عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-03-23, 10:24 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

c1 المجتمع المسلم بين الظنون والتماس المعاذير


المجتمع المسلم بين الظنون والتماس المعاذير








الحمد لله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وصحبه

ومن اهتدى بهداه واقتفى أثره إلى يوم أن نلقاه أمَّا بعد:
ذكر أبو نعيم الأصبهاني موقفاً جميلاً بين الإمام الشافعي

وتلميذه الربيع بن سليمان، أنَّ الربيع قال:



[ مرض الشافعي فدخلت عليه. فقلت: يا أبا عبدالله ! قوى الله ضعفك ،

فقال: يا أبا محمد لو قوَّى الله ضعفي على قوتي أهلكني!
قلت: يا أبا عبدالله ما أردت إلا الخير .
فقال: لو دعوت الله علي لعلمت أنك لم ترد إلا الخير! ]

لله درُّ هذا الإمام الذي كان في شدَّة ألمه، ويتحدَّث مع أحد طلبته،

ويرشده ويعذره، بل يبين أنَّه إن سمع منه كلمة فيها سوء لم يزده ذلك

إلاَّ أن يظنَّ به الخير.

ونحن في حياتنا التي نعيشها، فإنَّنا نتقلَّب بين مسراتها وأحزانها، وأفراحها وأتراحها،

بين المشجعات والمحفزات في العمل،

وبين المثبطات والمحبطات في متغيرات الأوقات،

أمور يدور بعضها في بعض ممَّا يستدعي أن تكون النفس المسلمة

أقرب إلى التوازن في نظرتها للأحداث كما يليق!
ويتعلم المرء من معاركته للحياة، وتجارب السنين والأيام،

حاجة المجتمع المسلم لتكون لديه القدرة والفاعلية للموازنة

بين حسن الظن والتماس المعاذير وكذلك إساءة الظن

لمن يستحقون ذلك!



نحن في حياة تمور بنا مورا، ونفوس بعضها مشرب بحب الخير،

وقلوب ترتع بالبر والطاعة والقربى، وأناس مشغولون منهكون

بأعمالهم اليومية وحياتهم المعيشية، وآخرون تجتاحهم المصائب

وتنوبهم النوائب، وتعترضهم الجوائح وقد نلقي عليهم التهم

لتقصيرهم في حقنا

فإذا ما علمنا أنَّه قد صار لهم (كيت وكيت) من الأذى

ومصائب الدهر رجعنا على أنفسنا باللوم وجلد الذات

وقلنا: ليتنا لم نعاتب فلقد كان أولئك القوم في عذر شغلهم عنَّا!

وآخرون ـ ويا ويلهم ـ يكيدون لنا كيدا، ويشعلون اللهب في السعفة

التي في بيتنا ويحاولون الإضرار والضرار، لسوء تربية

ودنو همة وضعف وازع ديني يردعهم عمَّا يحرِّمه الله

أو يستقبحه البشر.

المسلم ـ أحيانا ـ يحتار ويقول: كيف لي أن أتعامل بين طبقات المجتمع،

إذ إنَّ الغالب من الناس في زماننا ـ إلا ما رحم ربي وقليل

ما هم ـ يسيئون الظن بأهلهم وأقاربهم وجيرانهم ومعارفهم وأصحابهم!

وليس ما أدعيه رجماً بالغيب، وأعترف بأني لم أقم بقياس للرأي العام

في ذلك عبر الاستطلاعات والاحصائيات التي تدل على ما أزعمه،

ولكني أجزم أنَّها ملاحظة يتفق معي فيها الكثير من الناس.
إنَّ مشكلة إساءة الظن بين مجتمعاتنا ينتج عنها كثير من القبائح

والذنوب والمصائب والعيوب مع الهم والغم الملازم لصاحبها،

فالكثير يقع في الغيبة والنميمة والبهتان والكذب وقول الزور

بل شهادة الزور!

وقلَّ أن نلاحظ في مجتمعاتنا أناساً يميلون إلى مدارسة القضية،

ومذاكرة الأسباب التي قد تردعهم عن إساءة الظن ،

ولهذا تنمو بيننا الأمراض والعيوب وتعشعش على قلوبنا

هذه المنغصات، حتى قد يصل بنا الحال بعد ذلك إلى الهجران

وانعدام السلام ، وتنمو هذه الأمراض أكثر فأكثر حتى تصل إلى

مبادلة الاتهمات وإطلاق السباب، وتؤثر علينا بأمراض

مزمنة نفسية ونحن لا نشعر بذلك إلاَّ بعد فوات الأوان!

أدرك أنَّ هنالك أناساً يميلون لفعل السوء والسيئ والخطأ والخطيئة،

وأوقن أنَّ هنالك ثرثارين همَّازين مشاءين بالنميمة والقيل والقال،

وأنَّ هنالك أصنافاً من البشر من لا يطاق بمجالسته،

أو التحدث إليه، وأنَّ تغليب جانب إساءة الظن فيهم

على ما هم فيه من سوء وقبح خلق، ينبغي أن يكون المؤشر الأول

قبل إحسان الظن أو التماس المعاذير، ولكن أليس هنالك أناس

كثر قد نظلمهم بإساءة الظن بهم، ولا نعتذر لهم

أو نعطيهم أدنى درجة من درجات التعاطف والمعذرة!

• التمس لأخيك سبعين عذرا:

أخرج أبو داود في سننه عن عبدالله بن عمر قال:

[ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم نعفو

عن الخادم؟ فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كان في الثالثة

قال:

(اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة)

والحديث حسَّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح3/341)،

وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود5164).
وجاء قريبا من معنى الحديث :( التمس لأخيك سبعين عذرا )

حيث تقال على ألسنة الكثير من الناس ـ مع قلَّة من يعمل بها ! ـ

إلاَّ أن هذا القول ليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

بل هي مقولة لجعفر بن محمد حيث قال:



[إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذراً واحداَ إلى سبعين عذرا، فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرا لا أعرفه ].


هذا الأثر الجميل ما أحلاه! وما أبهاه قيمة ومعنى!

وما أحسن صياغته وصبه في قالب النفسية والسيكولوجية

التي يعيش بها المرء المسلم! لكي يلقي العذر للآخرين

ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا أو أن ينقص من درجاته وحسناته وهو لا يشعر!

إذ إنَّ غالبية من يسيئون الظن يرغبون بالفضفضة الكلامية

فيذهب أحدهم إلى من يثق به، وقد يستحلفه بالله ألاَّ يذكر

ظنونه بأخيه لأحد؛ لكي يفضفض عن مكنونات نفسه

وما يلم بها من ظنون بالآخرين فيقول القيل والقال ويذكر

من يتحدث عنه بشيء من السوء والظنون التي لا مجال لها من الصحة،

ثمَّ يشعر بعدها بالارتياح ! ـ كما يقال ـ والنتيجة لا شيء

سوى أنَّه ظنَّ بأخيه ظنوناً في الأعم الأغلب تكون كاذبة وليست صادقة.
وممكن جدا أن يكون الرجل الذي أسرَّ إليه ذلك الظان

الظن السيئ ليس ثقة، فيقوم بنقل هذا الظن لآخرين ـ

وقد يكون عن غير قصد ـ حتى يصل هذا الظن لمن كان هو

المقصود بذلك الظن السيئ، فتقع بينهما الخصومات والمشاحنات،

بل تقع بين الظان وبين من قد أسرَّ له ذلك السر تلك الشجارات

الكلامية والمهاترات اللفظية، فكيف يكشف سره للناس

وينشره ويذيعه بينهم؟! وكأني بذلك الشخص الذي أسرَّ له

صاحبه ذلك الظن يقول له :



أنا أحبك حاول أن تساعدني *** فإنَّ من بدأ المأساة ينهيها
وإنَّ من فتح الأبواب يغلقها *** وإنَّ من أشعل النيران يطفيها



ولكنَّ القطار سار ومن الصعب إيقافه ، وترجع الخيبة لمن ظنَّ سوءاً

ويبوء بالخسران الديني والدنيوي ويشعر أنَّه قد وقع في الحفرة

ولات حين مناص!
وحينها يشعر ظان السوء أنَّ به مشكلة في نفسه وعيباً فيها ؛

من قبيل سوء تقدير أو حساسية مفرطة،

فخالف ما قاله حمدون القصَّار

[ إذا زلَّ أخُ من إخوانكم فاطلبوا له سبعين عذرا، فإن لم تقبله

قلوبكم فاعلموا أنَّ المعيب أنفسكم؛ حيث ظهر لمسلم سبعين عذرا فلم تقبله ]
فالتماس العذر ديدن المسلم، وهكذا أوصانا علماء الإسلام الربَّانيون ،

حيث يقول محمد بن سيرين:



[ إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه ]

وقال أبو قلابة:



[ إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرا لا أعلمه! ]

ويمكن أن يُقال كذلك: لا يجوز إساءة الظن بالمسلم العدلِ فحسب!

بل لا يجوز إفشاء سوء الظن أيضا لأمور:



الأول: ضرورة إحسان الظن بالمسلمين وحب الخير لهم.
والثاني: تجنُّب الوقوع في حب إشاعة قول السوء في الذين آمنوا.

والثالث: أنه لا ينبغي أصلا أن يخبر مسلم بشيء من سوء الظن في آخر،

حتى لا تتقطع أواصر المحبة بين المسلمين، وتنتشر فيهم الأراجيف،

ويحذر بعضهم بعضها بعضا؛ بسبب سوء الظن.

• وفي الخلاف الفقهي نظنُّ الظن الحسن ونتعاذر:


هنالك مشكلة يقع فيها بعض المنتسبين للعلم والفقه،

وهي: أنَّ بعضهم يكون سيفاً مسلطاً على إخوانه أو رقيبا عتيدا عليهم،

فإذا ما رأى الفقيه أو طالب العلم الباحث عن الحقيقة مسألة معينة

وكان رأيه فيها قد خالف الرأي السابق الذي كان يتبناه، فسنجد بعض

الناس يقومون بالوصاية الفكرية مع احتمال الظنون المفرطة السيئة

بأنَّ هذا الشيخ أو الباحث انتكس أو تراجع أو أنَّه من أهل الأهواء،

ولا يحملون شيئا من الظنون الخيِّرة في ذلك الشيخ أو الباحث

والذي لا يعلم عنه إلاَّ أنَّه متجرد للحق، ومحالف للصدق، ولا يظهر منه

إلاَّ تعظيم نصوص الوحيين وكلام العلماء الربَّانيين، فقد تجد التهم ضدَّه

تلقى جزافاً دون بيِّنة أو برهان أو إنصاف، مع أنَّه لو حصل لأحد هؤلاء

شيء ممَّا حصل لذلك الشيخ أو الباحث من المراجعات الفقهية أو الفكرية

لأحب أن يعذره الناس، ويبينوا وجه الصواب من قوله أو تفهمه على

الأقل إذ إنَّ ما خالف فيه خلاف سائغ في مجال الفقه أو الفكر أو الدعوة.

ولا يفهم المراد من هنا أنَّ هذه دعوة للتراجعات والتقلبات الفكرية

وقد صارت موضة في هذا الزمان، فالمقصود ليس ذلك،

وإنَّما المراد أنَّ يغلَّب جانب الظن الحسن فيمن راجعوا بعض آرائهم

وخالفوها عمَّا كانوا يقولون بها سابقا، وذلك تحت منظار البحث

ومجهر البينة والدليل.

لقد أخذني العجب من نظرات بعض طلاب العلم القادحين بأهل العلم
الربَّانيين في بعض رأيهم ورجوعهم من قول لقول آخر بناء على دليل وبراهين، ثمَّ قد يقوم بعض طلبة العلم بإتهام ذلك الرجل المتمكِّن علمياً بأنَّه لا يفقه وليست لديه أدوات الاجتهاد،

ولو أنَّ هؤلاء الطلاب غلَّبوا جانب الظن الحسن

لقالوا : إنَّ العلماء بشر يصيبون ويخطئون،

وإنَّ العلماء لا زالوا يتعلمون ما داموا أحياء، وإنَّ المرء قد يرى رأيا في مسألة بناء على دليل وتعليل، ثمَّ يخالفها بعد برهة من الزمن لأنَّه رأى دليلاً أقوى منها، بناء على وجود الأدلة والقرائن التي تحف هذه المسألة.

ألسنا بحاجة إلى التعاذر بيننا كطلاب علم،وأن نحمل الأفعال والظنون على محمل حسن؟!

لا أشك في ضرورة ذلك، إذ إنَّ من سيما طلاب العلم؛ حصافة العقول،

ولقد قال عمر بن عبد العزيز مرة :

[ أعقل الناس أعذرهم لهم!]

وإنَّ من أشد الأمور على القلوب أن يستعجل المرء في وصمه للآخرين

بتهم انبعثت عن ظنون سيئة ليس لها رصيد من الفهم أو دليل أو واقع،

ولكنَّ عجلة عجَّت بالقلب فنطق بها اللسان، مع أنَّه يعلم خطورة

الظنون السيئة لمن علم عنهم الخير والصواب والهدى، ويعلم أنَّ الأصل

التماس المعاذير، والتأني في الحديث عنهم ومعرفة السبب الذي جعلهم

يقومون بهذا الفعل أو يقولون بهذا القول لتكون النفس على طمأنينة

وراحة بال، دون الدخول في النيات والحكم على الناس،



ومما أثر عن الإمام الشافعي، وقيل: لدعبل الخزاعي قوله:



تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحبا*** لعل له عذرا وأنت تلوم

• من اعتذر لك فاقبل عذره:


يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس