عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-03-17, 01:48 رقم المشاركة : 1
فطيمة المراكشية
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية فطيمة المراكشية

 

إحصائية العضو







فطيمة المراكشية غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي طفولة مسحوقة 3 \ فطيمة المراكشية


طفولة مسحوقة ( 3 )

الفصل الأخير

.. حاولت أن تغمض عينيها وتفتحهما كي تخرج من الكابوس الذي هي غارقة فيه
وبكاؤها أصبح له صوت كمثل شهيق من فقد عزيزا ..
أما الذئب فلم يعجبه الأمر فتوقف ينظر إليها وكأنه يرسم خطة مكتملة الجوانب حتى لا تنقص لحظته أية حلَقة ممتعة ..

فنهرها بشدة : - ما بكِ ؟ لا أريدكِ مثل الحجرة مكَوْكَمة على نفسك , إنكِ بدأتِ تثيرين أعصابي وهذا لا يعجبني ..
اقترب منها ثانية , فانتبهت إلى عينيه كأنها لون الجمر , ورائحة فمه ليست طبيعية بل تذكّرها برائحة أحد أبناء الجيران , عندما يمر من أمام بيتهم بعد المغرب وهي تركض مع الأطفال , كان يقبل الأطفال ويعطيهم قروشا وقطعة حلاوة ويمضي لحال سبيله يترنّح , وأحيانا يمسكه بعض الصبية من ساعديه حتى يوصلونه لباب بيته ..

جلست تقارن , نفس الرائحة ونفس لون العينين وسباتهما ونفس الجسم المتعرق , ولكن المفارقة عجيبة , أن ابن الجيران يكون في قمة هدوءه ,وهذا الشيطان يتطاير الشرر من عينيه ...

وقف الذئب واتجه نحو طاولة بها كأسين وقنينة تحتوي على ما تحتويه , أفرغ جزءا ومده إليها قائلا :


- خذي اشربي هذا دواء سيهدئك ..

لكن أمينة تعرف جيدا ما نوع هذا الدواء , فزادت بكاءا وانكماشا على نفسها وتوسلت إليه أن يتركها تخرج , تجرّع الكأس وصب آخر ومسكها من رقبتها محاولا فتح فمها ليرغمها على شربه , ولكنها هذه المرة استجمعت شجاعتها وصرخت صرخة مدوية , وإن لم يسمعها من في البيت فهم إذن أمواتا ..

بعد دقائق سُمع قرع على الباب , فأمسك الشاب بالفتاة وأحكم يده على فمها كي لا تصرخ ثانية ..

- من بالباب ؟ سأل
- أنا أم ياسر
- ماذا تريدين ؟
- كأننا سمعنا صوت صرخة .. قمنا فبحثنا عن أمينة في البيت كله ولكننا لم نجدها ونحن في خوف عليها .
- وما علاقتي أنا بأمينة حتى تطرقين علي الغرفة في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟
- سيدي لا يمكنها أن تخرج من البيت لأنها لا تعرف المكان وهي من وقت أن جاءتك بالشاي لم تعد ..

صرخ المعتوه : - أغربي عن وجهي أيتها البلهاااء ... هياااااا ....

انسحبت أم ياسر وفكرها شارد لا تعرف ماذا تفعل , واستغربت من كلام هذا الرجل الذي لا ولن يكون مسؤولا عن شيء أبدا ..

ولكن شيئا في نفسها قال لها عودي وتنصتي من وراء باب الغرفة , فرجعت واقتربت بأذنها فسمعت شهيقا وتوسلات ..

في هلع قالت بصوت يكاد أن يُسمَع : - إنها إمينة يا إلهي ..

نادت خديجة وطلبت منها أن تذهب بسرعة لإيقاض السائق وتنادي على الحارس الليلي , بعد دقيقتين حضر الكل فوقفوا وقفة واحدة أمام الغرفة , فانهال السائق بلكمات على الباب وقد كان قوي البنية طويلا عريضا , حيث أن الشاب أمامه ليس أطول من أحد الأقزام السبعة , فزع الشاب وبدأت أمينة بصراخ هستيري , فوجه السائق كلمات تهديد للشاب ..

- إن لم تفتح سأكسر الباب أو سأتصل بالشرطة ..
ولكنه فتح الباب أخيرا فرماه السائق على الأرض , وهرولوا جميعا نحو أمينة التي كانت في حالة شبه إغماء سترتها خديجة بشرشف وحملوها للغرفة الأخرى , بعد أن استفاقت هدئوا من روعها , وحكت لهم الحكاية كلها ..

أما الشاب فقد نال نصيبه من السائق لأن هذا الأخير كان ينتظر فيه فرصة كي يرد له الإهانات التي كان يهينه دائما , فقد ضربه حتى اسال دمائه من وجهه وفي باله أنه سيطرد أولا وسيُسجن لا محالة لنفوذهم القوي , ولكنه عزم على أن يكون الأمر بعد أن يشفي غليله في هذا المعتوه ابن مامي وبابي , والذي كاد في لحظة طيش أن يحطم برائة طفلة سبق وأن حطم جزءا منها الزمن والفقر , وأتى هذا الوحش ليأخذ منها الكرامة الوحيدة التي تملكها ..

ما إن أشرقت الشمس , حتى حضرت أم الولد وأخواته الثلاث بعد اتصال , وعرفوا القصة كاملة , وكما هي العادة , كانت محاولة الإسكات بدفع مبالغ جيدة إلى خديجة وأم ياسر والجزء الأكبر لأمينة وأيضا للسائق والبواب , حتى يتم السكوت والتستر على الأمر ..

ما على هؤلاء المعوزين إلا قبول الهدية فهم في أشد الحاجة لها , لأنهم في كل الأحوال سيبقون من الصامتين حفاظا على لقمة العيش , وما دام الأمر كان بردا وسلاما فلا ضرر ولا ضرار ..

كان القرار النهائي لكي لا تتكرر التجربة وربما لن تسلم الجرّة في المرة القادمة , هو الإستغناء عن خدماات أمينة , فجمعت المسكينة أغراضها وتجهزت لتعود أدراجها إلى بيتها وفي حوزتها تلك الدّريهمات التي على الأقل ستشتري منها دواء أمها وبعض أغراض البيت ...

وبعد فترة بدأت الأحوال تسوء بعد انقضاء الدراهم , فلم تجد أمينة بدّا من الخروج مرة أخرى للبحث عن بيت تعمل فيه فهذا هو العمل الوحيد المتاح أمامها وهي مجبرة عليه ..

فيا ترى هل هذه الصبية اليافعة الجميلة سيحالفها الحظ مرة أخرى وتعود سالمة من بين براثن الذئاب ..؟

ربما ستأتي قصة أخرى عن أمينة مع أحداث أخرى في يوم ما ونتابعها معا ...


أتمنى أن تكون القصة قد راقت لكم \ دمتم سالمين


فطيمة المراكشية
المملكة المغربية

Jankari





    رد مع اقتباس