عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-19, 11:37 رقم المشاركة : 1
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي صناعة الحصير بسلا


صناعة الحصير بسلا
http://http://i3.makcdn.com/userFiles/t/a/tazrwalt_65/images/463satellite.jpg
الوصول إلى محل صناعة الحصائر بزنقة "بورمادا" بباب الخميس في مدينة "سلا" المغربية يقتضي تجاوز سلسلة من محلات بيع الملابس العصرية والتجهيزات الإلكترونية، حيث توجد دارلصناعة الحصائر، تقاوم زمن التهميش وتمثل أثرًا دالا على انتعاشة سابقة عرفها المكان.

كان السي أحمد "الصنايعي" منشغلا بفرز أعواد "السمار"، بينما بدا لحسن وحسن منشغلين بتهيئة "المرمة" لصناعة حصيرة جديدة.
كل واحد من الثلاثة يختزن ذكريات وتجارب تفوق 50 سنة عن صنعة لم يقترب منها اليهود لصعوبتها وقلة مردوديتها برغم شهرتهم بإتقان مجموعة من الحرف التقليدية من خياطة ودرازة وسباكة ذهب وإصلاح الأحذية
ليست حرفة

صادفت زيارتنا لـ"حنطة الحصاير" -كما تسمى في معجم الصناع التقليديين بالمغرب- انتهاء "الصنايعية" من يوم شاق في نسج الحصائر وتنقية أعواد السمار المكونة لها لنسج حصائر جديدة.

جلس "السي الحسن" يحدثنا عن خبايا هذه الصنعة التي بدأت تحتضر حسب تعبيره، ويقول: "صنعة الحصاير ليست حرفة، بل هي صنعة؛ لأنها تحتاج إلى إعمال العقل لضبط حسابات الزخرفة (الزواقة)، التي تحسب بالعد الفردي، وشخصيًّا أتقن أكثر من ثلاثمائة زخرفة، وقد أبتكر أخرى جديدة، رغم أننا نستعمل اليوم 3 فقط؛ لأن (الذواقة) لم يبقوا يهتمون بهذه الصنعة التي بدأت تحتضر، فمن يعرف الآن أنواع الزخارف مثل: بريطلات، واللويزات، وبني أحمد، وبقريطات، والتفافح، إلا قليل من العشاقة أو الصنايعية؟".

وفي نوع من التباهي بثقافة خاصة في إتقان مفردات الصنعة، يضيف الحسن شارحا بعض المسميات الخاصة بالمهنة ومراحل الإنجاز: "عندما نحصل على (السمار) (نبات ينبت بجانب البحيرات)، يتم فرز الطويل والقصير منه، وعزل الأبيض منه والمائل إلى الحمرة والخضرة، ويغسل ليصبح لامعا، وبعد ذلك يوضع الكل في برميل (حفرة مخصصة)، حيث تتم (الكبرتة) (أي تصفيفه ووضع الكبريت وسطه ليزداد لمعانا)، ثم يتم صبغه بألوان سوداء وخضراء وحمراء (منها الفوة والرومية) باستعمال ماء دافئ.. وعندما ننتهي من تهيئة المواد الخاصة بالنسج، ننصب المرمة (المنسج) وقالب (البالو) (تسمية أندلسية)، المخصص لضبط مساحة .. ولشد (الطوال) (الأحبال) نستعمل (القريطو) (تسمية أندلسية أيضا)، ونبدأ العمل..".

ويوضح الحسن الفروق بين عمال "الحنطة" الواحدة ويقول: فالمعلم هو الذي يملك المحل والمال، أما "الصنايعي" فهو من يتكفل بالإنجاز، وعلى يديه يتدرب التلاميذ، وشخصيا لم أعد أستقبل أي طفل للتعلم؛ لأن مستقبل الصنعة إلى انحدار.

مشاكل بعدد أعواد السمار

كان السي أحمد يرقب حديث زميله السي الحسن باهتمام بالغ وهو يفرز أعواد السمار، وربما تدخل بين الفينة والأخرى ليعبر عن الضيق الذي يملأ نفسه بضياع هذه الصنعة وموتها التدريجي بتحولها إلى تجارة: لقد تعرضت هذه الصنعة لعملية غزو بصناعة الحصائر البلاستيكية و(الموكيت)، وأصبح الإقبال على الحصائر نادرًا، إلا ممن يعرفون قيمتها.. وأنا أستغرب كيف يصر السياح الأوروبيون على اقتنائها، بينما نجد المغاربة يزهدون فيها، وحتى إذا طلبت من أحد (الصنايعية) التكتل للمطالبة بدعم رسمي لها، يقول لك: (لقد عفا الله علي منها)، كأنها مهنة ذليلة، ونحن أيضا ننتظر نهاية هذه المهنة بحلول أجلنا بعدما تحولنا إلى مجرد بشر "أثريين".

ويتابع السي أحمد موضحًا: "لقد أصبحت المعارض الخاصة بالحرف التقليدية كلها، وليس صنعة الحصائر، مجرد ديكور مناسباتي، وفرصة للتجارة واستغلال إبداعات الصناع وتهميشهم وجمع الأموال على حسابهم".

وفي سياق الحديث، يتدخل السي الحسن ليؤكد أن مما عمق من مشاكل الصنعة هو تراجع وزارة الأحباس (وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب) عن شراء الحصائر التقليدية لتأثيث المساجد، حيث يحرص موظفوها حاليا على اقتناء الأرخص ثمنا، دون الوعي بقيمة هذه الحصائر وفوائدها الصحية، فهي تقي من مرض الحساسية، وتغربل الأتربة إلى أسفل بخلاف اقتناء الزرابي البلاستيكية و"الموكيت"، ويعتبر الحسن ما تقوم به الوزارة "جريمة" في حق الصناعة التقليدية.

ويتابع أن عدم وجود وسيلة لتسجيل إبداع الصناع أو علامة دالة على ابتكاراتهم في هذه الصنعة يعتبر أيضا أحد المشاكل، حيث يعرضها للتقليد والسرقة.

ويقول: "حتى لما أردنا سنة 1988 تكوين جمعية خاصة بنا، لم نجد إلا أسلوب التهرب من لدن بعض الصناع أو التعالي، برغم أن الصنعة كانت في السابق تعرف تنظيما محكما بوجود الأمين والمحتسب لتنفيذ القرارات ولجنة لإصلاح ذات البين في الحوادث الطارئة".

صنعة "مزغوبة"

وبينما ظل السي حسن صامتا إلا من بعض الضحكات التي تصاحب الحديث، يلفت السي أحمد أن اليهود رغم اشتهارهم بإتقان كل الصناعات التقليدية إلا أنهم لم يقتربوا من صنعة الحصاير والدباغة؛ لأنها صنعة "مزغوبة" (غير مفيدة)، ونحن مستمرون فيها رغما عنا، لأنه لا خيار لنا غيرها.

ويذكر السي الحسن أن الجهل بقيمة الحصائر التقليدية كثيرا ما يولد مماحكات "مشاحنات" مع الزبائن: "فنحن نصنع المتر الواحد بأثمنة متفاوتة تتراوح من 40 درهما إلى 80 درهما وقد يبلغ الأجود منها 150 درهما، ولكن عندما تخبر الزبون بذلك يظن أنك تكذب عليه أو تريد ابتزازه وربما جهل صعوبة الحصول على السمار، وبالمقابل لا نجد مشاكل مع من لهم دراية بقيمة هذه الحصائر".

ويقترح السي أحمد لتجاوز هذا الوضع وصيانة المهنة تنظيم مسابقات للإبداع ومنح أراض لبناء محلات خاصة بصناعة الحصائر، وتطهير الصنعة من المتطفلين والوسطاء المرتزقين واختبار الصناع الحقيقيين.

ولم يبد السي أحمد والسي الحسن تفاؤلا بمبادرة الوزارة الوصية على الصناعة التقليدية بالمغرب بتشريع تأمين إجباري صحي على المهن والحرف والمسمى بـ"شفاء"، وقالا: "نحن نريد من يعطينا شيئا الآن، لا أن يتم اقتطاع شيئا من رزقنا، فلم يبق لنا إلا سنوات ونرحل من هذه الدنيا، والمسئولية على الجهات الوصية لصيانة هذه الصنعة الأصيلة من الاندثار".

تركنا "حنطة الحصاير" تكابد ما تبقى لها بصبر مفروض، وتصنع حصائر ما تزال تزين كثيرا من مساجد المملكة، ولسان الحال يتساءل: هل يتم الإنصات لصرخة إنقاذ الصنعة، أم ستتعرض لاندثار شبيه باندثار عالم "الديناصورات"؟.

-منقول للفائدة عن اسلام اون لاين -





التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس