ورغم توالي السنين ، تظل دار لقمان حالها ، وتعجز كل المحاولات اليتيمة و " المستعجلة " عن ترميم و " تحسين " المشهد الإجتماعي للجيلالي ، أو حتى تحقيق مصالحة نفسية مع الذات و الآخر .. ويحتفظ الواقع بواقعيته الهشة وبعُري كلِّ ما تراجع عنه مد البحر ، وتظل صور البؤس تلاحق الخيال و الحلم و اليقظة ، كما يستمر بوق الاعلام يُطبل و يزمرخارج السرب ، و ضد كل النداءات و الشعارات المطلبية... لذلك كله ، تستمر الحكاية ، ويستمر الإبداع القصصي ،و تستمر الرواية والرؤية والمشاهد اليومية لبطلنا ... تستمر أنامل الكاتب / السارد في اقتناص أكثر اللحظات إثارة ، لتعرضها ضمن قالب فني ، يخلق الإعجاب و المتعة و الكتابة المنفتحة على الذات و الآخر و العالم .. وضمن فضائه الروتيني ، فضاء حجرة درسه المتآكلة ، تقبع مشاهد الحكاية الجديدة للبطل و الشخصية المحورية ، حكاية الأستاذ الجيلالي الذي يعشق الإخلاص لكل عاداته الحميدة و الذميمة ، كما يعشق الإخلاص لمحبيه مهما كانت درجة العلاقة الرابطة .. لنجده في لحظة من اللحظات يربط بين نتف زغباته المحلقة ، وممارسة " حنان " رحمها الله لنفس العادة ، لكن باحترافية واهتمام غير معهودين !!... وضمن نفس الفضاء " التعليمي " يطلق عواهن ذاكرته و أحلامه ل " يستلذ " بلحظات شبقيته المثيرة للشفقة ..أو يصب جام غضبه على الديون و كارثية المشهد التربوي الذي هجره بكل إصرار من نعُدّهم حامي حمى المناهج و شؤون أطفالنا و متعلمينا ! الأمر الذي جعل غيرة الجيلالي تصل مداها القصي ، ويطلب من العلي القدير أن يسلط على السّفلة جبابرة تنتفهم نتفا مبينا من مواقعهم التي لا يستحقونها .. فأفعالهم المشينة تشكل مسارا متواصلا لسياسة الركيل المتبعة ضمن أجواء المجتمع برمته .. فأبناء الفقراء مثله ، معرّضون دون غيرهم لهجمة الركيل التي ترافقهم كالظل ، من المدرسة ، إلى الحي ، إلى أعوان السلطة ، مرورا بالشرطة و الأسرة ....إلى ركلات التعيينات التي تحكم على الموظف / الأجير بالنفي و فقدان بوصلة التطلعات و التمنيات .... ولكي يكتشف القارئ المفترض / المتلقي هذه التفاصيل الصغيرة من حياة بطلنا الجيلالي ، عمد الكاتب / السارد إلى اختيار اللغة السردية الموجزة نسبيا ، و إلى التعبيرات الشفافة و الخالية من كل المحسنات البلاغية التقليدية .. فالذات الكاتبة اكتشفت اختلالات التجربة الواقعية للبطل ، الأمر الذي حثم الابتعاد عن الايحاء أو الوصف المفرط .. هناك جرأة في التعبير ، وصدق في وصف مواطن الخلل المؤدي للمآسي الاجتماعية ..فالكتابة انحازت للمنظور النقدي التأملي ، وهي صوت لفئات اجتماعية كثيرة ، ولفئات شبعت من سياسة الركيل الممنهجة . أخي نورالدين دمت وفيا لروح الإبداع المتميز .. محبتي .