عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-12, 09:21 رقم المشاركة : 1
محمد محضار
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية محمد محضار

 

إحصائية العضو







محمد محضار غير متواجد حالياً


b6 التيرسي ...............نص لمحمد محضار


1) أرقام وخسارة.
فتح عبد القادر جهاز الراديو، وسرعان ما انبعث صوت المعلق الرياضي مليئا بالأغلاط النحوية: "الوداد تنتصر على الجديدة بثلاث لصفر، القنيطرة تتعادل مع وجدة بإصابتين لمثلهما، الفتح تنتصر على نجم الشباب بإصابتين لواحدة..".
ويردف بعد إعطاء جميع النتائج "أما فيما يخص التيرسي فالنتيجة كالتالي – 5 – 7 – 15 –".
كانت هاته النتيجة مخالفة تماما لما خمن عبد القادر. وينقضي وقت طويل وهو يستمع إلى تلك "التجغليطة" الإذاعية، إلى أن أحس بالملل فخرج إلى الشارع.
الشارع قاتم- الناس تسير على غير هدى، السيارات لا تحترم القانون بسرعتها المرتفعة والعربات المجرورة والمدفوعة تتزاحم معها .. الشمس تنحدر إلى الغرب..
2 )في المقهى:
ظل عبد القادر يلتوي بين الطرقات ويقطع من شارع إلى آخر،حتى دخل مقهى"الأطلس" واستقر إلى إحدى الطاولات، وسرعان ما سرح في إغفاءة نوم، لم يوقظه منها إلا صوت عَلِي الكارسون الأمازيغي" كَافِّ نَوَارْ بحال ديما" ويتمتم بصوت متقطع: "وِي كَأفّ نَوارْ".
اِبتعد الكرسون وهو يصيح :" كَافّ نَوارْ أَيَعْقُوب " (ويعقوب هذا يشتغل وراء "الكونتوار" في إعداد القهوة والشاي).وتمر ساعة على طلب عبد القادر الذي لم يُلبَّ بعدُ، مما جعله لا يمتلك أعصابه ويصيح بقوة "كِيفَاش الكَافّ نوار ديالي ديما مَعَطّلة" وينبعث صوت يعقوب من وراء الكونتوار "لَكُنتِ زَرْبَانْ، الله يَعَونَكَ - البَاب قُدّامَك" ويعود الهدوء إلى عبد القادر بعض الشيء، ويجلس من جديد، وما هي إلا لحظات حتى اقترب منه عَلي ووضع أمامه القهوة وهو يقول "لتنساش بحال ديما الكارسون" وكأن عبد القادر فهم نفسه فقد اخرج 50 فرنكا وأعطاها لعلي، الذي بدت على وجهه سيمات الفرح.
أخرج بعد ذلك علبة سجائره باضطراب وأشعل اللفافة بأيدي مرتعشة، ثم ما لبث أن بدأ ينفث دخان سجارته وهو يرتشف قهوته.
لقاء وقلق:
التحق به أمحمد الذي كانت تبدوا عليه مظاهر الفرح والسرور، وما لبث أن قال " ناشط أعبد القادر" ويجيب هذا الأخير " منين غادي جي هذا النشاط " ويخيم السكون على هذا الاثنين إلى أن يُكسره صوت علي:
- أش تشرب أسي أمحمد"
- عصير الموز
ويَلتفت إلى عبد القادر:
- واش شفتي رزيلطا ديال التيرسي .
- خاسر بحال ديما أسي أمحمد.
- لكن ما انتبهتيش للنتيجة، راني ربحت.
- وكأن عبد القادر أصيب بصاعقة فقد تسمر في مكانه مبهوتا والكلمات تخرج من فمه متقطعة:
- أنت.. ربحت .. مشي معقول.
- وعلاش كلشي زهر.
وزادت كلمات "كلش زهر " في تحطيم معنوية عبد القادر- كيف أمحمد لا يلعب إلا بضع أسابيع ويربح، وهو الذي مضت عليه خمس سنوات، لا يمر عليه فيها أسبوع إلا وقد ملأ عشرين ورقة على
الأقل –
ويعود عبد القادر يسأل:
- وشحال ربحت.
- 12 مليون على عيون الحساد وارتسمت بسمة يأس على شفتي عبد القادر والتفت إلى أمحمد – لكن ما غاديش تنساني .
- وسرح أمحمد في ضحكة طويلة وهو يقول – مناش غادي ننساك
– من ناحية الفلوس راك عارف أنا خاصني 2000د رهم ديال الدين.
- وأنا قُلت لك خود الدين
- لالا لكن غادي تسلفني حتى يفرج ربي.
- أنت عمر ربي ما يفرجها عليك، هذى خمس شهور وأنت خارج من الخدمة، واش باغي فلوسي تضيع.
- حاشا واش تضيع، هي في الأمان ، غادي نرجعها ليك.
- أومنين غادي ترجعها؟
وبعد هاته الكلمات الجارحة عاد الصمت يخيم على عبد القادر –"من أين سيرجعهم، لأمحمد ولا عمل له، لكن هذا الأخير صديقه وهو الذي علمه اللعبة، يمكن أن يعطيه (المبلغ دون صعوبة، لكنه في هذه الحالة سيسمى شحاذا، لا...لا لن يشحذ، سوف يحتفظ لكبريائه ولتذهب التيرسي إلى الجحيم ، وحينما كان عبد القادر سارحا في أفكاره كان أحمد يغادر المكان، وهو يتبختر في هندامه الجديد الذي لم يعره عبد القادر أدنى انتباه رغم كلماته وحركاته المتعددة. السكون يخيم على المقهى الجو قاتم أسود، والشمس مالت إلى المغيب والسماء بدت شديدة الإحمرار، والناس تجلس عبر كراسي المقاهي في إتجاهات مختلفة، كل منهم يفكر في أمنية مجهولة، في مصير غير معلوم. الطريق تعج بالمارة، الذين كانوا يحملون فكرة واحدة هي الوصول بسرعة ودون سوء .ترى ماهي أسباب هاته الأوهام والاحتياطات؟ غادر عبد القادر المقهى، في خطى سريعة لا يلتفت يمينا ولا يسارا. ها هو يقطع شارع مولاي يوسف ويلتحق بشارع مولاي إدريس، وهو لا يأبه بالسيارات التي كانت لا تحترم القانون وتسير بسرعة قاسية ، كانت الطريق تحت رجليه كبساط طويل متحرك، لكن الأولين قالوا:
- " لزربوا ماتوا " هذه الفكرة كانت تجول في ذهنه وهو يضع أول قدم له في شارع بني عمير، ليجد سيارة كانت تلتهم الطريق كالخبز الطري في انتظاره لترميه على قارعة الطريق لتتحول الفكرة الأولى إلى فكرة أخرى وهي " المكتوب مامنوا هروب". تجمع الناس وكأنهم في حفل كثرت الثرثرة المتعمدة إلا أن رجال الأمن فرقوهم، ليتناثروا على جوانب الطريق، وأعناقهم تمتد لمشاهدة عبد القادر وهو يسبح في بحر من الدماء وأوراق التيرسي مشتتة حوله، مضت ساعتان على الحادث.وأخيرا هاهي سيارة الإسعاف أقبلت تتهادى، وحمل الضحية إلا أن سيارة الإسعاف أبت أن لا تتحرك إلا بعد نصف ساعة من الدفع.
وهناك داخل البيت الحزين كان السرير خاليا من صاحبه والراديو جاثما فوق الطاولة الصغيرة، والظلام يخيم عليه.





محمد محضار


هذا النص كتبته سنة 1977، وتم نشره بجريدة المحرر المغربية سنة 1978، بصفحة على الطريق





التوقيع




رب ابتسامة طفل خير من كنوز الدنيا أجمع

آخر تعديل محمد محضار يوم 2010-12-12 في 10:30.
    رد مع اقتباس