عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-04-25, 18:58 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

important وقفة مع فقه الأسباب والإمكانات



فقه الأسباب
د.عبد الكريم بكار


نحن نحيا في هذه الحياة في عالم الأسباب والمسبَّبات، وعالم المقدّمات والنتائج، ونحن مطالبون بقوة في التفريق بين ما هو سبب أو جذر، وما هو نتيجة أو ساق وغصن، ولا شك في أن رحلة البحث في عالم الأسباب رحلة ممتعة للغاية، وأنا شخصياً لا أريد أن أصل في هذه الرحلة إلى آخر الطريق، إنما أودّ أن أظل في حالة اكتشاف مستمر؛ لأن الظن بأننا قد اكتشفنا كل شيء هو ظن في غير محله من جهة، وهو مقدمة للجمود والتقهقر من جهة أخرى.


إصلاح أوضاعنا وأحوالنا يتطلب منا على نحو ملح أن نكون فعّالين جداً في تنظيرنا وطروحاتنا؛ لأنه لم يبق لدينا مزيد من الوقت لإضاعته في الحديث عما هو معلوم، أو عما لا أهمية له.


إن الدخول إلى عالم الأسباب هو دخول إلى عالم السنن وعالم الطبائع التي فطر الله –عز وجل- الأشياء عليها، وهو عالم مملوء بالأسرار على أنه العالم الذي تخرج منه الأسرار، لتعود إليه من جديد!

إن كل من يحمل مشروعاً إصلاحياً يودّ لو ينجح مشروعه في أقل مدة زمنية ممكنة، لكن تعقيدات الواقع والقوى المعاكسة فيه تحول دون ذلك، ولعل من أكثر أخطائنا تكراراً أننا قد تعوّدنا النظر إلى الظواهر الاجتماعية المختلفة على أنها أشبه بالجزر المعزولة عن بعضها، مع أن الإنسان بروحه وعقله وجسده يشكل الأرضية التي تلتقي عليها كل الظواهر، ولِمَ لا، وهو الذي يساهم في صنعها، وهو الذي يطورها ويكتوي أيضاً بنارها؟!


فنحن كثيراً ما نعقد الحماسة للبحث عن الأسباب؛ لأن البحث فيها مجهد ومضنٍ، ونتائجه ليست مضمونة، أو لأننا لا نعترف بأهمية ذلك البحث وجدواه. وأعتقد أنه قد آن الأوان لمغادرة هذه الوضعية، والبدء في الحفر في الطبقات العميقة لحياتنا الاجتماعية بكل أبعادها.


يقول أحد المفكرين: إن ضربة واحدة على الجذور خير من ألف ضربة على الأغصان، وهذا صحيح؛ لأنّنا حين نوهن الجذر، ونقلعه، فإنّنا نضمن موت ألوف الأغصان، ونضمن ألاّ تورق الشجرة من جديد، وهكذا فإن معالجة قضايانا ومشكلاتنا تحتاج إلى الضرب على الجذور، حتى نضمن الخلاص منها، لكن أين هي الجذور؟


في عالم الظواهر الحضارية والاجتماعية قد يكون الشيء سبباً في طور أو وضعية معينة، ويكون نتيجة في وضعية أخرى، وعلى سبيل المثال فإن الفقير كثيراً ما يمرض بسبب الظروف التي يعيش فيها؛ حيث تكون قدرته على العلاج الوقائي معدومة، بل إنه يعاني من سوء التغذية، وقدرته على العيش في بيئة صحية تكون محدودة..
وفي هذه الحال فإن المرض يعد نتيجة لعدد من الأسباب، فإذا مرض الفقير فإن ما لديه من مال قليل ينفعه على معالجة نفسه مما ألمّ به، وقد يستدين ليقوم بذلك، وهكذا يصبح (المرض) في هذه الحالة سبباً في زيادة الفقر بعد أن كان الفقر سبباً في الإصابة بالمرض، لكن هذا النوع من التعقيد، وإن كان يدفعنا في اتجاه الانتباه والتدقيق، لكن لا ينبغي أن يمنعنا من تحسين بصيرتنا في هذا الأمر.

لا يخفى أن هذا التواصل العالمي عبر الإعلام ووسائل الاتصالات المختلفة قد أشعل جذوة الأسئلة المحيرة الشديدة في أمر العرب والمسلمين: لماذا نحن متناحرون؟ ولماذا نحن متخلّفون؟ ولماذا نحن مستهدفون؟ ولماذا ولماذا....؟


هذه الأسئلة قديمة، وقد خصص عبد الرحمن الكواكبي (أم القرى) من أجل توفير إجابات عليها في مؤتمره (الوهمي المتخيَّل) الذي جمع فيه وفوداً من أقطار العالم الإسلامي المختلفة من أهل البحث في شيئين جوهريين:

الأول: هو مجموعة الأدواء التي يعاني منها المسلمون.
والثاني: كيفية معالجة تلك الأدواء، والأدوية التي يجب استخدامها في العلاج،

وقد أدلى كل وفد بدلوه، والمؤسف أن ما قيل في ذلك المؤتمر قبل أكثر من قرن من اليوم، ما زال يُعاد ويُكرّر كثير منه إلى هذه الساعة، والسبب هو أننا لا نحاول التعمق في بحث أسباب الوجع الذي نشعر به.

إن الله –سبحانه- وتعالى قد متَّع الإنسان بالإرادة الحرة، وأتاح له إمكانية النظر إلى كل مفردات الوجود بصورة مستقلة، لكن الواقع يشهد أن الإنسان سيظل أسيراً –في أمور كثيرة- للبيئة التي يعيش فيها، وأسيراً لرغباته وشهواته، وأسيراً لحاجاته التي لا تعرف التوقف عند أي حدّ، ومن هنا فإن مساعدته على التخلص من مشكلاته يتطلب شيئاً أكثر من وعظه واطّلاعه على ما يجري.

إنه يتطلب في الحقيقة نوعاً من الفهم الجيد للأسباب والظروف والمعطيات التي تجعل انغماس الإنسان في المشكلات أمراً سهلاً، أو لا بد منه، وحين نعرف ما أشرنا إليه، فإننا نستطيع أن نقول: إننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق.

لعلي في المقالات القادمة أضرب العديد من الأمثلة التي نحاول فيها وضع اليد على بعض ما أظنه أسباباً كبرى في حدوث ظواهر ومشكلات يعاني منها كثير من المسلمين.
والله الهادي إلى سواء السبيل.


يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

آخر تعديل صانعة النهضة يوم 2016-04-25 في 19:32.
    رد مع اقتباس