نفي كالتأكيد

مرة، قال محمد الوفا، وزير التربية الوطنية، إنه "ليس صندوق أحد"، بمعنى أوضح (وهو المعنى الذي يريده هو بالتأكيد) أن بطنه فارغة من أشكال العجين البائتة والمستجدة، ولا يمكنه أن يتحول، تحت أي ظرف، أو شرط، إلى صندوق بريد يرمي فيه البعض رسائل بالمرموز إلى من يهمه الأمر، أو يمرر صفقاته السياسية والانتخابية، أو يسمح بإجازة قرارات وتوجيهات ومذكرات، فقط، من أجل محاباة أعضاء في الحزب ورد الجميل لمقربين وذوي أفضال.
اليوم، يوجد الوزير الاستقلالي أمام فرصة التنزيل السليم والجدي لشعار "لست صندوق أحد"، عبر الاحتكام إلى لائحة جديدة من أسماء مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لا ولاء فيها إلا للمهنية والتجربة والكفاءة والخبرة الإدارية والمالية والبيداغوجية، وإرادة قوية لجعلها مركز جذب تربوي وتنموي وثقافي وعلمي بجهات المملكة.
منذ أيام، بدأت بعض "المواقع" تروج لأسماء فلان، أوعلان لتنصيبه على رأس هذه الأكاديمية أو تلك، واشتعلت الحرارة في خطوط الهواتف واقتربت المسافة "كثيرا" بين المركز والمحيط، في عملية أشبه بحملة انتخابية قبل الأوان، أو بورصة لتغليب حظوظ البعض على البعض الآخر، وتفرض نوعا من الضغط النفسي و"التوجيه العام" على الوزير لإخراج لائحة الـ16 على المقاس الذي يريده الضالعون في علم وزارة التربية الوطنية وريعها "الإصلاحي" المتدفق.
ورغم أن الوزارة نفت وجود عملية تغيير مرتقبة في صفوف المديرين والنواب الإقليميين، فإنها تركت مساحات فارغة حول احتمال إنجاز هذه الخطوة "الحتمية" في يوم الأيام، لأنه لا يعقل أن يقود الأشخاص أنفسهم تجربة مغايرة إلى ما لا نهاية، وبالتالي يحق لنا التنبيه منذ الآن، مادام لا دخان دون نار.
الكرة، اليوم، بيد وزير التربية الوطنية ورئيس الحكومة الذي أحيل إليه اختصاص الحسم في لائحة مديري الأكاديميات وفق الدستور الجديد، حتى لا يعيدا الأخطاء السابقة، ويطلقا بالونات الأمل في سماء مرحلة جديدة ليس من مفرداتها إعطاء أسبقية المرور للمقربين و"المناضلين"، بل إقرار مدونة صارمة تنظم السير في طرقات المسؤولية في الأكاديميات والمندوبيات والمصالح المركزية وتفرض احترام علامات التشوير ولا تتردد في إنزال أقسى العقوبات على المخالفين.
رجاء، لا تدعونا ننتظر طويلا…