عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-06-23, 20:15 رقم المشاركة : 1
ام ادريس
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية ام ادريس

 

إحصائية العضو








ام ادريس غير متواجد حالياً


المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الثانية للمسابقة الرمضانية الكبرى 201

مسابقة المبشرون بالجنة المنظم

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام التكريم

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام مسابقة التحدي

a3 العوائق النفسية


العوائق النفسية


بسم الله الرحمن الرحيم
قلت لصاحبي: هل جربت يوما ما أن تقرأ كتابا كاملا في ساعات معدودة؟
فقال: لم أفعل قط!
فقلت: لِمه؟
قال: لأنني لا أستطيع !
فقلت: كيف تجزم بعدم القدرة إن كنت لم تجرب قط؟

إن كثيرا من العقبات الكأداء التي تقف أمام التميز الإنساني في ميادين الفكر والعمل لا تعدو أن تكون عراقيل نفسية، اصطنعها أصحابها في مرحلة من مراحل عمرهم لجهل بحقائق الأمور، أو لتخيلات باطنة تغذت بأفكار اجتماعية جاهزة، ثم صارت هذه العراقيل تتبوأ ركنا ركينا من أذهانهم، يصعب محوها.
إن القاعدة التي ينبغي اتخاذها شعارا في ما يمكن وما لا يمكن، هي: هل فعل ذلك فرد من بني البشر أم لا؟ فإن كان الجواب: نعم، خرج الفعل من حيز الامتناع إلى حيز الإمكان، ولم يبق إلا أن تعرف إن كان ممكنا لك أنت أو لا. ولا سبيل لمعرفة ذلك إلا بالتجربة.
فهل لك في بعث جديد، تحيي به ما مات من همتك أو يكاد أن يموت؟
وهل لك في عزيمة تذيب الصخر، تنتشلك من الوهدة التي حشرت مواهبك الذاتية فيها؟
وهل لك في عمر آخر يكتب لك مع عمرك هذا الذي أنت فيه، تكون فيه رجلا متحررا من قيود الوهن، منطلقا في فضاء الإبداع؟
جرب كل ما استقر في ذهنك أنه غير ممكن، وأنك لا تقدر على فعله. وخذ للتجربة عُدتها، ووفر لها أسباب الفلاح، وادفع عنها موانع النجاح، لكي لا ترجع بفشلٍ مُكرث، قدرتُك الذاتية بريئة منه، ولكنها أولُ مطالب بنتائجه وآثاره، وأول متحمل تكلفة وقوعه.
ففي القراءة مثلا: جرب أن تقرأ كتابا كاملا في بضع سويعات، أو أن تطالع عشر ساعات متتالية في يوم واحد، أو أن تقرأ ما لا يقل عن مائة صفحة كل يوم لمدة شهر كامل، أو أن تطالع كتابا من عشرين مجلدا من ألفه إلى يائه.
وفي الحفظ: قد حفظ آلاف الناس القرآن كاملا، ومنهم كبير السن، والمشغول بطلب الرزق، والذي لم تعرف قدماه طريق المدرسة قط. آذهانهم خير من ذهنك؟
وقل في حفظ الحديث والمتون مثل ما قلت في حفظ القرآن، وإن كان القرآن أولى بالعناية، وأيسر في الحفظ.
وفي العبادة: جرب مثلا أن تواظب على عمل قليل، وليكن التحدي أمامك في المثابرة عليه وعدم التخلف عنه لا في كثرته ووفرته، كأن تواظب على أربع ركعات من قيام الليل أو على صيام الاثنين والخميس ونحو ذلك. وجرب أن تجلس بين الصبح وشروق الشمس، لا تشغل نفسك بشيء سوى ذكر الله، وحافظ على ذلك أياما متتالية. وجرب أن تختم القرآن في سبع، بل في ثلاث، وقد كان جمع من السلف يختمونه في أقل من ذلك.
وفي الدعوة إلى الله تعالى: ألست ترى هذا المفتون الذي يمر أمامك كل يوم فتتحرك نفسك لتدعوه إلى الخير، وترشده إلى سبيل الهدى، فيقف أمامها حياءٌ مذموم، وضعف موهوم، فيقولان: مالك ولهذا!؟ إن للدعوة رجالها المختصين، الذي يعرفون من أين تؤكل الكتف، فاقنَ حياءك، وعليك بخويصة نفسك! فهل جربت أن تفعل خلاف ما يدعوانك إليه؟
وفي غير ذلك من مجالات الحياة التي يعم نفعها البلاد والعباد كالغيث العميم، هل كسرت هذه الأوثان النفسية المنتصبة في وجهك، تزين لك كل خور مُقعد، وتقبح في عينك كل عزم ناهض؟
وهل جربت أن تجمع في يوم ما بين هذا كله أو جله؟
إن الهدف من هذه التجارب إنما هو كسر العراقيل النفسية، ولذلك قد أذكر لك فعل الشيء الصعب يوما واحدا أو أياما قليلة، حتى إذا زالت الموانع صارت المواظبة على ما تراه أنفع لك، وأوفق بذهنك وبدنك، أمرا ميسورا.

والآن: ألا تزال تقول بعد قراءة هذه الكلمات: (هذه من أحلام اليقظة، وهذا غير ممكن) أم أن جذوة صغيرة في قلبك بدأت تبرق في خلل رماد العجز والكسل؟
أما الأولى فلست أرتضيها لك. وأما إن كانت الثانية فتدارك الجذوة قبل أن تنطفئ مرة أخرى، وتعاهدها بما يؤرثها، فإنها توشك أن تكون سراجا مؤتلقا، يضيء أرجاء قلبك، وينير أمام ناظريك درب السعي الحثيث.
بقلم الدكتور البشير عصام المراكشي






    رد مع اقتباس