الموضوع: يوم مع الشيطان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-11-29, 10:41 رقم المشاركة : 1
أم الزهراء
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم الزهراء

 

إحصائية العضو








أم الزهراء غير متواجد حالياً


افتراضي يوم مع الشيطان


يوم مع الشيطان قضاه الشيخ على الطنطاوي رحمه الله


كما ذكر في بعض كتبه أجتزئ منه هذه القطعة..... فيقول:

جعلت أرصد الشيطان فإذا هو مرابط لي عند كل طريق يؤدي إلى الجنة،

يأتيني كما أخبرالله عن يميني وعن شمالي ومن أمامي ومن خلفي،
ولكنه لا يستطيع أن يأتيني من فوقي، ولا يستطيع أن يسد عليّ طريق الاستنجاد بربي،ورأيت الإيمان كالحصن الذي يحصني منه، ولكن له في جدار هذا الحصن مداخل وثغرات احتقرها ليدخل منها، منها المداخل الكبار ومنها المداخل الخفية، وعلى المؤمن أن يبقى ساهراً أبداً يحرس حصنه، وأن يسد هذه المداخل سداً محكماً ليأمن عدم دخوله منها،وربما اغتنم الخبيث انشغال الإنسان بمراقبة مدخل منها فدخل عليه من غيره،كما صنع بي لما رأى أني لم أصدقه أن صلاتي باطلة، فعاد يدخل على من باب العُجب فيريني أنها الصلاة المقبولة الكاملة، وعلى مقدار سهر العبد في سد مداخل الشيطان وحراسة مالا يمكن سده منها يكون خلاصه من وسواسه في الدنيا،وينال نعيم الله في الآخرة.


والله لم يترك الإنسان في هذه الحراسة أعزل بل وضع في يده سلاحا ماضياً قاطعاً(رشاشاً ) يستطيع أن يرد به أعتى الشياطين، هو ذكر الله حتى يخنس الشيطان ويبلس وينكمش وينقطع وسواسه، وليس المراد الذكر باللسان فقط، بل الذكربالقلب،وهو الأصل فيه،والمسافر الذي يذكر وطنه و أهله، لا يقول بلسانه ولكنه يستحضرالوطن والأهل بقلبه،وذكرك الله هو ألا تنساه، وأن يكون دائماً في قلبك،وأن تتصور أنه مطلع دائماً عليك، وأنه معك،
فإن صحب ذلك الذكر المأثور باللسان فهو أحسن وأكمل.


* * * *

وكان لي مع الشيطان ذلك اليوم مواقف تستعصي على العد،أذكر منهاهذا على سبيل المثال على وسواسه.... حاول أن يسخطني على الله، ويكفرني بنعمه علي، حينما مر بي في الطريق رجل كان معنا في المدرسة، فخاب وقصر، وكان مضرب المثل في السوء، فطرد من المدرسة، فما هي إلا أن جال هاهنا وهاهنا حتى صار له الجاه العريض، والمال الكثير،فجاء الشيطان يقول لي أماترى هذا، أتكون أنت في علمك وفضلك دونه مالا وجاهاً،ما هو ذنبك حتى تقصر بك الأقدار عنه؟ فقلت أخرس يا عدو الله،تريد أن أكفر نعمة الله عليّ، وهل في الدنيا أحد نال الخير كله حتى ما يزيد عليه فيه أحد؟فلماذا انظر إلى هذا ولا أنظر إلى أناس هم مثلي ( إن لم يفضلوني ) علماً وخلقاً،وهم دوني في الجاه والمال؟ ولماذا تريدني أن أنظر إلى من هم فوقي في الدنيا لأحسدهم،ولا أنظر إلى من هم فوقي في الدين؟ لماذا أزاحم على زيادة درجات في دارالبقاء؟لماذا أحسد هذا إن صار ماله أكثر من مالي, ولا أحسد ذاك على أنه صلى أكثر من صلاتي، ونال أكثر من ثوابي،وكان له في بنك الحسنات رصيد أكبر من (رصيدي)؟
ولِمَ أحسده على ماله ولايحسدني هو على علمي؟ أليس العلم والخلق والذكاء نعماً كنعمة المال والجاه؟ وبعد فماذاينقصني؟


إنه لا ينقصني والحمدلله شيء احتاج إليه: صحتي جيدة وموردي يقوم بحاجتي ويفضل منه عنها، وأنافي سلام في بيتي، وفي راحة في عملي، وأنا راضٍ عن ربي،وليس لي مطلب إلا أن يبعدك الله عني!



* * * *
وحاول أن يثير ماأخمدته السنون من شهوتي،حين واجهت في (الترم) فتاة إفرنجية كأنها فلقة بدر،وقد كشفت عن النحر والصدر،والقدم والساق، وقد ألممت بهذا كله منها بالنظرة الخاطفة،وذكرت حديث النظرتين وأن( لك الأولى وعليك الثانية)فغضضت عنها وملت ببصري إلىالطريق، وبفكري إلى مسائل أخر، فرجع الشيطان بفكري إليها،وجعل يعيد عليّ تصورمفاتنها، ويمثلها لي على صور لا أستطيع أن أعرض لهابالوصف،وإن كان كل قارئ يدرك مثلها بالتصور، فسرقت عيني نظرة أخرى إليها،منى غير عزم مني عليها،فاستعذت بالله وقرأت الآية الكريمة:

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ

19/(غافر)


متعجباً من دلائل الإعجازفيها، وأنها ألمت بأربع كلمات فقط ،بحالات النفوس البشرية ودخائلها،( خائنة الأعين) ؟! لقد خانتني عيني حقيقة، فماأعظم أسلوب القرآن! ولما رأيت أن المعركة مع الشيطان قدطالت وخِفت أن لا أثبت في الميدان فررت بديني،ونزلت فوقفت أنتظر ( تراماً) آخر،هذاوإن أبن الخمسين فكيف بابن العشرين والثلاثين؟! وجاء الترام الآخر فركبته، وأحسست أن الملعون قد ركبه معي،فما أن أخذت مكاني في غرفة الدرجة الأولى، وسلم عليّ الجابي وسلم عليّ بعض الركاب،وأثنوا على أحاديثي ومواعظي.....حتى وسوس لي الشيطان يقول :

أرأيت أن ألسنة الخلق أقلام الحق، وأن ثناءهم عليك يكتب لك ويشهد لك بالصلاح.

فقلت: أعوذ بالله منك أن تخدعني عن نفسي، وأن تجعلني أصدق كلامهم فيّ. وصعد رجل ما عليه إلا أسمال ممزقة وسخة،لها رائحة تزكم الآناف فضممت عنه ثيابي ليمر، فلم يسعه إلا أن جاء فقعد إلى جنبي،وأحسست بنار الغضب تشتعل في أعصابي، ووثق الشيطان من انتصاره هذه المرة علىّ،فرجعت وقلت لا والله، لاأشمِّت الشيطان بي، وذكرت الله وتوجهت إليه مستعينا به،فأنزل سكينته عليّ، وبدل مقاييس الرجال في عيني،وما أكثر ما تبدل هذه المقاييس.......وقلت لعل هذابثيابه القذرة ورائحته المنتنة يكون مع الناجين، وأكون أنا لا قدر الله،مع الهالكين، ولعل من حقه هوأن ينفر مني، ويضم ثيابه عني،واستغرقت في هذه الخواطر حتى بلغ (الترام)الغاية.





التوقيع

    رد مع اقتباس