عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-04-24, 06:23 رقم المشاركة : 2
الشريف السلاوي
مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية الشريف السلاوي

 

إحصائية العضو









الشريف السلاوي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية البرونزية

افتراضي رد: المثل الشعبي وصناعة ثقافة الإحباط


ب- ويأتي المثل الموالي ليؤكد على تلك المعاني المستفزة السابقة،وليمارس اضطهاده الشرس لكل من سوّلت له نفسه أن يسلك معارج الطموح. نجده يوجه أوامره العسكرية بنبرة إرهابية تحقيرية،يريد من خلالها أن يصادر من الإنسان تطلعاته وكل أحلامه،و أن يعيق مشاريعه وكل آماله .فعبارة(مدْ رجلك على قدْ لحافك) شعار واضح وصريح لثقافة بائسة تسوّق للإحباط، وتدفع الفرد و الجماعة إلى قتل فورة الإرادة، وطمس ينبوع الحيوية، ومحاربة كل رغبة في التغيير.فالطموح صار ذنبا و جريمة ،والتطلع إلى الآفاق ردة وزندقة،والرغبة في تطوير الذات وتفيق الملكات طوباوية حالمة .فلذلك وجب على المرء - حسب هذه الثقافة - أن يكون راضيا قنوعا،محدود الرؤية،مسدود الأفق.فلا يُسْمح لأرجله بأن تتمرد على لحافه.فالحدود قد رسمت،والألغام قد زرعت ،و الخنادق قد حفرت،ولا مجال للطمع في توسيع منطقة نفوذ الأحلام.فهناك أهل القمم وأصحاب النعم ،من يملكون خرائط الفرص،و من يجوز لهم توسيع نفوذهم بلا موانع ،واجتياز حدودهم بلا رخصة أو جواز مرور.أولئك يقال لهم:امتلك وتنعّم وارتق،واقتنص ما شئت من الفرص و سابق ،ومد رجلك،وتمرد على لحافك.فهناك متسع لك ولأحلامك.
إن هذا المثل الشعبي يشيع في النفوس آفة العجز، ويكرس ثقافة الكفاف ، ويربي الأجيال على التأني في المسير، ويحذرهم من التجرؤ على ارتكاب "كبيرة الطموح"، التي لا يكفرها سوى الانسحاب والاستسلام و التراجع إلى المواقع الخلفية.
ج- في النموذج الثالث (المرا بْلا وْلاد بحالْ الخيمة بلا وْتاد) ينفذ المثل الشعبي أشرس هجماته،ويرفع سوط رهبته، ويوجه أقوى ضرباته إلى كيان تعس حطمته الأيام ،وإلى قلب جريح غدرت به الأماني و الأحلام، يضرب كيان امرأة استبد بها اليأس و الحرمان، فملّت الانتظار وملّها الانتظار، و فقدت ما بقي لها من رجاء و آمال. يأتي المثل الشعبي ليزيدها ألما وفتكا وتحطيما. يحمل إليها رسالة ملغومة،لتنفجر في قلبها بركانا مدويا يحدث في أعماقها القلق و التمزق وعدم الاطمئنان على الزمن الآتي.يهديها بشرى سامة، تلوّث ما بقي لها من حيّز في هذا الوجود:الإعصار قادم، وخيمتك لا محالة مستهدفة.فلا أوتاد ولا أولاد ولا أحفاد.ليس لك جذر يحميك، ولا ظل يؤويك، ولا سواعد تمنع عنك عاديات الزمان.فشبح المجهول مشتاق لرؤيتك،وأظفار الدهر تشحذ لنهش صورتك...تلك هي المعاني الجارحة التي يحملها هذا الخطاب المدمر.وليتصورْ كل واحد وقْع هذه المعاني الصادمة، و أثر هذا الزلزال على كيان متصدع فاقد لطعم الحياة .ماذا عساه أن يفعل؟ وكم يستطيع أن يتحمل ويقاوم؟
د- أما المثلان الرابع و الخامس فينتظمان ضمن ثقافة التمييز التي تكرس تلك النظرة الدونية إلى المرأة.فلا ترى في هذا الكائن البشري الضعيف سوى وسيلة معدة للإشباع الجنسي و أرضا صالحة للحرث والنسل ،وورشة مهيأة للإنتاج.فهذا النوع من الأمثال الشعبية تركة منحطة لثقافة متخلفة أهانت المرأة كثيرا،وارتكبت في حقها جرائم تاريخية لا تنسى، وعاملتها بازدراء شديد،وسلبت منها صفتها البشرية و حقوقها الإنسانية.هذه الأمثال الشعبية تروّج لصورة سلبية عن المرأة،صورة مستمدة من واقع ثقافي بدائي متجاوز.هذه الصورة نتاج ثقافة ذكورية متسلطة متحكمة،امتهنت المرأة واستعملتها متاعا وسلعة وجارية.ومع الأسف الشديد،فقد ظلت رواسب هذا الإرث القيمي والإجتماعي المنحط راسخة في بعض العقول المتعفنة،معششة في الجينات، و اكنة في الخلايا، وثاوية في طبقات الفكر.ما تزال تمارس حضورها الاجتماعي ،وتعلن عن وجودها في البنية الذهنية وفي العلاقات الاجتماعية.
فالحمولة الدلالية لهذه الأمثال الشعبية سلاح اجتماعي فتاك ومدمر،يكشف عن درجة قصوى في الميز الجنسي بين المرأة و الرجل.ويدل على خلفية عدوانية استغلالية في النظرة إلى الفتاة وفي التعامل مع المرأة بشكل عام. ف "البنتْ إما لرجلها و إما لقبرها" و "بنْتك ما تعلمها حْروف، وما تسكنها غْروف" .
هذان المثلان اختزال لثقافة عصور بأكملها،وترجمة صريحة وواضحة للعقل المغربي البدائي الذي ينتمي لعصور التخلف و التحجر،حيث كانت المرأة محاصرة بين قبرين لا ثالث لهما ؛إما قبر الحياة أو قبر الممات.محرومة من الانخراط في المجتمع كعنصر فاعل مؤثر منتج، فلا دور ولا وظيفة لها سوى المساهمة في التناسل والتكاثر و خدمة الرجل.
وقد كانت هذه الممارسات الظالمة المتوارثة مبررة ومقبولة في العصور المتحجرة،فحماية الشرف و تجنب العار وحفظ النسل أثقال قيمية وموجهات اجتماعية حقيقية، تحكمت في الذهنية الشعبية و في العلاقات الإنسانية.وقد شكلت المرأة البؤرة التي اتجهت إليها الأنظار ،وارتبط بها مصير الأسرة وسمعتها.
ولذلك تغلق الأبواب و النوافذ،وتحرس الممرات والمسالك،وتوضع الفتاة في غياهب الغرف والمنازل،وتحرم نعمة التعليم ونور الحياة، في انتظار أولى الطرقات أو أولى الصفقات.ليخرج هذا الكائن البشري/البضاعة/الأرض الصالحة للزراعة، في لفافته البيضاء،إلى معتقله الجديد،في رحلة مأساوية إلى قبره الأول،حيث يعيد إنتاج نفس التراجيديا،ويساهم بدوره في صناعة بضائع بشرية أخرى لصفقات لا تنتهي.

محمد شداد الحراق
نشر في هسبريس يوم 24 - 04 - 2014






التوقيع


" اللّهمّ ردّنا إليك ردّا جميلا "
    رد مع اقتباس