عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-10-08, 11:19 رقم المشاركة : 1
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

a3 بالدانمرك،مدرسة للتعليم العمومي


بالدانمرك، لم أتردد في استغلال طيبوبة مضيفي، فزرت وإياه مدرسة للتعليم العمومي تؤمن الخدمات التربوية إلى حدود المستوى الرابع إعدادي. ولا أخفي أن حبَّ اطلاعي لم يكن وليد الصدفة. فأنا هناك وفي ذهني يتردد صدى النقاش العمومي الجاري حول التعليم عندنا منذ شهر غشت الماضي.
تقع المدرسة في مقاطعة "نيستفد" . أول ما أثار انتباهي هو أن البرنامج الدراسي يتضمن دروسا في... الطبخ ! سألت مرافقي هل يتعلق الأمر بمدرسة متخصصة في التكوين الفندقي، فنفى ذلك. جلت المدرسة وأنا أسأل بين الفينة والأخرى ومرافقي يجيب. انصب اهتمامي على عدد من الحقائق تركتني ساهما أفكر في واقع التعليم عندنا.
عرفت من مخاطبي أن التلاميذ يتلقون بالإضافة الى الدروس العادية دروسا في... النجارة كذلك، وبالإضافة إلى الطبخ يتلقون دروسا في أعمال النظافة المنزلية للإناث والذكور على حد سواء. والتعليم إجباري طبعا الى حدود نهاية الاعدادي.
يلقن التلاميذ النجارة خلال سنة دراسية كاملة وعمرهم لا يتجاوز 12 سنة ويلقنون الموسيقى خلال ثلاث سنوات ابتداء من سن العاشرة حيث يصبح لهم الاختيار في التخصص الفني او الاستمرار في الاسلاك العادية بعد ذلك. أما الطبخ والأعمال المنزلية فيتعلمونها منذ سن الثانية عشرة ويتم التركيز على تعلم أربعة أنواع من الطبخ: الدانمركي والإيطالي والمكسيكي وطبعا المغربي (الأستاذ المكلف السيد الهيبة مغربي...) وهكذا يتعلم التلاميذ عبر الطبخ أمثلة من التنوع الثقافي ويتعلمون الاعتماد على النفس في الأعمال المنزلية، في الوقت ذاته.
تحتسب النقط الخاصة بالنظافة (تصبين، جفاف...) والطبخ، بالإضافة الى حسن السلوك خلال هذه الحصص في النتيجة السنوية العامة. بقي أن أشير الى أن كنس وتنظيف حجرة الدرس بعد الحصص هي من مسؤولية التلاميذ والتلميذات يقومون بها بتلقائية...
وفيما يتعلق بالرياضة، هناك الحصص المعروفة، تضاف إليها حصص إجبارية لتعلم السباحة خلال سنة كاملة ابتداء من سن العاشرة، علما أن التلاميذ المولعين يمكنهم اختيار التخصص بالرياضة ابتداء من هذه الفترة والتوجه لمدارس متخصصة في كرة اليد أو كرة القدم أو ما نطلق عليه الجمباز.
من ناحية أخرى هناك تفاصيل لا تغيب أهميتها: وجود مكتب المرافق النفسي الموجود باستمرار رهن إشارة التلاميذ.
زرت حجرات الدرس فلاحظت ملاحظتين، قد تبدوان جانبيتين، قدرتُ أنهما على جانب كبير من الأهمية: أولا وجود مرحاض نظيف في كل قسم. فبإزاء كل حجرة درس في ركن من المدخل هناك مرحاض على بُعد ثلاث خطوات. الحاجة هنا تُقضى بسهولة ويسر وسرعة ولا ضرورة للغياب طويلا كما يحدث للتلاميذ حين يتعلق الأمر ببعد المرحاض عن حجرة الدرس، و لا ضرورة لحصر الحاجة حين يتعلق الأمر بانعدام المراحيض أو اتساخها. وأترككم تتصورون الأمر حين يضطر الأطفال إلى قضاء الحاجة في العراء خاصة في البوادي، صيفا وشتاء...هذا مشكل وجدوا له حلا "جذريا" كما نرى.
ثم هناك الجدران الخشبية الفاصلة بين حجرات الدرس والبهو الداخلي للمبنى، هذه الجدران يمكن حجبها بسهولة حين يراد توسيع الفضاء للقيام بأنشطة تربوية مشتركة بين الاقسام حيث تضاف مساحات الحجرات الى بعضها والى مساحة البهو لتفسح فضاء أكبر يتمكن به التلاميذ من امتلاك مجال تربوي أوسع انطلاقا من المجال الأليف نفسه الذي تعودوه.
يبلغ عدد التلاميذ والطلاب المستفيدين من التربية والتعليم في كل الأسلاك بالدانمرك ما يزيد عن مليونين و 800 ألف نسمة من أصل ساكنة لا تتعدى 5 ملايين ونصف نسمة، منهم قرابة مليونين و300 ألف في المدارس والمعاهد العمومية والباقي موزع على المدارس الحرة (بنسبة 13 في المائة) والمدارس المخصصة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة (40 ألف أي نسبة 1،4 في المائة) وهي مدارس تتحمل البلديات ميزانيتها. فيما الباقي أي 98،6 في المائة لا يعرف التكرار... نعم. قرابة 99 في المائة من تلاميذ الدانمارك لا يكررون. ومعناه عمليا أن كل جيل يتم تأهيله بالتمام والكمال... لا أخفي أن المعطيات أعلاه كانت مربكة بالنسبة لي... كيف يستطيع الدانمركيون ذلك؟
وضعت السؤال فجاء الجواب: يشتغل المدرسون منذ السنة الأولى يدا في يد مع الأبوين. حالما يظهر مؤشر على الضعف يجتمع الطرفان ويقرران اتباع سياسة منسقة من أجل معالجة الموضوع. وهكذا لا يقع أي هدر ولا يتم التوجيه نحو مدارس أخرى إلا من تبث طبيا ونفسيا أنه من أصحاب الاحتياجات الخاصة فقط. أما الباقون فينجحون وليس هناك رسوب أو تكرار... فركت أذني وأنا أصغي. وعلمت بعد ذلك أن التلاميذ المتخرجين من مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة يدرجون في سلك العمل مباشرة بعد الدراسة، على يد المجالس البلدية.
وبالنسبة للممارسة الدينية، فاليافعون حين يصلون سن الرابعة عشرة، عند الانتهاء من المرحلة الإعدادية، لهم أن يؤكدوا اختيارهم للمسيحية كدين أو الامتناع عن ذلك، ويتم الإعلان عن تبنيهم الرسمي في مناسبات معلومة تشرف عليها الكنيسة.... علما أن لعامة الدانمركيين الحق في التخلي عن ديانتهم في الوقت الذي يختارونه دون أن يترتب عن ذلك أي أثر قانوني أو اجتماعي أو أخلاقي أو اعتباري. لكن 90 في المائة لا يفضلون القطيعة ونرى في هذا الأمر الحساس كيف أن ترك الأمر بيد الأفراد بكل حرية أفيدُ وأبقى للحياة الروحية والتدين. وللتذكير فقد خرجت الدانمرك عن الكنيسة الكاثوليكية منذ منتصف القرن 16 حيث أصبحت تنتمي للكنيسة البروتستانتية.
بمناسبة الحديث عن التعليم والتربية، سأحكي عن حي مشهور داخل كوبنهاجن هو عبارة عن ميكروكوزم صغير.
هذا الحي يقطنه ما بين ثلاثة وأربعة ألاف نسمة ويعيش في شبه استقلال عن باقي المدينة ويحمل اسم "كريستينيا". هي المدينة المتمردة على السلطة إن شئنا. وهي من مخلفات هبّة ماي 1968 التي هزت أوروبا ووجدت صداها في الدانمرك. "كريستينيا" حي ذو طابع خاص في كل شيء: المرتادون وأنواع البضائع المعروضة والعادات والسلوكات. دخلنا على سبيل حب الاطلاع، تجولنا بين الممرات وسألت عن خصوصيات الحي. قال مرافقي أن البلدية اضطرت إلى الانسحاب من كل مسؤولية إزاء الحي (نظافة، ترميم، منشئات...) بسبب تعنت سكانه وتمسكهم بعاداتهم الغريبة في بعضها، لكن الدولة لم تتخل أبدا عن موضوع التربية والتعليم لأحد. فالتعليم إجباري ومناهجه وبرامجه واحدة موحدة على طول التراب الدانمركي.
كنت قرأت في بعض الإحصائيات الفائضة عن الحاجة أن هناك مؤشرا عالميا يدعى "مؤشر السعادة" وأن الدانمرك صاحبة التفوق فيه.
بعد زيارتي لها أصبحت أراجع ازدرائي للإحصائية إياها. فالسعادة حتى لو لم تكن تحتسب بالأرقام والنسب الباردة، هي على الأقل في أن نكون في غنى عن الخوض في الأبجديات، بلا نتيجة، طول حياتنا.
مقتطف من مقال لصلاح الوديع-هسبريس-





    رد مع اقتباس