عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-12-23, 10:37 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

c1 تأثير اللغة العربية على الثقافة الإسلامية




تأثير اللغة العربية على الثقافة الإسلامية







لكلّ شعبٍ ثقافتُه التي يتميَّز بها عن غيره، وتنعكس هذه الثَّقافة على لغة هذا الشَّعب، فاللُّغة في أي مجتمع هي مرآة ثقافته، وهي الوسيلة التي تستخدمُها الشعوب للتَّعبير عن العناصر المختلفة للثَّقافة: عاداتها وقوانينها وتقاليدها ومفاهيمها، ويوجد تكامُل بين اللُّغة والثَّقافة، وكلاهما يكتسب بصورة اجتِماعيَّة، فالتَّكامُل بين اللُّغة والثَّقافة على درجة كبيرة من الأهمّيَّة، وتبرز تلك الأهمّيَّة بوضوح في مَجال تعليم اللغات عامَّة، وتَعليم اللغة العربيَّة علي الخصوص.

مفهوم الثَّقافة هو مجموع القيم والمفاهيم التي تحكم سلوك الأفراد أو المجتمع في حقْبة معيَّنة من التاريخ؛ (عوض، يوسف نور: 5).

تتناول الدراسة بالتَّعريف الثَّقافة مع صلة وعلاقة بينها وبين اللّغة العربية والدّين الإسلامي، وبيان خصائص الثَّقافة العربيَّة الإسلامية بالنَّظر إلى المنهج الإسلامي للثَّقافة، وتأثير اللغة العربية على الثَّقافة وتحديداتِها، وذلك استخدامًا في الكتابة والمحاورة.

وجدت الدراسة أنَّ تأثير اللغة على المسلمين كبير، ولكن الغربيّين حاولوا كلَّ محاولتهم في سبيل التَّفريق بين اللّغة العربية والثَّقافة الإسلاميّة، ولكن لم ينجحوا؛ لأنَّ المسلمين كان لهم دوْر مهمّ لا يُنسى في تاريخ تطوُّر اللغة العربية بإنشاء علوم لغويَّة متعدِّدة، تُعين على إحياء اللّغة وإبقائها وانتشارها في أنحاء العالم، حتَّى لدى الأمم المتَّحدة.

المحاضر: الدكتور عبد الرؤوف داتوء حسن


مقدمة:
"تبًّا لكم أيَّتُها المدرِّسات والمدرِّسون العرب، فأنتم ألدّ أعداء اللّغة العربيَّة، وأنصحكم بأن تَتَعلَّموا كيف تُعلِّمون قبل أن تُعلِّموا؟!" بيير غيرو.

اللغة - كما يقرِّر أكثر علمائها - لا تقتصر وظيفتُها على التَّفاهُم بين الأفراد، وإنَّما تتجاوز ذلك إلى الأداة الَّتي يتعلَّم ويفكِّر بها الإنسان، فهي تقود عقلَه وتوجّهه، وبها يستدلّ على السلوك القويم مع الآخرين، وهي - فضلا عن ذلك - تحفظ التراث الثَّقافي للمجتمعات؛ فهي إذًا منظِّمة العلاقات الاجتماعية، ووسيلة التعامل والتعاون بين أفراد المجْتمع وأهمّ أدوات الحفاظ على كيانِه، ويتبع ذلك أنَّها العامل الأوَّل في انتِشار الثَّقافة وتداوُلها في المجتمعات المتحضِّرة، وأنَّها من أهمّ مقوِّمات الحضارة الإنسانيَّة.

ولقد كانت اللُّغة العربيَّة - ومازالت - وثيقة الأواصر بهويَّة هذه الأمَّة، ووجودها وشخصيَّتها وخصائصها، فقد وعت منذ أمَدٍ بعيد تكوين الأمَّة الحضاري، وواكبت تطوُّر تراثها الثقافي في العلوم والآداب والفنون والتَّشريع والفلسفة، وتعهَّدت نقْله من جيلٍ إلى جيلٍ عبْر العصور، فهي قلْب الأمَّة النابض وجهازها المحرّك ومعروف أنَّ العربيَّة من اللّغات الموغلة في القِدَم، فمع جهْلِنا بتفاصيل طفولتِها ونشأَتِها، لعدم ترك الأوائل آثارًا مكتوبة من الأزمِنة السَّحيقة، نحن نعرف أنَّها كانت في أوج اكتِمالِها ونضجها منذ نحو ستَّة عشر قرنًا من الزَّمن، وكانت لهجات القبائل العربيَّة في الجزيرة قد تفاعلتْ فيما بينها وتكاملتْ في لهجة قُرَيْش، أهل مكَّة الَّتي كانت مركزًا للحياة الاقتِصاديَّة والاجتِماعيَّة والدينيَّة تؤمُّه القبائل لزيارة الكعبة الشَّريفة، وللمُفاخرة والتَّنافُس في الشِّعر والخطابة، وللتّجارة وتبادُل السلع.

ومع استِمرار العربيَّة منذئذ في النمو والارتِقاء والتجدُّد، امتازت على وجه فريد بأنَّها حافظت على ملامِحِها الأصيلة في الأساليب والتَّراكيب، وقواعدها الأساسيَّة في النَّحو والصَّرف، واحتفظت بالكثير من مُفرداتِها ومصطلحاتِها، حتَّى إنَّ المرء ليعجَب حينما يُصغي إلى أبيات من الشِّعر الجاهلي الَّذي قيل منذ ألف وخمسمائة عام ونيِّف، ويبدو له وكأنَّه يستمع إلى شعر حديث بكلّ سلاسته ووضوح عبارته وسهولة أسلوبه، وهي بهذا تتميَّز عن لغات سائر الشّعوب الحديثة، الَّذين يتعذَّر عليهم فهم لغات السَّلف الَّذين سبقوهم بأربعة قرون أو خمسة في أحسن الأحوال.

لقد كانت نشأة اللغة العربية في شِبه الجزيرة العربية ممَّا وفَّر لها أسباب صيانتِها والمحافظة على كيانِها لعدَّة قرون قبل الإسلام.

وسرْعان ما انتشر العرب آنذاك في المناطق المجاوِرة، فدخلوا سورية والعراق، وحلَّت العربيَّة محلَّ اللَّهجات الآراميَّة والسّريانيَّة واللغتَين اليونانيَّة والفارسيَّة فيهما، وكان لها من الخصائص ما ميَّزها عن أخواتها الساميَّات جميعًا، ففيها من عدد أصوات الحروف ما ليس في أيٍّ من اللغات البابليَّة والآشوريَّة والفينيقيَّة والعِبريَّة والسّرْيانيَّة والمندائيَّة والآراميَّة والحميريَّة والحبشيَّة، بل إنَّها تفوق أكثر لغات العالم الحيَّة في هذا الخصوص، وهي فضلاً عن ذلك من أغْنى اللُّغات في تعداد أصول ألفاظه، وفي ثرائِها بمفرداتها، وكثرة مترادفاتِها، ودقَّة قواعدها، وأحكام نحوها وصرفها، وفي وفرة أبنيَتها الاشتقاقيَّة واطراد قياسها لدلالات كثيرة، وفي طواعيتها للمجاز، وإيجاز عبارتها، وجمال أسلوبها وبيانها وبلاغة تعابيره.

قد اختار الله - تعالى - العربيَّة فأنزل بها القرآن الكريم، وكانت هذه اللّغة الشَّريفة - بما بلغتْه من اكتمال، وبخصائصها الفريدة المتميِّزة - مؤهَّلة بحقّ للإعجاز الَّذي أوْدعه الله - عزَّ وجلَّ - تنزيله العزيز؛ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[يوسف: 2].

وهكذا كان نزول آيِ الذِّكْر الحكيم باللّغة العربيَّة من أقوى الدَّعائم في إقْرار منزلتها الرَّفيعة بين لغات سائِر الأمم، والقُرآن الكريم هو حافظ العربيَّة ما حفِظ الله - تبارك وتعالى - القُرآن، ومِن هنا ظلَّت العربيَّة وستظلُّ تنمو وتقوى، وترتقي إلى ما شاء الله، ومهْما حاولت يدُ السوء والعبث من النَّيل منها أو إضْعافها، وغير خافٍ أنَّ امتداد عمر العربيَّة على هذا المدى الطَّويل، وارتباطها الوثيق بحياة الأمَّة وتَجاربها، كان ممَّا مهَّد لها سبل الاغتِناء، ووفَّر لها أسباب النموّ والاتِّساع؛ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر: 9].


تعريف اللغة:
لقد جاء في تعريف اللُّغة أنَّها:
اللغة: اللسن، وهي فُعْلَة من لَغَوت؛ أي: تكلَّمت، أصلها: لُغْوَة، وقيل: أصلها: لُغَيٌ أو لُغَوٌ، وجمعُها: لُغًى ولغات ولُغُون، وقيل: أُخذت اللغةُ من قولهم: لغا فلانٌ عن الصَّواب وعن الطَّريق، إذا مال عنْه؛ لأنَّ هؤلاء تكلَّموا بكلام مالوا فيه عن لغة هؤلاء الآخرين، وقيل: إنَّها ما جرى على لسان كلّ قوم.

وقد قيل: إنَّها الكلام المُصطلح عليه بين كلّ قبيلة، اختلف العُلماء في تعْريف اللُّغة ومفهومها، وليس هناك اتّفاق شامِل على مفهوم اللغة، ويرجع السَّبب إلى ارتِباط اللغة بكثيرٍ من العلوم.

أوَّل مَن عرف اللغة أبو الفتح عثمان بن جنّي في كتابه "الخصائص"، وقال: إنَّ اللغة هي مجموعة من الأصوات يعبّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم.

وتتميَّز كلّ لغة عن غيرها من اللُّغات بصفات جوهريَّة تُباعد ما بينها وبين غيرها، فإن كانت الفروق يسيرةً لا تمنع التَّفاهُم لم تؤدّ إلى فصْل، وهذا التَّعريف قاصر لأنَّه اعتمد على اللّغة اللفظيَّة فقط وأهْمل اللغة غير اللفظية، كلغة الإشارة ولغة الجسَد وأهميَّتها في التَّواصُل بين النَّاس.

ولِتلافي هذا القصور في التَّعريف عرَّفها بعض اللُّغويّين بأنَّها: مَجموعة من الرّموز اللفظيَّة وغير اللفظيَّة يعبّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم.
وعرَّفها بعضُهم بأنَّها: مجموعة من الرّموز والمصطلحات متَّفق عليْها بين أبناء الوطَن الواحد، أو بين أبناء المجتمع الواحِد؛ لتكون وسيلةً لتبادُل المعرفة فيما بينهم.

وتمَّ الاتّفاق على التَّعريف الاصطلاحي كتعريف شامل للُّغة: اللُّغة عبارة عن نظام صوتي يَمتلِك سياقًا اجتِماعيًّا وثقافيًّا له دلالاتُه ورموزه، وهو قابل للنُّموّ والتطوّر، ويخضع في ذلك للظّروف التَّاريخيَّة والحضاريَّة التي يمر بها المجتمع.



اللغة والفكر والثقافة:
إنَّ اللغة خزَّان ثقافي فكري وديوان للحضارة، فالطّفل الَّذي نعلّمه اللغة العربيَّة، فنحن على الأصحّ نعلّمه الثَّقافة العربيَّة بكل تفصيلاتها، يلتزم بقيم متكلِّميها ويتشرَّب أنماطَهم في التَّفكير والرّؤية إلى العالم والأشْياء، وهذا ما تعجِز عنه الوسائط الأخرى، ومنْه؛ فإنَّ أيَّ تخلّف في اللغة يلزمه تخلُّف في الثقافة والوجدان الجمعي والانتماء إلى الوطن (المواطنة)؛ لأنَّ اللغة ليست وسيلة بريئة في التعلّم، بل شحنة يمكن أن تستثْمر إيجابًا أو سلبًا.

إنَّ قيمة اللغة العربيَّة إذًا لا تكمن في قدسيَّتها أو ما يلفّ لفَّ ذلك، بل فيما تقوم به من تقطيع مفهومي ودفْع للمتكلّم والمتعلّم إلى الانتماء إليها.


تأثير العربية على اللغات الأخرى:
امتدَّ تأثير العربية كمفردات وبنى لغويَّة في الكثير من اللغات الأخرى؛ بسبب الإسلام والجوار الجغرافي والتِّجارة فيما مضى، (هذا التَّأثير مشابه لتأْثير اللاتينيَّة في بقيَّة اللغات الأوربيَّة، وهو ملاحظ بشكْلٍ واضح في اللغة الفارسيَّة حيث المفردات العلميَّة معظمها عربيَّة، بالإضافة للعديد من المفردات المحكيَّة يوميّا) مثل: ليكن = لكن، و، تقريبي، عشق، فقط، باستثناي = باستثناء.

اللغات الَّتي للعربيَّة فيها تأثير كبير أكثر من (30 %) من المفردات هي:
الأرديَّة والفارسيَّة والكشميرية والبشتونية والطاجيكية، وكافَّة اللغات التركيَّة والكردية والعبيرية والإسبانيَّة والصوماليَّة السواحيليَّة والتجرينيَّة والأوروميَّة والفولانية والهوسية والمالطية والبهاسا لغة ملايو (ولغة الديفيهي) لغة المالديف، وغيرها من اللغات.

بعض هذه اللغات ما زالت تستعمل الأبجديَّة العربيَّة للكتابة، كالفارسيَّة والكشميريَّة والطاجيكيَّة والكردية والبهاسا.

دخلت بعض الكلِمات العربيَّة في لغات أوربيَّة كثيرة، مثل الألمانيَّة والإنجليزيَّة والإسبانيَّة والفرنسيَّة والبرتغاليَّة.


أهمية اللغة العربية:
إنَّ من عوامل تطوُّر اللغة اتِّصالَها وتأثُّرها باللغات الأخرى، فتحسنها حينًا أو تقبحها حينًا آخر، وتأخذ هذه من تلك، وكذلك العكس، وكلّها تكون على درجة إيمان أصحاب اللّغة المستعيرة باللُّغة المستعار منها، ومدى علاقتِها بعاداتِها وتقاليدها وعقائدها، إلاَّ إذا كان هذا التَّأثير نتيجة للغزْو بين الاثنَين، فحينئذٍ يكون قويًّا، ومع ذلك يصعب على لغة أن تغلب على أخرى، ما دام لها قواعدها اللغوية ويؤمن بها أهلها.

فاللغة العربية لها نفوذها على لغات العالم وثقافته لأجْل إيمان المسلمين واعتقادهم بأنَّها جزء من دينهم، وبذا يحبّذونها حتَّى على لغاتهم، وهذه الفرصة للغة العربية فقط.

اللغة العربية أكبر لغات المجموعة السَّامية من حيث عدد متحدِّثيها، ومن حيث انتشارُها وترحيبها في جميع أنحاء المعمورة (وافي، علي عبدالواحد، 1962).

يتوزَّع متحدّثوها في المنطقة المعروفة باسم العالم العربي، وبالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وخاصَّة المناطق التي يوجد فيها عدد كبير من المسلمين، وللّغة العربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مصْدري التشريع الأساسيَّين في الإسلام: القرآن والأحاديث النبوية المروية عن النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولا تتمّ الصَّلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من الكلمات العربيَّة، وباللغة العربية سجلت التطوّرات التي قد طرأت على المجتمع الإسلامي في مختلف المجالات، وبمجيء الإسلام ونزول القرآن الكريم باللغة العربية، وانتشار الإسلام في جميع أنحاء المعمورة، وتأْسيس الدولة على أيدي المسلمين، ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعِلْم والأدب والتجارة والتقنية في قرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون؛ (خليل، عمادالدين).

كذلك تستمد اللغة العربيَّة أهمّيَّة كبيرة من خلال أنَّها لغة الثَّقافة والدّين والتَّعارُف لكثير من المسلمين وغيرهم في جميع أنحاء العالم، من المسلَّم به أنَّ اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي تسجل بها الأمَّة علومها، وثقافتها، وتدوّن بها آدابها، وتكتب تاريخها ماضيه وحاضره.








أهمّيَّة اللّغة:
أهمّية اجتِماعيَّة: يتمّ من خلالها التَّواصُل مع الآخَرين في المجتمع.
أهمّيَّة عقليَّة: اللغة هي أداة التَّفكير والثقافة للفرد.
أهمية نفسيَّة: يعبر بها الإنسان عن رغباته وانفِعالاته، مثال ذلك الشعراء والأُدَباء الَّذين يتغنَّون باللّغة.
أهمّيَّة جماليَّة: تفيد الإنسان في تذوق الأعمال الأدبيَّة المختلفة من شعر ونثر.

يقول الفيلسوف الألماني فيخته: اللغة تجعل الأمَّة الناطقة بها كلاًّ متراصًّا حاضعًا لقوانين محدَّدة، وهي الرابطة بين عالم الأجسام وعالم الأذهان.

ويقول "فوسلر": "إنَّ اللّغة القوميَّة وطن روحي يأوي من حُرِم وطنه علي الأرض.

ويقول مصطفى صادق الرافعي: "إنَّ اللغة مظهر من مظاهر التَّاريخ، والتَّاريخ صفة الأمة، فاللّغة هي الصفة الثَّابتة التي لا تزول إلاَّ بزوال الجنسيَّة وانسلاخ الأمَّة من تاريخها".

فقد ظهر مع مجيء الإسلام مصطلحات كثيرة، ودلالات جديدة للألفاظ استلْزمتْها قواعد التَّشريع وأصول تأدية الفرائض، وسائر الأحكام والأمور الدينيَّة الَّتي جاء بها الإسلام، كما في ألفاظ: القرآن الكريم، والإسلام، والصَّلاة، والزَّكاة، والتَّكبير، والأذان، ومئات غيرها من المصطلحات التشريعيَّة والدينيَّة، التي أغنت اللغة كثيرًا في تلك الحقبة، وأنْمت مفرداتِها ودلالاتِها، والعربيَّة ملازمة للفرائض الإسلاميَّة، فقد أوجب الإسلام أن تكونَ إقامة الصَّلاة وتلاوة القرآن وترْتيله، والأذان، ومناسك الحجِّ، والدّعاء، وسائر الشَّعائر الدينيَّة، كلّ ذلك باللغة العربية، وفرض على المسلمين في مختلف الأقطار والأمصار تعلُّم آيِ القرآن وحفْظه وفهْمه والإكثار من تلاوتِه، ويتحتَّم على الإمام والواعظ إتْقان العربيَّة؛ لكي يفهم أحكام القُرآن والسنَّة، ويحسن شرحها وتفسيرها.

ومعروف أنَّ أحكام القرآن وتعاليمه لا يصحّ أن تؤخذ إلاَّ من نصِّه العربي، ولا تعدُّ ترجمته إلى أيّ لغة إلاَّ تفسيرًا لمعانيه، فلا تستنبط أحكامُه منها؛ لكلّ هذا ارتفعتْ منزلة العربيَّة عند المسلمين، وتفقَّه المختصّون في دراسة علوم العربيَّة ووضع قواعدِها في النَّحو والصرف والبيان والمعاني وموازين الشّعر، ورسم الحروف والخطّ وغيرها، وألَّفوا فيها عددًا ضخمًا من نفائس الكتب، ومنهم العرب وغيرهم.

ونشطت لذلك بوجه خاصّ في زمن باكر مدرستا البصرة والكوفة، فظهر في الأولى مثلا أوَّل معجم لغوي، وأوَّل كتاب في أوْزان الشعر، وأشهرها كتاب "العين" في نحو العربية منذ أكثر من اثنَي عشر قرنًا، وهو معجم للعالم الفذِّ الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، وكتاب "العروض"، ولسيبويه تلميذ الخليل وساد علمه وممحّصه وجاليه، كتاب "الكتاب".

والفتح الإسلامي قد امتدَّ بسرعة إلى سورية والعراق ومصر، وبلاد فارس وليبيا وتونس، والجزائر والمغرب والسودان، والأندلس وجنوبي فرنسا وجنوبي إيطاليا، وصقلية، وإلى بلاد الترك والأفغان والسند والهند وقفقاسيا، وغيرها من الأقطار الأُخرى الَّتي فتحها العرب واعتنقتِ الدّين الإسلامي.

وسرعان ما انتشرتْ مع الإسلام اللّغة العربيَّة، لغة القرآن، فهي الملائِمة لشرْح أحكام التَّنزيل والسّنَّة ونشْر الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة، فحلَّت بمرونتها وتعبيريَّتها محلَّ اللَّهجات السريانيَّة والآراميَّة المحلّيَّة في سورية والعراق، وأزالت اللُّغتَين اليونانيَّة والفارسيَّة فيهما.

وكان الخليفة عبد الملك قد أمر في ثمانينيَّات القرن الأوَّل الهجري بتعْريب الدَّواوين في سورية والعراق، بعد أن كانت لغتاهما الرَّسميَّتان اليونانيَّة والفارسيَّة، وحلَّت العربيَّة أيضًا محلَّ اللغة القبطيَّة في مصر، والبربريَّة في أقطار شمال إفريقيا، ومحلَّ الفارسية في بلاد فارس، وإن كانت هذه قد عادت إلى الاستِعْمال في القرن الرابع الهجري، ودخلت العربيَّة بقيَّة الأقطار التي دانت الإسلام، وبادر كثيرون ممَّن اعتنقوا الدين الإسلامي إلى تعلّم العربيَّة لفهم أحكام الدين، ولحُسْن الانتظام في سلك الدَّولة العربيَّة الإسلاميَّة الَّتي انضوَوا تحت رايتها، وصار النَّاس في الأقطار الإسلاميَّة غير العربيَّة، ومازالوا يدينون بالاحترام لكلّ مَن يتقن العربيَّة؛ إذ هو المتمكِّن من فهْم أحكام القرآن ونشْر تعاليم الإسلام، وهكذا بات للّغة العربيَّة منزلة كبيرة في مناطق كثيرة من العالم، فتركتْ أثرًا ظاهرًا في كلّ اللّغات الَّتي اتَّصلت بها، ومنها الفارسية والتّركيَّة والأورديَّة والبنغاليَّة والسواحليَّة، ولغات ما وراء النَّهر وأفغانستان والسند والهند، ومالطة وإسبانيا وجنوب فرنسا وجنوب إيطاليا وصقلية.

وأثَّرت حتَّى في لغات الأقوام البعيدين الَّذين كانت للمسلمين معهم تِجارة، فانتقلت إليهم العربيَّة مع الإسلام، كما في ماليزيا وأندونيسيا والفلبين، ومازال في بعض اللغات مئات بل آلاف من الألفاظ العربيَّة، ففي اللغة الفارسية مثلا تَتراوح نسبة الكلمات العربية بين 4 بالمائة و 5 بالمائة، ومثل ذلك يقال في اللّغة التركيَّة التي تضم عددًا كبيرًا جدًّا من الألفاظ العربية.

وقد حلَّ رسم الحرف العربي محلَّ سواه في كثير من تلك الأقطار، فسهّل فيها تعلُّم العربية، ففي بلاد فارس مثلاً كانت الحروف الفهلوية المعقَّدة تستعمل قبل مجيء الإسلام، وحلَّ الحرف العربي السهل محلَّها، ومثل ذلك حصل في رسم حروف اللغات التركية التي استبدلت بها تركيا الحروف اللاتينيَّة في أواخر عشرينيَّات هذا القرن، (والكردية والأوردية والباشتونية) الأفغانية والبلوشية والبربرية، وغيرها.

لقد كان الفتح الإسلامي قد امتدَّ بعيدًا في غضون قرن وبعض قرن، وسرعان ما توطَّدت الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة فاحتكَّت بالحضارات والثَّقافات الأخرى، وتهيَّأ لها المناخ لحركة علميَّة واسعة بدأت بالاهتِمام بالتَّرجمة، فكان خلفاء بني العبَّاس يشترطون على أباطرة الروم بيْعَهم المخطوطات اليونانيَّة في مختلف العلوم لترجمتها إلى العربية، حتى إنَّ المنصور كان يدفع ما يساوي وزن المخطوطات ذهبًا، وأسَّس المأمون بيت الحكمة وأجزل العطاء للتراجمة، فترجموا علوم اليونان والهند في الطّبِّ والتَّشريح والهندسة والطبيعة والميكانيك والرياضيات والكيمياء، والفلك والجغرافية والأخلاق والفلسفة وغيرها.

ونشطت حركة التَّأليف العلمي وبرز علماء أجلاء تركوا آثارًا نفيسة في مختلف الفروع العلميَّة، فأصلحوا كثيرًا من الأخطاء العلميَّة لمن سبقهم، وأضافوا الكثير من المعرفة النَّظريَّة والتَّطبيقيَّة، حتَّى بقِيت كتبُهم وعلومهم تدرَّس في الشَّرق والغرب حتَّى أمدٍ قريب.




يتبع بتحديد مفهوم الثقافة






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس