الموضوع: الرجوع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-04-25, 23:05 رقم المشاركة : 1
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي الرجوع


عدت إلى البلدة بعد ثمان سنوات من الغربة، قضيتها في أماكن مختلفة. لم تتغير البلدة كثيرا، بل لفت انتباهي أن بعض الأشياء لم تتغير قط.

لفت انتباهي شيء آخر أحسه إنما لا أستطيع تحديده، لكن قطعا هناك شيء ما غير طبيعي. فبعد تجولي قليلا في الطرقات التي أعتدت، تعرفت على ذلك الشيء غير الطبيعي.. لم أر طفلا صغيرا منذ وصلت، كل الناس كبار، رجال ونساء.. هناك شيء آخر غير مفهوم: الناس يسيرون فرادى ولا يتكلمون إلى بعضهم. ما زاد من استغرابي أنهم لا ينظرون إلي حتى لما أمر بجانبهم وأكاد ألمسهم بكتفي، وكأنني شبح أو كأنهم لم يتعرفوا علي رغم أني تعرفت على وجوه الكثير منهم.

كيف لي أن أسأل أحدا من الناس هنا وهم لا يكادون يشعرون بوجودي بينهم؟ هل سيسمعون صوتي وأعينهم لا تراني؟ لم يوقظني من تفكيري الحائر هذا سوى صوت لا يغيب عني.. إنه صوت رجل طاعن في السن، كنت أعرفه جيدا قبل أن أرحل، وكنت أجالسه.. عرف لتوه أنني أريد جوابا لما في خاطري من أسئلة، لكن انتظر حتى أسأل عن الأطفال الغائبين، وعن الناس الذي لا يكلمون بعضهم وهم في حالة ركود قاتل.

"بعد أربع سنوات من رحيلك" حكى لي الرجل "ضرب الأطفال مرض غير معروف وقتلهم جميعا دون أن يتحرك الناس لعمل شيء، وقد حاولت أنا أن أنقذ بعض الصغار بنقلهم إلى بيتي لكن لقلة ذات اليد لم أستطع فعل الكثير، وقد تألمت كثيرا من أجلهم.. ألوم كثيرا كل أولئك الذين كان في وسعهم فعل شيء ولو يفعلوا.. كان الأمر مأساة. وبعد تسعة أشهر على موت الأطفال المساكين، ضرب الكبار مرض أكثر غرابة.. لم يفهم أحد ما الذي كان يحدث، لكن ما حصل هو إن الكبار ماتوا كلهم، ولما لم يكن هناك من يقوم بدفنهم، بقوا واقفين على أقدامهم ويبدون وكأنهم أحياء، لكن حواسهم معطلة، لا يدرون ما يحدث حولهم، ولا يمكن أن يقوم أحد بشيء من أجلهم، ولا تؤثر فيهم السنوات، ولا يمكنهم مغادرة البلدة ومنذ ذلك وهم على هذا الحال طول الوقت.. وحتما أنت لا تعرف أن الذين أحدثك عنهم هم من قابلت بعد عودتك.. الناس الذين ترى الآن موتى.

بقلم: روبن هود





    رد مع اقتباس