إلى متى سوف تظل حكومة بنكيران متبرمة من محضر20/7 ؟





سؤال يطرح نفسه بإلحاح شديد، بعد تصريحات تلو الأخرى بات يدلي بها بعض وزارء حكومة بنكيران في كثير من خرجاتهم الإعلامية، آخرها كان تصريح السيد وزير الدولة عبد الله باها لجريدة التجديد الناطقة باسم حزبه، حيث صرح بما مفاده :" أنه لا توجد دولة في العالم يتم فيها التوظيف مباشرة، وأنه لا مجال للتوظيف في المغرب إلا عن طريق المباراة ".
هذا التصريح، سبقته تصريحات أخرى ، من بينها تصريح رسمي للسيد وزير الإعلام مصطفى الخلفي الذي أعلن في تصريح صحفي عقب انتهاء مجلس الحكومة لما قبل الأخير بأن :" التوظيف المباشر يتعارض مع نص الفصل 31 من الدستور الذي يجعل الولوج للوظيفة العمومية حقا يقوم على شرط الاستحقاق ، وأن محضر 20/7 القاضي بتوظيف مجموعة من الأطر مباشرة سوف تتم إحالته على الأمانة العامة للحكومة للبت في مدى صحته قانونيا .
هذا النوع من أسلوب التعاطي مع ملف التوظيف المباشر عموما ومحضر 20/7 خصوصا ، يعكس بوضوح منطق التبرم الذي تتعامل به حكومة بنكيران مع ملف مطلبي اجتماعي مهم ودقيق جدا .
لماذا هذا التبرم ؟ ما هي خلفياته وأبعاده ؟ ثم ما هي آثاره والصيرورة البديلة التي يمكن أن يأخذها هذا الملف بيني يدي الحكومة ؟
أسئلة سوف أحاول معالجتها من خلال رصد سبب التبرم الحكومي هذا مع رصد أبعاده وصيروراته في نفس الحين ، الأمر الذي أمكن مع القول بأنه هناك أسباب كثيرة لمنطق التبرم الذي تعاطت به حكومة بنكيران مع قضية التوظيف المباشر ، منها ما يلي :
ـ 1 ـ السبب الأول : هو رغبة الحكومة في تنزيل الفصل 31 من الدستور الذي يتعارض مبدئيا مع التوظيف المباشر ، بحيث ينص على المباراة معيارا وحيدا لولوج الوظيفة العمومية.
لكن هل نسي وزير الدولة عبد الله باها وباقي تيار الممانعة في حكومة بنكيران ، أن لكل قاعدة قانونية استثناء ، وأن محضر20/7 يعد استثناء على القاعدة العامة استنادا إلى الصفة الاستثنائية لمرسوم التوظيف المباشررقم الصادر في مارس 2011 ؟ ومن ثم فلا مجال للتراجع عنه أبدا ، بل من الخطأ تحويله إلى الأمانة العامة للحكومة بهدف استشارتها في مدى قانونيته، لأن التزامات الدولة الواردة على القاعدة الاستثنائية تعتبر نافذة من غير أن تحتاج إلى ملائمتها مع القواعد العامة، وإلا فإننا سوف نصير أمام دولة خارقة للقانون باسم القانون ، وهذه ظاهرة مرضية ، وبدعة ملتوية هل ترضى الحكومة الجديدة أن تكون هي من تسنها رغم ما لها من انعكاسات خطيرة على هيبة الدولة والقانون ؟
ـ 2 ـ السبب الثاني ، هو كون حزب العدالة والتنمية وحتى قبل أن يستلم مقاليد الحكم كان في حملته الانتخابية يصرح بأنه لا يعتد بالتوظيف المباشر ،وفي محاولة منه للوفاء بموقفه هذا الانتخابي هذا، فإن تيارا قويا برز في الحكومة الملتحية يناهض ملف التوظيف المباشر ، لكن هذه المرة ليس قانونيا ، وإنما فقط من باب العناد انتصارا للمبادئ السياسية للحزب .
هنا يتضح أن بنكيران وحاشيته نسوا أن مصلحة الأطر العليا المعطلة التي تشكل نسيجا مهما داخل الشريحة الاجتماعية ، هي أكبر من أن تسقط في فخ الحسابات السياسوية الضيقة ، وأن الحكومة بدل أن تتعنت لموقفها ، كان عليها في مقابل ذلك أن تستحضر أنها في حزب هو للعدالة أولا ، وللتنيمة ثانيا، وأنه ليس من العدالة أبدا أن يتنكر حزب بأكمله لالتزام دولة وقعته حكومة سابقة لا لشيء وإنما فقط انتصارا لمواقف سياسية سابقة رغم ما في ذلك من استهتار كبير بهيبة الدولة ، كما أنه أيضا ليس من التنمية أبدا أن تجهز الحكومة على طموح أعداد هائلة من الأطر الموقعة على المحضر بعد أزيد من سنة كاملة على المعاناة والانتظار في ساحة النضال ، وهل نسي بنكيران أنه إن فعل ذلك فهو سوف يخلف إحباطا نفسيا كبيرا في صفوف معطلي المحضر، كما سيتركهم أيضا في أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، سيما والحال يتعلق بطبقة كادحة من الأطر أفرغت كثيرا من مالها على قلته ، وكثيرا من جهدها على ضعفه دفاعا منها عن حقها المغصوب منها في مارس من سنة 2011 من غير ذنب سوى أنها لم تخرج للشارع قبل ذلك ، فأي تنمية هذه التي تخلق الأزمات ؟
ـ 3 ـ السبب الثالث ، هو الاحتجاج المفرط الذي تنامت وثيرته من لدن حاملي شهادت الماستر لسنة 2011 وكذا حاملي الإجازات ، وهو احتجاج بدا لتيار المناهضة في حكومة بنكيران أنه ناجم بطريقة أو بأخرى عن محضر 20/7 سيما والحال يتعلق باحتجاجات من بين المطالب التي ترفعها ، مطلب المساواة بين المواطنين في ولوج الوظيفة العمومية ، على شكل يوهم لبنكيران وكأن تفعيل المحضر فيه مس خطير بدستورية مبدأ المساواة .
والحقيقة ، أن هذا الموقف البنكيراني وقبله موقف السيد الأزمي وزير الميزانية ، يعكس بوضح منطق الخوف والارتباك لدى حكومة بنكيران من ناحية ، كما يعكس منطق الهروب من ناحية أخرى .
أما منطق الخوف فيتمثل في كون بنكيران وحاشيته الممانعة للتوظيف المباشر كأنها تتوجس من احتجاجات مستعرة ضدها لو هي فعلت المحضر كما هو مباشرة بدعوى تمييزها بين المواطنين،علما أن احتجاجات أطر 2011 هي في عمقها وصميمها لا تطالب سوى بإدماج مباشر في الوظيفة وإيجاد مناصب عمل لها ، وهي لا تطالب بإلغاء بالمحضر ، بل تطالب بأن يكون لها ما لأصحاب المحضر ، ومن ثم فلا يعتقدن السيد بنكيران أن توقيف المحضر سوف يهدئ من روع الاحتجاج بل سوف يزيده احتقانا على احتقان ، وهذه الحركة العطالية التي تبدو الآن متفرقة في كثير من التنسيقيات قد تصير حركة واحدة للكرامة من أجل الوظيفة لو تم توقيف المحضر، ومن ثم أمكن القول أن الأمر يتعلق بخوف حكومي مفتعل وفي غير محله .
في حين يتمثل منطق الهروب في كون الحكومة بدل أن تظن أن توقيف المحضر سوف يقطع الطريق على احتجاجات أطر 2011 فإنه كان عليها أن تفتح حوارا جادا مع معطلي 2011 وتتحاور معهم تماما كما كان يفعل أسلافها سابقا إيمانا منها بأن لكل قاعدة قانونية استثناء ، وهناك أكثر من بديل لامتصاص غضب العطالة في الشارع ، أقلها ما تقوم به الجارة الإسبانية ، بحيث كل حامل للشهادة العليا يقدم ملفه لدى مصلحة خاصة على أن يكون الإدماج في العمل على دفعات وعبرفترات سنوية وبكيفية تناوبية عبر منهجية الأول فالأول ، وهكذا ذواليك ، مما يجعل في النهاية أن تصريح وزير الدولة باها بأنه:" لا توجد دولة في العالم توظف مباشرة" تصريحا جاهزا وبعيدا عن المعقولية الواقعية ، سيما وحال الدول التي يقصدها توفر لمواطنيها مناصب الشغل وهي لا تزال في بداياتها الجامعية الأولى ، وما إن يتخرج المواطن من الجامعة حتى يجد سوق الشغل على أهبة تامة لاستقباله .
عبد الواحد اعليلش / عضو مجموعة القيم للأطر العليا المعطلة ضمن التنسيقية الوطنية