عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-06, 03:13 رقم المشاركة : 4
فيروز المنتدى
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فيروز المنتدى

 

إحصائية العضو







فيروز المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام الإبداع

وسام المشرفة المتميزة

افتراضي رد: المسابقة الأدبية الدينية لمنتديات الاستاذ،وضع المشاركات


المشاركة 3
رمضان بين العادة والعبادة

بين العادة والعبادة ، من حيث البنية الصوتية والصرفية ، علاقة تجانس واضحة ، لكن البنية الدلالية لكل منهما مختلفة تماما :
فالعادة ج . عادات وهي كل ما عاود الإنسانَ فعلَه حتى صار يقوم به ، أو يفعله ، من غير روية أو تفكير بعد أن اعتاد عليه ؛ وغالبا ما تكون عبارة عن فعل أو قول أو سلوك يتكرر على وثيرة واحدة ، فيقال مثلا : استيقظ باكرا كعادته ، أو يتناول طعام الغذاء عادة على الساعة الواحدة زوالا ..

أما العبادة فمن عبد يعبد عبادة ، ج . عبادات ، وعبد الله بمعنى خضع له وانقاد ، وأدى الفرائض التي فرضها الله عليه ؛ أي أن العبادة هي كل ما يؤديه الإنسان المكلف تقربا إلى الله تعالى كالصلاة والزكاة والصوم وغيرها من العبادات والطاعات .
ولمزيد من التوضيح ، سأتناول ، في ما يلي ، صيام رمضان على سبيل المثال : فهل نصوم رمضان عادة أم عبادة ؟
لاشك أن مجرد رصد لواقع رمضان بيننا يبين أن الناس فئات مختلفة ومتعددة في تعاملهم مع سيد الشهور :
- فئة تصوم رمضان وعيا منها أن الله لا يُعبـَد عن جهل ، وتعمل بمقتضى قوله تعالى في سورة محمد ، الآية 20 : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " ؛ مما يجعل كل أعمال هذه الفئة وأقوالها وسلوكاتها ، طيلة هذا الشهر وغيره ، ترجمة جلية وصريحة لهذا الوعي الناتج عن استيعابها لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " ، طمعا في أن يشملهم ربح رمضان أخذا بعين الاعتبار أن رمضان سوق قام ثم انفض ، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر . فاختر لك أيها المسلم موقعا ليس بين المنزلتين ، ولكن انتق الربح أو الخسارة .
- فئة تصوم رمضان على عادة من سبقوهم أو عادة أهلهم وجيرانهم ... عملا بما ورد في سورة المائدة الآية 106 : " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا " ، وقد أجابهم الله سبحانه وتعالى فورا بالقول : " أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون " . وفي سورة البقرة الآية 169 : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " ... مما يجعل صومهم - بهذا الفهم القائم على التقليد - مجرد محاكاة وتكرير لعادة دأبوا عليها إما حفظا لماء الوجوه ، أو حرصا على إرضاء الأسرة ، أو اتقاء للقيل والقال ...
- فئة لا من هؤلاء ولا من أولئك ، لا يهمهم من الأشهر كلها ، ورمضان من بينها ، سوى ما قضوا من أمتع الأوقات ، وما ربحوا من الأموال وما تلقوا من هدايا ... ومن هؤلاء من يسافر خارج الوطن ، بعيدا عن أجواء الصوم ، طيلة شهر رمضان لكي لا تطارده أينما حل وارتحل ، لأنهم اعتادوا على حياة الشواطئ والمسابح والموائد والولائم والغرف الحمراء ... فرمضان إذن مزعجُهم والصائمون دون أمزجتهم .
- فئة - ربما جزء من الفئة السابقة - تدعو إلى إفطار رمضان جهارا وعلنا وفي الأماكن العمومية ، وهي فئة طفت على السطح مؤخرا بدعوى حرية التفكير والتعبير والمعتقد ، وهما معا فئتان لا يشكل رمضان ، في فكرهما ولا سلوكهما ، لا عادة ولا عبادة ، بل هو شهر مزعج بامتياز!
- فئة يدخل صومها أو شبه صومها لرمضان ، ضمن طقوس احتفالية محضة ؛ مما يجعلها ، بوعي أو بدون وعي ، تستقر بين منزلتي الصائمين عادة أو الصائمين وعيا وقناعة ، وكلما اجتهدت كلما اقتربت من إحدى المنزلتين إيجابا أو سلبا .
وانطلاقا مما سبق يمكن طرح مجموعة من التساؤلات التي تثيرها طبيعة نظرتنا لرمضان ، ونوعية علاقتنا به ، خلافا لباقي الشهور ؛ ومن أهمها :
* هل نحن واعون بالمقصدية من هذا الشهر الذي جعله الله سيد الشهور ، وجعل فيه ليلة خيرا من ألف شهر هي ليلة القدر المباركة ؟
* بماذا يمكن تفسير حرص الأسر - المغربية مثلا - على الإعداد المادي الغذائي الاحتفالي لرمضان أكثر من حرصها على الإعداد الروحي له ؟
* أليسيت العادات الاستهلاكية التي تسود فضاءاتنا العمومية والأسرية ، خلال هذا الشهر، دليلا على أننا نتعامل مع رمضان كشهر للعادات وليس شهرا للعبادات ؟
* بم يمكن تبرير التهييء الاستثنائي الهستيري للقنوات الفضائية لموادها وبرامجها لشهر رمضان ، أليست الغاية من هذه البهرجة والصخب من السهرات ، على شاشات التلفاز أوفي الساحات العمومية ، والمسلسللات والأفلام والفوازير والسكيتشات - بغض النظر عن قيمتها - هي تكريس عادات وقيم استهلاكية وأخلاقية معينة ؟
* ما البرامج التعبدية التي يعدها الأفراد ، أو تعدها الأسر ، بمناسبة حلول هذا الشهر الفضيل ، إذا استثنينا صلاة التراويح التي ، للأسف ، صارت لدى البعض عادة وطقسا تمثيليا أكثر منها قياما وعبادة ؟
* أين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب " ؟
* بم يمكن تفسير ما يدأب عليه كثير من الناس الموصوفين بالرمضانيين ، أي الذين يصلون رمضان ويعودون إلى العطالة عن الصلاة والطاعات ما بقي من العام ؟!
* كم منا ، أفرادا وأسرا ، يستغلون شهر رمضان كفرصة لإعادة إصلاح النفس وتهذيبها ، ومناسبة لتربية النفس وتنقيتها مما علق بها من أدران الشهور الماضية ؟
* كم منا يأخذ أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ، عن شهر رمضان عامة والعشر الأواخر منه خاصة ، مأخذ العزم والحزم والتنفيذ ؟
هي أسئلة لو حاول كل منا أن يجيب عنها فسيجد نفسه يمارس جزءا غير هين من الطقوس المرتبطة برمضان ، سواء كانت تعبدية أو غذائية أو غيرهما ، ما أقربها إلى العادات منها إلى العبادات .
وأنا أميل إلى أن كثيرا من الظواهر الإيجابية التي تطفو على السطح خلال شهر رمضان ، كحرص الناس على الصلوات المفروضة ، وصلاة التراويح ، مع الجماعة في المساجد ، وتلاوة الناس للقرءان بشكل يومي ومنتظم ، ومواظبتهم على التزاور العائلي والإفطارات الجماعية .. من بركات هذا الشهر الذي تصفد فيه الشياطين .





التوقيع

    رد مع اقتباس