غريب: المنظومة التربوية ستدخل مرحلة جديدة من التغييرات

قال إن الأغلبية الساحقة من رجال ونساء التعليم يرفضون بيداغوجيا الإدماج






رضوان الحسني


عبد الكريم غريب أستاذ التعليم العالي متخرج من جامعة محمد الخامس بالرباط شعبة علم النفس، اشتغل بالتأليف والكتابة منذ أزيد من ثلاثة عقود في قضايا وأعمال متنوعة جماعية وفردية،
جلها يهتم بمستجدات التربية والتكوين، مدير ورئيس تحرير مجلة عالم التربية الصادرة باللغة العربية ومجلة سيكولوجيا التربية الصادرة باللغة الفرنسية.
- اتخذت وزارة التعليم قرارات وصفها البعض بالجريئة وانتقدها البعض الآخر، أنتم كباحث في المجال التربوي كيف تعلقون على هذه القرارات ؟
< انطلاقا من سؤالكم تظهر المفارقة الكبيرة، ومثل هذه الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لا يمكن شرحها أو الإجابة عنها سوى من مرجعية سيكولوجية تحليلية، ونظرا لكون موضوع الذاكرة شغل علماء النفس المعرفي وباعتباري متخصصا كذلك في السيكولوجيا، فإني أتابع أهم المستجدات في هذا المجال وبالتالي، فإن هذه السيكولوجية الحديثة Cognitivisme))، تتناول بشكل كبير موضوع الذاكرة بشقيه: الذاكرة طويلة المدى ((M.L وقصيرة المدى(M.C) ، إلا أن واقع المجتمعات الغربية لم يسمح لهم بالتعرف على النمط الثالث للذاكرة ، وهي الذاكرة المتسمرة ( M.figée) وهي ذاكرة ترتبط أساسا بكل مهاجر أو مهاجرة لوطنه، بغض النظر عن الأسباب ومواصفات الشخص المهاجر، لأن ما يهم في هذا الأمر أن الذي يهجر وطنه، تتوقف أو تتسمر ذاكرته بذهنه بمجرد مغادرة وطنه، ليتحول على إثر ذلك اشتغال الذاكرتين طويلة المدى وقصيرة المدى داخل المجتمع المستقبل، وبالتالي فعندما يعود المهاجر لوطنه، ينطلق من محتوى الذاكرتين طويلة المدى وقصيرة المدى التي توقفت فعاليتهما لسنين (حسب فترة الهجرة)، دون أن يعي ويعرف التحولات التي حدثت خلال فترة مغادرته لوطنه، وهنا تبدأ مشكلة الاختلال المعرفي حسب مفهوم جان بياجي.
وباختصار شديد، إن الذي يغادر مجالا جغرافيا واجتماعيا ما لمدة معينة، فهو يجهل بكل تأكيد التحولات التي عرفها ذاك المجال ومن ثم فإنه يصبح مفتقدا لما يعرف بالاستيعاب و التكيف.
وعندما نتحدث عن المفهوم الابستيمولوجي (لمسح السبورة)، فإن هذه المرجعية المعرفية والعلمية لم تعد منسجمة مع المعرفة العلمية الحداثية التي تنطلق من مفهوم التفاعل بين الواقع والذات من أجل بناء المعرفة الصحيحة، ومن هنا يمكن الحديث عن الحكامة التي تتبنى هذا المنظور الحداثي، حيث القرارات تنبني من طرف القاعدة في تفاعل مع القمة.
- في نظركم وباعتباركم باحثا في المجال التربوي هل تم التعامل مع بيداغوجيا الإدماج بالشكل الصحيح ؟
< الحديث عن بيداغوجيا الإدماج، هو حديث غير معقلن لا في السابق ولا حاليا، لأن هذه المقاربة التدريسية ليست سوى استراتيجية من ضمن الاستراتيجيات البيداغوجية، ولما اهتم بها التقنيون وليس المفكرين تحولت بفعل ذلك إلى أداة، شأنها في ذلك شأن المتر لدى النجار أو الكيلوغرام لدى الخضار...
وعلى اعتبار أن هذه الاستراتيجية تتأسس على الوضعيات المشكلات، فهي صالحة لبناء الكفايات لدى المتعلمين، إلا أن الاستعمال الذي وظفت به داخل المدرسة المغربية كان خاطئا، وحددت كأنها المنقذ من الضلال.
على الرغم من كل هذا، فإن اعتماد هذه البيداغوجيا أو غيرها لن يحل المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة، من هنا فإن الحديث عن برنامج أو مشروع وزاري أو حكومي، يحيلنا بشكل أو بآخر على الفكرة المحورية في جوابنا عن سؤالكم الأول، حيث إن القطيعة في استمرارية الذاكرة، تقود إلى قطيعة معرفية وإبستيمولوجية في الوقت نفسه، ولذلك فإننا عندما نتحدث عن الحكومات المغربية المتعاقبة عبر مسارها المعهود، نرى انها تشتغل وفق مفهوم القطائع، بحيث إن كل حكومة جديدة تمحو وتتجاهل كل ما سطرته الحكومة السابقة عنها، الأمر الذي قاد إلى قطائع ذاكرية بخصوص مختلف المشاريع التنموية وعلى رأسها مجال التربية والتكوين، مما ساهم في تكريس تخلفنا وضعف قدرتنا على مواكبة النمو والتطور الطبيعيين.
ومما زاد الطين بلة، وهذا ما أكدناه عبر دراسات متعددة، هو أن الفرد غير الواعي وغير الواثق في نفسه، عادة ما يستسلم للغريزة الطبيعية المتمثلة في التمحور حول الذات أو الأنا... وبذلك ينفي الواقع الاجتماعي والموضوعية المنطقية والمعرفية، ويسقط على إثر ذلك في هفوات لا تنفعه ولا تنفع المجتمع الذي ينتمي إليه .
- عبرت الأغلبية الساحقة من رجال ونساء التعليم عن رفضها لبيداغوجيا الإدماج، وهذا ما أكدته أجوبتهم في الاستمارة التي قاموا بتعبئتها حول الموضوع، كيف تفسرون هذا الرفض؟
الدراسات الاستطلاعية الميدانية، لها ما لها وعليها ما عليها، لأن أي أداة بحث ما (استمارة، استجواب...) يمكن أن يتم بناؤها أو تطبيقها بشكل غير صادق بغرض الحصول على نتائج متوخاة مسبقا. هذا من جهة، أما إذا افترضنا أن النتائج المتوصل إليها صحيحة، فإن المنطق السليم يقود حتما إلى الترصد لهذه الإشكالية وتحليلها بغرض العثور على الحلول الناجعة، عوض اللجوء إلى البتر والحذف أو دفن الرأس بين الرمال، لأن حذف بيداغوجيا الإدماج (وهي ليست سوى استراتيجية تدريسية)، ينبغي أن يواكبه تصحيح أو تعويض، إلا أن التساؤل الكبير ينحصر في شكل هذا التعويض عندما يتعلق الأمر بطريقة تعليمية وليس بفلسفة تربوية؟ من هنا يظهر المنظور غير الصائب، لأن عدم رغبة المدرسات والمدرسين في تبني هذه الطريقة البيداغوجية، يعود بالأساس للصعوبات التي غلفت بها من طرف التقناويين، الأمر الذي كان يفترض الدعوة إلى مواجهة الإشكالية وإيجاد حلول مناسبة لها من خلال تصحيح الأخطاء والمعالجة عوض البتر و لإجلاء والإبعاد والإقصاء...
- يبدو أن المنظومة التربوية ستدخل مرحلة جديدة من التغييرات في عهد الوزير الجديد، كيف تتصورون الخطوات الكفيلة بالرقي بالمنظومة التعليمية، خاصة الشق المتعلق بالتعليم العمومي ؟
< في هذا الصدد، أود التنبيه إلى أمرين مهمين: أولهما أن مجال التربية والتكوين هو مجال حيوي وهو في الوقت نفسه ملك لجميع المواطنات والمواطنين والمجتمع بصفة عامة، أما الأمر الثاني فيتعلق بموضوع أو مفهوم المركزية واللامركزية أو التركيز واللاتركيز، حيث يعبر الخطاب السياسي الرسمي بوضوح عن تشبثه بمبادئ الحكامة واتباع نهجها، وبالتالي فإن القرارات الفردية والأفقية، تصبح ضمن هذا المنطق خاطئة وخارجة عن السياق السياسي المغربي في هذا العصر.

• المساء التربوي