عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-08, 10:18 رقم المشاركة : 1
نورالدين شكردة
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية نورالدين شكردة

 

إحصائية العضو







نورالدين شكردة غير متواجد حالياً


افتراضي ســـــــن الــــــغـــــــــــزال


واجه الجيلالي ببراءة طافحة أشعة شمس ظهيرة يوم قائض من أيام شهر دجنبر إحدى سنوات الاحتباس الحراري،وتمتم سعيدا وهو يقذف بسنه الأمامي صوبها:"ســيــــري يا سنة الحمار وآآآجـــي ياسنة الغزال.." شهران بعد ذلك نبت للجيلالي بفكه العلوي قاطع يفوق في سمكه وطوله وعرضه حجم قواطع القوارض...على الدوام،وعلى امتداد سنواته السبع،لم تكن الأمور تسير مع الجيلالي كما يجب.حظه العثر كان حديث مجامع المواقف،ومجالس الحمامات،وتجمعات الآبار والسقايات،وقرفصاءات الجدارات ونميميات ظل الشجيرات ...الشؤم والنحس اللذان زامنا مولده،لم يجد لهم الأقارب والجيران من مبرر سوى في توحيمته الفحمية الشحمية المثلثة التي ربطت عينه اليسرى، بأذنه واقتربت من محيط فمه وأذنه.وفي تلك الصاعقة التي ضربت يوم مولده بالضبط، ففحمت والده وحمارته وخروفيه.وفي سنة الجفاف العجفاء التي زامنت شهوره الأولى وأتت على السائل واليابس والأخضر معيدة إلى أذهان شيوخ ومعمري البلدة معاناة سنوات "البون"والجوع،وقلي الجراد،وشي الجرذان ومص أغصان الأشجار...نشأ الجيلالي في بادية غير بعيدة عن ضجيج وأضواء المدينة،وكانت محاولات زوج أمه للاستقرار بالمدينة تبوء في كل مرة بفشل ذريع...استدرجه يوما ابن فقيه الدوار بعد صلاة المغرب إلى حيث الهضبة التي أقيمت عليها منصتي شبكة الهاتف،وجهاز دفع وبث الإذاعة الوطنية ليطلعه على منظر أنوار المدينة وأضوائها المتحركة الملونة وهي تبدو من بعيد..وما إن انتصب الجيلالي سعيدا،مرهقا بعد عناء مشوار اختراق الشعاب واجتياز الوديان مطلقا صرخة وصفيرا طفوليا بريئا حتى انطفأت كل أضواء المدينة،وعم الهضبة وكل الهضاب المجاورة ظلام دامس..عادت الأضواء لتشعل من جديد،لكن سرعان ما انطفأت محدثة سوادا حالكا وضجة وفرقعة وصل صداهما لأسماع كل قاطني المداشر المجاورة.وفي منتصف ليلتئذ وصل للدوار خبر اعتقال وتطويف أكبر عصابة متخصصة في سرقة الألياف النحاسية،ونبأ اختفاء ابن فقيه الدوار والجيلالي سن الغزال كما يلقبه “محاضرية“ مسجد الدوار...صباح الغد عثر على التائهين نائمين بالقرب من أطلال قسم البلدة الوحيد،المنهار حديثا..لفترات طويلة اعتقدت والدته أن تردده على قسم الدوار سيجعل منه جيلاليا آخرا،وسيفتح له آفاقا أرحب ،وسيبعد عنه قليلا وصمة الشؤم والطيرة التي ألصقت به لصقا..لكنها لم تخمن يوما أن تسجيل ابنها بقسم الدوار سيتسبب في كوارث وانهيارات جمة...وحصل أن واقعة تلك الليلة حسمت في أمر الجيلالي،وجعلت موقف القبيلة يتوحد حول مصيره بعدما عرف رأيها كثيرا من التباين حول مرشح البلدة الخائن،وفقيهها المتحرش،ووجهة قنوات سقي أراضيها المحولة دوما صوب أراضي شيخ القبيلة.وكثيرا من الصمت والاختلاف حول بداية تغلغل المخدرات والعاهرات إلى بعض دور ومقاهي الدوار المحافظ...حلول الجيلالي بعدها بأسابيع قليلة مبعدا إلى إحدى مدارس المدينة،شبهه مديرها بحلول تسونامي كاسح.وكتب في تقرير رفعه إلى الجهات العليا أن “المدعو الجيلالي جوج دوس الشهير بسن الغزال قد أحدث تغييرا جذريا في حركة وسير الدراسة العام،وأن بحلوله للمدرسة حل البوار والكساد،وتوالت المصائب والنكسات والأزمات،فمن سرقة مخزون مطعم المدرسة،وتجهيزاتها،وتداعي مرافقها،إلى ارتفاع مؤشرات التسرب والهدر والعنف إلى أعلى مستوياتها،وصولا إلى اندحار السلوكيات المدنية القويمة وانهيار قيم المواطنة السليمة،هذا دون الحديث عن انتشار الأمراض المعدية، وفشل كل المشاريع،وفرار جل الشركاء والإساءة المتكررة لصورة المؤسسة وسمعتها...“تلقت الأكاديمية المراسلة بانشراح مشبوه،وضمنت في تقريرها المرفوع إلى الوزارة الفقرة التالية:“..ولقد أسهم الجيلالي سن الغزال بطيشه وشغبه واستهتاره، وعمالته المكشوفة ولامبالاته،في انهيار شطر من المنظومة التربوية التعليمية،وفشل الشطر الثاني وتعطيل الشطر الثالث.وعليه تسقط التهمة عن تجربة اللامركزية وتطرح ضرورة التعجيل باجتثاث أمثال هذا النموذج الهدام...“ووصل الأمر بالوزارة خلال مناظرتها الوطنية الأخيرة على لسان أحد مستشاريها، إلى الإلقاء باللوم على “سن الغزال“،وتحميله قسطا وفيرا من مسؤولية فشل مشروع جيل مدرسة النجاح،وتعثر أجرأة دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبنود البرنامج الإستعجالي.واختتم مداخلته صارخا بنبرة أكيدة:“دعونا نكون أكثر صراحة ومكاشفة،ونتوقف عن انتقاد الأداء الوزاري،ونعترف أن “الجيلالي“ وأشبابه ضالعين عن سبق إصرار وترصد في إفشال عشرية الإصلاح.“عادت والدة الجيلالي بعد محاولة استقرار فاشلة أخرى بالمدينة ،منكسرة الخاطر،متأبطة ذراع زوجها متخلية عن الجيلالي وشؤمه لإحدى خالاته..وبمنزلها الطيني العتيق،وبعدما وصل للدوار خبر نشر وتعميم صورة الجيلالي سن الغزال على أبواب مدارس المدينة وواجهات الجرائد،أحاطت بها نسوة الدوار وهي تلطم خديها وفخديها صارخة،باكية،مكررة:“أميمتي طاحت المدرسة علقو سن الغزال..أويلي طاحت المدرسة علقو سن الغزال...“






آخر تعديل نورالدين شكردة يوم 2010-07-11 في 23:36.
    رد مع اقتباس