2009-08-28, 23:23
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | فيلم عماد عقل : قراءة سينمائية نقدية | هنا فلسطين .... وطن الأحلام المؤجلة ، أرض الاجتهادات الفردية وزعها الشتات بين الجسوم، أفقدها اتزانها، شوه صورتها الجميلة، بعثر قدراتها السينمائية، لم يترك للباحثين معالم واضحة للاستسقاء - رغم تميز هنا وتجربة هناك - أُسِرَتْ صناعة السينما الفلسطينية بالممول وطبيعة ملامحه فلم يكن أمام المبدع الفلسطيني سوى الهروب من النار إلى الرمضاء، خيروه بين الموت والموت. فإما ممول أجنبي يجيد تحريك الدمى، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، "شعاره" أفكارك يا صديقي مزادٌ علني، وطنك يحيا على الصدقات، لا كرامة لمتسول، أعطني رأسك وسنمنحك حذاء، أهبنا الحذاء وسنهبك ثوب الشهرة.
هناك يا سادة يا كرام نفوس ضعيفة جذبتهم الأضواء فخلعوا رؤوسهم وباعوا أحذيتهم فنفخهم الإعلام ثوباً فضفاضاً يتناسب مع قذارة المرحلة.
وهناك من جردته عنصرية الأحزاب من الرؤيا فاحترف الموت الثاني ورقص أمام الفئوية، الحزبية والأنا المطلقة وشاهد فلسطين بعين واحدة مغلقة.
وبقي الذين يحبون الوطن جنود مجهولين رفضوا الوصاية والبطولات الزائفة آمنوا أن من لا يملك رأس لن يملك حذاء وأن الأفكار التي لا تحلق ميتة، خرجوا خيولاً من جسد الحقيقة، حملوا كاميراتهم ركضوا في فضاء المخيلة، جمعوا أدواتهم من الواقع ليبتكروا من الكتلة والفراغ عالماً من الجمال ترانيمه ضوء وظل، طاردتهم عاصفة الأقلام الصفراء سحبتهم للوحل كي تحرمهم الصهيل لم ييأسوا مازالوا يركضون ويركضون، يعملون يفشلون فيحاولون.
هذه صورة تشخيص للحالة السينمائية الفلسطينية، بعيدا عن قطيع المنافقين والأقلام العاهرة التي تهلل هنا وهناك، غايتها التجهيل. فكرة إنتاج عمل روائي في مدينة مغلقة محاصرة مثقلة بالهموم تستحق كل الثناء والتقدير للقائمين على الفكرة، وخاصة عندما يتناول الفيلم قصة الشهيد عماد عقل البطل الذي آمن أن "ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة" فأخلص لفكرته وابتكر أساليبَ بالمقاومة أقلقت مضاجع الغزاة، وأخيراً مات البطل غدرا ككل العاشقين لهذه الأرض. - ولكن يبقى السؤال هل وفق الدكتور (محمود الزهار) في عناصر بناء السيناريو وهل منح شخصية الشهيد عماد عقل ما تستحقه؟ - كيف عبر الفنان والمخرج (ماجد جندية) عن مرحلة تاريخية مازالت ملامحها نشطة لم تسقط من الذاكرة ؟ - هذا العمل يتناول مرحلة من حياة الشعب الفلسطيني تمتد من عام 1971 حتى عام 1993، كيف قُدِّمت هذه المرحلة؟ في ليلة من ليالي منع التجوال وجنود الاحتلال تنتشر بين أزقة المخيم نشاهد قابلة ورجل عجوز يحمل مصباح ينطلقوا مسرعين إلى بيت (حسن عقل) فيعترض طريقهم جيش الاحتلال وبعد مشادة كلامية يواصلان سيرهما، تدخل القابلة البيت فتنجب الأم مولودها الجديد (عماد) يترعرع الطفل في المخيم ويشاهد بلطجة الاحتلال واستعراض قوته على النساء والأطفال فيتحداهم بعينيه ويقسم أن يكون نِداً و ينتقم، وتزداد ثورته عندما يقوم مستوطن بحرق المسجد الأقصى ويشاهد الاحتلال يعدم أطفالاً بالمسيرة، تتفتح عيناه على الوطنية من خلال المسجد وجلسات تحفيظ القرآن وتداول أمر المسلمين. (عماد) نشط يشارك النقاش حول حصار الجامعة الإسلامية، و بعد ذلك يتم تكليفه بتوصيل رسالة للمناضلين، لكن مجموعة من الملثمين تعترض طريقه تخطفه وتكيل له الركلات، تقيّده بالشجرة بعد أن يسرقوا الرسالة التي بحوزته ليتضح بعد ذلك أنها عملية اختبار.
تتواصل الأحداث فنشاهد شاحنة إسرائيلية تصطدم بعربة عمال فلسطينيين وتصرعهم جميعاً فتثور الجماهير وتنطلق الانتفاضة الأولى، وتستثمر الحركة الإسلامية هبّة الجماهير وتعلن انطلاقة حركتها على لسان مؤسسها الشيخ (أحمد ياسين)، تنطلق الحركة على الساحة الفلسطينية ويتم اعتقال الطالب الثانوي (عماد عقل) ، يعرِّف نفسه بالسجن ابن " حركة المقاومة الإسلامية حماس" يتوقف دور (عماد عقل) بعد سجنه ويتغيب عن مسرح الفيلم، فترة اعتقاله تترك فجوة، فراغ لدى المشاهد يصاب بحالة من التيه فالأحداث سريعة ومزدحمة من تشكيل خلايا عسكرية وعمليات إعدام عملاء والشهيد (عماد) لا ملامح لفترة اعتقاله.
وأخيراً يخرج (عماد) من المعتقل شاباً ويقرر أن يواصل تعليمه في المملكة الأردنية الهاشمية لكنه يتراجع بعد أن تصله معلومات من السجن عن اعترافات جديدة تدينه فيقرر عدم السفر خوفاً من الاعتقال ويواصل جهاده، فيقوم بتنفيذ عمليات عسكرية متقنة ومتنوعة يُسقط خلالها العديد من رجال الشرطة الإسرائيلية ومن جنودهم وبعد هذه العمليات النوعية يأخذ على عاتقه بتكليف من قيادة الجناح العسكري تشكيل خلايا تابعة لكتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية.
يصل لمدينة الخليل ويشكل مجموعات تنفذ عمليات نوعية، من أهمها قتل ضابط المخابرات على يد العميل المزدوج (ماهر سرور) والذي يتحول بعد ذلك لمقاوم شرس وينفذ عملية خطف حافلة في التلة الفرنسية بالقدس وتتم مطاردته إلى أن يُستشَهد،وهناك العديد من العمليات سنتحدث عنها لاحقاً. كيف أتقن (عماد) فن العمل العسكري؟ ومتى تدرب على السلاح وهو سجين منذ كان فتى في الثانوية العامة؟ - كما قال الفيلم فمن أين كل هذه البراعة- ؟ كان على كاتب السيناريو الدكتور (محمود الزهار) توضيح علاقته بالسلاح أو على الأقل التدريب عليه ليُقنع المشاهد بقدرته القتالية، فهناك فجوة في البناء سببها الرئيس قطع مراحل زمنية من عمره والنقلات من فترة إلى أخرى بشكل قفزات غير واضحة. (عماد عقل) يقرر العودة لغزة بعد أن أسس خلايا عسكرية فاعلة في مدن وقرى الضفة الغربية، يعود لغزة فيخطف جندي وبعد ذلك يتم إعدامه وتتواصل تصفية جنود الاحتلال مما يشكل للقيادة الإسرائيلية حالة رعب فتقرر إبعاد أربعمائة وعشر من قادة وكوادر حماس. يأتي (رابين) شخصيا إلى مخيم جباليا ليقدم عرض لوالد (عماد) مفاده أنهم سيعفون عن (عماد) ولن يطاردوه إذا قرر أن يرحل خارج البلاد يرفض (عماد) هذا الطرح و يواصل عمله النضالي حتى يتحول أسلوبه بالمقاومة لنهج، ويسرد أحد رجال المقاومة بنود هذا النهج، ومن خلال مقابلة صحفية في التلفاز يوجه نقداً لاذعاً لإتفاق أوسلو ويؤكد أنه يشكل سلم الأمان لهروب الاحتلال من غزة. تنسعر القيادة الإسرائيلية وتحاصره بأساليبها القذرة من خلال عميل يطارده من مكان لمكان حتى يصل إلى مخبئه ويكشف أمره، يتصدى للاحتلال بمسدسه الشخصي ولكنه يسقط شهيداً.
يُستَشهدُ (عماد) لكن المقاومة تعلن تجذرها وخلودها، فهاهي مجموعته تعدم ضابط المخابرات "مئير منز" الذي أشرف على عملية اغتياله ميدانياً. وينتهي الفيلم بكلمة رابين الشهيرة "أتمنى أن أنام وأصحو فأجد غزة قد غرقت في البحر" فيلم الشهيد عماد تجربة إنسانية تناولت ملامحَ من معاناة الشعب الفلسطيني حملت على عاتقها سرد تفاصيل التفاصيل، قرر المخرج والكاتب من خلاله أن يقولوا كل شيء ففر من يديهما الزمان والمكان واختلطت الأحداث التاريخية حتى فقدنا القدرة على التركيز، فالمكان لم يعبر عن الفترة التاريخية الممتدة من 1971 حتى 1993 المخيم الذي قدم مسطح الشكل، جدرانه بيضاء، اللون في المنتصف، بئر مياه يلتف حوله النساء، وهناك حمامات عامة يصطف عليها رجال ونساء المخيم. عربات الجنود تستعرض نفسها وكأننا نشاهد المشهد الأول من فيلم (عمر المختار) نفس البناية ونفس البئر مع اختلاف بالزمن الذي تناول المرحلتين فهناك الجنود الايطاليون في ليبيا يمارسون القمع والقتل وهنا الجنود الإسرائيليون يمارسون الاستعراض والترهيب، واحد وعشرون عاماً مرت على المخيم ولم يطرأ أي تغيرات على شكله في حين أن المخيم حقيقة من كثافة الازدحام تحول إلى قبور مستطيلة تخنق بعضها البعض تصعد إلى السماء طالبة الرحمة. • خلفية الفيلم إعتمدت على اللون الأبيض إن كان على جدران المخيم أو في مركز اجتماع قيادة جيش الاحتلال وهذه العلاقة اللونية بين الطرفين تؤثر على طبيعة العمل، فالألوان الباردة لها معانيها، فهل يعقل أن نجمع بين القاتل والضحية. • الزمان في الفيلم يقفز بشكل جنوني ومتناقض
أم عماد تحذر ولدها من عدم تلويث أقدامه بمصارف المياه الممتدة بين أزقة المخيم وأهل المخيم يصطفون على الحمامات العامة ويملئون المياه وينظفون أدوات المطبخ أمام البئر كما نشاهد عائلة الشهيد (عماد) تستمع للراديو وهو يتحدث عن حرق المسجد الأقصى وخلفهم إبريز الكهرباء مما يؤكد أن الكهرباء والمياه وصلت بيوت المخيم رغم ذلك النساء مازالوا يحملن الجرار ويغسلون أدواتهم عند البئر. رائع أن نتحدث عن الهجرة والمعاناة ونجعلها دوماً نشطة في الذاكرة ونوجه رسالة للعالم أن الحق لا يسقط بالتقادم وأن المهجرين يوماً ما سيعودون إلى وطنهم، لكن زحمة الأفكار وكثرة الأحداث شتت المشاهد وجعلته بحالة تيه وخلط بالمراحل الزمنية. • السيناريو هو الشكل الداخلي للفيلم يحتاج لجراح عبقري موهوب يمتلك قواعد واضحة المعالم وأصابع مهنية تبتكر تقديم الشكل بأسلوب إبداعي، إن البناء أساس السيناريو، العماد الذي تعلق عليه القصة عندما تجلس لتكتب سيناريو يجب عليك أن تحلل القصة فالقصة تتألف من أجزاء (شخصيات، مكان، زمان، حبكة، فعل، مشاهد، سياق، أحداث، وتشويق).
بعد مشاهدتي الفيلم شعرت أن غزة تغرق في بحر من المغالطات، الزمان يُجَمِّدُ التاريخ، يحرّفه، يتنكر لفدائيون رويت الأرض بدمائهم، ألم يقل موشي ديان "إن الفدائيون يحكمون غزة في الليل وجيش الاحتلال يحكمها بالنهار". أين المقاومة ؟ أين منظمة التحرير؟ أين الحركة الإسلامية في هذه المرحلة الزمنية ؟
لماذا تجاهل الكاتب رجالها ؟ كيف لنا أن نحيا ونحن نمارس قتل التاريخ والإنسان؟ جميل أن نحب لكن الأجمل كيف نحب! كيف نخرج من قبحنا ونعترف أننا امتداد للعاشقين؟ لنا تاريخ وموروث نضالي وثقافي.
أيعقل أن نتناول حقبة تاريخية من مأساة الشعب الفلسطيني ولا نكرم أبطالها، فتاريخنا حافل بالنضال ولكل مرحلة رجالها أين (محمد الأسود)، (جيفارا غزة) أين (رفيق السالمي) أين وأين؟.... أين التاريخ الحافل بالنضال قبل نشأة حركة المقاومة الإسلامية حماس، فالتطرق ولو بلمحة لهذه الناحية كان سيغذي شخصية الشهيد البطل (عماد عقل) و كان سيكسب تعاطفاً جماهيرياً من الجميع وسيصب في جوهر الموضوع. "إن الحياة بنيت على الإيقاع وأي خلل في الإيقاع معناه الموت" أحياناً عند مشاهدتك فلماً حتى لو كانت القصة عظيمة قد تصيبك رتابة لا تعرف مصدرها
هذا ما حدث في فيلم (عماد عقل) ظل الفيلم رتيباً على نفس الوتيرة وكان واضحاً أن هناك خلل في إيقاع الحركة رغم أن الفيلم اعتمد على مشاهد المقاومة من قتل وعنف، وهي من مشاهد الإثارة، إلا أنها لم تؤثر بالمتلقي لأنها فقدت عنصر المفاجأة، فقد علم المشاهد مسبقاً أن رجال المقاومة في كل مرة سيقضون على جنود الاحتلال دون أن يطلق الاحتلال طلقة واحدة، فالمشاهد بنيت بشكل نمطي أفقدها الحياة أن المبالغة وعدم علاج المشهد يعطي المتلقي مردوداً سلبياً، فالعنف من أكثر الوسائل نجاحاً في خلق التشويق، وتوقع العنف يخلق التشويق والحركة ذاتها تخلق المفاجأة "إذا كانت مخالفة لتوقع المتفرج". كنت أتمنى على المخرج أن يعتمد على التنوع والتناقض من مشهد حركة إلى مشهد صامت، من مشهد طويل إلى مشهد قصير، من مشهد سريع إلى مشهد بطيء، من مشهد داخلي إلى خارجي هذا التنوع كان سيقدم سيمفونية بصرية تحمل المشاهد إلى عالم الخيال والمتعة. يقول رائد الفن التشكيلي الفنان (صلاح طاهر) " الفن أسمى وأنبل أنواع الكذب وهو أصدق أنواعه لأنه يفوق الصدق، فالفن ليس نقلاً فوتوغرافياً للواقع) ... والواقعية التي اعتمد عليها الفيلم وإن كانت تعني المصداقية فإن مصداقية نقل الواقع لا تعني تصوير هذا الواقع كما يراه الإنسان العادي، أي أن الواقعية هي نقل الواقع بشكل موضوعي تحليلي.
• قدمت بعض المشاهد والتي تحتاج لدراسة مستفيضة قبل عرضها.
مشهد المتدينين اليهود الذين اقتحموا بيت فلسطيني بشكل وحشي وإرهابي وطردوه، فجاء الشهيد (عماد) ليثأر لهذه العائلة فقتل اليهود وهم يتلون شعائرهم من التوراة، هذه الصورة مخالفة لأخلاق المسلم فهل بنينا المشهد لنصدر للمتلقي الأجنبي أننا تجاوزنا المحظورات الدينية؟
هل المطلوب أن نقدم صورة مشوهة عن ديننا الإسلامي السمح؟!!
كنت أتمنى على المخرج أن يوضح للمتلقي أن المقاوم المسلم يحترم الديانات فهل سيضر العمل لو انتظر البطل لحظات حتى انتهائهم من شعائرهم ومن ثم يقضي عليهم، كان سيمنح المشاهد لمسة إنسانية تدل على أخلاق المسلم، فملامح وطبقة صوت الممثل القائم بدور الشهيد (عماد عقل) تشع حناناً وإنسانية فلماذا لم يستغل المخرج هذه العناصر؟ فيلم (ميونخ) للمخرج اليهودي الأمريكي (سبيلبرغ) كان بطل الفيلم من رجال الموساد الإسرائيلي مكلف بقتل مجموعة من المناضلين الفلسطينيين بعد عملية ميونخ، وقد أعدم العديد منهم وفي أحد العمليات وقبل أن يفجر عبوة ناسفة في أحد المناضلين – (محمود الهمشري) -
هاتفه تليفونيا فسمع صوت ابنته فاندفع بجنون غير مبالٍ للخطر في سبيل إنقاذ الطفلة وبعد خروج الطفلة أعدم والدها مع العلم أن الحقيقة على أرض الواقع تختلف، فهم يحترفون قتل الأبرياء، فأحياء ومناطق سكنية دُمّرت على رؤوس ساكنيها وسقط بها مئات الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ .
"الإعلام فن التجميل والتشويق، فن المخاطبة والعزف على أوتار العاطفة لتكون مدخلاً للعقل" وهناك ملاحظة أخرى على مشهد اختطاف الجندي الإسرائيلي وقتله
الدين الإسلامي دين المحبة، السلام ، الرحمة والأخلاق. أوصانا بالأسير فمشهد اختطاف الجندي جميل في موضوعه يدل على القوة والجبروت وعلى سرعة البديهة وعلى عنصر المفاجأة لدى البطل الشهيد (عماد عقل) فهو أسقط كذبة الجندي الخارق، فالغول الإسرائيلي الذي بطش وقتل وشرد مخلوق مهزوز ضعيف يعيش حالة استسلام وخنوع يداري خوفه المفضوح برغيف خبز ويتحدث عن (عماد عقل) على أنه شخصية أسطورية كما أخبره قادته أنه بسبعة أرواح، تخيلت للحظة و(عماد) يصغي لحديثه أن المخرج سيقدم للمشاهد نموذجاً لأخلاقية المسلم البطل الإنسان كما فعل المخرج (يوسف شاهين) في فيلم (الناصر صلاح الدين) عندما سلط الضوء على أدبيات الإسلام وفن تعامل القائد (صلاح الدين) مع الأسرى، لكن للأسف يطلع علينا المخرج من خلال حوار دار بين الشهيد عماد وأحد رجال المقاومة عن ذبح الجندي وإلقائه وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة في كرم ليزرع الرعب بين الجنود. ماذا أضاف هذا المشهد للعمل، صورة مرعبة عن شخصية المجاهد الفلسطيني ليبرر للاحتلال أكاذيبه ؟ الإعلام عنصر يعتمد على الحنكة، وقياس ما بعد البعد يعطينا وضوحاً للرؤيا، فجميل أن تعلمنا الحرب أغنية السلام فما يحدث على الأرض ليس من الضروري أن ينقل على الشاشة حرفياً، علينا أن نعي أن الفيلم الروائي يتحدث عن فكر ورؤيا، فالتمادي بمشاهد العنف سيحول المقاومة إلى إرهاب ولن يساهم في حشد تعاطف دولي مع قضيتنا العادلة الإنسانية، ليس معنى ذلك أن نقدم شخصية المقاوم البطل كما قدمها (هاني أبو أسعد) في فلم" الجنة الآن" الحاصل على جائزة برلين السينمائية وجائزة الجولدن جلوب والعديد من الجوائز العالمية والمرشح للأوسكار قدم هاني أبو أسعد الاستشهادي على أنه شخصية مضطهدة حكم عليها بالنبذ من قبل المجتمع بسبب ذنب لم يرتكبه لذلك قرر الموت، فالبطل الاستشهادي والده عميل وهدفه الأول من تنفيذ العملية تطهير بيته من ألسنة الناس، أما المخرج (ماجد جندية) يقدم للمشاهد بطلاً آلياً بدون انفعالات، لا يتأثر عند استشهاد رفاقه، وعلاقته بالأسرة تفتقد للعاطفة، فأخته طول الفيلم جامدة، وأمه إحساسها بابنها ضعيف، وهذا مخالف لطبيعة وعاطفة الأم الفلسطينية والعائلة الفلسطينية.
جميل أن يقدم العمل المقاوم الشرس والأجمل أن نرى إنسانية المقاوم، فالشخصية التي تبناها المخرجان (هاني أبو أسعد) و(ماجد جندية) لم ترتقِ لتقديم المجاهد الإنسان الذي رفض الذل وآمن أننا أناس من أجل حياة كريمة عشقنا الموت. لمن صنع هذا الفيلم ؟ وما هي الرسالة الموجهة ؟ ومن هو الجمهور المستهدف ؟
إن هذه الأسئلة ستخرجنا من الدائرة المغلقة، فالفيلم سفير بأجنحة، فهل المطلوب أن نشاهد فيلم توثيق يتحدث عن نشأة وتطور حركة حماس وعن حرفية العمليات التي نفذت من خلال الشهيد (عماد عقل)؟
لقد بحثت وقرأت عن لحظات استشهاده وعن الرعب والخوف الذي حشاه بالاحتلال حتى بعد موته، وانتظارهم لساعات خوفاً من الاقتراب من جثته وأخيراً التنكيل بجسده وإطلاق سبعين رصاصة على رأسه ورقصهم وتهليلهم فرحا لقتله، لو تم معالجة هذا المشهد دراميا بحرفية عالية
كان سيعبر عن همجية الاحتلال ووحشيته ويؤسطر لشخصية هذا البطل العملاق ويخرجنا من حالة الرتابة ويخلصنا من تيه الأزمنة. نتخيل مثلا أن يبدأ الفيلم بصورة إطلاق نار كثيف يتصاعد ثم يتوقف فجأة ويكسر الصمت صوت عقرب الساعة ودقات قلب سريعة لقطات متفرقة ومتنوعة للجنود وهم مفزوعين ينظرون إلى ساعاتهم ويصوبون أسلحتهم لمصدر ما.
لقطة لخطوات مترددة وعرق يتصبب من الجنود، لقطة للشهيد وهو ملقى على الأرض، لقطة للجنود وهم يطلقون النار علية بطريقة هستريا ثم نشاهد الجنود وهم يرقصون ويهللون فرحين باستشهاد هذا العملاق، وبهذه الطريقة كنا سنقدم للعالم وحشية الاحتلال حتى بعد الموت وسنمجد هذا البطل الذي يستحق الكثير، وبعد ذلك نعطي الأمل للمشاهد من خلال التضاد وتقديم المشهد الذي يتناول دور المقاومة بالقضاء على ضابط المخابرات، ثم نسرد التاريخ كما يريد الكاتب والمخرج، كنا سنهرب من الإشكالية الخاصة بعناصر بناء السيناريو ومراحل تطوره. شخصية الشهيد (عماد عقل) في الفيلم كانت تحتاج للمسة إنسانية، فهو كائن بشري يحب ويكره يفرح ويغضب، فالعمل الجهادي تغذيه وتقويه النفحة الإنسانية، رغم أن هناك محاولات ولكنها لم تؤدى بشكلها الصحيح مثل مشهد الطفل (محمد فرحات) الذي التقاه قبل استشهاده كان يحتاج إلى شحنة من المشاعر من الطفل ومن الشهيد (عماد)، والمشهد الذي يدل على علاقة الأخوة بين (عماد) وأخيه (عادل)، عندما جاء (عماد) بعد خروج أخيه من السجن ليخبره بأنه على استعداد لتسليم نفسه حتى يكف الاحتلال عن اعتقاله، كان اللقاء فاتراً بينهما يفتقد للمشاعر رغم أن مضمون الحوار جميل. هناك نوعان من الفعل: الفعل الجسدي والفعل الانفعالي وعلى الكاتب أن يسأل نفسه
ماذا تريد للشخصية أن تحقق أو أن تحصل عليه من خلال السيناريو؟
ما هي ملامح الشخصية (الجسدية والانفعالية)؟
هل الشخصية نامية متحركة أم ثابتة مسطحة وما هي ملامحها النفسية والجسدية والاجتماعية ؟
شاهدنا أحداثاً سريعةً و قفزاتٍ متتاليةٍ وجمودٌ ممثلين، فالزمان يتحرك من حولهم وهم في حالة ثبات يخرجون الكلام من بئر، يسردون الأحداث بأسلوب نمطي و بطبقة عالية حادة، يلتفون حول الشخصية، يلبسونها من الخارج ويقفلون المشهد بإيماءات مبالغ بها، يقولون نحن نمثل فمثلا الشخصية التي جسدت دور العميل (وائل) والذي قام بالوشاية على الشهيد عماد يتضح للمشاهد أنه عميل بالفطرة وينادي ويقول أنا عميل وسأقتل عماد، شخصية غبية مكشوفة للجميع تسير بخط درامي ضعيف تطوف الأمكنة التي يتواجد بها عماد المسجد، البيت، الشارع، وتسأل عن شخصيته وتصل إلى البيت المتواجد به، وتوشي عنه بشكل غبي بدون أن يتم اكتشافه فأين الحس الأمني لرجال المقاومة؟ وشخصية الشاب (ماهر أبو سرور) النقيض لشخصية (وائل) والذي يصبح عميلاً رغم أنفه من اللحظة الأولى ومن حركاته الانفعالية الزائدة، يكشف سر الشخصية ويعطينا النتائج مقدماً. "يقدم لنا العمل معلومات على طبق من فضة" رغم ذلك لا ننكر أن الفيلم قدم العديد من الوجوه الواعدة و الطاقات الإبداعية والمتمثلة بالممثلين الذين أجادوا دور الاحتلال وتحكموا بانفعالاتهم وقدراتهم الصوتية والتنويع. بطل الفيلم (بهاء بعلوشة) يتميز بحضوره الجذاب وتلقائيته وصوته الدافئ لكن ما أضعف قدراته الإبداعية النمطية والإيقاع البطيء. الكتلة هي الوزن المرئي لشكل أو لمساحة ما في الكادر، والتوازن يكون من خلال توزيع العناصر المكونة للتكوين بشكل معتدل، والإضاءة تجسد الحالة النفسية إن كانت صناعية أو طبيعية، فهناك الإضاءة الرئيسية والإضاءة الخلفية وإضاءة ملئ الظل، إن الوجوه البشرية تحتاج لدراسة فالوجه النحيف الطويل يختلف عن الوجه المستدير، وقدراتك على قراءة الوجوه ستساعدك في التعبير عن الموضوع والحالة ففي فيلم عماد عقل اعتمد المخرج على الإضاءة المباشرة لذلك كنا نشاهد أحيانا مساحات كبيرة من الظل خلف الممثل. كما كان هناك العديد من الفراغ ببناء الكادر واختلاف بالاتجاه البصري، حيث كنا نشاهد ممثلاً على اليسار، ثم بعد لحظة نجده على اليمين كمشهد لقاء ضابط المخابرات مع العميل داخل السيارة وقد شاهدنا الفراغ غير المبرر ببناء الكادر في أماكن مختلفة ومنها مشهد ضابط المخابرات مع القابلة بعد استشهاد (عماد)، وهناك عدم وضوح في بعض اللقطات. هذه مجرد هفوات بسيطة أسلط الضوء عليها على أمل أن يتجاوزها طاقم العمل في المرة القادمة. رغم هذه الملاحظات التي أجملتها بالعمل يبقى إنتاج فيلم في غزة في ظل الظروف المأساوية أكبر من معجزة، وهذه التجربة الجميلة تناولت العديد من القضايا التي جسدت معاناة شرائح المجتمع الفلسطيني، الأسرى والمهجرين وأبناء المخيمات، كما سلطت الضوء على المقاومة والتفاف الجماهير حولها.
رغم أنني تناولت الهفوات في هذا العمل لا أنكر أن هناك العديد من المشاهد الجمالية البناءة والجهد المتواصل من كافة العاملين بهذا العمل . بقلم مصطفى النبيه ''الفوانيس السينمائية'' | |
| |