الموضوع: مقالات تربوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-03-16, 07:24 رقم المشاركة : 3
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


إنماء السلوك المدني بين طموح الخطاب المدرسي وتعثر الممارسة اليومية.
محمد الجيري – مفتش تربوي، نيابة تنغير.
__________________________
من المؤكد أن الاضطرابات التي تطال السلوك المدني للمتعلمين باتت تمثلمشكلة اجتماعية حقيقية تحتاج إلى كثير من البحث والدراسة والتقصي، وأيضالكثير من التأمل والتأني والوعي والاستعانة بما توصلت إليه مختلف العلومالإنسانية في هذا المجال، من تقنيات وأساليب للكشف عن مختلف الجوانبالمتعلقة بهذه المشكلة. وإذا كانت الأبحاث والدراسات قد وفرت للباحثينإنتاجا غزيرا حول موضوع المواطنة والسلوك المدني ، محققة بذلك زخما نظرياهاما يستجلي كل الجوانب المرتبطة بهذه الظاهرة، طارحة بذلك عددا منالاجتهادات الفكرية المتمحورة أساسا حول دراسة وتفسير الأسباب والدوافعالنفسية والاجتماعية والثقافية لهذه الظاهرة،فإنه مع ذلك لا يزال أمامالبحث والدراسة مجال واسع لتسليط الضوء على الآليات والمقاربات البيداغوجيةالكفيلة بأجرأة الخطاب المتعلق بقيم المواطنة والسلوك المدني،وتحويلهإلىقناعة فكرية، وإلى التزام ينعكس بالإيجاب على سلوكيات المتعلمينومعاملاتهم، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية الجارية على مختلف الأصعدة.
تحديد المفهوم:
السلوك المدني مفهوم مركب من مكونين يحيلان على الأخلاق والإيتيقا، وعلىالتمدن كحالة مجتمعية سمتها التحضر، وينطوي المفهوم على حمولة سياسيةوثقافية ، وتؤطره منظومة أخلاقية محددة وضوابط قانونية معينة، وهذايمنحهأبعادا متعددة: أخلاقية، اجتماعية، قانونية ، تربوية..، ويندرج هذاالمفهومضمن شبكة مفاهيمية واسعة تتعدد في إطارها الدلالات ، بيد أن هذاالتعددالذي تسنده حقول واسعة مثل القانون والأخلاق وقواعد السلوك وأنماطالتربية ،من شأنه وبصورة مزدوجة: أن يسهم وبخصوبة في تحديد المفهومنظريامن جهة،وأن يجعل تحديده على صعيد الممارسة أمرا صعبا من جهةثانية، غيرأنالاقتراب من المفهوم وملامسته من منظور تربوي يقتضي تعيينعمليات تتصلبترسيخ مبادئ المجتمع وقيمه، وجعلها منفتحة على القيمالكونية، ومعرفةالمؤسسات والقواعد والالتزام بها، والوعي بالتفكير الحروالنقدي، وقبولالآخر، واحترام حق الاختلاف، والاقتناع بفضيلةالحواروالتواصل.
إنمشاريع إصلاح قطاع التربية والتكوين ببلادنا ، والمكتسبات المتحققةفيمجال التربية على المواطنة وحقوق الانسان لم تحل دون الاحتفاظ براهنيةسؤال المدرسة ودورها في تنمية السلوك المدني قياسا الى تنامي مظاهرالسلوكاتاللامدنية في فضاءات مؤسساتنا التعليمية، ومنها ظاهرتي العنف والغشبشتى تجلياتهما، وثقافة التخريب وإلحاق الضرر بالمرفق العام وبالبيئة،والتمرد عن القوانين التنظيمية،وعدم الانضباط لقواعد التدبير الإداريوالقرارات الصادرة عنه، فلماذا تواجه المدرسة المغربية تعثرا في تأديةدورها الطبيعي في إنماء السلوك المدني؟ هل التحول العميق الذي تشهدهالأنساق القيمية والثقافية وطنيا وكونيا يفوق من حيث وثيرته وحجمه جهودالمدرسة بوصفها فاعلا أساسيا لاستيعاب التحول الذي تعرفه منظومة القيم؟ هلتعزى بعض السلوكاتاللامدنية إلى الاكراهات التي حالت دون أداء المدرسةلوظيفتها التربوية أم الى الاختلالات المرتبطة بوظائف بعض بنيات المجتمعومؤسساته؟هل التنافر بين القيم التي تنشرها وتسيدها مؤسسات التنشئة ، ومنهاوسائل الاعلام بصفة خاصة يقلل من فاعلية مجهودات المؤسسة المدرسية فيإرساء السلوك المدني وتنميته؟
يندرجإنماء السلوك المدني ضمن الأدوار الطبيعية المنوطة بالمدرسة،بالنظر إلىتشعب أبعاد هذا السلوك، وتعدد تجلياته التربوية والاجتماعيةوالاخلاقيةوالقانونية، فالمدرسة قياسا الى وظائفها المحورية ذات الصلةبالتعلموالتكوين والتنشئة مؤسسة مؤهلة أكثر من غيرها للتربية على السلوكالمدنيباعتبارها فضاءايجسد مظاهر هذا السلوك وينشرها، ويسعى في الآننفسه الىاجتثات المظاهر اللامدنية المنافية للسلوك القويم، ومن ثم فتأهيلالمدرسةللقيام بدورها الاستراتيجي من أجل إنماء السلوك المدني تفرضهاعتباراتعدةمنها واجب ترسيخ قيم المواطنة وإشاعة السلوك المدني من منظوراجتماعيمحايث لاشتغال الافراد والمؤسسات وممارسة المهام في ظل واقع متغيرمنحيثنظمه القيمية والثقافية عبر العالم من جهة، وكذا حاجة المجتمع الىالتعبئةالشاملة من أجل إعمال السلوكات الإيجابية، وهذابدوره ينبع منصميمالوظيفة الدينامية للمدرسة كفضاء للتعلم والمواطنة يراهن عليه لتقديمإجابات عملية لأسئلة لصيقة بقيم المواطنة والسلوك المدني تطرحهاالممارسةالفعلية باستمرار.
يتأسسالفعل التربوي للمدرسة على ترسيخ القيم، بوصفها (أي المدرسة) منبرا لخلقفكر حر ، وترسيخ تفكيرنقدي ، وتقدير المسؤولية ، وممارستهاواحترامالاخر، فتقدير الذات يبدأ بتقديرالآخر،وذاك جسر لترسيخ قيمالديمقراطيةفي حياة المتعلم وسلوكه، فالتربية على المواطنة تغذي العقولبقيمإيجابية.ويحيلنا الهدف التربوي: بناء مواطن منفتح، معتز بهويته، مشبعبثقافة الحوار والتواصل بالضرورة على عملية بالغة التعقيد كونها مسؤوليةمجتمعية مشتركة تساهم بها كل من موقعه مختلف مؤسسات المجتمع المهتمةبالتنشئة الكامنة في انتاج القيم، ومعايير السلوك وضمان استمرارها .وتقعالمؤسسة المدرسية في طليعة مؤسسات التنشئة باعتبارها فضاء يراهن عليهالمجتمع لإنتاج الحصانة والمناعة الثقافيتين بقصد حماية الذات الاجتماعيةمن شبح الاختراق الثقافي الذي تسيده العولمة ، وهذا ما يسميه “إدغارمورانبلحظة “الفهم الانساني”، فالقيم هي الأصل في العملية التربوية،وهيالركيزةالرئيس للسياسة التعليمية، والموجه لغايات التربية، فالمصدرالأساسللأهداف التربوية ليس المجتمع، أو المتعلم، أو حتى المادةالمدرسة، والقيمهي التي تتحكم في جميع مراحل العملية التعليمية، فأزمةالتربية كمايرى”روجي غارودي”منأزمة القيم، وأول نتيجة لتطور العلموالتكنولوجيا هيالتأكيد على ضرورة التربية، حيث لا يمكن تكوين مواطنينبصفات مجتمع حديثإذا لم نبلغ مستوى كاف ومعقول من التربية، ومن مهامالمؤسسة المدرسية تحقيقالإدماج الاجتماعي عبر التنشئة التي تقوم بهابغية تمكين الفرد/المتعلممناستبطان القيم الاجتماعية والثقافية السائدةفي محيطه بما فيها منمفاهيموعادات وتقاليد…، ومن ثم يتحول الفرد/ المتعلم إلى كائن اجتماعي/ مواطنحامل لقيم المجتمع ومعاييره ولغته، ومنشأن ما تحقق من مكتسبات فيهذاالمضمار أن يؤطر تفكير الفرد، ويوجه سلوكهفي إطار البناء الاجتماعيالذيتتعهده المدرسة بجانب المؤسسات الموازيةالتي تضطلع بمهام التربية.
أضحىدور المدرسة المركزي في التربية على القيم يكتسي أهمية قصوى بالنظرالىالتحول المجتمعي وتأثر منظومة القيم داخله، والى التحولات الكونية منالناحيتين الثقافية والاجتماعية،فالتحولات العميقة التي تطال حياة الأفرادوالجماعات والدول بعالمنا المعاصر تثير إشكالية الثابت والمتغير فيمنظومةالقيم، هذه التحولات تقودنا حتما الى مساءلة وظيفة المدرسة،ودورهاالفاعلفي تنمية وترسيخ السلوك المدني ، فهل ما تشهده الممارسةاليومية منسلوكلامدني دليل يكفي لإثارة الشك حيال نجاعة المقاربةالمدرسية فيالاضطلاعبمطلب التنشئة الاجتماعية وبناء السلوك المدني؟ولعلالهدف الأسمىالذي تسعىإليه التنشئة هو البناء الشخصي لذات المتعلم،فالتنشئة تعدالطفل لتمثلقيم مجتمعه والحفاظ عليها، ودور المدرسة يكمنفي إكسابالمتعلمين الثقافةالايجابية، فالمناهج الدراسية ترمي الى إرساءوترسيخالقيم الايجابية لدىالمتعلمين نحو ذواتهم ونحو الآخرين،والتاريخ والتراث، عبر إنماء سلوكتقدير خبرات وتجارب الغير، والتفاعلمعها واستثمارها فيإطار التكاملالانساني، وتمكين الفرد من القدرة علىمساءلة الفكر، ونقدالثقافة بقصدتمثل ما هو إيجابي، فمعنى المدرسة يقومعلى ترسيخ القيمالنبيلة، وتمكينالمتعلمين من مواجهة المشاكل الحقيقية،والقيام باختياراتمسؤولة، وتقديمأجوبة تتعلق بالمستقبل الشخصي والمهنيللمتعلم.
يثيرموضوع تنمية السلوك المدني إشكالات عدة منها ما يتصل بواقعالممارسةالميدانية عنوانه تراجع الانضباط للواجبمرده البون الفاصل بينهاوبينالخطاب حول القيم ، ومنها كذلك ما له علاقة بالأجراة البيداغوجية،وانتقاءالآليات الكفيلة بإرساء حقيقي وفعلي للسلوك المدني، وترسيخه علىمستوىالحياة المدرسية وخارجها، وتعديلممارسات المتعلمين وتصحيحها، وفقمقارباتمتكاملة ومتدرجة، علاوة على التلاؤم المطلوب تحقيقه على صعيدالمناهجوالبرامج الدراسية وطرائق التدريس لضمان فاعليتها من أجل توطيدالسلوكالمدني.
تؤديالمدرسة رهانا معرفيا من خلال ما تقدمه من معارف مدرسية، بيد أنعملهايتجاوز ذلك نحو تحفيز فكر المتعلم، وإقداره على المساءلة ،والتمحيصوالنقد، وإثارة الشك داخل تفكير المتعلمين، وخلق وضعيات التفاعلالسوسيومعرفي التي تتيح تعديل وجهات النظر،وتعديل التصورات والتمثلات،واستدماج أفكار جديدة، فتلك مقومات أساسية لكل تنشئة تأخذ في الحسبانالتعلم والاشتغال المعرفي والوجداني،لم يعد القصد من التعلم هو تخزين أكبرعدد من المعارف، بل أضحى يخص تدريب المتعلم على قواعد التفكير، وتدبيرالوضعيات المشكلة بإعمال الذهن، ومنحه حركية ودينامية أساسهما الذهابوالإياب في منظومة التفكير الخاصة به من أجل تفكيك وهدم ومعاودة البناء لمايتوفر عليه جهازه المعرفي من رأسمال رمزي.
ليستالمضامين المعرفية هدفا في حد ذاتها ، بل المهم هو توظيف هذهالمعارفوالاقتناع بها، واعتمادها مرجعية للسلوك وللتفاعل داخل الواقعالاجتماعي،وهذا ليس معناه أن فهم الظواهر أصبح عديم الجدوى، فتقنياتالتواصلالمتطورة وإن كانت تتيح إمكانيات هائلة لبلوغ المعارف ، فإن تفسيرالظواهريكتسي ضرورة ، وتربية المواطن ينبغي ألا تكون بقصد جعله أداة فيخدمةقوةخارجية، وإنما لكي يتمكن من أخذ القرار الفردي والجماعي بخصوصكيفيةاستعمال مفهوم/قاعدة وتحديد الهدف وتقدير الامكانيات، ففي إطار تقديرالآخر وتثمين جهوده يبقى إدراك الحقيقة العلمية وحده غير مجد، دونمااستيعاب الطريقة المتبعة في إنتاجها وفهمها.
إن التربية على المواطنة وترسيخ السلوك المدني ليس معرفة تلقن، بقدرما هينشاط ذاتي يتعهده الفرد/المتعلم بنفسه انطلاقا مما تخلقه له المدرسة منوضعيات تعلم حقيقية يكتسب من خلالها المتعلم قواعد التفكير les Régles de raisonnement والتدبير الواعي للأنشطة الذهنية Gestion consciente des activités mentales، ومن خلال العمل بمبدأ المزاوجة بين نقل المعارف،والتكوين الهادف الى بناء الحكم عليها/ ومن خلال ترسيخ الفكر النقدي، وبينالتربية على القيم والتكوين الهادف الى الحكم على تلك القيم.
تعتبر الممارسة الفعلية السليمة من خلال الخبرات والتجارب اليومية داخلالمدرسة، وفي غيرها من الفضاءات العامة، مدخل أساس لإكساب الطفل الكفاياتالقيمية النبيلة التي تجعله يمارس إنسانيته بوعي متحرر يمنحه القدرة علىاقتراح مبادرات، وإنجاز مشاريع، باعتبارها أدوات للتواصل والإدماج المهني،وللتشبع بروح المواطنة، وهذا ما يجعل المدرسة تواجه تحديا حقيقيا له صلةوطيدة برهان تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة في التحصيل والتكوين، فإذاكانتالمدرسة معنية بتأسيس فعلها التربوي على ترسيخ القيم، فلا يمكن أنتتحققديمقراطية المعرفة العلمية إلا بالمعنى الذي تكون فيه تلك المعرفةديمقراطية، وفي متناول أكبر عدد من الأفراد، ومهمة المدرس تصبح ذات معنىإذا كان منخرطا ومشاركا في إنتاج قيم لدى أطفال مؤسسة على إكسابهم ثقافةالنقد، والتمحيص والمبادرة، وتفعيل المشاريع، وإبداء الرأي وتقدير الآخر.
إنخيار التوافق المعمول به فيما يتعلق بمنظومة القيم في المدرسةالمغربيةتنجم عنه تأثيرات سلبية تجعل المدرسة فاقدة لتجانسها وفعاليتها منتجلياتهالتضارب القيمي الذي تحمله المقررات الدراسية على اختلافها، وإذاكان





    رد مع اقتباس