عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-04-24, 06:21 رقم المشاركة : 1
الشريف السلاوي
مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية الشريف السلاوي

 

إحصائية العضو









الشريف السلاوي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية البرونزية

b2 المثل الشعبي وصناعة ثقافة الإحباط


المثل الشعبي وصناعة ثقافة الإحباط


سأحاول في هذا المبحث التركيز على بعض الأمثال الشعبية التي تقوم بدور تربوي سلبي،وتسوّق لثقافة الإحباط في المجتمع،وتصنع نماذج بشرية يائسة و فاقدة الثقة في إمكانياتها و قدراتها. تلون الواقع بألوان قاتمة، تحجب الرؤية للآفاق البعيدة، و تمنع التعلق بخيوط الأمل و الرجاء. ومن سماتها كذلك أنها تركز على العيوب، وتضخم آثارها،كما أنها تكرس التمييز و الكسل و التخاذل ومحدودية الأفق وقتل جذوة الطموح.إنها تمارس حربا نفسية ضد الإنسان ،تثبط عزائمه ،وتحرمه من لذة التجربة ومن متعة المغامرة والتحدي. وتكون نتيجتها في الغالب، تأثيرا خطيرا مزلزلا ومدمرا لكيان الإنسان، بشكل يجعله ينسحب خائبا محبطا من معترك الحياة ،ويمضي أيامه في حالة رهاب وخوف وانتظار.يصاحبه الندم ،ويمزقه القلق،ويحرمه من التمتع بصور الجمال ومن رؤية النور في صفحات الوجود.
وفي هذا السياق أورد بعض الأمثال /المعاول التي تفتك بالإنسان، وتسعى إلى تدميره، و تعمل على إهانته وتحقيره، و تمنعه من ممارسة حقه الطبيعي في الحياة،بل تكرّس كل أشكال التمييز الطبقي والجنسي والنوعي،وتعيد إنتاج القيم الجاهلية وأنماط التفكير المتخلفة،وتقدمها في شكل نصائح مضلّلة و مشبوهة ،يتوارثها جيل عن جيل بسذاجة مفرطة.
1- العين ما تعْلا على الحاجْب
2- مُدْ رجلك على قدْ لحافك
3- المرا بْلا وْلاد بحالْ الخيمة بلا وْتاد
4- البنتْ إما لرجلها و إما لقبرها
5- بنْتك ما تعلمها حْروف، وما تسكنها غْروف
هذه العينة من الأمثال الشعبية المتجاوزة أخلاقيا ودينيا وإنسانيا ،ما تزال رائجة متداولة في المجتمع،وما تزال تمارس سلطتها التوجيهية على عقول الناس.تحدد تمثلاتهم ،وتصنع قيمهم،وتشكل صورهم الذهنية، و تؤثر على نظرتهم إلى المكونات البشرية التي يتشكل منها نسيج المجتمع.وقراءتنا للحمولة الفلسفية لهذه الأمثال تعرّي وتكشف الخلفية العنصرية و الطبقية التي كانت وراء صياغتها في شكل إبداعات شعبية شفاهية مستفزة، تحمل في ثناياها فكرا متطرفا ومشروعا إقصائيا،يشيع البؤس واليأس والإحباط والخوف في النفوس،ويزكي الظلم و التخلف والميز والتسلط في الحياة.ولاشك في أن كل متأثر متشبع بالحمولة الفكرية لهذه الأمثال،إنما هو إنسان شاذ متطرف بهيمي،ليس له احترام لإنسانية الإنسان،ولا تقدير له لتعاليم الأديان.وإن تداول هذه الأمثال وتوظيفها في الخطاب اليومي ، يكشف عن خلل عميق في البنية العقلية الاجتماعية،ويشير إلى وجود تشويه خطير في منظومة القيم السائدة.
أ- أريد أن يتمعن القارئ مليا هذا المثل الشعبي، الذي يتم تداوله على نطاق واسع( العين ما تعلا على الحاجب).فلا شك أن منطوقه اللفظي و حمولته الدلالية يكشفان أولا عن خلل في التصور. فهل كل من قُدّر له أن يكون يوماً هو الأعلى، يكون دائما هو الأسمى؟ أليست العين قد شرُف قدرها وعظُمت مكانتها ،ومع ذلك علاها الحاجب خادماً لها وحامياً لحماها؟ ومن ناحية أخرى،إننا نلمس في هذا المثل الشعبي ذبذبات نظرة طبقية متعالية متعصبة.تدعو ضمنيا إلى الرضا و الرضوخ و قبول كل وضع باعتباره قدرا نازلا، ولا اعتراض على القدر.فلا مجال للاحتجاج أو المطالبة بالتغيير أو ممارسة فعل الاستنكار، مهما كانت الأحوال و الظروف .فالحكم قد صدر، والأمر قد حُسم، فليس على المرء سوى الانغماس في بحر الاستسلام الأبدي،وترديد تراتيل الصبر و الشكر و أنشودة السمع و الطاعة.فالجميع قد اتخذ موقعه المناسب ،والكل قد حصل على نصيبه المقدر له،ورداء الحياة قد نُسجت خيوطه، وفُصّلت أطرافه، وحُدّدت معالمه القارة و الثابتة،والتي لا تقبل المراجعة أو المغايرة.فلا تسْعَ أيها الإنسان، ولا تتعبْ، ولا تحلم، ولا تبْرحْ مكانك، و لا تتمرد على قدرك،ولا تتبع أهواءك، حتى لا تضلَّ فتشقى.فأي قيمة هذه التي يكرسها هذا المثل الشعبي؟و أي نموذج إنساني يمكن أن تنتجه وتصنعه هذه القيمة؟و أي لون تكتسيه الحياة إذا سادت هذه الثقافة المحبطة لكل طموح و المعيقة لكل تغيير؟
إنه مما لاشك فيه أننا نستثمر سموما فكرية، نلوث بها عقولنا، ونوجه بها سلوكنا، و نربي عليها أبناءنا، و نصوغ بواسطتها نظرتنا للحياة.نقدم الكرامة و كل الحقوق الإنسانية قربانا لصنم أجوف اسمه :المثل الشعبي.نقدسه دون ريب، ونتلقفه دون وعي،ونتداوله دون إدراك لآثاره الخلقية و النفسية المدمرة و الناسفة لكل المعاني و القيم الحضارية، التي جاهدت الإنسانية كثيرا من أجل اكتسابها عبر تاريخها الطويل.

- يتبع -





التوقيع


" اللّهمّ ردّنا إليك ردّا جميلا "
    رد مع اقتباس