عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-09-11, 12:23 رقم المشاركة : 1
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي إطلالات على الحياة من نوافذ مختلفة. (2) المستشفى



الأطباء يرتدون البذلة البيضاء والصابو الأبيض، والممرضون يرتدون البياض كذلك. الأغطية بيضاء، فقط قلوب الممرضات تحتاج إلى أن تصير بيضاء هي الأخرى.



المستشفى العمومي مثل فندق رائج، لا يوجد فيه سرير شاغر.. ويبدو أن أهالي المرضى لا يحبون أو لا يثقون في طعام المستشفى، فيحضرون معهم وجبات لمرضاهم، والمكلفات بالتغذية يعرفن ذلك حين يأتين ويجدن صينية الطعام على سيرتها الأولى، فيعدنها إلى المطعم.




في الممرات تمتزج رائحة الدواء برائحة الطعام المنبعثة من مطعم المستشفى، فتحس بنفسك في وضع غير مريح، وتتأكد أن الفرق بين الفندق والمستشفى هو الاستمتاع بالإقامة.



على فراش يرقد شاب له ثقب في حنجرته. عندما أدخل، أزوره ـ رغم أني لا أعرفه ـ وأدعو له بالشفاء.. الحاضرون من أقاربه يستبشرون، فأحس بالسعادة حين ترتفع معنوياتهم.



في نفس الغرفة، يرقد شاب في غيبوبة. آلمني وضعه كثيرا.. فقد قيل لي أنه تعرض لحادثة سير، إذ صدمته سيارة، ولم يكن يحمل هوية أو أي معلومة. هو هنا منذ أيام بعد ولم يزره أحد. والغالب أن أسرته لا يعلمون عنه شيئا، ويتساءلون عن غيابه.. إنه غريب في هذا المستشفى. في إحدى الأمسيات قال الممرض أن الشاب يحتاج إلى بضعة أكياس من الصيروم، وطلب أن يتطوع أحد ما ويجلب له ما يقدر عليه.



في أجنحة أخرى مرضى بأمراض مختلفة، وآلام مختلفة أيضا، لكنهم كلهم يتمنون لو كانوا خارجا. دخلت ممرضة، وطلبت من الحاضرين الخروج من الغرفة لفترة كافية لتغير ضمادة لامرأة خرجت من عملية جراحية.



امتثل الزوار. أثناء الانتظار شغلوا أنفسهم بالكلام حول مواضيع متنوعة: "لو كانت لدينا الإمكانيات لذهبنا إلى مصحةخاصة".. "المصحات الخاصة مثل المجازر".. "الأطباء هنا يأتون متأخرين لأنهم يشتغلون في مصحاتهم الخاصة".. "على الدولة أن تراقب ما يحدث".. "عرفتو السبيطارات فالخارج كي دايرين"... رجل شارد كان ينظر إلى الفراغ، تنهد وقال: "الله يهديهوم علينا"...




الممرضات لم تعد تؤثر فيهن مشاهد المرض وأنين المرضى بحكم العادة، ثم إنهن لا يتقاضين أجورهن من أجل المشاعر، بل من أجل القيام بعمل. لكن حبذا لو داخلت المشاعر عملهم قليلا.



بعد انتهاء الزيارة، خرجت من المستشفى وتنفست هواء نقيا مختلفا عما يتنفسه الآخرون بالداخل. خرجت وقلبي معلق مع من تركته في ذلك العالم، وفي دواخلي يتردد سؤال: ترى هل سيعرف أهل ذلك المريض شيئا عن ابنهم؟


بقلم: روبن هود





آخر تعديل روبن هود يوم 2014-09-11 في 18:44.
    رد مع اقتباس