الموضوع: هيدور بوهيضورة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-10, 19:18 رقم المشاركة : 1
نورالدين شكردة
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية نورالدين شكردة

 

إحصائية العضو







نورالدين شكردة غير متواجد حالياً


افتراضي هيدور بوهيضورة


هيدور بوهيضورة
بقلم: نورالدين شكردة

غطى مداد أخضر وأحمر يمنى الجيلالي، وفمه وتوحيمته وياقة سترته، وكل طاولة جلوسه، استأذن معلمته في الخروج من فصل يفتقر لأغلب تجهيزاته الأساسية ورعب كبير يكتنفه...تأملته باشمئزاز واحتقار واضحين، هوت على توحيمته بمسطرة خشبية فأصابت ذملا منتفخا استقر أسفل ذقنه، انساب سائل أبيض وأحمر على عنقه وصدره... لم تكترث محجوبة واسترسلت في ممارسة رياضتها المفضلةّ، اعترض براحة يده المليئة تؤللا ومسامير كيف ضربات أخرى فمر بذاكرته قوس قزح من الألوان الكئيبة، أصابت ضربة خاطفة جبهته فرأى سبع نجيمات زرقاوات هجرن السماء وتلألأن أمام ناظريه... صرخ مستغيثا: "واااامي...وااالعاداو...واااعباد الله...واااسيدي ربي..." غير أن المدير صبيحتها، وكعادته، كان يحتسي قهوته المفضلة بمقهى سماسرة السيارات المعروف، رفقة مفتش المقاطعة...
انتفض فجأة فارا من مكانه تاركا مقعد طاولته الذي لم يجلب له غير الأذى والألم. هرولت "محجوبة"صوب باب القسم وأمسكت الجيلالي من شعر رأسه الخفيف قبل أن يفر مزمجرة: "تريد الهرب أيها الحثالة، سأريك معنى العقاب الحقيقي الآن". صفعته على توحيمته بظهر يدها، طرحته أرضا واسترسلت في العفس عليه بكعب حذائها العالي. تكوم المسكين حول نفسه فارتطم كعب حذائها بعظام رأسه. سالت دماء الجيلالي يومها كما لم تسل من قبل، صرخ بكل ما أوتي من قوة، وتخيل نفسه لوهلة "هيدورة" تحكها والدته بعبوة فارغة من علب السردين المصبر الصدئة، تردد أمر محجوبة صارما : "اقطع الهضرة المهيدر".
توقفت محجوبة عن الفتك به وأرسلته عند حارس المؤسسة ليطهر جروحه ودماء كثيرة تسيل من أنفه وذقنه ورأسه، أفلت الجيلالي من بين يدي الحارس وفر من معقله حرا طليقا، مر عبر طرقات وعرة وأبنية خربة مجتازا طريقا غير معبدة، قاصدا منزل زوج أمه وهو ينزف، تذكر أنه استهل موسمه الدراسي عند الشهيرة محجوبة رفقة خمسين تلميذا ومع توالي أسابيع الضرب والإدماج تقلص عددهم إلى إثنين وعشرين معتقلا، فتحت له والدته الباب مستفسرة ، اعترف الجيلالي ممنيا نفسه بتعاطف أواحتضان صادق على الأقل، أردفت والدته: "عبرات على باباك...تستاهل كثر..." وهوت هي الأخرى على توحيمته بصفعة أفقدته الثقة في الدنيا، والمدرسة، والأسرة، والمجتمع، والحكومة...استغرب الجيلالي متبرما فخبطت رأسه من جديد مع حائط البيت المشقق إمعانا في إيذائه وإيلامه، واعتقادا منها أن المدرسة تفعل خيرا ومعروفا بإسالة دماء التلاميذ...
اعتاد الجيلالي على كل أشكال هدر إنسانيته وحقوقه، وهو يعلم على حداثة عهده أن هدرا أخطر يصيب إنسانية الأفراد وحرياتهم وطاقاتهم، ويطال ممتلكات الدولة والمال العام وقيم النزاهة والشفافية وما يواكبهما من هدر سياسي واقتصادي واجتماعي وصحي وبيئي وهلما هدرا...
الجيلالي أهدرت توحيمته، وانتهكت إنسانيته، وخرقت أبسط حقوقه، وصار دمه مهدورا بين المدرسة والأسرة، والوزارة تشن حربا على الهدرالمدرسي، وهي لا تعلم أن الهدر الحقيقي هو ذاك الذي يطال الأداء الحكومي وطاقات وكفاءات البلاد المهمشة..."الحصول الهضرة كثيرة والسكات حسن".
أغلق الجيلالي باب المرحاض، طهر جروحه وأوقف النزيف المتدفق من جروح عديدة في جسده. تأكد بحدسه الذي لا يخيب أنه الضحية والحلقة الأضعف في مسلسل الهدر المستمر. أحاط وجهه وساعديه وعنقه بضمادات ومناديل وخرق أقمصة ممزقة كثيرة، حتى صار شبيها بمومياء "توت عنخ أمون" الشهير.
عاد أدراجه منكسرا تحت تهديدات ووعيد والدته وزوجها صوب المعقل، أثار ولوجه موجة من الذعر والهلع في صفوف مهدوري البراءة والكرامة، وقف بغثة أمام محجوبة المصعوقة مادا كفيه متوقعا المزيد من العقاب. سقطت مغشيا عليها وقد ذكرتها صورة المومياء الماثلة أمامها بمشهد ابنها وهو مسجى فوق تابوت خشبي وكفن أبيض يحيط بجسده الغض بعد حادثة سير مروعة اختطفت الحياة من مقلتيه...
أفاقت محجوبة من غيبوبتها والجيلالي لايزال باسطا كفيه، تأملته بنظرات حانية واحتضنته معاتبة: " حتى أنت يا جيلالي تمعن في نبش جراحي". عانقها الجيلالي بحب وحنان غير مبررين واسترسل يعتذر ويقبل رأسها باكيا: "سامحيني، أعلم أنك تفعلين كل ذلك من أجل مصلحتي،ٍ أدرك أنني هيدورة وأنك مهدرتي أقصد أنني مذنب وأنك مرشدتي...".
وكانت تلك بداية إصابة الجيلالي بأعراض متلازمتي استوكهولم وأليس في بلاد العجائب، واعتقاده في كثير من المرات أنه "هيدورة" حيوانية وليس كائنا بشريا...


متلازمة استوكهولم: تطلق على الحالة التي تصيب الفرد عندما يتعاطف مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المختطف...

متلازمة أليس في بلاد العجائب: تعرف أيضا بمتلازمة تود وهي عبارة عن اضطراب في الوظيفة العصبية تؤثر على حواس الإنسان، بحيث يجعل المرء يعتقد أن ما يراه أو يسمعه أو يلمسه أصغر أو أكبر بكثير مما هوعليه في الحقيقة، كما قد يشعر أن جسده صغير للغاية أيضا أو العكسً ،
ويتسبب المرض لصاحبه بصداع الشقيقة القوي.. وقد استوحى الأطباء اسم هذا المرض من قصة "أليس في بلاد العجائب" ويحدث أن يصاحب المرض الأعراض التالية:
عيوب في بعد المسافات،يرى المصاب الأشياء كأنها قريبة جداً أو بعيدة عنه، عيوب في ألوان الأشياء، وهناك اضطرابات غير بصريةأخرى من قبيل: تحرك الزمن بصورة بطيئة أوسريعة، تغير ملمس الأشياء وتغير طبقة الأصوات...






    رد مع اقتباس