الموضوع: نفس الغياب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-06-01, 22:12 رقم المشاركة : 1
عبد الحفيظ كورجيت
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية عبد الحفيظ كورجيت

 

إحصائية العضو









عبد الحفيظ كورجيت غير متواجد حالياً


افتراضي نفس الغياب


نَفَسُ الغياب



غياب بحجم الحضور, حضور الذين احتوتهم القبور و أنفاسهم بيننا تدور. حضور تشهده الوسادة التي كانت تحمل وجنتيه وظهره في أيام المرض الأخيرة. تكاد تنطق لتقول أنه كان هنا وهو يتهيأ للنوم أو يصارع الدّاء متسلّحا بالتّسبيح والدّعاء . حضور يشهده دفء اللّحاف حين كان يهجره ليعانق لفح القرّ وهو ذاهب لصلاة الفجر.
أشجار الزيتون التي كانت تحيط بمسجد عمر ابن الخطاب, حيث كان يحلو له المقام, تكاد تبوح بمناجاته كلما جلس تحتها قبل صلاة الفجر في انتظار فتح الباب. ورغم أن الزيتون لقي حتفه بقرار من المجلس البلدي فما زالت الجذور هناك حافظة للعهد تشهد له حسن الجوار.
أما العصا التي أعانته على حمل جسد أنهكته الأيام والأسقام فلن تنسى مصافحته لها كلّما هَم ّبالخُروج وكيف كانت تردُّ المصافحة بأحسن منها فتأخذ بيده إلى بيت مريض أو بيت عزاء وترافقه إلى المسجد من صلاة الصبح إلى العشاء.
جلابيبه مازالت تحفظ أنفاسه مذ اختار التحرّر من محاصرة سروال ومعطف لجسد اختار حرية الحركة داخل جلباب لا يفرض عليه الاحتياط في الحركات والسكنات للمحافظة على أثر المكواة.
أمّا العمامة البيضاء, والتي كانت تميّزه, فما زالت هُنا تحمل بصماته وهو يطويها بشكل خاص ويلفّ بها رأسه بطريقة مميّزة. عمامة كانت لا تترك رأسه إلاّ في عُهدة المخدّة : لا يمكن أن ترى رأسه إلاّ فوق وسادة أو تحت عمامة. تلك العمامة التي بقيت وحيدة لأول مرة في المصحّة حين جرّده الممرّضون من لباسه وأسلموه إلى الجرّاح.
مازال صدى دعائه لي يتردد في كل مكان في البيت .كلما قبّلت يده ,أكرمني بقوله: "الله يجعلك من عباد الله الصالحين". كان يدرك بفراسة المؤمن حاجة الأب لابن صالح. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أوعلم ينتفع به اوولد صالح يدعو له." فاللهم اجعلني من عباد الله الصّالحين لأكون أهلا للدعاء لأبي رحمة الله عليه.






التوقيع

اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنّا


    رد مع اقتباس