عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-10, 09:39 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: أسس وأخلاقيات البحث العلمي عند البيروني بقلم د. بركات محمد مراد


مولد البيروني ونشأته




أصله : يرى البعض أصل البيروني عربيا في بغداد, وهذا ما ذكرته دائرة المعارف الإِسلامية(1). ويرى آخرون أنه تركي(2). إلا أكثر الباحثين يذهبون إلى أنه من أصل فارسي(3).


وهذا الخلاف في أصل البيروني لا يجدي فتيلا, خاصة وأنه هو نفسه لا يحبذ الانتماء القومي والتعصب المذهبي بقدر ما يهتم بالانتماء العلمي, ويظهر ذلك جليا من مؤلفاته التي أصطبغت جميعها بالمنهج العلمي البعيد عن كل ألوان الميول والاتجاهات العرفية والمذهبية.
فعلى الرغم من أنه فارسي الأصل ـــ نجد اندفاعه إلى اللغة العربية يجعلها أداة رئيسية في غالبية مؤلفاته, ويرى أن لغته الأم ـــ كما سنرى ـــ عاجزة عن أن تتحقق النهضة العلمية وشروطها. فالبيروني يفضل الانتماء الفكري والعلمي الذي قدمته الحضارة العربية الإِسلامية على الانتماء العرقي أو السلالي.
أما الانتماء المذهبي فلم يظهر له أثر واضح في مؤلفاته, وإن كان يظهر الولاء لأهل بيت الرسول ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ إلا أن هذا الولاء يختفي شيئا فشيئا حتى لا تستطيع أن تعرف له مذهبا دينيا في كتاباته المتأخرة, لا بل يظهر في حياته وسلوكه أن كان يفضل مذهبا على آخر, حتى يروى أنه كان يتختم خاتما برمزين مختلفين من حجر واحد أحدهما يمثل أهل السنة والآخر يمثل أهل الشيعة(4).


مولد ونشأته :


ولد أبو الريحان البيروني في اليوم الثاني من ذى الحجة عام 362 هجرية, الموافق الرابع من سبتمبر سنة 973م, في قرية من ضواحي مدينة (( كاث)) عاصمة دولة خوارزم(5). و ((البيروني)) هى كنية محمد بن أحمد أبو الريحان الخوارزمي, وتنطلق بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء, وبعدها الواو, وفي آخرها النون(6).


وكلمة (( بيرون)) أصلها فارسي ومعناها بالعربية ظاهر أو خارج. وقد ولد البيروني بظاهر مدينة ((خوارزم)) باقليم خوارزم, فياقوت(7) يقول : بيرون بالفارسية معناها برا. وسألت بعض الفضلات عن ذلك فزعم أن مقامه بخوارزم كان قليلا, وأهل خوارزم يسمون الغريب لهذا الاسم, كأنه لما طالت غربته عنهم صار غريبا, وما أظنه يراد به أنه من أهل الرستاق(8). وعن ياقوت تنقل أغلب المراجع هذه النسبية(9).


وليس صحيحا ما يذهب إليه ابن أبى أصيبعة(10) (ت 668 هـ) في نسبته للبيروني إلى بلاد السند, لأنه لم يميز بين ((بيرون)) تسمية خارج مدين خوارزم, و (( النيرون)) مدينة مشهورة على شط نهر مهران أو نهر السند المسماة الآن نيرون كوت أو حيدر آباد السند على ما يذهب إليه كرلونيلنو(11).
ويذهب السمعاني في ((الأنساب)) إلى أنه من المحتمل أن تكون عائلة أبى الريحان من المشتغلين بالتجارة خارج المدينة حيث أن بعض التجار كانوا يعيشون خارج أسوار المدينة للتخلص من مكوس دخول البضائع إلى الداخل.


ولا نستطيع أن نعرف شيئا يذكر عن طفولة البيروني, أو عن نسبه, لأنه لم يترجم عن نشأته وأسرته في صغرة بالاضافة إلا أن أصحاب التراجم والمؤرخين لا يبدأون بترجمة لأحد إلا بعد وفاته. ومعرفتنا بالبيروني تبدأ منذ العقد الثاني من عمره, وفي هذه الفترة يشير إلى التقائه بأحد الروميين حيث قال : (( قد حظيت في غريزتي منذ حداثتى بفرط الحرص على اقتناء المعارف بحسب السن, والحال ويكفي شاهدا على أن روميا حل أرضنا, فكنت أجىء بالحبوب والثمار والنبات, وغيرها وأسأله عن أسمائها بلغته وأحررها))(12).


فهذا النص يجلي لنا بعض الغموض عن حياته, ويبين لنا حرصه منذ حداثته على تسجيل ما يناله من لبمعرفة العلمية, كما يدل أيضا على اهتمامه باللغات ومعرفته لها.


وما يورده ((ياقوت)) من أبيات شعرية للبيروني, ليدلل بها على أنه لم يعرف أصله ونسبه غير صحيح ـــ وللأسف ـــ قد تبعه كثير من الباحثين, لأن هذه الأبيات ـــ ولا مجال هنا لذكرها ـــ تدل على استهزاء البيروني بالألقاب والأنساب, وهو يشير فيها إلى عدم معرفة أى إنسان لنسبه حق المعرفة, فمن يجهل على التحقيق أباه, فهو بجده القريب أجهل, فكيف بجده البعيد ـــ ويبدو أن البيروني بهذه الأشعار كان يقاوم دعوه رائجة هذه الأيام في الانتساب إلى الأشراف والنبلاء ـــ لذلك على الانسان الافتخار بشىء آخر غير نسبه وحسبه, ويؤكد هذا البيت الثالث, الذي يصف فيه البيروني نفسه بأنه أبو لهب وأمه حمالة الحطب, ومعلوم أن هذا غير حقيقي, ومن هنا تظهر السخرية, فالبيروني قد كتب هذه الأبيات ليرد على الشغوفين بالأنساب وقد كانت دعوتهم في هذه الأيام منتشرة وخاصة من كانوا ينسبون أنفسهم إلى بيت النبى ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ ويسمون بالأشراف. وتتضح لنا هذه القضية إذا علمنا أن البيروني لم يترجم لنفسه ولا لحياته, على الرغم من أنه وضع ثبتا لمؤلفاته وأعماله العلمية, دلالة على أهتمامه بالعلم وبالفكر واستغراقه في ثقافة العصر وعلومه, خاصة وأن النمو الاقتصادي بخوارزم في مستهل القرن الحادي عشر قد مهد للعلم, وكان من شأن التجارة مع الشعوب الشمالية ـــ الخزر والتتار والروس لبقدامى وقبائل الأورال, قد أستحدث التقدم العلمي, فأزدهرت المعرفة والدراسة في هذه التربة الخصبة, بتقاليدها التي تشمل ثقافة ألف سنة مضت, وتقرن (( حكمة الهند المجاورة ببصيرة هيلاسي النائية ))(13).


ويبدو من كتابات البيروني وخاصة في مطلع الشباب أنه درس العلوم الطبيعية ورصد النجوم, وسبر أغوار السموات والأرض, وقلاأ الألوف من الكتب, ليتعمق التاريخ ومعانيه, وصنع في شبابه كرة أرضية, أول كرة من نوعها في وسيط آسيا. وكان كذلك شاعرا موهوبا عاش السنوات الأخيرة المحمومة من عهد الدولة السامانية القوية, وشهد نشأه وسقوط دولتين اقطاعيــتين : الكراخانــيين والغزنويين.


وطبعت المنازعات الاجتماعية, والحروب الاقطاعية, والغزوات البربرية, بصماتها في مخطوطاته. ولعل الاضطرابات الاجتماعية العنيفة التي أجتاحت خوارزم أوحت له بموضوع أول أعماله الكبرى, حيث رجع بفكره إلى الزمان الماضي لتفهم الكيفية التي كان المجتمع يتطور بها.
وطبعت المنازعات الاجتماعية, والحروب الاقطاعية, والغزوات البربرية, بصماتها في مخطوطاته. ولعل الاضطرابات الاجتماعية العنيفة التي أجتاحت خوارزم أوحت له بموضوع أول أعماله الكبرى, حيث رجع بفكره إلى الزمان الماضي لتفهم الكيفية التي كان المجتمع يتطور بها.


فقد أنجز البيروني كتابه ((الآثار الباقية))في سن السابعة والعشرين, قبيل مولد القرن الحادي عشر مباشرة. وشرح ذلك قائلا ما مؤداه : ((كان قصدي من هذا الكتاب أن أحدد بأقصى ما يمكن من دقة المدى الزماني لمختلف الحقب )) ويشرح فيه مختلف التقاويم ويمزج فيه الأحداث الساسية بتاريخ الثقافة والعادات والأخلاقيات ويقول العالم ((جافوروف)) : (( إنه لا يجوز اعتبار كتاب « الآثار الباقية » عملا تاريخيا بحتا, ولكنه دراسة تاريخية من ناحية واتنوجرافية من ناحية أخرى لم تزل محتفظة إلى يومنا هذا بأهميتها ومعناها ))(14).


ويبدو أن البيروني رحل عن موطنه وهو في العشرين من عمره, حيث تفتحت عقليته على علوم كثيرة وتفتحت على مختلف فروع الثقافة, وعندما سمت مكانته العلمية وارتفعت منزلته الأدبية, بدأت تتنافس عليه العروش والقصور, فتلقفه أولا بنو سامان أصحاب العلم والحكمة, فذاع صيته بنزوله عندهم, وقدرت مكانته العلمية والأدبية وتوثقت صلته بهم, وأبتدأت معرفته للشيخ الرئيسي ابن سينا, حيث انتظما معا في المناظرة ومجالس العلم, وتبادل الآراء في مختلف مشاكل الفكر والحكمة, وقد علت مكانتهما عند الأمير نوح بن منصور الساماني الذي ازدانت مكتبته بنفائس وذخائر مؤلفاتهما.
وساعد عقل البيروني الموسوعي على بروز نجمه في هذه الأوساط الثقافية, فقد كان في آن واحد وعلى مستوى التحصيل والتأليف والابتكار والابداع فيلسوفا ورياضيا وفلكيا وجغرافيا ومؤرخا ولغويا وشاعرا ورحالة, وكتب كذلك في الطب والصيدلة والطبيعيات والتقاويم وعلم الأجناس وتاريخ الأديان والمعتقدات والمذاهب وفي علوم المنطق والتنجيم, ومن هنا كان اسهامه في مضمار المعرفة الانسانية فريد في بابه وعلى الرغم من القلاقل السياسية التي أعترضت نشاطه, فإن انتاجه العلمي كان شيئا مذهلا.


كان يتمتع بروح علمية حقة, تتميز بتفهم وتقدير لسائر الثقافات المبرزة في عصرة ولذلك يقول ياقوت : (( وكان مع الفسحة في التعبير وجلالة الحال في عامة الأمور مكبا على تحصيل العلوم منصبا إلى تصنيف الكتب يفتح أبوابها ويحيط بشواكلها وأقرابها, ولا يكاد يفارق يده القلم, وعينه النظر, وقلبه الفكر إلا في يومى النيروز, والمهرجان من السنة لاعداد ما تمس إليه الحاجة في المعاش من بلغة الطعام وعقله الرياش, ثم هجيراه في سائر الأيام من السنة علم يسفر عنه وجهه قناع الأشكال ويحسر عن ذراعيه كمام الأغلاق ))(15).
وفي عام 388هـ. تألق نجم الأمير الأديب الحكيم قابوس بن وشمكير الملقب بشمس المعالي, حيث أخذ ينافس آل سامان, على جذب هذين النجمين من سلمان ـــ ببخاري بما يشعان فيه من نور الحكمة والعلم والمعرفة.
وأخذ هذا الأمير يراود أبا الريحان على الانتقال إليه, لكنه أبى وفاء لآل سامان, الذين كان ملكهم حينئذ يضطرب تحت الفتن والقلاقل الداخلية والحروب الخارجية مع ملوك كاشر في الشرق وملوك غزنة في الغرب. وعندما سقط ملك السامنيين خرج البيروني مستصحبا معه الشيخ الرئيسي حيث طابت نفسهما للاقامة في بلاط أمير جرجان شمس المعالي قابوس بن وشمكير, الذي أبتهج بنزولهما عنده, حيث كان بلاطه يحفل بجهابذة العلم وأساطين الحكمة وعمالقة الأدب.(16).


أساتذة البيروني
يتبع







التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس