عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-10-24, 00:34 رقم المشاركة : 1
فاطمة الزهراء
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء

 

إحصائية العضو








فاطمة الزهراء غير متواجد حالياً


مسابقة الصحابة والصحابيات 1

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقبة المتميزة

وسام المركز السادس في دورة التقنيات الأسرية

c3 الطفل: لأنطون تشيكوف


الطفل: لأنطون تشيكوف

وقف الطفل الصغير امام فاترينة محل ملابس الرجال يتامل باهتمام شديد ما يراه خلف الزجاج ‏

لم يكن يشاهد البدل الجديدة الانيقة المعروضة فيها و لم يكن يحلم بان يكبر و يستطيع ان يشترى واحدة من هذه البدل ..

بل لم يكن اساسا ينظر الى هذه البدل الانيقة انما كان يرقب بشغف و حنين ' الموديلات ' الوردية المصنوعة بدقة و جمال من البلاستيك على هيئة الرجال و ترتدى تلك البدل .... يتامل ملامح الوجوه الوسيمة و لون شعر الراس و لون العيون و ما توحى به من انطباعات عن شخصية كل موديل ..

فهذا ' الرجل ' وسيم ,لكن ملامحة توحى بالقسوة, و هذا ' الرجل ' اقل وسامة لكن ملامح وجهه مريحة و هذا الرجل وسيم و شديد الشبه بوالد زميله فى الفصل , و كل هؤلاء الرجال فيهم اناقة ووسامة ووجوههم باسمة.. لكنه لا يجد بينهم ضالته ..

لم تكن المرة الاولى التى يمارس فيها هوابة تامل وجوه الموديلات فى نوافذ المحلات التجارية الكبرى.. فهو يتاملها دائما كلما خرج مع امه لتشترى بعض حاجاتها من السوق , فتجذبه من يده بحزم كلما اطال الوقوف امام احدها , لكنها المرة الاولى الت يمارسها منفردا و بحرية بعيدا عن رقابة امه و جذبها المستمر له من امام المحال ..

فلقد تاخرت اليوم فى الحضور لاصطحابه من مدرسة الحضانة ووجد الحارس منشغلا بالحديث مع اباء الاطفال الذين يحييهم باحترام كلما جاءوا لاصطحاب اطفالهم فتسلل من باب المدرسة وحيدا ينتقل من محل الى اخر ..

و من رصيف الى رصيف باحثا عن فاترينة المحل القريب التى عثر فيها منذ ايام خلال مصاحبته لامه عن ' الرجل ' الذى يريده و يتمناه لنفسه! انه طويل وسيم باسم يبدو حنونا و محترما فى نفس الوقت و سوف ينهض حارس المدرسة تحية له حين يحضر لاصطحابه منها ظهر كل يوم كما يفعل مع الاباء المحترمين! و بمصادفة نادرة وجد نفسه امامه ينظر اليه مادا ذراعيه يستعرض البدلة الانيقة التى يرتديها كانما يساله هل تعجبك؟ فتسمر امامه و راح يرقبه فى صمت و خياله ينشط ..

انه يريده لنفسه ابا يحبه و يخافه و يفتخر به امام زملائه بالمدرسة ..

واطفال الجيران فكلهم لهم اباء و هو وحده الذى لا اب له ... مات فى الحرب كما قالت امه و لم تبق منه سوى صورة صغيرة معلقة فى الصالون يقف فيها الى جوار امه بملابس الزفاف..

و لكن الاب الذى فى الصورة لا يتكلم و لا يتحرك ولا يداعبه و لا يخرج معه فى نزهة ..

لابد من اب جديد

فبدا يبحث فى وجوه جيرانه لكنهم مشغولون جميعا لهم زوجات و ابناء .. فبدا يبحث عنه فى نوافذ المحلات التجارية ! ان هذه المحال تجيد اختيار الرجال الذين يقفون فى شرفاتها و سوف يجد ضالته فيها.. و بدات رحلته للبحث عنه كلما اصطحبته امه لشراء شئ من الاسواق ..

و ضايقه كثيرا ان امه لا تفضل الوقوف امام محلات ملابس الرجال و تصحبه غالبا الى محال ملابس الاطفال و محال الملابس النسائية .. و هى جميلة و صغيرة و حزينة و ترتدى السواد دائما و تلاعبه احيانا و تبكى امامه فى احيان اخرى و تحتضنه فى الليل و تنام. و كلما سالها لماذا لا يكون له اب اخر بدلا من الاب الذى فى الصورة , تبتسم ابتسامة حزينة و تطالبه بالحديث فى موضوع اخر ..

ها قد وجد فرصته اخيرا ليقنعها ' بشراء ' اب من هذا المحل ... فدخل مرتبكا ليسال البائع عن ثمنه ! و تعجب البائع من ان يفكر طفل صغير فى شراء بدلة كبيرة للرجال او ان يسال عن ثمنها
فداعبه و طالبه ان يعود مع ابيه لشرائها ..

و ذهل الرجل قليلا حين قال له الطفل انه لا اب له وانه لا يريد شراء البدلة وحدها لكن شراء 'الرجل ' بملابسه ليكون له ابا و يريد ان يعرف الثمن ليقنع امه بذلك ! و ربت البائع على خده و افهمه برقة ان المعروض ليس رجلا و انما نموذج لرجل و انه ليس للبيع ... لهذا فهو لا يصلح ان يكون ابا لاحد ..

و عليه ان يبحث عن ضالته بين الرجال الذين يتكلمون و يمشون و يضحكون , فخرج الطفل حزينا و البائع يتامله بعطف و تامل !

سار الطفل فى الشارع يتامل الرجال الذين يعبرون الطريق و يرفع راسه الى اعلى يتامل الوجوه و يقف امام المطاعم يرقب من وراء الزجاج الرجال الذين يتناولون طعامهم ..

و يتجاهل الرجال الذين يسيرون بصحبة سيدات او اطفال و يركز انظاره على الرجال الذين يسيرون او يجلسون وحدهم ... ثم اصطدم بساق رجل .. فانحنى الرجل معتذرا و مبتسما ... فتعلقت انظار الطفل به كانه نجدة هبطت من السماء .. انه قريب الشبه من الرجل الاخر الواقف فى نافذة المحل ... ووسيم و محترم مثله ؟؟؟ و اكثر من ذلك يسير و حيدا فى الشارع ...

قد مضى الرجل فى طريقه فوجد الطفل نفسه بتلقائية يسير خلفه .... كان الرجل يحمل فى يده حقيبة اوراق صغيرة ... و لا يبدو فى عجلة من امره فراح يمشى على مهل ... و يتوقف احيانا امام بعض المحال التجارية و من خلفه يسير الطفل كلما سار و يتوقف كلما توقف و لا يرفع عينيه عنه ! ثم يدخل الرجل مقهى صغيرا فتردد الطفل فى الدخول وراءه فوقف ينتظره امام بابه .... و لم يختف الرجل طويلا عن انظاره

فقد اختار مائدة مطلة على الشارع و جلس اليها و فتح حقيبته و اخرج منها صحيفة و راح يحتسي القهوة و يقرا ....

فقال الطفل لنفسه ان هذا هو بالضبط الاب الذى يريده ...اب يقرا الصحيفة و يشرب القهوة و يبدو محترما من الجميع ... و لم يشعر بالوقت الذى مضى و هو واقف امام المقهى ... لكنه تنبه فجاة الى الرجل و هو ينظر اليه بدهشة .. و يبدو كانما تذكره ! انه يشير اليه ان يدخل المقهى ... فتردد قليلا .. ثم دخل ... و انجه اليه و استقبله الرجل بعطف و ساله : هل تريد ان تاكل او تشرب شيئا؟ فهز راسه نافيا فعلد يساله هل تريد نقودا ؟ فهز راسه مرة اخرى بشدة فتنبه الرجل الى شئ غاب عنه فقال : يا الهى انت صغير جدا و ربما لم تبلغ السادسة ... ترى هل فشلت فى العودة الى بيتك و تريدنى ان اصطحبك اليه؟ فاشار الطفل براسه مجيبا ... فساله: اين تسكن؟ فلم يستطع ان يتذكر اسم الحى او الشارع ... فدفع الرجل ثمن القهوة و اصطحبه خارجا و هو يقول له : دعنا نبدا من البداية ... ارنى كيف بدات الرحلة حتى وصلت الى هنا و سار الطفل معه ...

فى الطريق ساله فى خجل : هل عندك سيدة و طفل ؟
فضحك ارجل و قال له : تقصد هل انا متزوج ؟ لا لست متزوجا ايها الصديق الصغير ...
فتردد الصبى قليلا ثم قال له فى براءة . و هل تريد سيدة و طفلا ؟ فاستولت الدهشة على الرجل تماما وراح يساله عن سبب تفكيرة فى ذلك و الطفل يحيب فى سذاجة حتى عرف القصة كاملة و لمعت عيناه بالتهثر و التفكير ... ثم تمالك نفسه و قال له ان علينا ان نعرف اولا اين تقيم و نعيدك لامك .. انها تبحث عنك الان فى كل مكان و شديدة القلق عليك ... ثم لنبحث الامر معا بعد ذلك...
و اعتبر الطفل ذلك موافقة فانفرجت اساريره ... و تملكته فرحة طاغية و امسك بيد ابيه الجديد باعتزاز و تمنى لو صادف فى الطريق بعض زملائه فى المدرسة الذين يتحدثون عن ابائهم ليقدمه اليهم ... و مضى الاثنان ينتقلان من شارع الى شارع و الطفل يضحك و يسال و يتكلم و الب يجيب على اسئلة ((( ابنه ))) باهتمام ... و يتوقف من حين لاخر ليسال شرطى المرور او احد المارة عن موقع المدرسة التى قرا اسمها منسوجا على قميص الطفل ..

اخيرا اقترب الاثنان من مبنى المدرسة و عبرا البوابة الرئيسية فما ان دخلاها حتى صرخت الام من الفرح حين رات طفلها و جرت اليه باكية .. و جرى اليها الطفل سعيدا و رفعته عن الارض و غمرته بقبلاتها و دموعها ... ثم تنبهت للرجل الذى يرقب الموقف متاثرا , فمدت اليه يدها و شكرته بحرارة ... و اجابها الرجل بكلمات قصيرة ... ثم استاذن و استدار لينصرف ... فصاح الطفل يطالبه بالبقاء و احس الرجل بالحرج قليلا ثم وعده بان يزوره فى البيت فى وقت اخر و اشار اليه بيده و واصل طريقه .. فطالب الطفل امه الا تدعه يرحل لانه يريده ان يذهب معهما الى البيت و ان (( يبقى )) معهما دائما ... و قد اتفق معه على ذلك ووافق الرجل ... لقد عثر عليه بعد ان تعب كثيرا من البحث عنه فى الشوارع لانه الشخص الذى يريده ابا له و ادركت الام الموقف و سالته عما قاله له و استمعت اليه ساهمة و اشفاقها على طفلها الوحيد يتزايد كلما ازداد حماسا فى الكلام عن الرجل .... ثم قالت له و هى تجذبه الى طريق العودة للبيت : سوف يعود قريبا و سوف يقيم معهما ... و سوف يتغير نظام حياتهما و تصحبه الى المدرسة فى الصباح و يعيده هو من المدرسة الى البيت عند الظهر .... و سوف يلتقون معا كل يوم على مائدة الغداء .. و يشاهدون التلفزيون معا فى المساء و يخرجون يوم الاجازة الى حديقة الحيوان .. و الى السينما كما يريد و سوف يكون له اب وسيم يفتخر به امام لصدقائه فى الزيارات العائلية و يقبله قبلة المساء قبل ان ينام كما يفعل الاباء مع ابنائهم الصغار و اختتمت كلامها له بابتسامة دامعة و هى تقول : سيحدث ذلك يا صغيرى صدقنى الم يقل امامك انه سيزورنا فى وقت اخر !


مسحت دمعتها بظهر يدها ... و مضت فى الطريق الى بيتها ممسكة بيد طفلها الصغير الذى يتقافز سعيدا مبتهجا و هو يعد فى خياله ما سيقوله لزملائه فى المدرسة عن ابيه الجديد





التوقيع

الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة"

    رد مع اقتباس