عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-07-07, 22:48 رقم المشاركة : 1
سعيدة سعد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية سعيدة سعد

 

إحصائية العضو







سعيدة سعد غير متواجد حالياً


وسام المنسق

وسام المركز الثالث مسابقة الإبداع الأدبي

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثاني بأكاديمية الأستاذ

وسام المشرفة المتميزة

افتراضي المشاركة 25: محمد الصافي



قهوة كاتب

قَال القلمُ حانِقاً :
دونَ أن يسْتَحيي مِن نَفسِه, يزعمُ أنهُ كاتِب.
يدخل إلى شقته متأخراً, يفك خيوط حذائه الموحل, ينزعه و يدس الجوربين فيه, يرميه جانبا في شيءٍ من الإهمال.
ينتظر أن يسمع غليان الإبريق مستأنسا بقولة لأحد الكتاب أمثاله, إثرها ينفجر ضاحكا كالأحمق.
يجلس على الكرسي الخشبي الرفيع متناسياً أرجله الأربعة الحديدية الصدئة, يمسكني كالسيجارة بينا هي منتصبة بين شفتيه, إذ ذاك ظننت أنه سيدخنني و يكتب بها, بيد أنه يخنقني بأصابعه الثلاثة لأشم عفن يده الطائشة, يعصرني فأنزف مداداً, يحرث بي أديم الورقة الناعم, ألتقط أنفاسي المتلاحقة و مدادي على وشك أن ينقضي, لم تبق منه إلا قطرة تغرغر في جوفي, تكتنفني رغبة جامحة أن أكف عن الكتابة, سرعان ما أتراجع عن قراري مخافة أن تكون نهايتي سلة المهملات, فألوذ بالصمت و الصمود.
يسمع الإبريق المنسي يطفح بالقهوة البلقاء, يلقي بي على الطاولة و يسرع خطواته ليدرك ما يمكن إدراكه...

قالت الورقة محتارة :
ظل ردحا من الزمان و هو لا يبارح مقعده, يجلس منقبض الصدر و هو مخالف رجلاه, يستسيغ كل كلمة يكتبها برشفة من الفنجان...كلمة...فرشفة...تهوي عليه الكلمات, فيهوي علي بها, بينما أنا لا أجد على من أهوي, من أين له بتلك الكلمات؟
يسكب علي عباراته الغزيرة حتى الغرق, يمسك قلمه و يطعنني به طعنات متوالية, يشوه قسماتي البيضاء بسطور متلاطمة, ما زال يرشف من الفنجان, نسيم محرق ينبعث منه, و كأنه ثمة هناك سيجارة, يا ترى من أو ما الذي ينفثه ؟
بدأت ترتسم علامات الحيرة على محياه, يتنفس الصعداء و صدره مازال منقبضاً, يضع الفنجان اللافح علي و هو يتنهد, الفنجان الحار يكويني و يشويني حتى أحسست أنني أذوب.
دون أن ينظر إلي, يجرني من أسفل الفنجان, فتندلق القهوة دفعة واحدة علي.

ما لم ينبس به أحد:
قهوة البارحة على المقعد الخشبي, ربما اليوم يبلي حسنا فهي باردة.
يتطلع إلى الورقة البيضاء أمامه في أسف, الصمت الساجي يرخي مسمعيه, ويشاطره شيئا من أحاسيس الصمم, يكسر رتابة الجو فيدق الأرض بطرف قدمه, يجعل القلم يدور بين أصبعيه, و يده الأخرى تكابد حمل خده, عيناه الجاحظتان تتيه في أقحل صحاري الأرق, مازال ينتظر أن تجود له مخيلته بكلمة ما...أي كلمة ...تارة يحك أرنبة أنفه, و تارة يمسك رأسه بكلتا يداه, يرجع بصره إلى الورقة في حنق, مازالت فارغة, و كأنه ينتظرها أن تمتلأ لوحدها.
انزاح عن مقعده, و رمى بالكرسي جانبا, و انهمك يبحث له عن مضجع في هذه الفوضى, يرمي الكتب المكومة في شكل جبل جانبا, يستلقي, يسدل جفنيه متوقعا أن يغط في نوم عميق... عميييق ...
و عميييق ..





التوقيع











    رد مع اقتباس