أزمَةُ القلَم العربي مرام شاهين أودُّ أن نتّفقَ معاً عزيزي القارئ ، وقبلَ أن تغوص في هذه الأزمةِ الّتي شغلت تفكيري، على أمرين : أوّلهما أنّني لا أتكلّمُ على التّعميم ، وثانيهما أنّني أحصرُ كلامي اللامُعمَّم في فئة الكُتّابِ الشّباب .. في خِضَمّ تطوّراتِ جيل التسعينيّاتِ الضّخم ، قرحةُ الشّبابِ المُنفتحةِ بغزارةٍ على حُبّ العلمِ والتّعلم ، وتطويرِ القدُراتِ والمواهِب ، في هذه الكوكبةِ الهائجةِ من وسائل نشرِ الحرف و استطاعةِ امتلاكِ القلَم لمَن أراد ، سواءٌ أكانَ قلماً خشبيّاً أو كبساتٍ (كيبورديّة) إن صحَّ التعبير ، أو حتّى لمَساتٍ على شاشةٍ مُسطّحة تأمرُها أنتَ بالكتابةِ بمجرّدِ تمرير إصبعكَ عليها ، فتكتُب ! في ظِلِّ هذا وذاك ، أنظرُ إلى المُحتوى العربيِّ العام ، المليء كأيّ محتوىً آخر بالغثِّ والسّمين ، المُنكبِّ عليهِ فئةُ الممتهنينَ الجُدُد لمهنةِ الكتابة ! قد تستغربُ من تسميتي إيّاها للمهنة ؟ وإنّني جعلتُها كذلك بعدما طالعتُ كُتبَ أستاذي علي الطّنطاوي و معاركُه الطّويلة مع دورِ النّشر ، تجعلُهُ يجوبُ هنا وهناك لأجل أن يوصِلَ حروفاً لا يبغي منها سوى رسالةً إلى القُرّاءِ تصِل ، مُقارنةً ذلكَ بالكُتب المكدّسةِ على أرفُفِ دور النشر في زمانِنا ، يتصدّرُها أسماءُ رواياتٍ كثيرة ، و دواوينَ كبيرة ، خواطِرَ ومقالات ! وبصفحاتِ الشّبكة العنكبوتيّة الّتي بات النّشرُ فيها سهلاً يسيراً ، لا معنى لزرّ (الإعجاب) أمامَ بضع دولارات تدفعُها للموقعِ النّاشر ، فيحضرُ الإعجاباتِ إليك ! إنّكَ إذا ما جرّبتَ أن تقتني إحدى تلك الكتُبِ عبثاً دونَ بحثٍ مطوّل عن اسمِ كاتبٍ مُناسب ، فإنّك ستقعُ حتماً وبنسبةٍ كبيرة لن أختلقَ لها رقماً ، ستقعُ على روايةٍ شاعريّة تبتدي بالنّظرة ، يتوسّطها وصف المحبوبةِ والحبيب ، يُنهي أوراقُها زواجهُما أو وفاةُ أحدِهما أو تعاسةُ نهايتِه بما أنّهُ قد اختارَ الخيانة ! قد تطولُ صفحاتُ القِصّة لتأتيكَ مثلاً بتفاصيلِ المحبوبةِ المظلومة ، أو العاشق الولهان الّذي أسكرتهُ حركاتُ معشوقتِه وهو يرقبُها طيلةَ المساء من نافذةِ غرفتهِ المجاورةِ لغرفتِها ! حتّى وإن انتقلنا إلى عالمِ الدراما على سبيل المثال والّذي لا وجودَ لهُ دونَ وجودِ المؤلّف ، ستجدُهُ كالسّابقِ أيضاً أو لرُبّما أدهى وأمَرّ ! هذا و مع غضّ النّظرِ الّذي لا يُغَضّ ، إلى الكلمةِ الشّهيرة المعبّرة عن الحنين (اشتقتُ لكي) بياءٍ أخيرة ! و من كاتبَ ذا سُمعةٍ وجاه ، يطبعُ كتابهُ وبالنّقودِ نشتريه ! ( أرجو منكَ أن تقرأ سطري الأوّلَ مرّةً أخرى إن أنتَ نسيت أنّني لا أتكلّمُ على التّعميم ) أيّها الكاتبُ المرموق ، أيتها الرّوائيّةُ صاحبةُ الموهبةِ والقُدرةِ على التّعبير أيّها الشّاعرُ معسول الكلمات ، أيّتها القاصّةُ أو المؤلّفة السينيمائيّة حاذقةُ الذّكاء والخيال إلى متى سيبقى مُحتوانا العربيّ ، من أفلام كرتونيّة إلى مسلسلات دراميّة وصولاً بالّروايات والدّواوينَ وصفحاتِ التّواصل الاجتماعيّ إلى متى سيبقى كلُّ ما فيها ، يدورُ حولَ المشاعرِ والمشاعرِ فقط ! مهمّشينَ الواقعَ الّذي نعيشُه ، والّذي هو أجدرُ بنا بالتّدوين ؟ مهمّشين سلوكيّاتِنا ، أخلاقِنا ، رسالةَ الكاتبِ وأهدافهِ الخاصّة الّتي لابُدَّ وأن قامَ بخَطّها في ذهنهِ على الأقلّ قبلَ أن يُمسِكَ بالقلم ؟ القلمُ هو أساسُ النّهضةِ المرجوّة والنّصرِ المُتَمنّى القلمُ هو من يصنعُ الأمجاد ، ويُحطّمُ –إن أرادَ صاحبُه- الأجيال ! القلمُ هو من يُتيحُ للفنّانِ أن يرسُمَ صورةَ شخصيّةِ الكرتونِ الّتي يُدمِنُها أطفالُنا ، وهو من يفتحُ الأفُقَ للمُنتِجِ الماهرِ أن يُحرّكَ يدَ هذهِ الشّخصيةِ تبطَحُ الشّخصية الأخرى أرضاً أو ترفعُ عن طريقِه الأذى و القُمامة .. القلمُ هو من يكتبُ أشعارنا المُغنّاة ، نُدمِنُها ونحنُ في طريقنا إلى العمل ، أو على السّرير نُعاني من الأرقِ ! القلمُ العربيّ .. هو دواءُ جِراحِنا الّتي لا يشفيها سواه ! فأحسنوا بثَّ روحِ التّفاؤلِ بين حبره ، ذكّرونا بأمجادنا ، وأطلعونا على جميلِ مستقبلنا الّذي ستصنعوهُ بريشاتِ أقلامكُم ، و محابرِها جميلةُ الخَطّ طويلةُ الأمَد .. مرام شاهين