عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-06-19, 09:01 رقم المشاركة : 1
abo fatima
نائب مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية abo fatima

 

إحصائية العضو







abo fatima غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثانية من مسابقة السيرة النبوية العط

الشخصية الفضية 2012

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي عندما يصبح العنف المدرسي تعبيرا عن أزمة تواصلية


عندما يصبح العنف المدرسي تعبيرا عن أزمة تواصلية




يرى كثير من الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية أن العنف بأشكاله المختلفة ليس طبيعة أو فطرة في الإنسان، وأن
العنف لا يظهر في حضارة ما إلا عندما تبلغ هذه الحضارة درجة من التعقيد.
ويستشهد هؤلاء الباحثون بأمثلة مستمدة من حياة الشعوب البدائية تؤكد بأن هذه الشعوب لم تعرف العنف بمعناه المتداول في الحضارة الحديثة. ففي جماعات الاسكيمو من «الأليؤت» عندما تلحق بأحد أفرادهم إهانة من طرف شخص آخر فإنه يؤلف أغنية يهجو فيها خصمه ويتهكم عليه ويدعوه إلى مسابقة للغناء أمام الجمهور، حيث يتناول الاثنان الهجاء، ويحكم الجمهور أيهما المنتصر. ولدى قبائل هنود الشاطئ الشمالي الغربي من أمريكا إذا نشأ نزاع بين رجلين عمد أحد المتنازعين إلى إقامة حفلة ينفق فيها الكثير حسب استطاعته.
اليوم حينما يعاني كثير من الأطفال ما يمكن تسميته بأزمة تواصل مع المحيط الذي يوجدون فيه، وبصفة خاصة مع والديهم وإخوتهم وأخواتهم، نتيجة لعدم تفهم حاجياتهم ومشاعرهم وآرائهم، يصبح العنف هو الحل. الطفل الأول قد يشعر بالتهميش والإحباط نتيجة تحول اهتمام الأسرة إلى أخيه الجديد الذي انتزع منه الحظوة التي كان يتمتع بها من والديه وأسرته. كذلك الشأن بالنسبة للطفل المريض الذي يعامل بمزيد من العناية والاهتمام، إلا أن هذا الاهتمام والعناية يتراجعان أو يتوقفان عند شفائه من المرض مما يشعره بالاكتئاب والإحباط. بالإضافة إلى تمييز الوالدين بين الأبناء كالتمييز بين الذكر والأنثى أو بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر أو بين الابن الناجح والابن الأقل نجاحا... أو قد تعمل الأسرة على توجيه النقد الشديد للطفل وتخجيله والاستهزاء به.
وفي مثل هذه الحالات تحدث أزمة التواصل التي يعاني منها الطفل مع محيطه توترا في شخصيته يسقطه على ذاته أو على الآخرين أو على الأشياء المحيطة به، سواء بكيفية شعورية أو لا شعورية. فلكي يثير الطفل انتباه أسرته إليه ويعبر عن أزمته التواصلية معها، قد يلجأ إلى تصرفات «ماسوشية» كأن يضرب عن الطعام أو يتظاهر بالمرض أو يمزق ثيابه وكتبه...وقد يصل به الأمر إلى درجة التفكير بالانتحار. وهذا الميل التدميري إزاء الذات هو نتيجة لما غرسته الأسرة في نفس الطفل من كراهيته لذاته واحتقاره لها ومن شعوره الدائم بالذنب والخطيئة. وقد يعبر الطفل عن مأزقه التواصلي مع أسرته بأن يسقط توتره على الآخرين أو على الأشياء التي يمتلكها أو الأشياء الموجودة فقي محيطه.
وبالرجوع إلى ملفات الأحداث الجانحين المودعين في مؤسسات إعادة التربية، سنرى أن نسبة هامة من هؤلاء الأحداث إما أنهم ينتمون إلى أسر مفككة، أو أسر تعاني أزمة تواصل فعلية بين أفرادها. وبذلك فإن العنف الذي يلجأ إليه هؤلاء الأحداث هو تعبير عن رغبتهم-الشعورية أو اللاشعوري- بالانتقام من الأسرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فحتى الطفل الذي يتظاهر بالمرض أنه ينتقم من أسرته بطريقة غير مباشرة.
إن أزمة التواصل يعاني منها على الخصوص الأبناء الذين ينتمون إلى وسط اجتماعي وثقافي فقير، إذ غالبا ما ينعدم في هذا الوسط الحوار. واللغة السائدة في هذا الوسط لغة فعلية- إن صح التعبير- لا تستخدم إلا في مواقف عملية يغلب عليها الطابع المادي والحركي، إنها لغة «مجابهة» تتميز بالتصلب والقطيعة والحدة.
وحينما نصل إلى المدرسة، نجد أن الأسلوب السلطوي في التعامل مع الطفل يتعزز أكثر، ويتخذ طابعا مؤسساتها حيث يمارس في جو من التخويف والتهديد وفي ظل غياب الحوار والإقناع. ويتجلى هذا الأسلوب في طريقة التلقين التي تقوم على أساسها العملية التعليمية دون الأخذ بعين الاعتبار واقع الطفل وحاجاته وطريقة تفكيره، مما يجعل الطفل يعيش في المدرسة حالة انفصام عن واقعه وعلى الطفل أن يتخذ موقف المتلقي إزاء ما يقدمه له المعلم من «حقائق» جاهزة، ولا يقبل منه الاعتراض وحتى التساؤل وما عليه إلا أن يحفظ عن ظهر قلب ما قدم له، وإلا تعرض للعقاب البدني والتخجيل، وكأن التعليم في مجتمعاتنا العربية لا يرمي إلى تنمية شخصية الطفل وإتاحة الفرصة أمامه للابتكار والإبداع، وإنما يرمي إلى تكوين شخصية مقوماتها الأساسية الخضوع والاستسلام والميل للعنف والعدوان.
يتعود أن يعبر عن ميله للعنف دون أن يلحق الأذى بالآخرين، بل أنه يتعامل مع الآخرين من أمثاله على أساس من العدل والاحترام، فإذا انتصر عليهم في اللعب فإن انتصاره جاء كنتيجة عادلة وكتتويج لما بذله مع رفاقه من جهد وتضامن...وإذا انهزم فإنه يقبل الهزيمة على أمل أن ينتصر في الجولة القادمة من اللعب.
يبدي كثير من الآباء خوفا متزايدا إذا لاحظوا أن أبنائهم يميلون إلى العنف كأن يتشاجروا فيما بينهم، أو يسارعوا إلى التعبير عن غضبهم لأسباب بسيطة، أو يميلوا إلى معاقبة أنفسهم بالإضراب عن الطعام أو الكلام أو إتلاف ممتلكاتهم، إلى غير ذلك من مظاهر السلوك العدواني التي تبعث القلق في نفوس الآباء الذين يتخوفون من أن يتطور العنف لدى أبنائهم إلى انحراف وإجرام عند الكبر.
ومن مظاهر السلوك العدواني المتفشي في العديد من المدارس والثانويات أن بعض التلاميذ يتسم سلوكهم وتصرفاتهم بالسلبية وعدم التكيف مع الوسط المدرسي، ويبلغ سوء التكيف هذا ببعضهم إلى اضطراب السلوك والتمرد على السلطة المدرسية وتوجيه العدوان إلى الطاقم التربوي المتمثل في المديرين والمدرسين والحراس العامون. وهذا الاعتداء لا يتم داخل المؤسسات التعليمية فحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى خارجها والتعرض للمدرسين في طريقهم إلى العمل أو البيت فيوقعون عليهم اعتداءهم بوسائل مادية مختلفة. وهذا العدوان الذي أصبح يتسم به سلوك بعض التلاميذ في المدارس يتخذ عدة مظاهر، منها ماله طبيعة مادية ومنه ماله طبيعة معنوية أو هما معا في بعض الأحيان.
فمن مظاهر هذا السلوك داخل الأقسام الدراسية، نجد السلوك الانسحابي لهؤلاء التلاميذ، حيث يتخذون من اللامبالاة تجاه ما يحدث داخل القسم الدراسي وسيلة لإثارة غضب المدرسين. فلا يشاركون في الدرس وإنما يلتزمون الصمت كموقف عدائي. كما قد يتخذ سلوك بعضهم مظهر التخريب لأثاث الحجرات الدراسية أو أشجار الساحات أو تحطيم سيارات الأساتذة وإلحاق الضرر بها، كأدوات بديلة عن أصحابها. كما أن هؤلاء التلاميذ يلجأون إلى نوع آخر من العدوان اللفظي الذي يعبرون عنه بطريقة الكتابة على السبورة أو على جدران الفصل أو كتابة رسائل التهديد وبعثها إلى مدرسيهم. أم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك الانحرافي من وجهة نظر التلاميذ فمرجعه تحيز المدرسين وعدم اتسام سلوكهم ومعاملتهم للتلاميذ بالعدل والمساواة واستخدام القمع مع التلاميذ وتحقيرهم وقلة الاهتمام بهم. كما يرجع ذلك إلى قلة كفاءة المدرسين. كما أن الفترة الزمانية التي يتواثر فيها هذا السلوك العدواني ويتكاثر، هي فترة الامتحانات المدرسية. فالمدرسون يحاولون الحد من غش التلاميذ، في حين يعتبر هؤلاء أن الغش «حقا مشروعا» ومسألة جد عادية في نظرهم.
إن النظام المدرسي في بعض أساليبه اللاتربوية يعتبر في نظر بعض المراهقين سببا من أسباب انحرافهم. فمثلا تقنية التقييم الدراسي بشكلها المعتاد المعتمد فقط على الدرجات، يعتبر في نظر المراهقين عملا غير عادل بالمرة. لا يهم أن يكون هذا الرأي صحيحا أو غير صحيح. فالمهم بالنسبة إليهم أنه أداة غير سليمة. كما أن المهم أيضا هو ما يتبع نظام التنقيط من ردود فعل نفسية، من قبل التلاميذ.
وغير كاف أن فقدان الثقة في أداة القياس واعتبارها غير موضوعية يثير عداءه وسخطه على النظام المدرسي كله.
وقد بينت نتائج بعض الأبحاث التي تمت على التلاميذ المكررين، أن أداءهم الدراسي ونتائجهم المدرسية لم تتحسن عن ذي قبل وإنما العكس هو الذي حصل. فالتلاميذ المكررون يعتبرون إخفاقهم في الامتحان بمثابة عقوبة مدرسية، وليس تشجيعا لبذل جهد أكبر.
وهكذا، فإن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، ظاهرة خطيرة ولها أسباب موضوعية ترتبط بعدة عوامل، منها الامتحانات المدرسية وطبيعة التقييم الدراسي، كما ترتبط بعمل الأستاذ داخل الفصل الدراسي، الذي يخضع بدوره لتقييم التلاميذ. وظاهرة العنف في المجال المدرسي ليست سوى تعبيرا عن انفجار وضع تربوي غير سليم. وضع يفتقر إلى أسس موضوعية تلبي حاجات المتعلم. فالمقررات الدراسية وأساليب التدريس وغياب قنوات الاتصال بين المدرسة ومنافذ الشغل كلها عوامل خلفت وضعا مزمنا في مؤسساتنا التعليمية.

عبد العزيز الملوكي


  • المساء التربوي















التوقيع

    رد مع اقتباس