عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-06-03, 05:17 رقم المشاركة : 1
المرتاح
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو









المرتاح غير متواجد حالياً


افتراضي قصة : البدويّة .!!! من تأليفي .


قصة : البدوية ..!!
1*

أحسستُ بمسؤوليتي تجاه عائلتي ، وتمنيت أن أكون خير خلفٍ لخير سلف ، فتقمّصتُ شخصية أبي التي زادتني نشاطاً ، بطريقة غير مُباشرة ، فكلما اقترب الناس مني وتعاظم احتفاؤهم بي ، كُلما فجرّوا بُركاناً جديداً فيتعاظم ارتباطي بأبي، ينشط عند كل نظرة ،ينظرون إليّ أو يُقسِمُون توكيداً بأنّ مَلامحي وحركاتي وسُكوني وجَهور صَوتي يُشبهأبي تماماً ، كأنّي أنا هو ..؟ مُؤكدين بقولهمـ أباكَ لم يمت وإنْباغته الموت .. فأنتَ نسخة باقية ومُستمرة منه..؟
بعد موت أبي بفترة قصيرة ، غادرت منطقتي التي اسكن فيها إلى منطقة أخرى ، تواصلاً مع أصدقاء أبي ،اقرأهم السلام ، وأُبْلغ الذين لم يصلهم خبر مَوته، فجميعهم يعرفونني بِحكم أنّي كنت لصيقاً بأبي ، اخدم معه واذهب حيث يذهب .. وبقيتُ مُلتزم بالبحث عن سِعة رزقٍ تُمكّنني من بقاء الحياة في بيتنا ، كما كانت تدبّ في عهد أبي ، فالتمستُ بعض الترتيبات التي كان أبي يَتّخذها ويَستخدمها من اجل استقرار أسرتنا ، وكان لزاماً أنْ أردّ جميل تربيته ، وحَتْماً يقتضي القيام بواجبي نحو أسرتي ، فالصغير يكبر ،والمال يأتي من النشاط والعمل والحياة قائمة لا تموت ، إنْ وجدتْ من يَعْهد بقائها ويضمن استمراريتها .. وعِرْفاناً بتلك الأبوّة الخالدة ، شمّرتُ عن ساعد الجِد وتركت الخمُول وودّعتُ الكسل ورفضت الرُّكون والدَعة ، فهدر الوقت في مثل هذه الحالات غير مُحبّذ ، فلماذا أبقى ساكناً، صامتاً ..؟! فليس من الدّرْبة بمكان أن أقعد خاملاً بلا نشاط أو انتظر من يدفعني إليه أحد .؟ إنّهم يقولون ، أنني نسخة من أبي ، صوتاً وصُورةً .. وأبي غير خامل ولا كسول ، الكل قد شهدَ بديمومته ونشاطه .. وعُرف من خلال دأبهِ الذي لا يَستسلم للعجز .. وفي اي ظروف ، لكأنه في تحدّ دائم . !! فكرت كثيراً ، وتذكرت تنبيهات أبي ، حينيأخذني معه ( يجب أن تتنبأ بحدوث شيء ما .. في أي عملٍ كانْ .. لاشيء كامل في أي خدمة كانتْ ، لكن ثقتك بنفسك تُعيد الانكسارات وتُصلحها ..) كانت تلكم بعضاً من عباراته التي يشدّ بها أزري ونحن سائرون في طريقنا إلى الأسواق التي دَأبنا المرور عليها .. خطرتْ على بالي ، تلك الشاحنة التي تركها أبي بعد غيابه الأبدي .. لوّحتُ رأسي ضَيْقاً وحنْقاً ، لا إخوة ذكور في هذه الأسرة الصغيرة، غيري ، أنا الابن الوحيد الذي سوف تعتمد عليه هذه الأسرة المكوّنة من أمي وأختان وأنا رابعهم .. والشاحنة والبيت هُما كُلما ورّثناهُ من أبي .. ولو كانت المزرعة باقية لاشتغلت فيها ، بدل من تعب التحميل والسفر والسّواقة ..!؟دفعت بيدي ، وانا استعرض عضلاتها ، أنظرفيها ، بلا عضلات ولا عظم ، غير تلك العظْمة المتّصلة إلى رِسْغها ، لا تُفزع بشراً، ولا حيواناً ، عظمةٌ رقيقةٌ ، وجسمٌ نحيلٌ ، نحيفٌ كقشرة على سطحٍ قد تأثر بالملوحة، حتى شُعيرات جلدتي بدتْ شقْراء واهنة ، تساقط كأوراق شجرة" البيذام " في خريف يُبقيها عارية لكأنها بلا كِسوة ورقيّة،وها هو خريف عُمري ينحسر وانا لمْ أزلْ طَيّعاً ، أستعد إلى الحياة .. غضاً طرياً لم يشتدّ عُودي بَعْد .. هززتُ رأسي ، بعزيمة وحزْم ، بكل ما أؤتيْت منقوة .. يجبْ أن أفعل شيء .. لازمتُ أبي في كثير منها وأعرف مُجْمل خصائصها وأعلمأدقّ تفاصيل طرُقاتها وأساليبها .. نعم ، إنها المسؤولية ، تجبرني بحفظ كرامة أهليمن حاجة السّؤال وفاقة الذلّ البغيض ، فتوفير حياة كريمة لأسرتي غاية في الأهمية ومسؤولية كبيرة بحجمها الكبير .. تذكّرتُ وأنا ف البرّ مع أبي ، إن هذه الرحلة التي أخذني أبي إليها ، لا أعتقد أنها مُجرّد رحلة عابرة ، بل هو ـ بالتأكيد ـ اجتهادٌ منه للتعرّف على أعماله وطريقة تصريفه وضخّ تجربته فيها ،ورُبما هو شُعور منه ،ودفْقاً غير بعيد ، بأنّ أجله قد اقتربَ، ولكلّ أجلٍ كتاب ، أو كأنه يُودع أمانته ـ في مسؤوليتي اتجاه أهلي ـ فيُلقيها على كاهلي بطريقته ولكيْ تطمئن نفسه إلى عملي وجُهدي .. ومن لحظتها عاهدتُ نفسي بحفظها بقوة ، بهذه التساؤلات العميقة، تعزّزت الثقة الكبيرة في نفسي وعزمتُ أمري بأن أكون محلّ الثقة الأبوية الحانية بكل ما تحمله من أمانةٍ ولو أثقلتْ كاهلي .. وأصررتُ إصراراً لا محالة عنه ، وبدوتُ بأولى الخطوات ، فقمت بزيادة مهارتي في قيادة السيارة ، فأبقى لساعات طويلة ،أتدرّب ، بمهارة جادّ في دَفعها وامتهانها بحرفيّة مُتوقّدة ، لازمتُها بكل فهمٍ ورغبة طموحة .. وبدوتُ أسوق الشاحنة، هي نفسها ـ الشاحنة ـ التي كان أبي يقودها ،في طرقات ضيّقةٍ بين المزارع والنخيل والأشجار المختلفة ، حتى أتمكّن من الشّعوربأني الرجل الذي سأتشرّف بالعملْ عليها وسأجوب طرقاتها ليل نهار بلا كللٍ ولا مَلل ولا سأمٍ ولا خُمول ولا اتّكالية .. وسأستبدل بتلك الطاقات المُعطّلة ، بطاقة نشيطة، دؤوبة ، وسأسخّر قوة الطاقة الكامنة في شبابي بالنشاط والديمومة وبالجُهد الخالص والمُثابرة النقيّة ، وقبول العمل بنفس وثّابة، وأول ما فكّرتُ فيه، هو استعادة الطاقة التي كان بذرتها صاحب أبي فهو الذي دفع أبي وعلّمه كيف يقود السيارة وكيف يكون مُثابراً وقوياً ، ومُلتزماً ، وأول ما استنبتتْ الفكرة ، قمتُ بزيارة صديق أبي المرحوم ، وكما يقول العوام من الناس ، صديق ـ الرُّوح بالروح ـ فهو الوحيد الذي سيتفانى في تعليمي وتدريبي على أساسيات السياقة ، كما فعلها من قبْل مع ابي ،إنه رجلٌ طيب ، دمث الاخلاق ، حسن المُعاملة ، صادقاً ، يُحب أبي فاستحضرتُ كلماته وهو يُشجعني على خِلافة أبي في عمله .. حينَ كُنّا معاً يوماً ،فقال :ـ كُن كأبيك ..قويّ المراس ، مَرناً ، يأكل من كدّه وتعبه .!
أمتدّت تدريباته إلى ساعات طويلة من النهار حتى غروب الشمس وزوال قُرصها ذي الشعاع البرتقالي المسكوب بلون السفرجل .. كل ذلك من اجل توكيد مهارة السياقة الدقيقة .. فكان رقيقاً في تعامله معي ، وقبل ان أغادر مكانه ،يستسمح مني قائلاًـ اسمح لي ـ ولدي ـ إن قسوتُ عليك ، لكنك حتْماً ستعرف يوماً، حينَ تُمسك زمام مسؤوليتك ، مذاقَ هذه القسوة يوماً. فكلّ ما أريده هو أنْ أجدكَ على رُجولة وعزّة نفس وشموخ ومراسٍ وذي عزيمة وجدّية تعشق
التحدّي ..!؟

الكاتب حمد الناصري .. المرتاح*






التوقيع

لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!
    رد مع اقتباس