عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-09, 17:08 رقم المشاركة : 2
oustad
هيئة التشريع سابقا
مراقب عام سابقا
إحصائية العضو







oustad غير متواجد حالياً


افتراضي الطبيعة والثقافة


الطبيعة والثقافة
1 . دلالات كلمة الثقافة:
يعتبر مفهوم الثقافة من أكثر المفاهيم تداولا ولكنه أيضا من أكثرها غموضا وتلونا. فالتعاريف التي اقترحت في المائة سنة الأخيرة على الأقل بلغت حدا من التنوع يصعب معه الاتفاق على تعريف واحد ومحدد لكلمة الثقافة . وإذا كان كرويبر (Kroeber) وكلوك هون(Kluckhohn) _ عالما الأنتروبولوجيا الأمريكيان _ قد صنفا قبل ربع قرن ما لا يقل عن 160 تعريفا للثقافة , فإن التفرعات التي تبلورت بعد ذلك تزيد ولا شك في عدد هذه التعاريف المقترحة. أمام هذا لا نستغرب إذا, آن تكون من بين الأعمال الأكاديمية بحوث تنحصر في تتبع المغامرة التاريخية لكلمة ثقافة (.-Philippe beneton: contribution à l’histoire d’un mot) مبينة كيف أصبحت هذه الكلمة ضحية النجاح الذي حظيت به! لا يستغرب أيضا آن يكتب:ادكار موران E.Morin. بعد مرور قرن على أول تعريف انثروبولوجى معروف للثقافة : « الثقافة بداهة خاطئة ، كلمة تبدو وكأنها كلمة ، ثابتة. حازمة والحال أنها كلمة فخ خاوية ، منومة ، ملغمة ، خائنة . . . الواقع أن مفهوم الثقافة ليس أقل غموضا وتشككا وتمددا في علوم الإنسان منه في التعبير اليومي».
اكتسبت كلمة ثقافة (آو culture) معناها الفكري في أوروبا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فالكلمة الفرنسة كانت تعنى في القرون الوسطى الطقوس الدينية (cultes).ولم تعبر عن فلاحة الأرض إلا في القرن السابع عشر. أما في القرن الثامن عشر فقد عبرت عن التكوين الفكري عموما وعن التقدم الفكري لشخص.خاصة ما يتطلبه ذلك من عمل وما ينتج عنه من تطبيقات . هذا هو المعنى الموجود في المعاجم الكلاسيكية ولكن انتقال الكلمة إلى الألمانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أكسبها لأول مرة _ وقبل رجوعها إلى فرنسا _ مضمونا جماعيا فقد أصبحت تدل خاصة على التقدم الفكري الذي يتحصل عليه الشخص أو المجموعات أو الإنسانية بصفة عامة ، اكتسبت كلمة ثقافة هذا المضمون في ألمانيا موازاة لتصور عام لتاريخ البشرية اعتبرت فيه درجات التقدم الفكري معيارا أساسيا للتمييز بين مراحل تطوره . أما الجانب المادي في حياة الأشخاص . والمجتمعات فقد أفردت له اللغة الألمانية كلمة حضارة ( Civilisation).
2. المقابلة بين الثقافة والحضارة:
إن الاستعمال الفرنسى لكلمة ثقافة يشمل مختلف أبعاد التقدم فكرية كانت أو مادية ، لكن التصور الألماني يميز بين الثقافة بمعناها الروحي والفكري والعلمي وبين الحضارة بمعناها المادي. وقد أدى هذا التمييز إلى افتراض تدرجية تمر بالإنسان من إنسان متحضر إلى إنسان مثقف فإلى إنسان مكون.
أما الفريد فيبر A.weber , فيميز بين الحضارة (على أنها جملة المعارف النظرية والتطبيقية غير الشخصية وبالتالي تلك التي يعترف إنسانيا بصلاحيتها ويمكن تناقلها)، وبين الثقافة (على أنها جملة من العناصر الروحية والمشاعر والمثل المشتركة التي ترتبط في خصوصيتها بمجموعة وزمن معينين) هذه المقابلة هي أكثر المقابلات استعمالا. ولكن الاستعمال عرف مقابلات أخرى. منها مثلا:
. (أ) ما يكتفي يكتفي باعتبار الثقافة :هي جملة الوسائل الجماعية المستعملة في التغلب على الوسط الطبيعي . (العمران والتكنولوجيا وتطبيقاتها...) و تصبح الحضارة : جملة الوساثل التي يستعملها الإنسان للسيطرة على ذاته، ولتطوير نفسه روحيا وفكريا.
(ب ) ومنها ما يجعل من الثقافة جزء من حضارة أعم جغرافيا فيحصر. الثقافة على مجتمع معين ء ويجعل من الحضارة جملة الثقافات التي توجد بينها روابط معينة وحسب هذا الاستعمال ` تكون هناك مثلا : ثقافة تونسية أو سورية ...وحضارة عربية .أو ثقافة فرنسية وأخرى جرمانية أو أنجلو سكسونية. وحضارة أوروبية.
3. الدلالة الأنثروبولوجية للثقافة:
إن بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر عرفت انتقالا للفظتي ثقافة وحضارة من المفر د إلى صيغة الجمع . ومع انتقال كلمة ثقافة إلى انجلترا وجدت نفسها مرادفة عموما لكلمة حضارة كما ظهر ذلك عند تايلور:Taylor(1832-1917) . وقد صادف هذا الترادف ميلاد المفهوم الانثروبولوجى للثقافة .
من المتفق عليه عادة أن أول تعريف أنثروبولوجى للثقافة هو ذلك الذي اقترحه الانجليزى تايلورفي كتابه "الثقافة البدائية" الصادر سنة 1871:"الثقافة أوالحضارة بالمعنى الاثنوغرافي الواسع: هي. هذه الكل المعقد و الذى يشمل المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والتقاليد وكل القابيات والتطيقات الأخرى التي يكتسبها الانسان كعضو في مجتمع."
ومن تعاريف أخرى لاحقة اعتبر الثقافة «مجموعة مترابطة من أساليب التفكير والاحساس والعمل المتشكلة إلى حد ما تتعلمها وتشترك فيها جماعة من الأشخاص يكونون مجموعة خاصة متميزة » . الفهم الأنثروبولوجي للثقافة,بهذا المعنى يحتل فيه مفهوم الوساطة مكانة جوهرية و أساسية: الكأس مثلا وساطة بين الإنسان والماء, فهو بذلك يدخل في عداد المنتوج الثقافي بالمعنى الأنثروبولوجي.
وتبقى الإشارة إلى التعلم كأحد الركائز الأساسية في التعريف الأنثروبولوجي : باعبار أن ما هو ثقافي لا يورث بيولوجيا وإنما ينتقل عن طريق الأخذ والاستيعاب الاجتماعي. على هذا الأساس يقال عن الثقافة أنها «ارث اجتماعى» أو أنها «ما يتعلمه الفرد للعيش في مجتمع خاص». وتدخل الثقافة هنا في سيرورة التنشئة الاجتماعية.
4. الفطري والطبيعي:
. إن الخصائص الفطرية تمثل بالنسبة لعلماء البيولوجيا كل المعطيات الوراثية لدى الفرد، والتي يحملها منذ ولادته مبرمجة في خلاياه ، فهي ما يمثل وجه القرابة بين الإنسان والحيوان ، لذا يتم إلحاقها عادة بالطبيعة . أما المكتسب فهوكل ما يتعلمه الفرد تعلما ، فينضاف إلى الطبيعة . فكيف ينضاف المكتسب إلى الطبيعي؟، وما مكانة كل منهما في وجود الانسان ؟ (تفاعل الفطري والمكتسب - جاكار).
يقوم التأويل البيولوجي على تحديد خصائص مورفولوجية تحدد´الإنسان ( حجم الجمجمة وشكلها ، المشي على القدمين على نحو دائم ...) أووراثية (تتعلق بالمورثات التي تشكل بنية خلاياه ) تميز الانسان عن غيره من الكائنات . ويحاول ذلك التأويل أيضا تقييم مكانة كل من الغرائز و المكتسبات لدى الانسان . ورغم صعوبة التمييز بين الفطري والمكتسب حينما يتعلق الأمر بالإنسان ، فإن خروج الإنسان من الطبيعة حسب و جهة النظر البيولوجية كان نتيجة تحولات طبيعية : "فلم يكن الفارق الوراثي كبيرأ بين الانسان المفكر وأجداده ذي الذكاء المتواضع ، فلم تلزمه سوى بعض التغيرات الجزئية في الصبفيات لكي يرتقي إلى مرتبة العقل ويرتاد المغامرة الإنسانية." (جان روستان ).
يعني هذا التصور أن "طبيعة" الإنسان تكمن في رصيده الوراثي، وأن "طبيعة" النوع البشري قد تحددت مع التحول الصبغي الذي أصبح بموجبه الإنسان إنسانا والذي لم يقم بعده سوى بمراكمة تقنياته وفق استعدادات ظلت ثابتة من حيث تجهيزاتها العضوية والغريزية.
وبمعنى أوضح:فإن الطبيعة الإنسانية هي الأسس البيولوجية للثقافة لذلك وكما يقول مالينوفسكي:"يجب على نظرية الثقافة أن تعتمد على البيولوجيا...لأن إشباع الحاجيات الأولية أو العضوية للانسان وللجنس تكون الحد الأدنى للشروط التي تخضع لها كل ثقافة".
لكن يبدو أن النظر إلى الإنسان من زاوية "طبيعته" البيولوجية يؤدي إلى تجريده وفصله عن مجموع الروابط التي تربطه بالوسط الإجتماعي. ذلك أن ما نتصور أنه حقيقة أصلية للإنسان، ليس سوى فكرة مجردة لا يمكن أن نجد مقابلها في الواقع ، وأن الإنسان المجرد عن كل التقنيات والعادات والمؤسسات لا يمكن تصوره بأي حال من الأحوال.
مقابل النظرة البيولوجية ، إذن ، تقوم نظرة سوسيولوجية ترى أن الإنسان هو نتاج المجتمع والتربية . نجد هذه النظرة لدى المذاهب الانثروبولوجية كما رأينا,والتي ترى أن الإنسان كائن حي لا يجد صورته النهائية إلا بالثقافة ، وهو أكثر الكائنات حاجة إلى التربية إذ يولد دون قدرة على مواجهة الحياة ، ولا يكتسب هذه القدرة إلا من الآخرين الذين يعلمونه تقينات العيش التي توفر له الطبيعة إمكانياتها. "الإنسان نتاج المجتمع " - دوركايم.
الثقافة بهذا المعنى, ليست شيئا آخر سوى مجموع أشكال الفكر والمؤسسات القارة التي تكون نظاما يضمن للجميع وحدة ثابتة تتغير بعض أوجهها ومظاهرها. إنها كونية في التجربة الإنسانية ،و حتى الوقائع الأكثر "طبيعية"، كالأكل والموت والجنس تعاش من خلال سلوكات منظمة ومتوارثة بحيث تظهر كأنها "طبيعة ثانية" للإنسان ترسم حدود المباح والممنوع والواجب ، أي ترسم قواعد للسلوك.
وتضفي هذه النظرة على الثقافة، إضافة إلى طابعها الكوني الشامل للإنسانية جميعها، طابعا نسبيا.يتمثل في تعدد التجليات الثقافية.
مع المدارس الانثروبولوجية والسوسيولوجية يتم تجاوز الموقف الماهوي والأخلاقي للإنسان,ويتم الانفتاح على الثقافة وسوسيولوجية الثقافة، و توضع مسألة الطبيعة الإنسانية في سياق نظام يحدد طبيعة الإنسان ويتحكم فيها ، وهو من إنتاج الإنسان نفسه ، هذا النظام هو"الثقافة" نفسها.





التوقيع

هدية لسعيدة السعد، وفضيلة الفضل، ألف مبروك على الشفاء.
http://www.youtube.com/watch?v=g-i3X...eature=related

لِأَجْلِكِ الرُّشْدُ، شِعِرٌ جابِرُ *****عقْلٌ رَزانٌ، وفِكْرٌ عامِرُ.


صَدْعًا بِحَقٍّ، بِصَوْتٍ جاهِرُ *****صُبْحًا بِجِدٍّ، وَ ليْلًا ساهِرُ.

بِنْتُ الرّشيدِ ابنِ رُشْدَ سُلالةً*****أيْ، جودُ عِلْمٍ، حِجاجٌ باهِرُ.

~ La Femme est un homme amélioré ~
    رد مع اقتباس