عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-07-01, 07:20 رقم المشاركة : 1
لbatouli
أستـــــاذ(ة) مشارك
إحصائية العضو







لbatouli غير متواجد حالياً


poeme حكاية ورثة الحاج التهامي العبدي


حكاية ورثة الحاج التهامي العبدي




يحل شهر شعبان من كل عام هجري , وتحل معه ذكرى وفاة والدي طيب الله تراه. .


من عادتي دائما في هذا الشهر الفضيل القيام بزيارة قبره للترحم على روحه الطاهرة والدعاء له بالمغفرة والرحمة والثواب .


قصدت المقبرة في يوم مشمش من ايام شهر يونيو الحارقة .


في طريقي واما هممت لولوج باب المقبرة بدأت ملامح وجهه تتراآى أمام أعيني ممزوجة بعبق روحي رباني فريد بقشعريرة لامست سائر جسدي.


اغرورقت عيناي دمعا لما اقتربت من قبره ووقفت أمامه أتخيل هامته بقدها و قامتها و وقاره الذي كان يشدني منذ صباي من شدة احترامي له .


جلست القرفصاء بجانب قبره الذي نبتت فوقه أشواك مختلفة الأشكال و الأحجام .


تلوت عليه آيات بينات من الذكر الحكيم و دعوت له بالمغفرة و الثواب و النجاة من هول عذاب القبر و نار جهنم لأني أعلم منذ نعومة أظافري أنه كان إنسانا متدينا محافظا على صلواته و فرائض دينه محبا لفعل الخير صدوقا ودودا حليما رحيما بزوجته وكافة أبنائه و بناته فرحمة الله عليه في هذا اليوم المشهود وعلى سائر المؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات .


رجعت توا قاصدا بيتي و فجأة تذكرت كلاما حكيما له مازال طنينه يرن في أذناي ليومنا هذا’ حيث قال لي رحمه الله و أقولها باللهجة العامية الدارجة مترجمة عن اللغة الأمازيغية بكل أمانة و صدق


((الكََاتـَبْ الوَرْثْ للْولاَدْ مامْسَنَّدْ ًٌَغِيرْ عْلى صَنْدوقْ حْديدْ عَامَرْ بِلَوْتَادْ))


طلبت منه أن يوضح لي هذه الحكمة الأمازيغية و يفك لي طلاسيمها.


قال لي موضحا يُحكى أن أبا أرملا مسنا يُدعى الحاج التهامي العبدي, كان رجلا غنيا يملك دورا كثيرة بالمدينة القديمة فقرر أن يوزع ما يملكه على أبنائه من إرث.


خصص لكل واحد منهم دارا و كتبها لهم بإسمه فأصبح يتنقل بين دور أبنائه يقاسمهم شضف العيش حلوه و مرِّه .


لما كان الحاج التهامي مالكا و متملكا في ممتلكاته كان جميع أبنائه يعتنون به كما كانت زوجاتهم يكنون له الإحترام و التقدير و يوفرون له كل ما يحتاجه من مأكل و ملبس و عناية و اهتمام.


لما أصبح لا يملك شيئا و يتنقل بين بيوت أبنائه و زوجاتهم أصبحوا جميعا لايولوه أية عناية و اهتمام بل شعر بأنهم كانوا مقبلين على طرده و تشريده في بعض الاحيان .


فكر الأب المسكين في حاله و مآله ففكر في حيلة ترجع له هيبته ووقاره و قوته المادية .


اشترى صندوقا حديديا ملأه بأوتاد من حديد حتى أضحى ثقيلا لا يجرؤ أي أحد على حمله أو تحريكه استدعى أبنائه و قال لهم :


لقد وزعت عليكم ارثي و لم يبق لدي سوى هذا الصندوق الحديدي المليء بأشياء نفيسة و ثمينة و يحتوي على ضعف أضعاف ما وزعته عليكم .


اشتد جشع أبنائه و طمعهم فأصبحوا جميعهم يتهافتون مقبلين على خدمته, فمنهم من ينظف ملابسه ومنهم من يقدم له ألذ و أطيب الأطعمة و من يقدم له العلاج و الخدمة الطبية و شراء الدواء و إحضار الطبيب شهريا للمنزل و منهم من يرافقه للإستحمام كل أسبوع و منهم من يقدم له أفخر الملابس و الجلاليب.


أصبح الأب يعيش في بحبوحة من الحياة الكريمة داخل كل بيت من منازل أبنائه محافظا على صلواته و متشبتا بدينه و ممسكا بصندوقه الحديدي المقفول بقفل متين و الذي لا يفارق مكان نومه .


سند الشيخ لم يكن سوى صندوق بأوتاد حديدية عوض الأولاد الذي أنجبهم .


صلب الحديد أشد و أقوى و أرحم من صلب بني آدم


توفي الأب في أحد الأيام فأقام الأبناء لأبيهم جنازة و مأدبة عشاء تحضى بمقامه


بعد مرور أسبوع ققروا فتح الصندوق الحديدي و توزيع ما به من إرث, لم يجدوا سوى أوتاد حديدة صدئة ففطنوا لحكمة أبيهم و تأسفوا و ندموا على ماقاموا به اتجاه أبيهم الذي أحبهم ووهب لهم أعز ما يملك لكنهم تنكروا لطيبوبته و عدله.


انتهى أبي من شرح تلك المقولة الأمازيغية التي بقيت راسخة في ذهني و أنا على مشارف سن الشيخوخة, و كلما تذكرت تفاصيلها أحسست أن بني آدم مهما كان نسبه و قرابته و حسبه و دمه يبقى دائما هلوعا ظلوما كما جاء في كتاب الله عز و جل.


نرجو من الله العلي القدير ألا نكون هلوعين بل قنوعين بما قسمه الله لنا.





آخر تعديل لbatouli يوم 2013-07-02 في 16:00.
    رد مع اقتباس