عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-15, 20:59 رقم المشاركة : 1
abounada
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية abounada

 

إحصائية العضو







abounada غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

a8 تأملات في فوضى الضمير الجمعي








تأملات في فوضي الضمير الجمعي العربي و الاسلامي


بعد فتح مكة المكرمة و حين كان الرسول (ص) يبايع النساء كان يقول لهم : على ألا تشركن بالله و لا تقتلن أولادكن و لا تزنين...,. استوقفته "هند بنت عتبة " و قالت : أي رسول الله ، أو تزني الحرّة !؟ ـ سؤال يبدو لنا منذ الوهلةِ الأولى مفرطاً في " الاعتبار الذاتي " و الاستنكار الخارج عن حدود البشرية المعرّضة لكل المخالفات و النكوسات في أي مجتمع ـ يستوي في ذلك الحر و العبد ... غير أنّ إشارةً أخرى تتجلى في هذا التساؤل العجِل ، و الغير مصطنع في الوقت ذاته .. لقد كان ضمير هذه السيدة الفردي ، و المعبر الحقيقي عن الضمير الجماعي ، سليماً من الانحراف و الزلل ، فالحرّة لا تزني ، في تصوّرها ، ليس لأنها " حرة " فهي تمتلك أجهزة بشريّة تختلفُ عن لداتها في مجتمعٍ لا يفرّق بين الأحرار و العبيد .. بل إنما لأن المجتمع لن يسمح لها بخرق عاداته و عرفه ـ و قيمه الثابته . كما أنّها ذاتها لن تسمح لبشريّتها و رغائبها الذاتية في خرق ستار المجتمع من الناحية التي تحرسها هي ـ و فوق ذلك ، هناك رقابة " ضمير " داخلي كبرى تستوعبُ كل تصرّفاتها و حاجاتها و إصاباتها ـ و بناءً عليه فهي تنطلقُ وفق وازعٍ من الضمير الرقابي الحتمي . و ما يعنيني هو " اختفاء " حالة الاستتنكار و الاندهاش ـ أو حتى مجرد الشجب القلبي لأي ممارسات دخيلة على ضمير المجتمع المعا ش والتسطّح في شعورنا بالخاصية الجماعية و الحفاظ على المكوّن العام لشخصيتنا الحضارية و الواقعيّة ، و نسيجنا الواحد .. كيف انحدر ضمير المجتمع إلى هذا المستوى من التنازل عن الثابت ، بل و حتى إهمال الثابت و إلغائه مقابل العيش " في الظل " ؟ لم تترك الميكانيكا أرواحنا في مقاماتها الأصيلة حول العرف و التقليد و العقائد ، بل جرّتها معها حتى سلبتها صيغتها الإيمانية و حوّلتها إلى" معامل ٍ " قابلٍة للتغيير و التحديث ، و الانخلاع عن كل أرضيةٍ ثابتة !.. هذه التصدّعات الكبيرة التي نالت جسد هذا المجموع ـ الإنسان ، ليست نتيجةً و حسب ، بل هي مبتدأ لميلاد عاري من القيمة الثابتة ، يكون فيه " الهرج " سيد الحضارة ، و يضيع الاستنكار القديم " أو تزني الحرة ؟ " في لجّة التماوجات الحضارية الجديدة التي صنعها التمثال المادي العصري ـ ! ، انه مشهد عام لحالة من الترهل في القيمة المحورية للمجتمع ـ و خلاصة لانعدام الضمير الفردي الذي يشكّلُ رافداً مهماً للضمير الجماعي . و بناءً عليه ، صارت الإماء و الجواري و الغلمان نجوم المجتمعات و أرقامها الفلكية .و أصبح الكذب السياسي ذكاءً دبلوماسيّاً ـ و أصبح التديّن مجرد طقوس ، و حسب .

و في ظل اتساع رقعة " الممنوع " و " المحرّم " ، و تطوير مكائن صناعة " الكمّامات " باسم الكهنوت الديني و الآخر السياسي ، و تسمين الكلاب المدرّبة من التجارة بقضايانا القوميّة و الاسلامية .. و في ظل سيطرة الطبقة " الكوربوراتية " و تحكم رجال الأعمال في ترتيب أجندات اليوم و الليلة للفرد المسلم ، و وقوفنا أمام سفك الدم المسلم مقعدين .. نبتلع دماءهم ، و على قلوبنا مليون غصة ... هنا يصبح " حج... " عمدة المتعة ، و مهبط الهروب المقدّس . " حج... " يمثّلُ عندنا مخدراً موضعيّاً ، ننسى مع " غبائه "
القدر اللانهائي لسلبياتنا و غبائنا .. و ننشغلُ في التعليق على جهالته الماتعة ، لنداري عن أنفسنا هزيمتنا النفسيّة ، و سلبيتنا القاتلة .. هناك نوعٌ من الاضطراب اللاإرادي في المستوى الواعي للشخصية ، يسمى في الطب السلوكي :
Passive agressive personality disorder
يميط هذا التوصيف النقاب عن حقائقنا المعرفيّة و جوانحنا الثقافية .. ففيه نجد صورة المجتمع كائناً سلبياً ، يعبر عن ضيقه بعدوانية غير منظمة و لا موجهة ، فيصيغ النكتة السياسية ، ليخفي ملله من تكرار ذات المشهد القميئ ، و يعبر بعملية غير واعية ، عن توجه عدائي ناحية المجموع المعايش و الدولة التي تمارس عليه شتى أنواع القهر المادي و العاطفي ، فلا يحترم الرأي العام ، و لا الموروث ، و لا المال العام ، و لا القانون ، و لا الحقوق العامه... بمعنى يتحوّل كل فرد إلى " ثقبٍ " خطرٍ على شبكة نسيج علاقات المجتمع .. تهدده بالتصدّع و الفناء الحتمي .. ! هذه الفوضى ، نجدُها إلى حدٍّ كبير في أغاني " حج... " ، وهو ينتقد " باراك " و " شارون " و " بوش " بأسلوب سوقي فيه من النكتة الشيئ الكثير .. لكنه يدلل على مقدار كبير من " عزائم " الغياب و الهروب في قلوب المجتمع المتربّص بأغاني حج .. الممثل السافر لما يراوحُ في شخصياتنا من رغبات جامحة ، توشكُ أن تهدم كل شيء

مشهدٌ آخر من مشاهد الفوضى الروحية التي نعيشها يتجلى في حركة الشارع المعاصر ، و كائناته الآدمية العبثية... فوضى اللباس العاري للفتيات ، و الموضة السطحيّة الساذجة لشبابنا ! تذكّرني هذه الفوضى بما جاء في " المنثورات و الملح " عند النووي عن أقوامٍ يعيشون في آخر الزمان ، يسود بينهم الهرج ، فلا يدري القاتل لماذا قتَل ، و لا المقتول لماذا قتِل ! هذه الإشارة النبويّة كلّيةٌ تشخّص النكوس الاجتماعي القيمي عند منتهاه لكنها حتماً تلقي الكثير من الضوء على الصورة منذ منشئها البكر ، و هذه الفوضى العامة هي بداية النهاية لضميرنا القومي الجماعي .. الفتاة التي نراها تخرجُ صارخةً في زينتها و لباسها الذي يعدّ في فلسفة " التصميم " نوعاً من النافلة ، فلا يكاد يسترُ شيئاً ، هذه الفتاة لا تقصدُ إزعاج شبان المجتمع المعدمين ـ و لا إسالة لعاب أصدقائنا الشعراء الذيين لم ينفكوا يجيلون النظر بين هذه و تلك.! إنها الفوضى الروحية التي تحياها مجتمعات ما قبل الانهيار ، أو ما قبل التغيير الجذري . و بالرغم من أنّ هذه المظاهر تمثّل في تصوّري نوعاً من التحلل الذاتي " autolysis " ، إلا أنّ المشهد الأكثر تجسيديّة في محياها هو " الفوضى " التي تمثّل ثقوباً في الضمير الاجتماعي ، بما يهدد شبكة علاقاته بالفشل ، و لو بعد حين ..


لفت الدكتور " احمد عكاشة ـ رئيس الجمعية العالمية للأطباء النفسيين " انتباهي إلى قضية هامة حين تحدّث عن الضمير الجماعي ـ و كثافة الثقوب التي أوغلت فيه ، فقد أشار إلى قضية " التبلّد " في المشاعر تجاه القيم الدخيلة على المجتمع ، و اختلالاته .. و ضرب لذلك مثالاً في " الرشوة " . فهو يقول أنّنا لم نكن نسمعُ من زمنٍ أحداً يتباهى أمام الناس بأنه ذهب إلى المصلحة الفلانية ثم رشا صاحب الأمر
مبلغاً من المال من أجل قضائها ، و أننا إذا ما سمعنا حديثاً من مثل هذا فإننا و لا شك نستنكره أيّما استنكار .. أمّا الآن ، فأنت تجد أحدهم " يتباهى " بذلك ، بينما تتجه حواسنا بشكل درامي إلى تصور الأمر كتصرف مبرر جداً ، بل و حتى قانونيّ ! إن هذا الانفلات عن " الضوابط " يهدد مواطنتنا بالفناء ـ و أخلاقنا العامة بالانتكاس ..و يخلق أجيالاً تجد في تفلّتنا و انتهاكنا لمنظومة الثوابت المجتمعية شريعةً لها .. لم يدع النبي المصطفى مثل هذه القضيّة تمرّ على أجيالٍ تأتي مرور الكرام ، بل نوّه لها مشدداً في حظّه على " الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر " و هو المعروف الجماعي و المنكر الجماعي ، للحفاظ على تماسك القيمة الاجتماعية العليا ، و الثوابت القومية و العقدية في مستوى الاستقرار .. فقد وصف أقواماً ينأون عن النصيحة و الأخذ " بقوة " على أيدي أولئك المتسيبين من أبناء مجتمع ما ، بأن قلوبهم تستحيلُ كالكوزِ مجخيّاً ، لا تعرفُ معروفاً و لا تنكرُ منكرا .. " فالكوز المتجخي " في الوصف النبوي هو تلك الحالة العدمية فيما يخص الضمير العام ، و مدى تقبّله لقيم مختلّة و مخالفة لنسقه الثوابتي . كما نجد حديثاً في صحيح الامام مسلم يشير إلى هذه القضية الجماعية بمنتهى الدقة : و إنّ قوماً استهموا على سفينةٍ فصار بعضهم أسفلها ، و صار بعضهم أعلاها ، فقال الذين أسفلها : لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً و لم نؤذِ من فوقنا ، فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا و هلكوا جميعاً ، و إن اخذوا على أيديهم ، نجوا و نجوا جميعا ً..

لا يوجد وصفٌ يمكن أن يتناول شبكة هذا المجتمع و الخروق التي تطرأ فيه من بعض العدوانيين و المتسيبين مثل وصف " السفينة ـ و الخرق " .. و هي حالةٌ قريبةٌ جداً من الغرق ، و ربما الاندثار الحضاري .. كما حدث مع أمم كثيرةٍ لم يذكرها التأريخ لأنها لم ترتفع إلى مستوى " الجدّية الاجتماعية " في سلوكها الروحي والحضاري . و لعلّ هذا هو المعنى الذي أراد الفيلسوف " فولتير " أن يشيرَ إليه حين قال : لو لم يكن الله موجوداً لأوجدنا الله ! و المعنى إيجاد قضية معيارية و نسقاً ثوابتيّاً يحافظ على مستوى دوران الآلة الجماعية وفق أطره العليا ـ و بما يضمن المحافظة على المعنى الإجمالي لمعيشات المجتمع و مراعاة كلّياته الخمس ( النفس و المال و الدين و النسل و العقل ) !


المواطنة ، هي الأخرى خرقٌ آخر في محيط الضمير الجماعي .. يشير الدكتور " أحمد عكاشة " إلى أنّه لم يكن لأحد أن يتحدّث عن المواطنة كقضية " اجتماعية " منذ سنين ماضية صادفت ثورات التحرر و التغييرات الكبرى ، فلقد كان الهم الاجتماعي واحداً ، و إن لم تكن خطوط هذا " الهم " واضحةً تماماً ، لكن الانخراط ضمن هدف أكبر ميّـه َ الكثير من التمايزات و صهر الجميع في المعنى الرسالي لقضية " المواطنة " .. الأمر الآن يختلف تماماً . فالشعور بالمواطنة إذا لم يكن نابعاً من " خانة " المقدّس ، فستعصفُ به الحاجات و الظروف و المصلحة الذاتية المقدّمة قطعاً على المصلحة الجماعية عند الأكثرين . و إنهُ لمن العبث الحديث عن مواطنةٍ لا توفّرُ رغيف الخبز في ظل انعدام المقياس القدسي لهذا الشعور .. هذا الاحساس المتعاظم في التصوّر المادي للمواطنة مثّل صفعةً أخرى لبنية المجتمع ، و خلق مساحاتٍ

للكفران بكل شيئ ، فلم تعُد الأرض في عرف الكثيرين تمثّلُ أكثر من مادة " للارتزاق " ، و إن هذه القيمة النفعية هي المحدد الأول لمعنى " المواطنة " ... هذه النظرة أوشكت أن تكون عامةً من درجة الساسة إلى مستوى الفقير المعدم ..

الضمير السياسي ، و الثقافي هو الآخر بحاجة إلى إعادة ترميم و توطين . فالمعارضة السياسية في مجتمعاتنا تهتم بـ " نشر الغسيل " أكثر من اهتمامها بـ " نشر المعرفة " و " الحقيقة " . كما أنّ تصوّرنا لمعنى " المعارضة السياسية " في مجتمعاتنا الثقافية على أنّها " فزّاعة " تثير الرعب و الغبار في قلوب الساسة ، و صنّاع القرار ، و تقفُ ضد كل شيئ من أجل " عدم تمكين " الآخر من الظهور بمظهر المسؤول أمام طائفة الناخبين ، بل و حتى التقليل من شأن كل عملية إصلاحية أو تغييرية أو بنائية ـ سواءً على الصعيد الداخلي " كما هو الحال ماثلٌ أمامنا في مجتمعنا المدني اليمني " أو على الصعيد الخارجي و ما نلمسه من حركة دبلوماسية لافتةٍ " .

لم يسلم الضمير السياسي في شقّه الرسمي كذلك من مثل هذه الشقوق ، فنحن نشاهد في الرقعة المجتمعية الحضارية الواسعة مصادرةً لأحقّية المعارض غير صاحب القرار في المشاركة " الفاعلة " في إعادة التأهيل و البناء ، و وضع لبنات التغيير في المجتمع ـ لأن أطروحات الآخر " الناجحة " تمثّل هي الأخرى " خيال ... " لدى صانعي القرار المتربّصين بالناخبين عند أقرب موعد للانتخابات ..و لعلّ حركة الجمعيات الغير رسمية و ما لمسناه من ظهورها الأخير و الذي فاق في قدرته على الطرح و المعالجة و اقتراح الحل و الحل البديل ، فاق الكيانات الرسمية كلّها ، أو - مثّلت هذه التحركات صحوةً أو ولادةً جديدةٍ لضمير شعبوي ينطلق من ثوابت قومية و عقائدية راسخة ، بعيداً عن لعب الساسة الخاضعة لورقات الضغط من كلا الطرفين ، في سدة القرار و في المعارضة .....


الأمم التي تعيشُ خارج دائرة الثوابت المعيارية ، لن تقدّم شيئاً للآخر ، و في الوقت نفسه ستراوح مكانها في مهب الريح لانعدام القيمة المطلقة التي تمثّل الدعامات الحامية للعلاقات العامة ..و المعنى أن توجد قيمة مقدّسةًٌ تمسك المجتمع و تحاكمه إلى بنيتها الثوابتيّة .. هذه القيمة المطلقة هي ما نفتقده في ضميرنـا الاجتماعي العام ، فتظهر علامات الفوضى صارخة في كل جزئيات حياتنا من اللباس حتى الفن ...


إن شبكة العلاقات العامة ، و الضمير الجماعي بحاجة إلى إعادة ترميم بعوامل تلامسُ مادته الأولى ، و طوره الذي لا يتغيّر مهما تغيّر حالُ المكان و الزمان .. و قديماً قال إمام دار الهجرة " لا يصلحُ حالُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها "..!؟

تنقيح و تصرف أخوكم أبوندى






التوقيع

    رد مع اقتباس