عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-04, 21:26 رقم المشاركة : 2
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 رد: غياب وازع العقل والدين. بقلم الدكتور محمد عابد الجابري.


1- أما الغلول (لا تغلوا) فهو أن يسرق المحارب من الغنيمة ويخفي ما سرق، وقد شدد القرآن القول في ذلك فقال تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" (آل عمران: 161).
2- أما الغدر بالعدو وأخذه غيلة فقد نهى عنه القرآن بصريح النص أيضاً. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ (غدّار) كَفُورٍ" (الحج 38). قال القرطبي: "رُوي أنها (هذه الآية) نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة؛ أراد بعض مؤمني مكة أن يَقتل مَن أمكنه من الكفار ويغتالَ ويَغْدِر ويحتال؛ فنزلت هذه الآية إلى قوله: «كفورٍ». فوعد فيها سبحانه بالمدافعة ونهى أفصح نهي عن الخيانة والغدر". وقد جاء في سورة «الأنفال» التشديد في الغدر والاغتيال، فقال تعالى: "وَإِمَّا تَخَافَنَّ (تعلمن) مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ" (الأنفال 58). ومعنى الآية: إذا ظهر لك، من عدوك الذي بينك وبينه عقد هدنة، ما يدل على أنه يبيّت لنقض العهد والغدر بك، فبادر إلى إخباره بأنك لم تعد ملتزماً بذلك العقد وأنك تنوي استئناف القتال ضده؛ إن إخباره بما قررت سيجعله وإياك "على سواء" أي متساويين في العلم بنقض الهدنة، فلا يبقى لهم مجال للادعاء بأنك غدرت ونقضت العهد، من دون أن تخبرهم.
وروْوا أنه "كان بين معاوية والروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرُب حتى إذا انقضى العهد غزاهم؛ فجاءه رجل على فرس أو بِرذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، (وفاء لا غدر)؛ فنظروا فإذا هو عمرو بن عنبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلُّها حتى ينقضي أمدُها أو ينبِذ إليهم على سواء» فرجع معاوية بالناس".
وهذا التشديد في النهي عن الغدر بالعدو لا يتنافى مع قوله عليه الصلاة والسلام "الحرب خدعة". فالمفسرون والفقهاء مجمعون على أن المقصود ليس دعوة المسلمين إلى ممارسة الخداع والغدر بالعدو سواء كانت الحرب قائمة أو خامدة، وإلا كان ذلك إباحة للكذب، و"ليس لأحد أن يعتقد إباحة الكذب، وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلّم عن الكذب نهياً مطلقاً، وأخبر أنه مخالف للإيمان، فلا يجوز استباحة شيء منه... وكذلك الحرب (لا يجوز فيها الكذب على العدو أو غيره)، إنما يجوز فيها المعاريض (الإشارة غير الصريحة) والإبهام بألفاظ تحتمل وجهين، فيوَرِّي بها عن أحد المعنيين ليغتر السامع بأحدهما عن الآخر، وليس حقيقته الإخبار عن الشيء بخلافه وضده" فيكون كذباً صراحاً. و"قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين (اختفاء) ونحو ذلك. وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب: بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة، ولـهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث، وهو كقولـه «الحج عرفة»، قال ابن المنير: معنى الحرب خدعة: أي الحرب الجيدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها، إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر".
3- وأما المُثلة بقتلى الأعداء فمعروف أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنها، روى ابن إسحاق أنه "ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة، وينهانا عن المثلة". وقد ورد في القرآن ما يؤسس لذلك، قال تعالى "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" (نوح 126). وقالوا: أحسن الناس قِتْلة: أهل الإيمان. أي الذين يلتزمون بالأخلاق الكريمة التي تميز المؤمن، فلا يعذب المقتول مثلما لا ينبغي أن يعذب الحيوان عند الذبح.
هذا عن أخلاقيات التعامل مع العدو المحارب من غير المسلمين. أما "المحاربون" للمسلمين، داخل دار الإسلام، مثل "الخوارج" الذين خرجوا على الخليفة علي بن أبي طالب رافضين نتيجة التحكيم بينه وبين معاوية، رافعين شعار "لا حكم إلا لله" (وهو الشعار الذي قال فيه علي رضي الله عنه: "كلمة حق أريد بها باطل")، أقول أما "الخوارج ومن في معناهم" فقد رووْا فيهم حديثاً ذكره علي ورد فيه: "وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم يقول: سيخرُج قوم في آخر الزمانِ أحداث الأسنان (شبان)، سُفهاءُ الأحلام، يقولون من خيرِ قولِ البرية، لا يجاوزُ إيمانهم حَناجِرَهم، يَمرُقونَ من الدِّين كما يَمرُق السهمُ منَ الرَّميَّة (يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الدابة المرمية وهو لا يمسك منها على شيء)، فأَينما لَقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلِهم أجراً لمن قَتَلَهم يومَ القيامة». وفي قتال هؤلاء الخوارج واشترط بعض الفقهاء أن يكون قتالهم "بعد إنذارهم والاعتذار إليهم... ولا يُجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم؛ وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم".
وبعد فأين هي أخلاقيات الحرب، كما قررها الإسلام، من سلوك هؤلاء وهؤلاء: هؤلاء الذين يقاتِلون داخل دار الإسلام أو خارجها باسم الإسلام (غلاة وخوارج وطوائف... الخ)، وهؤلاء الذين يردون فيتجاوزون "المثل" أضعافاً مضاعفة. إنه غياب وازع العقل والدين.






التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس