الموضوع: العلبة السوداء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-26, 21:14 رقم المشاركة : 1
مريم الوادي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية مريم الوادي

 

إحصائية العضو







مريم الوادي غير متواجد حالياً


وسام المراقبة المتميزة

a9 العلبة السوداء


العلبة السوداء


مذ قابلتها أول مرة في محطة الحافلة وهي تكرر علي عرضها ،وتلح في أن نصبح صديقتين ،وأزورها في بيتها..
سارة ، امرأة في الثلاثين من عمرها ،جميلة المحيا ،خفيفة الظل ،تلج الخاطر وترتاح لها الجوارح بسرعة، سريعة الكلام ،وكثيرة الأسئلة ..
كنا نركب الحافلة كل صباح ،أتوجه أنا إلى جامعتي ،وتتوجه هي الى شركة البناء حيث تعمل مهندسة .
كنت فترتها أمر بازمة في علاقتي معه، وبدأت أستطعم أحاديثها الصباحية ، و انطلق نحوها رغم طبعي المنغلق ،والمتحفظ ،مقارنة بها .
كانت تلحظ انشغالي وعبوسي، وتحاول بكل الطرق جعلي أبوح لها بما لدي..
وفي صباح خريفي عاصف ،وأنا أنتظر الحافلة،كسرت الريح مظلتي ،فتبللت ملابسي و كتبي..
ومن حسرتي جلست على الرصيف أجهش بالبكاء ،وألعن صباحي و أيامي كلها ،وأصرخ في وجه المارة الذين اتخذوا مني فرجة ذلك الصباح..
أخذت تهدئ من روعي وتقول :ليست المظلة السبب هيا اصعدي الحافلة وفضفضي..
أمسكتني من ذراعي ،كنت منهارة القوى،جلست المقعد المجانب للنافدة ،وجلست هي بقربي ،ودون أن تسألني سردت لها حكايتي معه ،من أولها .من لحظة الحب الأعمى ،حتى لحظة السقوط في الخطيئة ،ووصولا الى مصيبتي الحالية.
حين سمعت بخبر حملي وضعت يدها على فمها من الدهشة قائلة :مصيبة .
قلت :والمصيبة الكبرى أنه لا يصلح للزواج، لقد أدركت الأمر متأخرة لن أتزوج منه ،سأحل مشكلة الحمل وحدي وسأقطع علاقتي به ،سيعيرني بذلك طوال حياتي ، وسيقول بأني أجبرته على الزواج بحملي منه..
وعدتني بالمساعدة ،رافقتني إلى طبيبة نسائية تقوم بإجهاض الفتيات ،كان الثمن باهضا لكنني دفعته مقابل التخلص من هذه المصيبة..
وفي صباح يوم الموعد استيقظت مبكرة توضأت وصليت ركعتين لله، وغمرت بالدموع سجادتي:غفرانك ربي غفرانك ربي..قد أموت و لا أعود إلى بيتي مرة أخرى .
هاتفت والدتي ، أحببت أن يكون صوتها ودعواتها آخر ما تتلقاه مسامعي، كأني اودعها..
ثم هممت خارجة نحو قدري ..
وجدت رفيقة الحافلة بانتظاري أمام العيادة ، كنت مرعوبة وخائفة وترددت في الدخول لكنها شجعتني وقالت بأن آلاف الفتيات يدخلن هنا يوميا ويخرجن على أقدامهن بسلام..
ذكرت اسم الله ،وتلوت سورة ياسين ،ثم تمددت فوق سرير العملية ،صورة أمي وهي تبكيني ،وصور أخواتي وهم يتلقون خبر موتي، كان هذا كل مايمر أمامي..
كانت الطبيبة تسألنتي عن اسمي، وسني ،منتظرة مفعول التخدير ،وسرعان ماغبت عن الوعي ،وانطلقت نحو عالم مجهول لا يعلم منتهاه إلا الله.
فتحت عيناي على صوتها وهي تقول :هانتي فقتي علبى سلامتك
تقولها وتبتسم كعادتها ..
الحمد لله لم يعد في بطني مايربطني به ولا مايربطني بالماضي كله .
لكن سارة إنها تعرف كل شيء عني ولا أضمن صمتها . لسري .
خرجنا من باب العيادة ووقفنا ننتظر مرور الطاكسي فهممت أقبل يدها وأستحلفها بالله ألا تبوح بسري لأحد وأن تكتم عني ماجرى وكأنها لم تره ..
تفاجأت سارة وأنا أقبل يدها قالت :أستغفر الله نحن نساء مثل بعضنا سرك في بئر أختي اطمئني ..
أخذت راحة أسبوع من عملي وسافرت الى والدتي ..
وبعد عودتي قررت ألا ألتقي بسارة من جديد، أردت أن أقطع علاقتي بها وبالماضي كله،صرت أركب سيارة أجرة في ذهابي وإيابي للجامعة،ولا أخرج للتسوق خشية لقائها..
أغلقت علي حياتي ،وأصبت بالأرق والوساويس
و صرت أتخيل الجميع يعرف سري وألمح نظرات الاحتقار في عيونهم ..
أصابني الاكتئاب الحاد ، وأذمنت عقاقير النوم ..وعشت على خوف دائم من أن تنبس سارة بكلمة عني..
وبعد مرور سنة اضطررت لركوب نفس الحافلة ،لأن سائقي سيارات الأجرة يخوضون إضرابا..وكنت أتوقع لقاءها لكن لم يحدث ذلك ..
قلت في نفسي ربما انتقلت الى فرع آخر من فروع الشركة ،وربما سافرت ..وبينما انا أخمن ،
إذ بسيدتين تجلسان إلى امامي تتحدثان عن مهندسة لقيت حتفها صباح البارحة في حادثة سير ،قرب موقف الحافلات نفسه ،فقمت من مكاني أستفسر منهما عن أوصافها ..
لقد كانت هي ،رحمها الله ،لقد توفيت سارة في حادثة مروعة ..
حزنت كثيرا لأجلها ،لكن حمدت الله لأن علبتي السوداء ماتت هي الأخرى ودفنت معها..
فهل ستموت بداخلي أنا الاخرى؟؟؟

الحرية 24 سبتمبر 2010






آخر تعديل مريم الوادي يوم 2010-09-27 في 09:06.
    رد مع اقتباس