني بهذا العالم وأخذ عنه أعمال الرأى والبعد عن التعصب وطلاقة الفكر ليمزج بينهما وبين نا أخذه عن أبى نصر, فتكون بفطنة العقل ووثبة الذهن وسلامة المنهج.


هؤلاء الثلاثة العلماء الكبار في الرياضيات والطبيعيات والفلك هم أساتذة البيروني المباشرين الذين التقى بهم في شبابه وأخذ عنهم وتأثر بهم وبمنهجهم في التفكير والبحث والاستدلال, وراسلهم في كثير من مسائل العلم ومشاكله, ولكن البيروني تتلمذ أيضا بطريق غير مباشر على كثير من المفكرين والعلماء المسلمين وغير المسلمين, فمن هؤلاء يمكن أن نعد أبا إسحاق الكندي الفيلسوف, الذي ذكره البيروني كثيرا في رسائله, وقد كان الكندي فضلا عن أنه فيلسوف, صاحب منهج رياضي استدلالي محكم يتخلل كل أعماله الرياضية والفلكية, ويسري على كل جوانب فلسفته النظرية والعلمية, وقد تأثر البيروني بهذا المنهج إلى حد كبير.


كما تتلمذ البيروني على كل من علماء عصره الموسوعيين كالمسعودي والطبري والجاحظ في بعض كتاباته واستجهله في بعضها الآخر(24), إلا أنه قد تأثر به إلى حد بعيد وخاصة في تلك الجوانب التجريبية التي تخللت أعمال الجاحظ وكتاباته, وكذلك في طريقته في الكتابة بشكل موسوعي. أما الرازي فقد كان تأثيره في البيروني بالغا, ويتضح هذا من تردد اسمه كثيرا في كتابات البيروني واشادته به, وقد بلغ من حبه له أن صنف رسالة في كتب ومؤلفات الرازي مازالت موجودة بين أيدينا.


أما تلمذته على مفكري اليونان والهنود فنجدها واضحة في كل رسالة أو مؤلف للبيروني حيث يردد أسماء عشرات من العلماء والمفكرين والفلاسفة الهنود واليونان, ويرجع كثيرا من المسائل العلمية اليهم, ويؤرخ لها بأسلوب موضوعي فذ يسترعى الانتباه(25) ومن أهم هؤلاء المفكرين سقراط وأفلاطون وأرسطو, وجالينوس وفيثاغورس وأرشميدس ومينالاوس وآخرين لا يحدهم الحصر.


ومما لاشك فيه أن البيروني قد قابل وتأثر بكثير من المفكرين والعلماء كاليهود والنصارى والهنود والزرادشتين وأخرين من أديان ومذاهب شتى(26).
ولكن أخذه عن هؤلاء العلماء والمفكرين لم يكن أخذ المسلمات, بل كان يقدم أفكارهم أحيانا كما هى ليعبر عن هذه الأفكار بموضوعية وحياد علمي تام وأحيانا أخرى ينقدها ويبين موقفه العلمي منها, وقد أمكنه بذلك أن ينمي له منهجا من التفكير المستقيل المتميز, وهو ما يطالعه كل من يقرأ كتبه ويدرس مؤلفاته.


تقسيم البيروني للعلوم ومبادىء مناهج البحث
يتبع









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس