عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-26, 23:06 رقم المشاركة : 1
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي المنهج الاجتماعي


المنهج الاجتماعي : بداياته تطوره وامتداداته



مع بدايات القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بدراسة العلاقة بين الناحية الاجتماعية والأدب، فصدر آنذاك كتاب لمدام دوستال تحت عنوان "الأدب في علاقاته بالأنظمة الاجتماعية" متناولاً تأثير الدين والعادات والقوانين في الأدب، وتأثير الأدب فيها.كما ردد دي بولاند فكرة أن "الأدب تعبير عن المجتمع". غير أن الجذور الأولى للمنهج النقدي الاجتماعي يمكن إرجاعها إلى هيجل الذي ربط بين ظهور الرواية والتغيرات الاجتماعية، وذلك حين أشار إلى أن الانتقال من الملحمة إلى الرواية جاء نتيجة لصعود البرجوازية، وما تملكه من هواجس خُلُقية وتعليمية. وسيعرف المنهج الاجتماعي بعد هذه البدايات عدة تطورات مع نقاد بارزين مثل ماركس ولوكاتش وجولدمان، كما سيعرف تحولات مفهومية عكست محاولة كل ناقد تجاوز العثرات والهفوات التي تركها سابقوه خلفهم.
1/المنهج الاجتماعي :
كارل ماركس
استطاع ماركس دعم أساسات النظرية الاجتماعية بتصور نظري مثين عندما اعترف دون مواربة أن الأدب يرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع المجتمعي المحيط بالمبدع.ولتأكيد هذه الفكرة عمل على قلب الدياليكتيك الهيجيلي، فجعله يمشي على رجليه بعدما كان يمشي على رأسه.ومعنى هذا القول أن ماركس اختار لنفسه مسارا يختلف عن ذلك الذي ارتضاه الطرح المثالي والمتعالي لكانط وهيجل، وفيه أقر أن هناك علاقة انعكاس آلي تربط البنية التحتية(الطبقات) بالبنية الفوقية(الإبداع على اختلاف صوره : فن، فلسفة، أدب...)،لهذا راح يبحث عن المجتمع في الأدب.وقد انتـُــقـِد ماركس لهذا الموقف، ورُدَّ عليه بأن هناك آثارا وروائع مازالت مؤثرة إلى حد الآن في التاريخ البشري رغم انصرام الزمن الذي أنتجها.هذا الانتقاد أقر به ماركس، مما جعله يبحث عن تفسير للأمر،وقد وجد ضالته في نظرية " العصور الطويلة " وهي نظرية لا تلغي مبدأ تأثير المجتمع في الأدب غير أنها تجعله ممتدا على زمن بعيد وليس آنيا.
لوكاتش
من الروافد الأخرى للمنهج الإجتماعي يمكن أن نستحضرالناقد المجري جورج لوكاش، الذي عمل - انطلاقا من اتجاهه الماركسي- على ربط أشكال الوعي كافة بالبنية الاقتصادية المحددة لها. ففي كتاباته عن بلزاك وأميل زولا كشف عن العلاقة الجدلية بين دلالات الأعمال الإبداعية الكبرى ودلالات البنيات الاجتماعي، فنظر إلى الأعمال الأدبية بوصفها انعكاسات لمنظومة ظاهرة، والانعكاس عنده يعني تكوين بنية ذهنية يتم التعبير عنها بالكلمات(ولا ينفي هذا القول استمرار النزعة المثالية في تصورات لوكاتش، خصوصا ما ورثه عه أستاذه هيجل على نحو ما يظهر في انتقاده للنين وتأييده لستالين في دعوة الأخير إلى ثورة ديمقراطية).
إن هذا التحول سواء لدى ماركس أو لوكاتش يعد قفزة نوعية كبرى. فبعد أن كانت المقولات عند «كانط» أشكالا سابقة للذهن، مستقلة عن كل بعد تاريخي، أصبحت تاريخية عند «هيغل»، ولكنها ترتبط بتطور الذهن الموضوعي، لتصير البنيات الذهنية مع الناقدين الألماني ماركس والمجري لوكاتش حقائق تجريبية ينتجها التطور التاريخي لمجموعة اجتماعية وطبقات اجتماعية على الخصوص.
ولئن كان المنهج الاجتماعي قد أولى اهتماما كبيرا بالمضامين ــ ما دام المجتمع يشهد صراعاً طبقياً، وعلى المبدع أن يحدد موقفه منه ــ فإن ذلك كان سببا في إغفال الجانب الجمالي وعلاقته بالدلالة الاجتماعية والأيديولوجية، واكتفى بالمقارنة بين ما موجود في الرواية من أماكن وشخصيات وبين ما يقابلها في الواقع الخارجي ، ومن ثم لم يناقش النقد الاجتماعيعلاقة الأدب بالمجتمع بعيدا عن مفهوم الانعكاس، كما أنه لم يميز بين الأدب باعتباره إبداعا وبين الإيديولوجيا باعتبارها مقولة فكرية وسياسية واقتصادية تؤثر فيه بطريقة غير مباشرة .مما جعل بعض النقاد مثل جولدمان ولينهارت ولوتمان يعقدون العزم على تجاوز عثرات المحاولات النقدية السابقة .
2/ المنهج البنيوي التكويني/التوليدي
يُعنى المنهج البنيوي التكويني بالأدب بوصفه ظاهرة اجتماعية تاريخية، آخذا بالاعتبار بنياته الخاصة التي يفسرها داخليا(من خلال النص) وخارجيا(ربط النص بمحيطه).وقد استفاد هذا التيار من البنيوية، كما لجأ إلى علم الاجتماع والفلسفة...في محاولة منه لتجاوز التصور الداخلي المغلق للبنيويين، والتصور الخارجي لنقاد المنهج الاجتماعي.
لوسيان جولدمان
لقد انطلق الناقد الفرنسي لوسيان جولدمان من جملة فرضيات في مقدمتها أن السلوك الإنساني يحاول إيجاد توازن بين الذات الفاعلة وموضوع الفعل، وبالتالي فإن الدراسة العلمية تتطلب الكشف عن كلا الوضعيتين. ومن التساؤلات التي يطرحها جولدمان : من هي الذات الفاعلة ( المبدع الحقيقي)؟ أهي الفرد أم الجماعة؟
يجيب جولدمان أن الجماعة ليست إلا شبكة معقدة من العلاقات المتبادلة بين الأفراد، ويتطلب التحليل تحديد بنية الشبكة ودور الأفراد الفاعلين فيها، لندرك العلاقة الموضوعية بين الإنتاج والمبدع الحقيقي وهو الجماعة الاجتماعية وليس الفرد. وهو بذلك يقترب كثيرا من مقولة هيجل " الحقيقي هو الكلي " ، لكنه لا يتجاهل دور الفرد، فالفرد بفعل ولادته أو وضعه الاجتماعي يؤلف جزءاً من الجماعة.
إن النقلة المنهجية التي حققها جولدمان من المنهج النقدي الاجتماعي التقليدي (الذي يربط بين محتوى الإنتاج الثقافي ومحتوى الوعي الجماعي) إلى المنهج الذي يدرس المضامين الاجتماعية في أشكالها هي دراسة العمل الثقافي بوصفه بنيات مماثلة ومناظرة للبنيات الاجتماعية، ولكن في عالم يتمتع باستقلاله وبقوانينه الخاصة، أي إن بنيات العالم المتخيل مناظرة أو مماثلة للبنيات الذهنية لدى الجماعة الاجتماعية دون أن تكون بالضرورة انعكاسا حتميا لها. فالجماعة الاجتماعية تشكل نسقاً من البناءات التي تبث في وعي الأفراد ميولات عاطفية وفكرية وعلمية، تندفع نحو درجة ما من التجانس محققة ما اصطلح عليه جولدمان بـ " رؤية العالم"، التي بها يستطيع الكاتب الفذ الذي يخلق عالماً متخيلاً في غاية الانسجام، حيث تطابق بنياته البنيات التي تنزع إليها الجماعة، فيعي أفرادها ما كانوا يفكرون فيه أو يحسونه أو يفعلونه دون أن يعرفوا دلالاته معرفة موضوعية.
إن مفهوم "رؤية العالم" الذي تحدث عنه جولدمان ما هو إلا النسق الفكري الذي يسبق عملية تحقق النتاج، ويتلخص في أنه مجموع التطلعات والعواطف والأفكار التي يلتف حولها أفراد المجموعة أو الطبقة (التي تربطها روابط اقتصادية تفعل الكثير في تكوين أيديولوجيتها) فتجعل منهم معارضين للمجموعات الأخرى من أجل تحقيق التطلعات والأفكار المشار إليها، وتبعث لديهم وعياً طبقياً متفاوت الوضوح والتجانس، يبلغ ذروة وضوحه وتجانسه لدى الفيلسوف أو الفنان.
إن ما يؤسس "رؤية العالم" هو الوعي القائم/ الممكن باصطلاح جولدمان، وهو يحدد الوعي ابتداء بأنه :" مظهر معين لكل سلوك بشري يستتبع تقسيم العمل"، غير أنه يميز بين نوعين من الوعي: الأول إحساس بظرفية واحدة يجمع بين أفراد الجماعة وذلك هو الوعي القائم، وهو وعي متطور في بنيات متغايرة ومتلاحقة، أما الثاني فهو الوعي الممكن، وهو تصور لما ينبغي أن يكون، أي تصور إمكانية تغيير الواقع القائم وتعديله على وفق ما تراه الجماعة محققا للتوازن المنشود".
تلك هي المنطلقات الأساسية للبنيوية التكوينية ، وقد حصرها جولدمان في كتابه (المنهجية في علم الاجتماع الأدبي) في خمس نقاط:
1-العلاقة الجوهرية بين الحياة الاجتماعية والإبداع الأدبي تهمّ البنى الذهنية التي تنظم الوعي التجريبي لفئة اجتماعية معينة والكون التخييلي الذي يبدعه الكاتب.
2-إن البنى الذهنية ذات الدلالة ليست ظواهر فردية، وإنما هي ظواهر اجتماعية.
3-إن العلاقة بين وعي الجماعة والبنية المنظمة للعمل الأدبي متماثلة تماثلاً دقيقاً، إلا أنها غالباً ما تشكل مجرد علاقة ذات دلالة.
4-إن البنى الذهنية (المقولية) هي ما يمنح العمل الأدبي وحدته.
5-إن البنى الذهنية المشار إليها سيرورات غير واعية مماثلة لتلك التي تنتظم عمل البنى العضلية والعصبية، لهذا فإن الكشف عنها متعذر على الدراسة الأدبية المحايثة وعلى الدراسة المتجهة نحو النيّات الواعية للكاتب أو في علم نفس الأعماق، ولا يتحقق إلا ببحث من النمط البنيوي والسوسيولوجي.
تتطلب هذه المنهجية الدراسة على مستويين ولكنهما يمتزجان بصورة عميقة في البحث، وهما: مستوى التأويل، ومستوى التفسير، يأخذ الأول شكل دراسة محايثة للنص، بحثا عن الانسجام الداخلي له، وتقدم الدراسة نموذجا بنائيا دالا يتألف من عدد محدود من العناصر والعلاقات القائمة بين هذه العناصر، آخذاً بالاعتبار كل النص ودون إضافة شيء إليه.أما الثاني والأخير فيتولى ربط علاقة النص بحقيقة خارجة عنه ، شرط أن تكون ذاتا عبر/ فردية((Transindividual (جماعية) ، وبتعبير آخر إن مستوى التفسير يسعى إلى إدماج بنية النص في بنية أوسع، فيصبح ما كان تفسيرا للبنية الأولى تأويلا للبنية الثانية الشاملة.
في ندوة عقدت في بروكسيل عند مستهل الستينيات، حول موضوع الرواية الجديدة والواقع، يستند جولدمان في تحليله المذكور آنفا على ما توصل إليه ماركس عن العلاقة بين الفرد والشيء بوصفها مجالاً للتحولات الاجتماعية التي أحدثها ظهور الاقتصاد ونموه، والتي شكلت جوهر نظريته "فتيشية السلعة"، والتي أسماها لوكاش بـ "التشيؤ" ، على هذه النظرية يبني جولدمان علاقة بين تاريخ البنيات التشيّؤية وتاريخ البنيات الروائية، حيث أن التشيّؤ بوصفه سيرورة سايكولوجية دائمة تؤثر باطراد في المجتمعات الغربية المنتجة للسوق وتحدد مراحلها بالشكل المذكور آنفا.
جاك لينهارت
من الذين أعقبوا جولدمان وأسهموا في تطوير نظريته جاك لينهارت، فقد طبق على اللغة أفكار جولدمان حول الأدب، فلاحظ أن العلاقة اليومية للناس باللغة تعتمد على مسلّمة أن السيرورة الخطابية تعبّر عن المعنى بصفة موحدة، باعتمادها على القيمة الاستعمالية/الوظيفية ، ونجده في كتابه (قراءة سياسية للرواية) الصادر عام 1973 يعرض تحليلا لرواية (غيرة) لآلان روب غرييه ، يؤسسه على أربعة أسئلة، هي :1 -هل تقدم (غيرة) بنية دالة متماسكة؟ وهل تحدّد هذه البنية الرواية المعنية فقط أم عموم أعمال روب غرييه؟ 2-هل يمكن أن تدرج البنية الدالة المتركزة على (الغيرة) في إطار تيار إيديولوجي أعم مثل تيّار (الرواية الجديدة)؟ 3 -إذا كانت تلك البنية الإيديولوجية موجودة فهل لها علاقات وظيفية بطبقة اجتماعية أو بفئة اجتماعية؟ 4 -هل تمثل هذه الطبقة أو الفئة الاجتماعية مكاناً مدركاً في البنية الشاملة للمجتمع الفرنسي ؟
يوري لوتمان
يشكل لوتمان تطويرا وإضافة نوعية لما قدمه جولدمان، مستفيدا من إنجازات المادية التاريخية ومدرسة الشكلانيين الروس ومدرسة المعلومات وعلم الاتصال والسيبرنيطيقا . .. وعنده أن المعنى يتولد من نسق لغوي يقوم على مبدأ التشابه والتضاد ، وعليه فإن النص يحمل في ثناياه لغتين، وإن المعنى هو محصلة للتأرجح بينهما ، ولا يمكن الإحاطة بالنص إلا بالإحاطة بلغتيه معا في تفاعلهما.لهذا يعتبر أن اللغة " نظام من العلامات المنتظمة تقوم بوظيفة اتصالية، ويترتب على تعريف اللغة بأنها نظام مناقشة وظيفتها الاجتماعية، فهي تؤمّن وتضمن تبادل المعلومات وتضمن حفظها وتراكمها في المجتمع الذي يستخدمها ..... ولكي تقوم اللغة بوظيفتها الاتصالية يتحتم بأن يكون لها نظام من العلامات جاهز للاستخدام"

وجوهر منهج لوتمان فهم جدلية النص الأدبي على وجهين الوجه الداخلي ويعني إدراك الجدل المستمر بين مستويات النص، وبين العناصر المكونة لكل مستوى منها، والوجه الثاني إدراك العلاقات الجدلية بين النص وما يحيط به خارج النص.

ففي كتابه " بنية النص الأدبي" الصادر عام 1970 يعالج لوتمان كيفية ارتباط بنية النص ببنية الفكرة،مبينا أن بنية النص نظام شديد التعقيد ، وأن تحديدها يتطلب القيام بنمذجة يتحقق فيها عزل الخواص الثابتة، ولتحقيق ذلك استفاد من محوري السياقي والاستبدالي، جاعلا الأول يسيطر على النص القصصي والروائي، والثاني يسيطر على النص الشعري، فوضعنا بذلك أمام خصيصتين مهمتين من مجمل الخواص الثابتة. لقد توصل لوتمان إلى أن اللغة الطبيعية هي نموذج أول للعالم ، أما اللغات النوعية(الشعرية والأدبية والشفرات ..) فهي نظم نمذجة ثانوية، هكذا يفسر مضمون النص، في اللغة العادية، بحدود شفرة مفردة، أما الانحرافات في العمل الفني فهي عناصر في نظام آخر، تشكل شفرات مفسِّرة تختلط بعناصر الشفرة الأصلية ، ومن ثم فإن تعددية النظم خاصية لازمة في الفن، إذ ينتج عن اصطراع عناصر نظامين أو أكثر توتر يخلق التأثير الفني





التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس