ونجد تطبيق ذلك واضح من خلال
قول النبي صلى الله عليه وسلم:
( مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا .
قَالَ اللَّيْثُ كَانَا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بِهَذَا وَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ )
وهذا من إساءة الظن بهؤلاء المنافقين، والذين لا يجوز عليهم إلاَّ سوء الظن،
ونجد الإمام ابن هبيرة الوزير الحنبلي يقول:
لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال.
وحينما خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظن الصحابة فيه
ولو شيئاً يسيراً أو يستغربوا مشيه في جنح الظلام مع امرأة بيَّن رسول الله
ما كان يفعله، لكي لا يقع الشيطان في قلوب أصحابه، ففي الصحيحين
أن صفية أتت النبي تزوره وهو معتكف، وأن رجلين من الأنصار رأياهما
(على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال: شراً )
فجدير بمن قرأ هذه الدراسة أن يتحرَّز في الظنون وإلقاء التهم
على الآخرين، ويتريَّث قدر الإمكان في ذلك، ومع أنَّنا فصَّلنا المقام
في هذه الدراسة وذكرنا الظن الذي لا يجوز والظن الذي يجوز،
إلاَّ أنَّ الاستعجال في الظن السيئ مشكلة تحتاج لوقفة تقوى وورع،
ولنا في حديث أسامة بن زيد الذي أخرجه الإمام مسلم عظة وعبرة،
( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة،
فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم.
فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته !
قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله
قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا
قال: فقال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله
قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم )
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أنَّ أسامة بن زيد طلب
من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يستغفر له فقال له رسول الله:
( فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة
قال يا رسول الله استغفر لي قال وكيف تصنع بلا إله إلا الله
قال فجعل لا يزيده على أن يقول
كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة! ).
فهنا نجد تأنيب رسول الله لأسامة بن زيد في قتله لذلك المشرك،
مع أنَّه كما في روايات أخرى أنَّه قام وقتل صحابي من صحابة رسول الله،
وحينما رآه أسامة بن زيد لاذ والتجأ بشجرة، فأراد أسامة أن يهوي بسيفه
على رأسه، فقال ذلك المشرك: لا إله إلاَّ الله، مع الأخذ بعين الاعتبار
أن موقف ذلك المشرك يوحي بأنَّه لم يقل الشهادتين إلاَّ خوفاً من السيف،
ومع هذا كان عتاب رسول الله لأسامة حتَّى أنَّ أسامة تمنَّى أنَّه لم يكن أسلم
إلاَّ ذلك الوقت ليمحو عنه ما تقدَّم!
فلقد أتت هذه الدراسة في زمن بات لا يعرف كثير من الناس فيه
قضية حسن الظن بالآخرين وبمن يجب أن يُحسن الظن بهم،
وكذلك في قلَّة من يعتذر لأخيه حينما يظن به ظن السوء بدعوى الخجل
المذموم، وفي زمن قلَّة من يقبل العذر ممَّن اعتذر،
وفي وقت لم يعد يفرِّق فيه بعض الناس بين الظن الحسن والقبيح،
فلو كان هنالك ظن سيئ يليق بشخص ما لانبرى
أحد الناس قائلاً : أحسنوا الظن بالرجل،
مع أنَّ ذلك الرجل لا يتورع عن الحرام، بل يجاهر في القبائح.
وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفِّقتُ في تبيين الفيصل بين هذه القضايا كلِّها،
وأن يجعلنا ممن يقولون الحق ويعملون به، وأن يوفقنا للهدى ودين الحق،
منقول من رسائل بيت عطاء الخير