عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-08, 16:41 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: صدى رجالات آسفي في التاريخ



ولعل وجود هذا الزخم من رجالات أسفي العلماء وغيرهم، يوحي بأن مدينة أسفي أنجبت غير قليل من رجالات العلم الذين تركوا بصماتهم وإشعاعهم في مختلف المجالات، سواء على مستوى المدينة أو المنطقة أو عموم الوطن.

وذلك راجع للثقافة الوطنية التي تلقوها في مختلف المعارف والعلوم.. فشهد لهم بذلك شيوخ وعلماء لهم مكانتهم المرموقة، لكونهم كانوا ذوي ثقافة أدبية ودينية عالية، استطاعوا أن يجلبوا إليهم الأنظار من مختلف البقاع.

فكان منهم المحدثون الثقات، والمفسرون النجباء ممن أطبقت شهرتهم المدينة، فقصدها الطلبة من كل الآفاق، حيث غدت أسفي معقل العلم والدين، مثلها في ذلك مثل مراكش وفاس وسلا وسبتة وغيرها. وبفضل هذا الإشعاع العلمي والديني، أصبحت مدينة أسفي تحظى بسمعة طيبة عند الناس، وغدت مركز جذب كما يقول الجغرافيون. وهكذا، وفد إليها في القرن العاشر اللاجئون الأندلسيون حين هوت الخلافة الأندلسية.

وقد كتب أحد الأندلسيين إلى الكاتب القاضي أحمد بن المطرف بن عامر المخزومي الشقري، يستشيره في بلد يصلح له مقاما، فأجابه برسالة ينصحه فيها باللجوء إلى مدينة أسفي . يقول:” إنها أخصب الأرجاء وأقبلها للغرباء”، ومعنى ذلك أن إعزاز الغرباء، سمة محمودة عند أهل أسفي. يقول الشاعر الحاج عبد الله القباج:

وبها من الفضلاء أفضل معشر ومن الرجال الغر أكبر مسعـف
لا عيب فيهم غير أن وجوههم تنفي الهموم عن الحزين المدنف
وبها الذين سألت عنهم سابقـا من كل ذي ظرف ولطف مطرف
وإذا سألت فإنني قد كنت لـم أعرف وذلك شأن من لم يعـرف
فعليهم مني السلام مؤبـــدا ما حن مشتاقا لوصل الأهيــف
وعلى بلادهم التي قد أعطي فخرا عظيما في خلافة يوســف
والله يسعدهم ويسعدها بهــم والله يحفظهم بحفظ المصحــف..

هكذا إذن هم رجال أسفي، لطف وظرف وحب ووفاء وود وسخاء وكرم وعطاء… وقد جبلوا على ذلك، منذ الزمن المبكر، عكس ما أصبحنا نسمعه عن بعض المنكرين الجاحدين لهذا السلوك الرفيع الذي كان يتمتع به أهل أسفي.

ويخبرنا عبد الملك المراكشي في كتابه :”الذيل والتكملة ” أنه رحل إلى أسفي مرات للقاء شيخه الكبير الحافظ أبي علي حسن الماجري وغيره من أهل العلم من هذا البلد، فقال:” وردت أسفي في أول قدمة قدمت عليها يوم الاثنين للأربع الباقين من جمادى الأولى سنة 663هـ، فعرفت مرضه (يتحدث عن شيخه أبي عبد الله الغساني التلمسيني، وكان من علماء مدينة أسفي)، فقصدني ابنه جعفر مسلما علي وذاكرا تشوقه إلي، فتواعدت على عيادته من الغد فجاء إلى منزلي وافيا بوعده ومعتذرا عن لقائه بعذر قبلته، وقد رجا فيه تماثل حاله وإرجاء لقائه إلى يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، ودفن إثر صلاة الظهر بالمقبرة التي قبل المسجد الأعظم بأسفي، وحضرت جنازته وكانت مشهورة، وكنت قائد شيخنا أبي علي الماجري الضرير فيها،ولم يتخلف عليها أحد، وكان أبو علي يطيل الثناء عليه، ويشيد بذكره”.

ومما يضيفه عبد الملك المراكشي عن شيخه العثماني قوله: “كان ذا خط صالح لرواة الحديث، عدل فيما يرويه، متقدم في اللغات والحفظ للآداب والتواريخ والأنساب، مشاركا في الفقه والنحو، ضاربا في قرض الشعر بسهم مصيب، متحرفا بالتجارة في القيسارية بأسفي، يقعد في حانوته للاسترزاق كل يوم ببضاعة يديرها فيما بعد الفراغ في مجلس تدريسه الموطأ والسير والنحو والآداب واللغة… وكانت على طريقة مرضية من أهل الدين المتين والانقباض على مخالطة الرؤساء ومجالستهم..” وإذا كانت هجرات الأندلسيين إلى أسفي قد أفادت المدينة من وجوه كثيرة، فإن غير قليل من رجال أسفي قد هاجروا هم أيضا إلى مدن غير مدينتهم ، إما لطلب العلم أو لشيء آخر.
ونذكر من هؤلاء العالم المشهور بالتأليف في النحو، الحسن بن القاسم بن عبد الله بن علي الأسفي الأصل، هاجرت أسرته إلى مصر، وهناك درس على يد عدد من الأعلام الأندلسيين والمغاربة المقيمين بمصر.. وللحسن بن القاسم شرح مفصل للزمخشري وشرح للألفية والتسهيل لابن مالك.

يبدو مما سبق، ما كان لمدينة أسفي من حركة علمية خلال القرنين السابع والثامن للهجرة، ولولا ما منيت به المدينة من طغيان الاستعمار البرتغالي الذي زاد عن الثلاثين سنة، لكان شأنها كبير، وأمرها عظيم.. والحقيقة أن تاريخ أسفي هو من صميم سياق تاريخ المغرب؛ يمكننا أن نقسمه إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى وهي التي تدخل في الإطار التاريخي أي منذ الفتح الاسلامي إلى نهاية العصر المريني،

والمرحلة الثانية وهي وإن كانت محدودة زمنيا، فإنها كانت مرحلة ذات تغيير كبير عرفت فيها المدينة الاستعمار البرتغالي.

ثم المرحلة الثالثة، وهي التي عرفت شعلة روحية صوفية على يد الجزولي والسعديين الذين حرروا هذه المدينة وأرجعوا لها مجدها الغابر وحرمتها المنيعة. ولا ننسى أن ازدهار المدينة بدأ مع ظهور الدولة العلوية الشريفة، حيث شهدت المدينة حركة علمية مهمة، وهذه الحركة تتمثل في هؤلاء الأعلام الذين ترجم لهم الفقيه الكانوني في كتابه: “جواهر الكمال في تراجم الرجال”.

وكما أشرنا سلفا، فإن منطلقنا في تقديم تراجم هؤلاء الرجال هو هذا الكتاب القيم الذي جمع فيه الكانوني فأوعى. ونذكر من رجالات أسفي:

©أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي محمد صالح، الشيخ الفقيه الدراكة الكبير، العالم العلامة الإمام النحرير، شيخ الأدب والإنشاء، المتقلب في أطوار الفنون كما يشاء. فقد كان رحمه الله إماما عالما مشاركا في الفقه والحديث والتفسير والتصوف والشعر والأدب واللغة، عالما بالخلاف العالي.
©أبو العباس أحمد بن عبد الرحمان الأسفي، الفقيه الفاضل، العدل الخطيب الوجيه، كان خطيبا بمسجد جده أبي محمد صالح .
©أبو العباس أحمد بن محمد المقدم، وكان فقيها إماما عالما علامة، مفتيا، محررا، عارفا بالفقه ، مشاركا في كثير من الفنون، معتنيا بنشر العلم وتقييده. يقول عنه نده ومعاصره القاضي الفقيه السيد عبد الخالق بن ابراهيم الأسفي، علامة الزمان، ورئيس الأوان،مفتي الديارالأسفية وما والاها، الذي إليه المرجع في معضلات الأمور ومشكلاتها.
©أحمد بن الطاهر بن الطيب الحكيم الأسفي، الفقيه المدرس المفتي، العدل الوجيه، ذو الشارة الحسنة، والأخلاق المستحسنة، درس وأفتى وتخطط بالعدالة … قرأ بأسفي على شيخ جماعتها أبي زيد المطاعي والشريف سيدي محمد بن إدريس.
©أبو العباس أحمد الرحيوي الشهلاوي، نشأ بأسفي، ورحل إلى فاس ليأخذ عن علمائها ومشايخها، فنبغ في العلم نبوغا أوجب ظهوره في شأن مناظرة في مسألة علمية، فبلغت السلطان أبا الربيع مولانا سليمان، فاستوفده عليه حتى أبدى حججه في المسألة، فاستحسن منه ذلك.
©أحمد بن اسعيد البحير، الفقيه العالم الجليل البركة الصالح.أحماد الدرعي، أستاذ حافظ للقراءات، ناشر أعلامها. كان هذا الرجل موسوعا بالخير والدين. أخذ القراءات عن الأستاذ الصالح سيدي الزوين المعروف بزاويته قرب أسفي والتي اشتهرت بتحفيظ القرآن الكريم.. أخذ عنه الناس، ومنهم الأستاذ سيدي محمد المعاشي شيخ أبي شعيب الصديكي في القراءات.
©أبو إسحاق إبراهيم بن الطاهر المحتسب الحسني، كان فقيها عالما جليلا، خطيبا مدرسا نبيلا، له معرفة تامة بالتوقيت والفلك والحساب، وقد تولى خطة التوقيت بأسفي بأمر من السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام.
©أبو موسى بن محمد بن صالح بن أبي القاسم، الفقيه الشهير، العلامة النحرير، أوحد زمانه، وفريد عصره وأوانه، المحدث الرواية المتفنن، الإمام المشهود له بالتقديم في جميع العلوم.
©أبو يعزى بن عبد الغفور ابن الفقيه سيدي محمد بن سعيد أعطار.. الفقيه، قاضي أسفي في دولة السلطان المولى عبد الله بن إسماعيل.
©الفقيه العالم المنير، أبو الحسن علي بن إبراهيم الأسفي، المتوفى سنة 1053 هجرية.
©أبو الحسن علي بن منصور الشيظمي، أحد قواد المنصور، وقد تمت الإشارة إليه سابقا.
©أبو العباس أحمد بن سليمان الشيظمي، وكان أحد كتاب المنصور السعدي، وأحد الشعراء المجيدين في هذه الصناعة.. ذكر له ابن القاضي في ” درة الحجال” مقتطفات شعرية وقال:” هو حي من أهل العصر”، يعني سنة 999م.
©الفقيه المتفنن، الأديب البارع، ذي النظم الرائق، والنشر الفائق، أبو العباس أحمد بن سعيد المشترائي. يقول عنه الفقيه الكانوني: “هو الفقيه المشارك النبيل، كان معتنيا بمختصر خليل أشد العناية، حتى كان يحفظه عن ظهر قلبه.. كان حيا سنة تسعة وتسعين وتسعمائة هجرية.. وتوفي بعد ذلك”.
©أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الرحمان القرمودي الرجراجي، كان فقيها وعالما، وجاء عنه في كتاب:”جواهر الكمال في تراجم الرجال” أنه الفقيه العالم البركة، المشهور بالخير والدين والفضل.
©أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الشيخ سيدي محمد كانون المطاعي ثم العبدي، الفقيه العدل المبرز العالم الناسك، الزعيم الشجاع المقدام، كان ذا رجولة، لا تلومه في الله لائمة.

ومن خلال هذا النزر اليسير من رجالات أسفي، ممن ترجم لهم الفقيه الكانوني في كتابه: “جواهر الكمال في تراجم الرجال” لا يغطي طبعا كل الشخصيات التي عرف بها الكانوني ، وإنما ارتأينا أن نقف عند نماذج معينة. ليقتنع القارئ الكريم بأن مدينة أسفي وما أنجبت من شخصيات علمية وفكرية وفقهية وأدبية، أعطت الكثير للتاريخ، ومن حقها على التاريخ – اليوم – أن تأخذ بعضا من حقها التاريخي مثل الحديث عنها وعما عرفته من إنجازات على مختلف الأصعدة، وما تتطلع إليه في المستقبل لتحظى بالصورة الحقيقية التي يريدها لها قائد الأمة الهمام جلالة الملك سيدي محمد السادس أعز الله أمره..

إن المتصفح للترجمات التي أوردها الفقيه الكانوني، يمكنه أن يستنتج أن ذلك الرعيل الأول من رجالات أسفي، قد أبان عن سمو في التفكير ونبل في الخلق الكريم.. والصورة التي ينبغي استجلاؤها من خلال تتبع شريط حياتهم تبدو في أنهم كانوا أصحاب موقف ومبدأ، ذوي أخلاق إسلامية فاضلة عالية المستوى، متواضعين لدرجة كبيرة، هادئي الطبع، أقوياء في الحجة والدليل، أصحاب حوار هادئ ومتزن، متمكنين من علمهم وثقافتهم، موفقين لعمل الخير والسعي من أجله، مصلحين اجتماعيين، صادقين مع ذواتهم يكرهون الغرور والغطرسة، غير منفعلين، عفيفي النفس واليد ، نزهاء في إبداء الرأي.. عرفوا بالصلاح وهم من الرجال العلماء، كما عرفوا بالتقوى والورع، فكانونا بحق علماء أتقياء. ومن الصعوبة بمكان حصر أعمال وإنجازات هؤلاء الرجال الفضلاء، فأعمالهم في نشر تعاليم ومبادئ الدين الإسلامي كبيرة وعظيمة، كما أن أعمالهم الأدبية، وكتاباتهم العلمية الإسلامية، أكدت – وبلا مراء- جودة مساهماتهم التي تهدف لخير البلاد والعباد.

وعلاوة على ما سبق، فقد نهضوا لمدافعة المستعمرين الطامعين في المغرب وثغوره، كما تصدوا لمختلف المؤامرات التي كانت تحاك ضد الوطن.
إن ما وصلنا من إسهام رجالات أسفي قليل جدا بالقياس إلى ما ضاع منه، ومع ذلك، فهذا القليل كاف في استخلاص ملامح من حياتهم العلمية وال****ية، واستكشاف مختلف جوانب نشاطاتهم العقلية والفكرية والأدبية.


يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس