عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-04-01, 08:01 رقم المشاركة : 1
الشيخ سند البيضاني
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية الشيخ سند البيضاني

 

إحصائية العضو








الشيخ سند البيضاني غير متواجد حالياً


افتراضي مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف .



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل : (( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .


مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف !!

توطئة :
لعل من أهم ما أصاب الدعوة إلى الله انحراف مفهوم الفقه ومساره منذ وقت مبكر – كما سيأتي بيانه - ولعل ذلك أيضا من أوائل أهم الأسباب التي أدت إلى كثير من الفتن ، وعسى الله بمنه ثم بفضل طلبة العلم في هذا المنتدى المبارك بإذن الله ، نسهم ولو بجزء يسير في تصحيح المسار من خلال إثراء الموضوع ، ولهذا الغرض تم وضع بعض الأسئلة .


أولا : الفقهاء والمتفقهة والعامة .. وفقه أعمال القلوب

جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره ((ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ )) ، وما من طالب علم إلا ويعلم أن فقه أعمال القلب أهم من عمل الجوارح ، وبسببها تتفاوت الأجور والمنازل ، وما من عمل شرعي أهم من غيره في ميزان الشرع إلا وهو أصعب منالا علما وعملا ومثاله الإخلاص والتوكل ، وعليه يلزم أن ينال فقه أعمال القلوب الحظ الأكبر دراسة وبحثا وتحريرا وتبيانا ، ولو بمقدار فقه أعمال الجوارح وخصوصا في موقعنا المبارك - بإذن الله - ، وذلك :

1) لأنه رسم لنفسه منهج أهل والجماعة .
2) يكثر فيه طلبة العلم - فيما يبدو لي حاليا .
3) لأن من علامات الإخلاص تقديم العمل الأنفع للمسلمين والأرضى لله "1" وإن كانت النفس تهوى عملا آخر تجد فيه لذة ، كالذي يحج أو يعتمر كل عام ، وهو بهذا المال يستطيع فعل الأنفع للمسلمين والأرضى لله .
4) حاجة الناس إلى تعلم فقه أعمال القلوب ، ذلك لانتشار الجهل فيه .

وإذا نظرنا اليوم إلى مفهوم الفقه عند الخلف نجده في معظمه يطرق كثيرا فقه أعمال الجوارح لإتقانها ، ولعل السبب الأهم في ذلك يعود للنزاع والتنازع الفقهي الذي حصل بين غالب الفقهاء والصوفية قديما – ويمكن حديثا أيضا _ .
ففي القرون المفضلة لم يكن هناك تمييز يذكر بين عالم في فقه أعمال القلوب وعالم في فقه الشريعة – فقه أعمال الجوارح - ، ولم يظهر حينها مصطلح أهل المعرفة في مقابلة أهل الفقه ، وكان الفقيه عالم قلوب أيضا كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم كثير ، ثم مع انتشار التمذ هب الفقهي والتصوف ، صار يطلق على من يطلب العلم عند الفقهاء بالمتفقهة، ويطلق على من يطلب العلم عند المتصوفة بالمريدين .
وصار المتفقهة وغالب الفقهاء يهتمون بالإعمال الظاهرة والمتصوفة بالأعمال الباطنة - أعمال لقلوب -، ثم عجب كل فريق بما لديه فزهد كل فريق فيما عند الآخر، وحصلت بينهم عداوة وبغضاء .
وحتى يتضح مفهوم الفقه وأهمية إتقان أعمال القلوب وضرورة إعادة ترتيب فقه أولويات المدخلات الدعوية ، لتصحيح مفهوم الفقه ومساره بعد انحرافه ؛ فلابد من ذكر بعض الأقوال .

ثانيا : تحذيرات مبكرة لبعض أهل العلم من هذا الانحراف

1) الإمام الغزالي :
قال رحمه الله :
(( ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدلك عليه قوله عز وجل :

" لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِم "ْ2" ، وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له 3 )) .

2) الإمام ابن قدامة المقدسي :
قال رحمه الله :
(( فأما علم المعاملة وهو علم أحوال القلب ، كالخوف، والرجاء، والرضى، والصدق، والإخلاص وغير ذلك، فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان ‏، وأبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد‏ .‏
وإنما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصورة العلم من غير أخذ على النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه‏.‏
وأنت تجد الفقيه يتكلم في الِّظهار، واللِّعان ، والسبع، والرمى، يفرع التفريعات التي تمضى الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين ، لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية‏.
‏ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس في الإخلاص والرياء لم يكن له جواب‏.‏ ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمى، لقال‏:‏ هذا فرض كفاية ، ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضاً، فهلا تشاغل به، وإنما تبهرج عليه النفس، لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل بالمناظرة، لا بالحساب‏!‏
واعلم‏:‏ أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح .‏ فمن ذلك‏:‏ الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها، ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب‏.‏
ولذلك قال الحسن ‏ رحمه الله‏:‏ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم‏ ،فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة )) "4" . أهـ.‏

3: شيخ الإسلام ابن تيمية :
يقول رحمه الله :
أ) (( فغالب الفقهاء إنما يتكلمون به في الطاعات الشرعية مع العقلية وغالب الصوفية إنما يتبعون الطاعات الملية مع العقلية وغالب المتفلسفة يقفون على الطاعات العقلية ؛ ولهذا كثر في المتفقهة من ينحرف عن طاعات القلب وعباداته من الإخلاص لله والتوكل عليه والمحبة له والخشية له ونحو ذلك5 )) .
ب ) ويقول في موضع آخر :
(( كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة كل منهما ينفى طريقة الآخر ويدعى أنه ليس من أهل الدين أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين فتقع بينهما العداوة والبغضاء وذلك أن الله أمر بطهارة القلب وأمر بطهارة البدن وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه 6 )) .

ج) ويقـول :
(( فنجد كثيرا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابا أو استحبابا ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا7 )) .

د) ويقول :
(( وأنت تجد كثيرا من المتفقهة إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئا ولا يعدهم إلا جهالا ضلالا ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئا وترى كثيرا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة والعلم شيئا بل يرى أن التمسك بهما منقطع عن الله وأنه ليس عند أهلها شيء مما ينفع عند الله ، والصواب أن ما جاء به الكتاب والسنة من هذا وهذا حق وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا باطل 8)) .

4) الإمام الذهبي :
يقول رحمه الله :
(( جاء عن بعض السلف – رضوان الله عليهم - مثل "9" سفيان الثوري ، مجاهد، سماك، حبيب بن أبي ثابت، هشام الدستوائي )) قالـوا: (( طلبنا هذا الشأن ومالنا فيه من نية ثم رزقنا الله النية من بعد . ثم قال: قلت: نعم يطلبه أولاً والحاصل له حب العلم وإزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك ، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ولا صـدق نية فإذا علـم حاسـب نفسه وخـاف مـن وبال قصده فتجيئه النـية "10")) .

5) العلامة المناوي :
يقول رحمه الله : (( ولو سئل فقيه عن نحو الإخلاص والتوكل أو وجه التحرز عن الرياء لما عرفه مع كونه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه ولو سئل عن اللعان والظهار يسرد من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج لشيء منها11")) .

6) حمدون بن أحمد :
سئل حـمدون بن أحـمد : (( ما بال كلام السلف أنفع من كلامنـا ؟
فقال : (( لأنـهم تكلموا لعز الله ونجاة النفوس ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفوس وطرب الدنيا ورضا الخلق )) .

ثالثا : أسئلة لإثراء الموضوع .
من وجهة نظرك :
1) ما هي الأسباب أدت إلى الإقبال على فقه أعمال الجوارح وتقديمه على فقه أعمال القلوب ، مع أنهم يعلمون فقه القلوب أهم شرعا والناس بحاجة ماسة إليه ؟
2) هل ممكن أن يصلح الظاهر صلاحا حقيقيا قبل صلاح الباطن أولا ؟
3) ما هي آثار صلاح الظاهر قبل صلاح الباطن ؟
4) ما هي المقترحات و الحلول لمعالجة هذا الانحراف ؟
5) هل عندك بعض الأفكار لتنمية فقه أعمال القلوب ؟

وفي الأخير أسأل المولى أن يرزقنا العمل والإخلاص ، و أحياء مفهوم الفقه ومساره إلى ما كان عليه سلف الأمة . وكما قال بعض السلف رضوان الله عليهم لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .

عن كتاب (( فرائد الفوائد )) الكاتب .
(( هذا مايسر الله إذ استخرته والخير ما يسره الله ،
وماخاب من استخار ومَنْ هَابَ خَابَ )) .

= = = = = = الهوامش = = = = = = ===
1 ) لمزيد من الفائدة ينظر (( الإخلاص والنية )) .
2 ) سورة التوبة : آية : 122
3 ) إحياء علوم الدين 1/63 .
4 ) مختصر منهاج القاصدين : (( 1/7 )) . .
5 ) مجموع الفتاوى : (( 20/72)) .
6) ( مجموع الفتاوى ((1/15)) .
7 ) مجوع الفتاوى (( 1/15)) .
8 ) اقتضاء الصراط ((1 /10)) .
9 ) ينظر : العلل ومعرفة الرجال /3/235" ، "حليلة الأولياء /5/285، 6/367، "سير أعلام النبلاء /4/455، " 7/17" ، "7/152".
10) "سير أعلام النبلاء /7/17"
11) فيض القدير 6/262 .






التوقيع

توقيع محب الاستخارة
(( اللهم هذه غاية قدرتي فأرني قدرتك واجعل أفئدة المسلمين تهوي إليها وأرني ثوابها في الدنيا والآخرة .. اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين )) .
يقول شيخ الإسلام
((فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ مَا لَا يُحَاطُ بِهِ)). ((وكذا دعاء الاستخارة فإنه طلب تعليم العبد ما لم يعلمه وتيسيره له)).
    رد مع اقتباس