عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-11-07, 12:51 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: قراءة في كتاب “قيمة القيم” لـ”المهدي المنجرة”


إن العلم لا يخضع حسب المؤلف بدوره إلى توزيع منسجم ومتساو, ومردودية استعمال المعارف غير معقولة لأنها لا تخدم إلا فئة قليلة من البشر سواء في الدول المتقدمة أو النامية, علاوة على هذا فإنه ما لم يكن للعلم مقصد وجيه وظاهر فإنه يصبح مجرد “رحى” تدور في الفراغ وطاقتها تهدر في الهواء دون إنتاج, ثم يشير على أنه ليس مع أولئك الذين يؤمنون بالعلم من أجل العلم, هنا يجعل مدخلا للفن في مسألة الإيمان هذه مشيرا إلى أن العلم من أجل العلم بدون فن يتعارض مع أسمى أهداف العلم.

بعد ذلك يخضع المؤلف العلاقة بين القيم والتجديد والتطوير التقني إلى التساؤل حول ما إذا كانت المبتكرات التقنية تتناقض وسلم القيم من حيث الأهداف فيشير بوضوح جلي إلى نقطة تعارض بين الابتكار والقيم من حيث مهمة كل واحد فيهما, على اعتبار أن الأول يعني التغيير في حين تنحصر مهمة القيم في التركيز والمحافظة على أنماط الحياة وأنواع السلوك, كما هو ملاحظ في طرق التربية الحديثة السائدة في العالم المانعة لكل إبداع والحاجزة لانطلاق الخيال الخلاق.

وكما يبدو ذلك بوضوح بالغ في الحيز المكاني الذي استأثرت به التقنية لنفسها باستقلال عن العلم مما يبعدها شيئا فشيئا عن القيم الإنسانية, في هذا الصدد يقول المؤلف “..من ذلك ما يؤكده بعض الأخصائيين في مجالات اللآلية والذكاء الاصطناعي والتقنية الإحيائية, من أن تقنياتهم قادرة على توليد تقنيات أخرى دون المرور بالعلم”, بعد ذلك يمضي المؤلف إلى مفهوم “الزمن” باعتباره “خميرة القيم الإنسانية” فيستحضر في هذا توافقه مع “جون لادريير Jean LADRIERE”




في فكرة: أن الخلل في المنظومات الثقافية ما هو إلا نتاج للاضطراب في مفهوم الزمن لدى المجتمعات. بعد ذلك يردف المؤلف بتوصيف الدول بـ”الفقيرة” تلك التي لا تعيش بدون فن وليست تلك التي لا تملك موارد طبيعية على اعتبار أن الفن من الناحية الجمالية يكمن في مكونات الذهن وكل شخص – حسب المؤلف – يعيش حياة يجهل فيها الجمال أو ينكره فهو شخص حي- ميت.


غير بعيد عن ارتباط العلم بالثقافة والفن وأيضا بالسلطة, يعرب المؤلف أمله في محاربة “جهل الفن” عند المسئولين على اعتبار تواجد الفكر في العلاقة مع أمور الفن ليست بقضية تربوية فحسب بل وتتعداها إلى كونها إشكالية ترتبط بمسلسل تقدم المجتمع وهنا يضرب مثلا للدول المتقدمة في انتقائها لمسئوليها إذ تأخذ بعين الاعتبار العديد من المعايير والشروط الضرورية لولوجهم إلى السلطة من بينها ثقافة المرشح على العكس تماما لما يحدث في الدول “المتخلفة” أو “دول العالم الثالث” إذ يأسف فيها على قيادة “الجهل” أصحابه إلى السلطة ويقصد هنا جهل الفن والجهل الثقافي بالرغم من توفر معايير أخرى للكفاءة, تبقى غير كافية في غياب الحس الفني لارتباطه العميق بمسألة الهوية, وهنا يمكننا استحضار فكرة الدكتور عبد الوهاب المسيري حول مفهوم “الجمال” باعتباره مكون أساسي ضروري في الوجود الإنساني.




ثم الجزء الأخير من الكتاب والمعنون بـ”قيم وذاكرة”, هو جزء خصصه المؤلف بدرجة كبيرة إلى لفت أنظار ذاكرة القارئ إلى تقدير بعض أعلام المغرب الذين أثروا بإنتاجهم في مجالات مختلفة في قيم وثقافة المجتمع المغربي بل وفي التواجد والبناء الإنساني داخله.




وفي الختام, يمكن أن نخلص إلى أن التغيير بالقيم ظل على مر الأزمان وأصبح وسيبقى الطريق الأقصر والأضمن نحو “مشروع مجتمع” إنساني راق يطمح له كل من يعتقد بأحقية هذه الوسيلة فينتمي إليه انتماءً جوهريا حضاريا ثقافيا فكريا فعليا حتى يحققه أو بوادره داخل منظومة ذاته ثم يترجم ذلك عبر سلوكياته في محيطه, أما عن مستقبل الصراعات بين الدول والمجتمعات فيما بينها, وهي من أهم أطروحات الكتاب, فالمؤلف يربطها بمدى احترام منظومة القيم في كل مجتمع على حدة وكيفية التعاطي معها بل وكيف توظف لتفادي الانهيار الثقافي المتسارع بتواصل, خصوصا في دول العالم الثالث على اعتبار أنه إذا فقدت الثقافة والمبادئ القيمية فلا قائمة مع أي تقدم اقتصادي وسبق على أي مستوى. بل إن انهيار منظومة القيم في المجتمعات وإتلاف معنى الثقافة وحس الجمالية في أوساط المجتمع لا يمكنه إلا أن يقود إلى تراجع التنمية على أشكالها باعتبار الثقافة هي منطلق التنمية بل مفتاحها.




صحيح أن قراءة الكتاب وربط أوله بوسطه ثم بآخره قد يكون أمرا ليس من السهولة بمكان, لكنه يبقى كتاب فريد من نوعه وحتى في محتواه, كون من يغوص فيه متصفحا إياه لا يملك إلا أن يمضي مع المؤلف في طرحه بل وقد يفتح في ذهنه آفاقا جديدة للتساؤل والبحث, وهذا من أهم أدوار الكتب الراقية الهادفة التي بمجرد الإنتهاء من تصفحها تشعرك كأنك ودعت رفيقا.









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس