عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-12, 08:42 رقم المشاركة : 15
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: ملف عن التربية الجنسية وفق رؤية إسلامية


الجنس في الإسلام من خلال مفردات القرآن



سعيد مولاي التاج



يعتبر الجنس أحد الطابوهات المحاطة بخطوط حمراء في المجتمعات العربية، إذ يتم التعامل معه بحساسية مفرطة، غير أن المفارقة الغريبة أن موضوع الجنس كان موضوعا مطروقا متحدثا بشأنه، وفي أحيان غالبة، بكثير من التفصيل في المجتمع الإسلامي الأول على عهد الصحابة رضى الله عنهم والتابعين، لأن القاعدة المستحكمة كانت هي "لا حياء في الدين" ولا حياء في طلب العلم.


ولئن كان من الصعب علينا الإجابة عن سر هذا التحول في نظرة المجتمعات العربية الإسلامية إلى الجنس ـإذ يستلزم ذلك دراسات تاريخية وسوسيو ثقافية لفهم الأسباب والدواعي ـ فإنه من الممكن تكوين فكرة عن فلسفة الجنس في القرآن من خلال تتبع المفردة الجنسية المبثوثة بين السور والآيات.


حسب العديد من الدراسات فإن جزء كبيرا من مشاكل الأزواج المسببة للطلاق أو التي تعكر صفو العلاقة بين الزوجين تبدأ من غرف النوم، نتيجة عدم إدراك أحد الزوجين أو كليهما لأهمية العلاقة الجنسية إما جهلا أو تجاهلا أو بسبب سوء التربية، فالجهل بالدين والحياء الزائف والنفاق الاجتماعي وثقافة "حشومة" جعل من موضوع الجنس "طابوها" لا يمكن الاقتراب منه، وكأنه عيب أو حرام.


وللأسف اختارت الكثير من النخب العلمائية الإسلامية _فقهاء دعاة مثقفين _ممن تعيش مرفهة في أبراجها العاجية معزولة عن الواقع اليومي عدم الخوض فيه، والإجابة عن أسئلة الناس وحاجاتهم، رغم أن الإسلام تعامل مع الموضوع بقمة الواقعية باعتباره أحد الشهوات والغرائز التي وضعها الله في الإنسان، ورغم أننا نجده حاضرا بشكله الطبيعي –دون تقزيم ولا تضخيم- في حياة الصحابة يتحدثون عنه ويستفسرون عن بعض قضاياه لا يمنعهم الحياء المصطنع المتكلف، لأنهم اعتبروه من الدين وأطروه بالدين، لذا فمن المؤكد أن الإسلام هو دين الواقعية بامتياز وأنه لم يكبت الغرائز أو يقبرها ولم يدع إلى رهبانية تخالف سنة الله في خلقه، لذلك تعامل مع "شهوة الفرج" أو الجنس بمنتهى الوضوح، فكان طبيعيا أن يشغل الموضوع أبوابا طويلة عريضة في كتب الفقه، كما أن علماء المسلمين ألفوا تآليف في سعادة الجسد، وفصلوا في الإمتاع والإشباع بغاية الإحصان للزوجين، لكونه أحد أسباب الاستقرار النفسي والعاطفي والأسري، وقد يتعجب البعض من مثل ما روته السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها في حديث "العسيلة"، وملخصه أن امرأة صحابية تريد التطليق لصغر حجم عضو زوجها، والصحابة يسمعون والرسول يتبسم ويصدر حكما في النازلة ولا يزجرها.


فالإسلام وضع قواعد عامة للحياة الجنسية، وارتقى بالعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة إلى مرتبة الحقوق المتبادلة ووضع لها إلى جانب القواعد آدابا ذوقية راقية، كما سما بالجنس من مجرد علاقة بدنية بهيمية دوابية إلى علاقة روحية وقلبية، تصل إلى مرتبة العبادة التي ينبغي لكل من الزوجين أن يؤديها على أحسن وأكمل وجه، وسمى الاتصال الجنسي بين الزوجين جماعا ومعاشرة كناية على أن هذه العلاقة يراد لها جمعا بين جسدين وروحين وقلبين دنيا وأخرى لأن الدنيا معبر للآخرة في فلسفة الأديان السماوية ومنها الإسلام.



وإلى جانب التقعيد الفقهي والشرعي والتأطير الأخلاقي لم يغلق الإسلام باب التعلم من الغرب أو من الحكمة الإنسانية المشتركة، وما راكمته من خبرات في مجالي الثقافة الجنسية والطب الجنسي، عن طريق التجربة والبحث الطبي الإكلينيكي، حول فزيولوجية الجنس وخارطة الإثارة في الجسم ودور الهرمونات والغدد في الإثارة، بدون انحلال أو إباحية، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.


لهذا فالحديث عن الجنس والتربية الجنسية ليس دعوة إلى الإباحية أو لإشاعة الفاحشة بين الناس أو تشجيعا على الزنى والخنا أو تشجيعا على الفساد، فمعرفة الصبي والفتاة بعلامات البلوغ، وتعرفهم على أعضائهم الحميمية "عوراتهم"، وتعيلمهم الطهارة والغسل بعد الحيض ومن الجنابة وأسس النظافة الأولية، كحلق شعر الإبطين والعانة، من أوجب الواجبات على الآباء والأمهات، وهي المقدمة لتربية جنسية سليمة هي من الدين، تربية ينبغي أن تساهم فيها المدرسة في برامجها التعليمية والمسجد والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بشكل متكامل، يقدمون المعلومة الصحيحة مع التوجيه الأخلاقي اللازم، فالتربية والتثقيف الجنسي لا يعني توزيع العوازل الطبية مجانا ـ فقط ـ بشكل عبثي في المدارس والثانويات على القاصرين دون توعية بفلسفة الجنس ونتائجه ومسؤولياته، لأن المجتمع برمته هو من يتحمل نتائج سلوك قد يعتبره البعض حرية شخصية واختيارا فردانيا حرا، إذ من يتحمل مسؤولية رعاية اللقطاء والمتخلى عنهم من الأطفال؟ ومن يتحمل مسؤولية الأمهات العازبات اجتماعيا وقانونيا واقتصاديا؟ ومن يتحمل مسؤولية أجيال من المعاقين النفسيين والمعنفين؟ أليس مؤسسات المجتمع ومن أموال دافعي الضرائب؟ ففي الغرب تم التوافق على النموذج المجتمعي قيميا وثقافيا وسياسيا إلى حد ما، لكن في مجتمعاتنا الإسلامية لم تحسم الاختيارات ويظل النموذج "المحافظ "هو السائد اجتماعيا وثقافيا.


يمكن مقاربة نظرة الإسلام لموضوع الجنس من خلال عدة مستويات تعطي صورة واضحة عن فلسفة ورؤية الإسلام للجنسانية: ففي مستوى أول وضع القرآن الكريم باعتباره المصدر الأسمى للتشريع القواعد الكلية والشمولية المؤطرة لفلسفة الجنس والواضعة للأسس الأخلاقية والآداب العامة، في حين عالجت السنة النبوية تفاصيل الموضوع من خلال معالجة النوازل اليومية بالإجابة عن فتاوى الصحابة رضي الله عنهم واستفساراتهم، وفي مستوى ثالث غطى الاجتهاد الفقهي بالاعتماد على الكليات المؤسسة مساحات الاجتهاد في ما يستجد من حياة المجتمع من أقضية وحوادث بتعبير الفقهاء، كما اهتمت العديد من البحوث قديما وحديثا بالمستوى العملي الإجرائي في إطار ما يسمى بالتربية الجنسية. وسيحاول هذا البحث التركيز على المستوى الأول من خلال مقاربة الإطار الأخلاقي العام/ الآداب العامة الذي وضعه القرآن الكريم للجنس في الإسلام.



فبين ادعاء الطهرانية والتعامل مع الجنس كأنه منقصة أو خطيئة أو ضعف وبين الفضائحية والإثارة الإيروتيكية كان الخطاب القرآني صريحا وواضحا ومبلغا باعتباره كتاب بلاغ وتشريع، ولكن في نفس الآن كان عفيفا دقيقا في اختيار المصطلح والتعبير، وهذا ما سنعرض له من خلال تحليل المصطلح الجنسي في القرآن الكريم والسياقات التي حكمته ضاربين الصفح عن الميراث الفقهي الذي تعج به كتب الفقه والنوازل.




يتبع بمحور:المفردة الجنسية في القرآن وسياقاتها





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس