عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-20, 12:25 رقم المشاركة : 1
أبو الحزم
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو







أبو الحزم غير متواجد حالياً


افتراضي وأوحي إليَّ هذا القرآن


وأوحي إليَّ هذا القرآن

يقول الله تعالى في محكم تنـزيله : (00وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ 000) (الأنعام:19)
فمن بلغه القرآن ولو سورة من سوره فكأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلَّغه القرآن 0
يقول الإمام ابن جزّي في تفسيره "التسهيل ": أي : وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم إلى يوم القيامة0
وهذا القرآن يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ما دعا إليه القرآن 0
وأورد الإمام الترمذي في سننه والإمام أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما ـ قال الإمام صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى : 764هـجرية ): النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب ابن ربيعة ، يقال: إن أباه سمعان بن خالد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه سمعان نعليه، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال النواس بن سمعان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً " أي : طريقاً لا عوج فيه" وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرجوا ، وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ـ الداعي على باب الصراط ـ : ويحك لا تفتحه ـ أي : الباب ـ فإنك إن تفتحه تلِجه 0
والصراط : الإسلام
والسوران : حدود الله تعالى
والأبواب : محارم الله تعالى
و الداعي على رأس الصراط : كتاب الله تعالى ، أي : القرآن الكريم ، ولا يؤخذ القرآن ولا تُفهم معانيه إلا عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقرآن قائم ومتمثل به صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم القائم على رأس الصراط ينادي بالقرآن الذي أُنزل عليه ، ويأمر الناس أن يستقيموا على الصراط دون انحراف عنه 0
"والداعي فوق الصراط : واعظ الله في قلب كل مؤمن "
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين : إن لله واعظاً إيمانياً في قلب كل مؤمن ، بحيث لو سوَّلت له نفسه وزيَّن له شيطانه عمل الحرام لوجد من نفسه من يمنعه من ذلك ويخوفه ، وهو واعظ الله في قلب كل مؤمن ، فإن هو استجاب لذلك الواعظ عاد ورجع ، وإن هو تجاهله واستمر في طريقه وقع في الحرام 0
ولقد جعل الله تعالى لكل مؤمن واعظاً خارجاً عنه وهو القرآن ، وواعظاً منه وفيه ، وإن من استحكمت فيه المعاصي والمخالفات لم يعد يشعر بأثر واعظ الله في قلبه ، لأنه تمادى في ضلاله وطغيانه وأصبح قلبه مظلماً 0
والداعي على رأس الصراط هو القرآن ، وهو دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (000لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ 000)
وهكذا تكفل الله سبحانه أن يحفظ هذا القرآن الكريم بحروفه ونصوصه ومعانيه التي جاء بيانها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد مضى على نزول القرآن الكريم أكثر من ألف وأربعمائة وأربعين عاماً حيث بدأ نزول القرآن الكريم قبل الهجرة النبوية المباركة بثلاثة عشر عاماً 0
وانتقل إلينا جيلاً بعد جيل ، وخَلَفاً بعد سَلَف ، وهو محفوظ كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحروفه وكلماته ، ووجوه قراءاته العشر ، ولهجاته ، وكيفية قراءته فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه0
وقد اشتهر في كل عصر جماعة من القراء ، أتقنوا حفظ القرآن، وتفرغوا لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهم وهكذا0
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم وهم:
1- عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي (توفي سنة 118)هجرية
2- عبد الله بن كثير الداري المكي (توفي سنة 120) هجرية
3- عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي (توفي سنة 127، وقيل 128)هجرية

4- أبو عمرو بن العلاء البصري (توفي سنة 154)هجرية
5- حمزة بن حبيب الزيات الكوفي (توفي سنة 156)هجرية
6- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني (توفي سنة 169)هجرية
7- أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي (توفي سنة 189) هجرية
وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتى استقر الاعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخرى ، أضيفت إلى السبع، فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات ، وهذه القراءات الثلاث هي قراءات هؤلاء الأئمة:
8- أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني ( توفي سنة 130)هجرية
9- يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي (توفي سنة 205) هجرية
10- خلف بن هشام (توفي سنة 229)هجرية
وتواترت إلينا آيات القرآن وكلماته وحروفه دون زيادة أو نقصان 0
وهكذا تجد أن هذا الخبر القرآني الغيبي قد تحقق ، وحفظ الله تعالى القرآن كما أخبر سبحانه ، وسيحفظه جل شأنه إلى يوم الدين 0
وكما تكفل سبحانه بحفظ حروفه ونصوصه تكفل بحفظ معانيه وأحكامه التي بينها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم 0
وفي هذا يقول سبحانه : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16)إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة:17)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه بعض آيات القرآن استعجل في تلاوتها مخافة أن ينسى شيئاً فنـزل قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16)إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة:17) أي : علينا ـ نحن الذات العلية ـ أن نجمع هذا القرآن كاملاً في صدرك الشريف ، فلا يمكن أن يذهب عنك منه حرف واحد ، وعلينا أن نقرئك إياه على أكمل الوجوه كما نزل ، وكما أراد الله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة:19) أي : علينا أن نبين لك معاني القرآن ونوضح لك الأوامر والأحكام 0
وبعد ما بين الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم معاني القرآن أمره أن يبين للناس ذلك فقال سبحانه : (000 وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44) وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني القرآن وأحكامه ، وجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي حدَّث بها وأفعاله التي قام بها وتقرَّب بها إلى الله تعالى هي كلها بيانات لكلام الله تعالى ، فلما قال سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) أي : لحافظون لحروفه ونصوصه ؛ فلا تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي : لمعانيه وأحكامه ، وهي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة للقرآن ، فهي محفوظة بحفظ الله تعالى 0
لقد مرَّت الأيام وتعاقبت من بعدها السنون وما تزال وستبقى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ الله تنقل إلينا متواترة بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
وقد اعتنى السلف الصالح رضوان الله عليهم بجميع الأحاديث النبوية وبيان أسانيدها ، ودونوها في كتبهم ، كالجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم والأجزاء والمستخرجات والمستدركات والأطراف0
والجامع : هو المصنف الذي اجتمعت فيه أقسام الحديث 0
وكتب السنن: هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية 0
والمسانيد : جمع مسند ، والمراد به هنا كتاب ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة بحيث يوافق حروف الهجاء أو يوافق السوابق الإسلامية أو يوافق شرافة النسب 0
والمعاجم : جمع معجم ، وهو كتاب تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الشيوخ باعتبار تقدم وفاة الشيخ أو باعتبار توافق حروف الهجاء أو باعتبار الفضيلة أو التقدم في العلم والتقوى 0
والأجزاء: جمع جزء ، وهو كتاب جمعت فيه الأحاديث المروية عن رجل واحد وقد يطلقون الجزء على كتاب جمعت فيه أحاديث حول موضوع واحد0
والمستخرج : مشتق من الاستخراج وهو أن يعمد المُحَدِّث إلى كتاب من كتب الحديث كصحيح الإمام البخاري مثلاً فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه ، ومن ذلك كتاب المستخرج على صحيح الإمام البخاري للبرقاني ، وكتاب المستخرج على صحيح الإمام مسلم لأبي عوانة الاسفراييني0
وأما كتاب المستدرك : فهو كتاب استدرك فيه ما فات من كتاب آخر على شريطته كمستدرك الحاكم أبي عبد الله النيسابوري على الصحيحين 0
بينما كتب الأطراف يقتصر فيها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مع جمع أسانيده ، إما على سبيل الاستيعاب أو على جهة التقييد0
وأصح كتب الحديث صحيحا الإمامين البخاري ومسلم0
وقد قال الحافظ السيوطي في ألفيته:
وأول الجامـــع باقتصار على الصحيح فقـط البـخاري
ومسلم مـن بعده،والأول على الصواب في الصحيح أفضل
وهكذا انتقلت إلينا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة من التغيير والتبديل لأنها بيان للقرآن الكريم 0
وعلى هذا فإن خبر: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
هو خبر غيبي محقق الوقوع ؛ مما يدل على أن هذا القرآن هو كلام الله جلت قدرته ، الذي تكفل بحفظه وكما حفظه فيما مضى ، وحفظه الآن ،سيحفظه سبحانه في الزمن القادم إلى أن يرث جَلَّ شأنه الأرض ومن عليها والسموات0


بقلم الكاتب السوري

فؤاد الدقس
المصدر: جريدة عقيدتي





    رد مع اقتباس