الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الآفاق الأدبية الواسعة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2020-05-02, 18:06 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي الصعاليك في المجتمع الجاهلي




الصعاليك في المجتمع الجاهلي (1)


حين نرجع إلى أخبار هؤلاء الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن فقرهم، فكلُّ الصعاليك فقراء، لا نستثني منهم أحدًا، حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذي كانوا يلجئون إليه كلما قست عليهم الحياة، ليجدوا عنده مأوى لهم حتى يستغنوا، فالرواة يذكرون أنَّه «كان صعلوكًا فقيرًا مثلهم»[1]، وأخوه وابن عمه يقولان له -حين عرض عليه أهل امرأته التي أصابها في بعض غزواته أن يفتدوها -: «والله لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبدًا»[2]، بل أكثر من هذا يذكر الرواة أنه جاء بامرأته إلى بني النضير «ولا شيء معه إلا هي، فرهنها، ولم يزل يشرب حتى غَلِقَتْ»[3]. وتكثر في شعره أحاديث فقره، وما يعانيه من حرمان، وما يتكبده في سبيل الغنى من جهد ومشقة، وما يشعر به من ثقل التبعة التي يتحمَّلها إزاء أهله، وإزاء أصحابه الصعاليك أيضًا:
ذَريني للغنى أَسعى، فإِنِّي
رأَيت الناس شرُّهم الفقير[4]
فَسِرْ في بلادِ الله والتمس الغنَى
تعشْ ذا يسارٍ أو تموتَ فتُعْذَرا[5]
ومَن يك مثلي ذا عيال ومُقْتِرًا
من المال يطرحْ نفسه كلَّ مَطْرحِ[6]


وهذا الفقر الذي استبد بحياة الصعاليك حمل لهم في ركابه الجوع، نتيجة طبيعية له، ولعل الجوع أقسى ما يحمله الفقر إلى جسد الفقير، وقد سُئل أعرابي: ما أشد الأشياء؟ فقال: كبد جائعة تؤدي إلى أمعاء ضيقة[7].

وليس من شكٍّ في أنَّ هذه العبارة الساذجة التي صور فيها هذا الأعرابي إحساسه إنما تشير إلى قصة الحياة الأساسية، قصة الصراع بين الحياة والموت. وذلك لأن المسألة تتصل بحاجات الجسم الحيوية الأولى، فالجوع -كما يقرر علماء الاجتماع - أول الدوافع المسيطرة على حياة الإنسان[8]. وقد كان من العرب من يغير من أجل الحصول على الطعام[9]، بل إنَّ كثيرًا من الصراع الداخلي بين القبائل الجاهلية إنما يرجع - من بعض جوانبه - إلى الفقر والجوع[10]، وما أكل ضباب الصحراء ويرابيعه وأورالها سوى مظهر من مظاهر هذا الجوع القاتل الذي كان يعانيه عرب البادية حين يجدبون وتتتابع عليهم السنين، وما كان قتل بعض العرب أولادهم خشية إملاق سوى مظهر آخر من مظاهر هذا الجوع القاتل[11].

ويكثر الحديث عن الجوع في أخبار الصعاليك وشعرهم، ففي أخبار عروة أن ناسًا من بني عبس أجدبوا «في سنة أصابتهم، فأهلكت أموالهم، وأصابهم جوع شديد وبؤس»، فأتوا عروة يستنجدون به، فخرج «ليغزو بهم ويصيب معاشًا»[12]. وتنتشر في شعره وأخباره مناقشات بينه وبين صعاليكه حول الجوع الذي كان يجهدهم في غزواتهم[13]. ويذكر الرواة أن أبا خراش الهذلي أقفر من الزاد أيَّامًا[14]. ويحدثنا السُّليك بنُ السُّلَكة في بعض شعره كيف كان يغمى عليه من الجوع في شهور الصيف حتى ليشرف على الموتِ والهلاك:
وما نلتُها حتَّى تصعلكتُ حِقبةً
وكدتُ لأسباب المنيَّة أَعرفُ
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضَرَّني
إذا قمت تَغْشاني ظلال فأُسْدِف[15]


ويتحدَّث الأعلم الهذلي عن أولاده الشُّعث الصغار الذين ينظرون إلى من يأتيهم من أقاربهم بشيءٍ يأكلونه:
وذكرتُ أهليَ بالعرا
ءِ وحاجة الشُّعْثِ التَّوالبْ
المصْرِمينَ من التِّلا
د اللامحين إلى الأَقاربْ[16]


بل إن الجوع ليشتد بعروة فيهتف بأصحابه الصعاليك هتفه من لا يطيق عليه صبرًا أن هلموا إلى الغزو، فللموت خير من حياة الجوع والهزال:
أقيموا بني لبنى صُدُورَ ركابكمْ *** فإنَّ منايا القومِ خيرٌ من الهزْل[17]

وفي لامية العرب التي تُعد صورة دقيقة كاملة لحياة الصعاليك في العصر الجاهلي حتى على فرض انتحالها وعدم صِحَّةِ نسبتها إلى الشَّنْفرَى، يرسم الشاعر صورة رائعةً لذلك الجوع النبيل الذي يشعر به الصعلوك، ولكن نفسه الأبية تأبى عليه أن يهينها من أجله، فلا يجد أمامه سوى الصبر والقناعة:
أَديمُ مِطالَ الجوع حتى أميته
وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحًا فأُذْهلُ
وأَستفُّ تُرْبَ الأَرضِ كي لا يرى له
عليَّ منَ الطَّوْل امرُؤٌ متطولُ
ولولا اجتنابُ الذام لم يبقَ مشرَبٌ
يعاشُ به إِلا لَديَّ ومَأْكلُ
ولكنَّ نفسًا حرَّةً لا تُقيمُ بي
على الضيم إلا ريثما أَتحوَّلُ
وأطوي على الخُمْصِ الحوايا كما انطوت
خيوطه مارى تُغارُ وتفتلُ
وأغدو على القوت الزهيد كما غدا
أَزَلُّ تهاداهُ التنائفُ أَطحلُ[18]


وإذا كان الجوع أقسى ما يصبه الفقر من سياط على جسد الفقير فإنَّ هناك سياطًا أخرى لا تقل قسوة عن سياط الجوع، ولكنَّها سياط نفسية يصيبها الفقر على نفس الفقير.

والحديث عن هذه السياط النفسية يطول؛ لأنها تختلف باختلاف النفسيات ووقع الفقر عليها. وقد حاول صاحب "الفلاكة والمفلوكين"[19] أن يحصرها، فعقد في كتابه فصلًا طويلًا «في الآفات التي تنشأ من الفلاكة، وتستلزمها الفلاكة وتقتضيها»[20]، وعدَّ منها الآلام العقلية، وهو تعبير يرادف ما نعبر عنه بالآثار النفسية، وحصرها في ثلاثة أنواع، وحاول أن يدلل على هذا التقسيم الثلاثي تدليلًا عقليًّا منطقيًّا تكثر فيه الحدود والأقسام والمقدمات والنتائج. ولكن هذه المحاولة -من وجهة النظر العلمية الحديثة - غير دقيقة، فإنَّ هذه الآثار النفسية ليس من اليسير حصرها، فليست المسألة مسألة منطقية تقبل القسمة العقلية، ولكنها مسألة نفسية تتصل بالنفس البشرية، تلك النفس الغامضة الممعنة في الغموض ذات السراديب العميقة، والأسرار الدفينة المكبوتة.

ويحاول علماء النفس المحدثون دراسة هذه المسألة وأشباهها على أساس ما يسمونه "بالعقد النفسية"، ومن بين هذه العقد عقدة يسمونها "عقدة الفقر"، وهي تلك التي تتكون نتيجة للإحساس بالفقر، وتدفع صاحبها في محاولة التعويض عن الشعور بالنقص إلى العمل على أن يصير غنيًّا[21]. فهذه العقدة هي المحور الذي تدور حوله تلك الآثار النفسية التي يخلفها الفقر في نفس الفقير.

والمتأمل في أخبار الصعاليك وأشعارهم يلفت نظره شعور حاد بالفقر، وإحساس مرير بوقعه على نفوسهم، وشكوى صارخة من هوان منزلتهم الاجتماعية وعدم تقدير المجتمع لهم، وعجزهم عن الأخذ بنصيبهم من الحياة كما يأخذ سائر أفراد مجتمعهم، أو الوقوف معهم على قدم المساواة في معترك الحياة، لا لأنهم هم أنفسهم عاجزون، وإنما لأن مجتمعهم ظلمهم، وحرمهم من تلك العدالة الاجتماعية التي يطمح إليها كل فرد في مجتمعه، وجرّدهم من كل الوسائل المشروعة التي يواجهون بها الحياة كما يواجهها غيرهم ممن توافرت لهم هذه الوسائل.

فقيس بن الحدَاديَّة[22] يرى أنه لا يساوي عند قومه «عنزًا جرْباء جذْماء»[23]. وفي أخبار الشنفرى أن قومه قتلوا رجلًا في خفرة بعض الفهميين، «فرهنوهم الشنفرى وأمه وأخاه، وأسلموهم، ولم يفدوهم»[24]، وخبر تلك اللطمة التي لطمتها الفتاة السَّلاميَّة للشَّنْفرى، والتي كانت السبب المباشر في تصعلكه؛ لأنها أنكرتْ عليه أن يتسامى إلى مقامها الاجتماعي، ويرفع الحواجز الاحتماعية التي تفصل بين طبقتيهما، ويناديها بأخته، خبر كبير الدلالة على ما كان يعانية هؤلاء الصعاليك من مجتمعهم[25].

وينظر هؤلاء الفقراء الجياع، المحتقرون من مجتمعهم، المنبوذون من إخوانهم في الإنسانية، إلى الحياة ليشقوا لهم طريقًا في زحمتها، وقد جُرِّدوا من كل وسائلها المشروعة، فلا يجدون أمامهم إلا أمرين: إما أن يقبلوا هذه الحياة الذليلة المهينة التي يحيونها على هامش المجتمع، في أطرافه البعيدة، خلف أدبار البيوت، يخدمون الأغنياء، أو ينتظرون فضل ثرائهم، أو يستجدونهم في ذلة واستكانة، وإما أن يشقوا طريقهم بالقوة نحو حياة كريمة أبية، يفرضون فيها أنفسهم على مجتمعهم، وينتزعون لقمة العيش من أيدي مَنْ حرموهم منها، دون أن يبالوا في سبيل غايتهم أكانت وسائلهم مشروعة أم غير مشروعة، فالحق للقوة، والغاية تبرر الوسيلة.

وقد سلك الصعاليك السبيلين، أو -بعبارة أدق- انقسموا مع هذين السبيلين إلى طائفتين: طائفة قبلت ذلك الوضع الاجتماعي الذليل، رضيه لهم ضعف في النفس أو ضعف في الجسد أو ضعف في النفس والجسد جميعًا، وطائفة رفضت ذلك الوضع، وأبت أن تعيش تلك الحياة الساقطة التافهة المهينة، ووجدت في القوة، قوة النفس وقوة الجسد، وسيلة تشق بها طريقها في الحياة.






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=972353
آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2020-05-02 في 18:24.
 
    رد مع اقتباس
قديم 2020-05-02, 18:24 رقم المشاركة : 2
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي



وفي شعر عروة موازنة طريفة بين هاتين الطائفتين، يعقدها أبو الصعاليك في دقة وبراعة، ويصور فيها اختلاف ما بينهما في الشخصية، وأسلوب الحياة والغاية التي تنتهي إليها كل منهما[26].

وتتجلى قوة نفوس هذه الطائفة الثانية من الصعاليك في استهانتهم بالحياة في سبيل الوصول إلى الغاية التي يسعون إليها. إنهم يريدون أن يحققوا لهم مكانة في هذا المجتمع الذي يحتقرهم ويستهين بهم عن طريق فرض أنفسهم بالقوة عليه، وهم في سبيل هذا لا يبالون بشيء، حتى بالحياة نفسها، فهم جميعًا مؤمنون بفكرة الفناء في سبيل المبدأ، وما قيمة الحياة إذا عاش الإنسان فقيرًا محتقرًا، منبوذًا من مجتمعه، مجفوًا من أقاربه؟ إنَّ الموت في هذه الحالة خير من الحياة:
إذا المرءُ لم يَبْعث سَوَامًا ولم يَرُحْ
عليه، ولم تعطف عليه أَقاربُهْ
فللموتُ خيرٌ للفتى مِنْ حياته
فقيرًا، ومِنْ موْلى تدبُّ عقاربه[27]
فقلت له: ألا احْيَ، وأنت حر
ستشبعُ في حياتك أَو تموتُ[28]
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
تعش ذا يسار أَو تموتَ فتُعْذَرا[29]
وفيم الخشية من الموت؟ إن كل حي ملاقيه، سواء مَنْ خاطر بنفسه ومن أحجم، بل إن الموت قد يصيب المتخلف في أهله وينجو منه المغامر المخاطر:
أرى أمَّ حسّان الغداةَ تلومني
تخوفني الأَعداءَ والنفس أَخْوَفُ
لعلَّ الذي خوَّفتنا مِنْ أَمامنا
يصادفه في أَهله المتخلف[30]
ومهما يمدُّ الله في عمر الإنسان فالموت في انتظاره مُشْرعةً أسنَّته:
وإِني، وإن عُمِّرت، أَعلم أَنني *** سألقى سنان الموت يبرق أَصْلعا[31]
فالموت نهاية كل حي، لن ينجو منه أحد مهما يُحِط نفسَه بأبواب قويّة وحراس أشدّاء:
لو كنتُ في رَيمانَ تحرُسُ بابه
أَراجيلُ أُحبوشٌ وأغضَفُ آلِفُ
إِذن لأَتتني حيثُ كنتُ منيَّتي
يخبُّ بها هاد بأَمريَ قائفُ[32]
وهي ميتة واحدة يلقاها الإنسان ثم لا تتكرر:
دعيني، وقولي بعدُ ما شئتِ، إِنني *** سيُغْدَى بنعشي مرَّةً فأغيَّبُ[33]
ثم ما الذي يغري الصعلوك على التمسك بالحياة والحرص عليها؟ إنَّ أحدًا لا يرغب في حياته، وإن أحدًا لن يبكي عليه بعد موته. إنه يعيش وحيدًا، ويموت وحيدًا:
إذَا ما أتتني ميتتي لم أبالها *** ولم تذْرِ خالاتي الدموعَ وعمَّتي[34]
وصعاليك هذه الطائفة جميعا ذوو عزيمة قوية صادقة، لا يثنيهم شيء عن هدفهم الذي يسعون إليه إلَّا الموت، يقول تأبَّط شرًّا مصورًا صدق عزيمته وقوَّة نفسِه:
وكنتُ إذا ما هممتُ اعتزمتُ *** وَأَحْر إذا قلتُ أنْ أفعلا[35]
وإذا كانت الحياة قد قست عليهم فإنهم لن يستكينوا لها، وإذا كانت تعمل على إخضاعهم وإذلالهم فإنَّهم سيقفون في وجهها، ويتحدَّونها، ويشنون عليه حربًا لا هوادة فيها، وإذا كانت قد ألقت بهم في الرغام فإنهم سينهضون برغم كل شيء. ولعل هذا البيت الذي قاله أبو خِراشٍ الهذلي الصعلوك في رثاء أخٍ له يعبّر تعبيرًا دقيقًا عن تلك القوة النفسية التي كان يتمتع بها كل صعلوك من صعاليك هذه الطائفة:
ولكنَّه قد نازَعته مجاوعٌ *** على أنَّه ذو مِرَّة صادقُ النهض[36]
هكذا كانت نفسية هؤلاء الصعاليك، كلٌ منهم "قد نازعته مجاوع"، ولكن كلًّا منهم "ذو مِرَّة صادق النهض".
ومن عناصر قوتهم النفسية أنفتهم من القيام بتلك الأعمال التي يصح أن يطلق عليها "الأعمال الفرعية في المجتمع القبلي"، وهي تلك التي كان يقوم بها العبيد وأشباههم، ويأنف السادة من القيام بها، كخدمة الإبل والقيام بأمرها[37]. ويصرح تأبَّط شرًّا بترفعه على هذه الأعمال الفرعية وبأنَّه يأنف من القيام بها:
ولستُ بتِرعِيٍّ طويل عَشاؤُهُ *** يؤنفها مستأْنَفَ النبت مُبْهِلِ[38]
ويصرح مرَّة أخرى بأنه يخجل من الوقوف وسط قطعان الغنم، وقد حمل في يده عصا طويلة حتى أشبه ذلك الطائر المائي الطويل المنقار وقد وقف في مستنقع من مستنقعات المياة الضحلة:
ولستُ براعي ثَلَّة قام وَسطها *** طويل العصا غُرْنيق ضحل مُرَسَّل[39]
فهم لا يرتضون لأنفسهم إلا تلك الأعمال الأساسية التي يقوم عليها المجتمع البدوي كالغزو والإغارة. يقول تأبَّط شرًّا:
متى تبغني ما دمتُ حيًّا مسلَّمًا *** تجدني مع المسْتَرْعل المتَعبْهِل[40]
ولكنَّه في الطليعة المتقدمة بين القادة والأبطال.
ثمَّ هم -برغم فقرهم وما يلاقونه من مجتمعهم - كرماء، حتى ليُضرب بهم المثل في الكرم[41]، ويُقرَن عروةُ بحاتم الطائي الذي يُعدُّ في نظر العرب المثل الأعلى للجود والسخاء، وقد قال عبد الملك بن مروان: من زعم أن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عُروةَ بنَ الورْدِ[42] وأبدى تعجبَّه من أن الناس ينسبون الجود والسخاء إلى حاتم ويظلمون عروة[43]، ووصفه الأصمعيُّ بأنَّه "شاعر كريم"[44]. والواقع أننا لسنا في حاجة إلى هذه الشهادات وأمثالها؛ لأنَّ أخبار عروة نفسها تفيض بأحاديث كرمه، بل إنَّ الرغبة في الكرم التي كانت تملأ عليه نفسه كانت بعضَ الدوافع التي دفعته إلى تلك الثورة الاقتصادية التي أعلنها في المجتمع الجاهلي:
يُريح على الليل أضيافَ ماجد
كريم، ومالي سارحًا مالُ مُقتِرِ[45]
أيهلك معتمٌّ وزيدٌ ولم أقم
على ندَب يومًا ولي نفس مخْطِر[46]
وهي تلك الثورة التي كانت تدفعه إلى مهاجمة الأغنياء البخلاء ليوزِّع ما يغنمه منهم على الفقراء الذين كانوا يلتفُّون حوله، ويلوذون به في سني الجدب والقحط والجفاف[47]. وهو -قبل هذا كله- صاحب هذه الأبيات الجميلة التي يصور فيها كرمه تصويرًا رائعًا على حظٍّ كبير من الإنسانية، فيراه مشاركة الفقراء له في إنائه، واكتفاءه هو بالماء الخالص في أيام الشتاء الباردة ليوفر طعامهم، بل يراه تقسيمًا لجسمه في أجسامهم حتى أصبح هزيلًا شاحبًا:
إنِّي امرؤٌ عافى إِنائي شرْكةٌ
وأنت امرؤٌ عافي إِنائك واحدُ
أتهزأ منِّي أنْ سمنتَ وقد ترى
بجمسي مسَّ الحق، والحقُّ جاهدُ
أُقسِّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قرَاحَ الماءِ والماءُ باردُ[48]






آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2020-05-02 في 18:37.
    رد مع اقتباس
قديم 2020-05-02, 18:31 رقم المشاركة : 3
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي


وتنتشر أحاديث هذا الكرم في شعره انتشارًا واسعًا[49]، حتى لتكاد كل صفحة من ديوانه تنطق بهذه الأحاديث التي كان يراها:

أحاديث تبقى، والفتى غيرُ خالدٍ *** إذا هو أمْسَى هامةً فوق صَيَّرِ[50]
وهي أحاديث كان كلُّ صعلوك يحرص على أن تبقى له بعد موته. وفي قافية تأبَّط شرًّا المفضليّة المشهورة دفاعٌ قويٌّ عن كرمه وإسرافه اللذين جرَّا عليه كثيرًا من اللوم والعذل والتأنيب:
بلْ منْ لعذَّالة خذَّالة أَشِبٍ
حرَّقَ باللوْم جلدي أيَّ تَحراقِ
يقولُ أهلكتَ مالًا لو قنِعتَ به
من ثوب صدْق ومِن بَزٍّ وأَعْلاق
عاذلتي إنَّ بعض اللوْم مَعْنَفَةٌ
وهل متاعٌ، وإن إبقيته، باق[51]
أما مادة هذا الكرم فهي -بطبيعة الحال- ما يغنمونه من غزواتهم في أرجاء الجزيرة العربية، وغاراتهم على القبائل أو على القوافل التجارية أو على طبقة الأغنياء البخلاء. فقد كانت هذه الغنائم تتيح لهم فرصة - مهما تكن قصيرة - لكي يتشبهوا بالسادة الأغنياء في البذل والعطاء واكتساب المحامد.
وهكذا "كان الصعلوك، فزع البرية، ينقلب في أعقاب غزواته الناجحة سيّدًا كريمًا نبيلا، يَصُف على المواقد الإبل التي نهبها ليطعم منها التيامى والأرامل"[52]. فالغزوة والغارة والسلب والنهب ليست عندهم وسائل للغنى وجمع المال فحسب، ولكنها أيضا وسائل للبذل والعطاء، واكتساب المحامد، والتشبه بالسادة الأغنياء في الكرم والجود. وإذا كانت هاتان الغايتان تتنازعان نفوس الصعاليك، وتتجاذبانها كل إليها، على نحو ما نرى عند تأبط شرا الذي يصرح في قافيته المفضلية بأن المال وسيلة للكرم، ووسيلة "لتسديد الخلال" أيضا[53]، فإن الغاية الأخيرة وحدها كانت هي الغاية الأساسية عند عروة الذي خلصت نفسه تماما من هذا التنازع وهذه المجاذبة:
دَعيني أَطوِّفْ في البلاد لعلني
أفيد غنى فيه لذي الحق محمِلُ
أليس عظيمًا أن تلمَّ ملمَّة
وليس علينا في الحقوق معوَّل
فإن نحن لم نملك دفاعًا بحادث
تلمُّ به الأيام فالموت أَجملُ[54]
فطلب الغنى عند عروة ليس هدفًا في ذاته، ولكنه وسيلة للكرم وقضاء الحقوق والتشبه بالسادة.
وإلى جانب هذه القوة النفسية التي كان هؤلاء الصعاليك يمتازون بها كانوا يتمتعون أيضا بالشجاعة والجرأة وقوة الجسد.
وتفيض أخبارهم وأشعارهم بأحاديث هذه القوة، كما تتردد هذه الأحاديث في أخبار معاصريهم وفي شعرهم أيضا. يقول تأبَّط شرًّا مفتخرًا بقوَّته:
وما وَلدَتْ أمي من القوم عاجزًا *** ولا كان ريشي من ذُنابي ولا لَغْبِ[55]
ويصرح الشَّنْفرَى - في اعتدادٍ بنفسه - بأنَّه يقدم في شجاعة وجرأة حيث يقف الجبان هلعًا جزوعًا:
إذا خشعت نفس الجبان وخَيَّمتْ *** فلي حيث يخشى أَن يجاوز مخشَفُ[56]
ويرسم عمرو بن معديكرب الفارس المشهور صورة للسُّليك بنِ السُّلَكة يصفه فيها بأنَّه "كالليث يلحظ قائمًا"، وبأنَّه:
له هامة ما تأكل البيض أُمَّها *** وأشباح عاديٍّ طويل الرواجب[57]
ويرسم أبو كبير الهذلي في أبياته اللامية التي رواها أبو تمام في حماسته[58] صورة قوية لتأبط شرا، يصور فيها قوته وصلابته وخفته، وسرعة عَدْوه، وجرأة قلبه، وشدة مراسه، ومضاء عزيمته، وكيف أعدته الطبيعة منذ طفولته المبكِّرة، بل من قبل طفولته، ليكون قويًّا يستطيع أن ينهض بالعبء الذي ستلقيه الحياة على عاتقه فيما بعد، ذلك العبء الثقيل الذي لا يستطيع أن ينهض به إلا من أعدته الطبيعة له إعدادًا خاصًّا، وهي صورة متكاملة الجوانب، دقيقة الخطوط، واضحة الألوان، يرسمها الشاعر لتأبَّط شرًّا، ولكنها تصلح أيضا لكل صعلوك من أولئك الصعاليك الأقوياء الذين روَّعوا الجزيرة العربية في عصرها الجاهلي، وأثاروا في أرجائها الرعب والفزع.
وحقًّا لقد كان هؤلاء الصعاليك فزعًا رهيبًا في هذا المجتمع الجاهلي، حتى لنسمع أن فارسًا من فرسانه المعدودين، وهو عمرو بن معديكرب، يصرح بأنه لا يخشى أحدًا من فرسان العرب إلا أربعة، أحدهم السُّليك بن السُّلكة[59]، وأنه يستطيع وحده أن يحمي الظعينة ويخترق بها أعماق الصحراء ما لم يلقه واحدٌ من هؤلاءِ الأربعة[60]. وحسْب السُّليك أن يُقْرَن بعامر وعتيبة وعنترة، وأن يخشى بأسه عمرو بن معديكرب.
والواقع أن هذه الشجاعة الفائقة لم تكن مقصورة على صعلوك دون صعلوك، وإنما كانت صفة يمتاز بها كلُّ صعاليك هذه الطائفة، حتى أصبح الصعلوك مثلًا يُضرب في الشجاعة[61]. أما أولئك الصعاليك الذين عرفوا بالفرار فإنهم كانوا يعدونه لونًا من ألوان قوَّتهم الجسدية؛ لأنَّه المجال الذي يظهرون فيه شدة عدوهم، كما كانوا يرون فيه وسيلة للنجاة حتى يستأنفوا القتال في ظروف أشد ملاءمة لهم. يقول أبو خراش الهذلي الصعلوك:
فإن تَزْعُمي أني جبنتُ فإنني
أفرُّ وأَرمي مرّةً كل ذلك
أقاتلُ حتى لا أَرى لي مُقَاتَلًا
وأنجو إذا ما خفتُ بعض المهالكِ[62]
فهو يدافع عن فراره، ويرى أنه ليس دليلا على جبنه، وإنما هو "خطة موضوعة" يضطر إليها حين يصبح القتال "مغامرة انتحارية" لا أمل فيها، حتى ينجو من هلاك محقَّق، فيستأنف القتال حين يصبح القتال أمرًا مضمون العاقبة.
ومن أشد ما يلفت النظر من مظاهر هذه القوة الجسدية سرعة العدو الخارقة للعادة التي اشتهرت بها هذه الطائفة من الصعاليك، حتى ليطلق عليهم أحيانًا اسم "العدائين"[63]، أو"الرجليين" أو "الرجيلاء"[64]، كأنما أصبحت سرعة العدو ظاهرة مميزة لهم، وصفة ملازمة يعرفون بها. والمثل يضرب بجماعة منهم في سرعة العدو، فيقال "أعدى من الشَّنفرَى"[65]، و"أعدى من السُّليك"[66]، و"أمضى من سليك المقانب"[67]. وتصفهم مصادر الأدب العربي بأنَّهم "أشدُّ الناس عدْوًا"[68]، أو أنهم "لا يحارون عدوا"[69]، أو "يُلحقون"[70]، أو يعدون عدوا يسبقون به الخيل[71]، أو لا تعلق بهم الخيل[72]، أو لم تلحقهم الخيل[73].
وتفيض هذه المصادر بأحاديث عدوهم وأخبار سرعتهم، وتبالغ فيها مبالغة تبدو أحيانًا غير مقبولة، فتأبَّط شرًّا "كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر إلى الظباء، فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه، فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله"[74]. وفي أخبار حاجز الأزدي أن أباه قال له: "أخبرني يا بنيَّ بأشد عَدْوك، قال: نعم، أفزعتني خثعم، فنزوت نزوات، واستفزتني الخيل، واصطف لي ظبيان، فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق لضيقه، ومنعاني أن أتجاوزهما في العدو لضيق الطريق، حتى اتسع واتسعت بنا فسبقتهما"[75]. وفي أخبار السليك أن بني كنانة قالوا له حين كبر: "إن رأيت أن ترينا بعض ما بقي من إحضارك، فقال: اجمعوا لي أربعين شابًا، وابغوني درعًا ثقيلة. فأخذها فلبسها، وخرج الشباب، حتى إذا كان على رأس ميل أقبل يُحضر، فلاث العدو لوثا، واهتبصوا في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلا، فجاء يحضر منتبذا حيث لا يرونه، وجاءت الدرع تخفق في عنقه كأنها خرقة"[76]. وفي أخبار أبي خراش أنه دخل مكة "وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة، فقال للوليد: ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت فهما لك، فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما، فأخذهما"[77].
ويذكر الرواة أن خطو الشنفرى ذُرع ليلة قُتل، "فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة، والثانية سبع عشرة خطوة، والثالثة خمس عشرة خطوة"[78]. ومن الطريف أن يصف تأبط شرا رفيقه في الصعلكة الشنفرى حين يعدو بأنه "قد طار"[79]، أو يصف عدو عمرو بن براقة بأنه "مثل الريح"[80]، أو نسمعه يقسم بقوله "والذي أعدو بطيره"[81]، وهو قسم يستمد طرافته من ذكر الطير فيه. وعقد صلة بينها وبين عدوه، كأنهما أصبح الصعلوك يعدو بأجنحتها.
وفي كل مناسبة يردد هؤلاء الصعاليك في شعرهم أحاديث عدوهم وسرعتهم. وهم يتحدثون عنها دائما في اعتداد وفخر كبيرين؛ إذ يرون فيهما ميزة تفردوا بها من بين سائر البشر، ووسيلة تعينهم على الحياة، وتيسر لهم سبل النجاة. يقول تأبط شرا مفتخرًا بسرعته التي أنجته من أعدائه وما أرسلوه خلفه من خيل سريعة:
ليلة صاحوا وأغرَوا بي سرَاعهم
بالعَيْكتين لدى معدَى ابن براق
كأنما حثحثوا حُصًّا قوادمه
أو أم خِشف بذي شَثٍّ وطُبَّاق
لا شيءَ مني، ليس ذا عُذَر
وذا جناح بجنب الرَّيد خفاق
حتى نجوتُ ولما ينزعوا سَلَبي
بوالهٍ من قَبِيض الشد غَيْداق[82]
إنه سريع كالظليم أو الظبية، بل إنه أسرع من كل شيء حتى الخيل الجياد والطير الجارحة فوق قمم الجبال. ويصرح أبو خراش بأن سرعة عدوه هي التي أنجته من موت محقق، فلولاها لآمت امرأته ويتم ابنه:
تقول ابنتي لما رأَتني عشيَّةً
سَلمْتَ وما إِن كدتَ بالأمس تَسْلمُ
ولولا دِراكُ الشد قاظت حليلتي
تخيَّر من خطابها وهي أَيِّمُ
فتقعد أو ترضى مكاني خليفةً
وكاد خراشٌ يومَ ذلك يَيْتَم[83]
وفي لامية العرب صورة قوية لهذه السرعة نرى فيها الصعلوك يسبق القطا الظامئة وهي تسرع إلى الماء:
وتشربُ أسآرى القطا الكُدْر بعدما
سرَتْ قربًا أحشاؤها تتصَلصَلُ
هممتُ وهمتْ، وابتدرنا، وأَسدلتْ
وشمَّر مني فارطٌ متمهِّلُ
فوليتُ عنها وهي تكبو لعُقره
يباشره منها ذُقونٌ وحَوْصَلُ[84]
إنها مباراة طريفة يقدمها لنا الشاعر بينه وبين القطا في الوصول إلى الماء، تنتهي بفوزه عليها، وإدراكه الماء قبلها، بل لقد شرب وارتوى قبل أن تصل هي، فلما وصلت لم تجد إلا سؤرًا تشربه من بعده.
ولعل أقوى صورة رسمها صعلوك لهذه السرعة هي تلك الصورة التي رسمها تأبَّط شرًّا، والتي نرى فيها الصعلوك يسبق الريح بسرعته الفائقة:
ويَسْبقُ وَفْدَ الريح مِن حيثُ يَنْتَحى *** بمنْخَرِقٍ من شَدِّهِ المتدَارِكِ[85]
بل إنَّ الأمر ليصل بحاجز الأزدي إلى أن يفدِّي رجليه بأمه وخالته، وماذا أفاد من أمه وخالته سوى تلك الحياة القاسية المحتقرة التي جرَّتاها عليه بلونهما الأسود؟ أما رجلاه فهما كل شيء في حياته، ولولاهما لفقد الحياة نفسَها، وإذا كانت أمه وخالته سبب ما يلاقيه في حياته فإن رجليه سبب إنقاذه مما يلاقيه فيها:
فدًى لكما رِجليَّ أمي وخالتي *** بسعيكما بين الصَّفا والأثائبِ[86]
وعلى ما في أحاديث هذا العدو في أخبار الصعاليك وشعرهم من مبالغات يقف المرء عندها متسائلا: أيمكن أن يكون هذا صحيحًا؟ فإنها -على كل حال- تصوِّر ظاهرة لا شك في حقيقتها المجردة، وهي أن هؤلاء الصعاليك كانوا يمتازون بسرعة في العدو خارقة للعادة، وهي سرعة لفتت أنظار الرواة فسجلوها بما فيها من مبالغات، واستقرت في أذهان الناس فضربوا بها الأمثال، ووجد فيها بعض الشعراء المتأخرين مادة يستغلونها في فنهم، ويستخدمونها في تشبياتهم وصورهم الفنية[87].


المصدر: الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، يوسف خليف، دار المعارف












    رد مع اقتباس
قديم 2020-05-02, 18:41 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي


الصعاليك في المجتمع الجاهلي (2)

ينظر هؤلاء الصعاليك الأقوياء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، فإذا هو مجتمعٌ ظالم، وإذا توزيع الثروة فيه توزيع جائرٌ مضطرب. إنَّه مجتمع لا يؤمن إلَّا بالمال، ولكنَّه -مع ذلك- لا يحسن توزيع المال بين أفراده، فليس من العدل أن يكون لأحد أفراده عدد ضخم من الإبل في حين لا يملك الآخر غير حبل يجرره لا بعير فيه. وما هذه الإبل التي يملكها هذا الفرد سوى إبل الله خلقها للناس جميعًا، فهي ليست حقًّا له وحده دون غيره من خلق الله في هذه الأرض[1].

والعجيب من أمر هذا المجتمع أنَّ بين من يعطيهم بغير حساب بخلاء، أشحاء، لا ينتفع بمالهم أحد. في حين يَحْرم فيمن يحرم كرماء لو أعطاهم لنفعوا بمالهم أفراد مجتمعهم الفقراء المحتاجين، فهو يحرم هؤلاء الكرماء ما يكنزه أولئك البخلاء، ويحرمهم نتيجةً لهذا فرصة التكافؤ الاجتماعي ومساواة إخوانهم في الإنسانية من الأغنياء الكرماء في شراء تلك الأحاديث الخالدة التي:
تبْقَى والفتَى غيرُ خالدٍ *** إذا هو أمْسَى هامةً فوق صَيِّر
كما كان يقول عروة.

ووقف هؤلاءِ الصعاليك أمام هذه المشكلة الخطيرة، ولم يجدوا أمامهم -بسبب ظروف البيئة، والمجتمع، والمزاج الشخصي - من وسيلة يرضونها لأنفسهم إلَّا الاعتماد على القوة، يغتصبون عن طريقها ما آمنوا بأنَّه حقُّهم المسلوب. «والخَلَّة تدعو إلى السَّلَّة» -كما يقول المثال العربي[2]. فمضوا خلف أولئك الأغنياء المترفين، وبخاصة البخلاء منهم، وتربصوا بالقوافل التجارية التي تسيل بها شعاب الجزيرة العربية، ينهبون، ويسلبون، ولا يتورعون عن قتل من يعترض طريقَهم؛ لأن المسألة أخذت في أذهانهم وضعًا ثنائيًّا لا ثالث له: إمّا حياة كريمة، وإمّا ميتة كريمة، أما أنصاف الحلول فشيء لا يؤمنون به.

لقد آمن هؤلاء الصعاليك بأن "الحق للقوة"، وأن الضعيف ضائع حقه في هذه الحياة، ورأوا أمامهم أولئك الصعاليك الفقراء المستضعفين وما يلاقونه من ذل وضيم وهوان، فرثوا لهم، وآلوا على أنفسهم أن يثأروا لهم ممن استضعفوهم، وأن يفرضوا أنفسهم فرضًا على ذلك المجتمع الذي أذل إخوانهم الضعفاء.

هكذا رسم هؤلاء الصعاليك الأقوياء النفس والجسد خطتهم من أجل الحياة أولًا، ثم من أجل فرض أنفسهم على مجتمعهم الذي لا يعترف بهم، وتحقيق صورة من صور العدالة الاجتماعية بين طبقات هذه المجتمع بعد ذلك، وهي خطة تقوم على أساس "الغزو والإغارة للسلب والنهب".

وأحاديث "الغزو والإغارة للسَّلب والنَّهب" تنتشرُ في أخبار هؤلاء الصعاليك وشعرهم انتشارًا واسعًا، بل لعلها أكثر ما ينتشر في أخبارهم وشعرهم من أحاديث، حتى لتوْشك أن تكون هي اللون البارز في لوحة حياتهم الاجتماعية والفنية.

ففي أخبار السُّليك أنَّه «أمْلق حتّى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به فيذهب بإبله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصمَّاء ثم نام ... فبينما هو نائم إذ جثم رجل فقعد على جنبه، فقال: استأسر»، وسأله السُّليك من يكون، فقال له: «أنا رجلٌ افتقرت، فقلتُ لأخرجنَّ فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني، فآتيهم وأنا غني»، فقال له السُّليك: انطلق معي: «فانطلقا معًا، فوجدا رجلًا قصته مثل قصَّتِهما، فاصطحبوا جميعًا، حتى أتوا الجوف، جوف مراد، فلما أشرفوا عليه إذا فيه نَعَمٌ قد ملأ كلَّ شيءٍ من كثرته، فهابوا أن يُغيروا»، ولكنَّ السُّليك دبَّرَ لهم حيلةً «فأطردوا الإبل، فذهبوا بها، ولم يبلغ الصَّريخُ الحيَّ حتى فاتوهم بالإبل»[3].

إنها قصة تصور لنا تلك الهوة الواسعة بين الطبقات في المجتمع الجاهلي: بين أولئك الذين «أملقوا حتى لم يبق لهم شيء»، وأولئك الذين أترفوا حتى «ملأ نَعَمهم كل شيء من كثرته»، وهي قوة كانت تدفع هؤلاء الصعاليك المعدمين للخروج إلى الصحراء من أجل اغتصاب رزقهم من أيدي أولئك المترفين، وانتزاع لقمة العيش من بين أنيابهم، أو - بعبارة أخرى - كانت تدفعهم إلى "الغزو والإغارة للسلب والنهب".

وفي أخبار تأبَّط شرًّا أنه خرج في "عدة من فَهْم" يريدون الغارة على أحد أحياء بجيلة. وتمت الغارة بقتل نفرٍ من بجيلة، ونهب إبل لهم. وساق الصعاليك الإبل حتى إذا كانوا "على يوم وليلة من بلادهم" تصدَّت لهم خثعم طامعة فيما معهم، ودار قتال بين الفريقين: صعاليك فهم العائدين بغنيمتهم، ورجال خثعم الطامعين فيها. وثبت الصَّعاليك - على قلَّتهم وكثرة خثعم - وانتهى الصراع بانهزام خثعم وتفرُّقها، وانطلاق الصعاليك بغنيمهم[4].

في هذه القصة نرى صورة من حياة الصعاليك في المجتمع الجاهلي، تلك الحياة التي كانت تقوم على "الغزو والإغارة للسلب والنهب"، ومثلًا قويًّا لذلك الصراع الدامي الذي كان الصعاليك يخوضون غماره في سبيل الحياة، وهو صراعٌ كانوا يخوضون غماره في شجاعةٍ وقوَّةٍ لأنهم كانوا يتمثَّلونه صراعًا بين الحياة والموت.

وفي أخبار عُرْوةَ أنه كان -إذا أصابت الناس سَنةٌ شديدة - يجمع المرضَى والضعفاء والمسنين من عشيرته، «ثم يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكُنُف، ويكسبهم، ومن قوي منهم إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوَّته، خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبًا. حتى إذا أخصب النَّاس وألبنوا وذهبتِ السَّنةُ ألحق كل إنسانٍ بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمةٍ إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى»[5].

وفي أخباره أيضا أنَّه «بلغه عن رجل من بني كنانة بن خزيمة أنه أبخلُ الناس وأكثرهمُ مالًا، فبعث عليه عيونًا فأتوه بخبره، فشدَّ على إبله فاستاقها، ثم قسمَها في قومه»[6].

على هذا النحو كانت الصَّعلكة عند عروة نزعةً إنسانية نبيلة. وضريبة يدفعُها القوي للضعيف، والغني للفقير، وفكرةً اشتراكية تشرك الفقراء في مال الأغنياء، وتجعل لهم فيه نصيبًا، بل حقًّا يغتصبونه إن لم يؤدِّ لهم، وتهدف إلى تحقيق لون من ألوان العدالة الاجتماعية، التوازن الاقتصادي بين طبقتي المجتمع المتباعدتين: طبقة الأغنياء، وطبقة الفقراء، "فالغزو والإغارة للسلب والنهب" لم يعد عنده وسيلة وغاية، وإنما أصبح وسيلة غايتها تحقيق نزعته الإنسانية وفكرته الاشتراكية.

وقد يحدث أن تتطور هذه الأهداف الاجتماعية والاقتصادية عند بعض الصعاليك إلى لون من التمرد الخالص الذي لا يميز بين الأهداف، فإذا هم يتعرضون لكل من يسوقه حظه السيئ إلى مناطق تربصهم. يقول تأبَّط شرًّا معبّرًا عن هذا التمرد الخالص الذي أصبح عنده الوسيلة والغاية معًا:
ولَسْتُ أبيتُ الدَّهرَ إلَّا علَى فتًى *** أسلِّبه أو أَذعرُ السَّربَ أجمعَا[7]

أو يناضلون قبائل معينة العداء، يصبُّون عليها شرورهم، ويوجِّهون إليها غاراتهم وغزواتهم، كما كان يفعل تأبَّط شرًّا مع تلك المجموعة من القبائل التي يُعدِّدها في بعض أبياتِه[8]، وكما كان بين صعاليك هُذيل وصعاليك فَهم من عداوةٍ مستحكمةٍ لا يهدأُ أوارها، ظهرت آثارها في شعر الفريقين وأخبارهما[9].

وفي شعر الصعاليك صورة كثيرة متعددة الألوان والأوضاع لهذه الغارات، وأحاديث عنها لا تكاد تنتهي حتى تبدأ، وفي أكثر قصائد هذا الشعر ومقطوعاته يردِّد الصعاليك أقاصيص هذه الغارات في فخر، وإعجابٍ، واعتداد بأنفسهم وبطولتهم. وفي تائيَّةِ الشَّنْفرَى الـمُفضَّليةِ صورة رائعة قوية لغارة قام بها هو وأصحابه الصعاليك، يصف فيها كيف أعدَّ عصابته للغزو، ويصف الطريق الذي سلكوه، ويتحدَّث عن الدوافع التي دفعته إلى هذه الغارة، ثم يتحدَّث عن الأهداف التي حققتها، والغايات التي وصلت إليها؛ يقول:
وَباضِعةٍ حُمْرِ القَسيِّ بَعثتُها
ومَنْ يَغْزُ يَغْنمْ مرَّةً ويُشَمَّتِ
خَرَجْنا مِنَ الوادِي الَّذي بيْنَ مِشْعَلٍ
وبيْنَ الجَبَا هَيْهاتَ أَنْشأتُ سُرْبتِي
أَمْشِي علَى الأرْضِ الَّتي لنْ تَضُرَّني
لأُنْكِيَ قوْمًا أوْ أُلاقِي حُمَّتِي
أُمَشِّي على أَيْنِ الغُزاةِ وبُعْدِها
يُقرِّبُني منها رَواحِي وغُدْوَتي


ثم يقول:
قتَلنا قتيلًا مُهْديًا بِمُلبِّدٍ
جِمَارَ مِنًي وَسْطَ الحَجيجِ المُصَوِّتِ

جَزَيْنا سَلَامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها
بما قدَّمَتْ أيْديهِمُ وأزَلَّتِ

وَهُنِّئَ بي قومٌ وما إنْ هَنأتُهم
وأصْبحتُ في قومٍ وليْسوا بمُنْيَتي

شَفيْنا بعبدِ اللهِ بعضَ غَليلِنا
وعَوْفٍ لدَى المَعْدَى أَوانَ اسْتهَلَّتِ[10]



وفي لاميّة العرب قصةُ غارة مفاجئةٍ خاطفة قام بها الصعلوك في ليلة باردة ذات ظلام ومطر، وقد استبدَّ به الجوع والبرد والخوف، ثم عاد إلى "قواعده" سالما، بعد أن حقَّق أهدافه، مخلِّفًا وراءه القوم يتسألون: ما هذا الذي طرَقَ حيَّهم ليلًا؟ وقد ذهبتْ آراؤهم فيه مذاهبَ شتَّى:
وليلةِ نَحسٍ يصْطلي القوْسَ ربُّها
وأَقطُعَه اللاتي بها يَتَنبَّلُ
دَعَسْتُ علَى غَطْشٍ وبَغْشٍ، وصُحْبتي
سُعارٌ، وإِرْزيزٌ ووَجرٌ وأَفْكَلُ
فأَيَّمتُ نسوانًا، وأيْتمْتُ إِلْدةً
وعُدتُ كما أبْدَأتُ والَّليلُ أَلْيلُ
وأصْبحَ عنِّي بالغُميْصاءِ جالسًا
فريقان: مسئولٌ وآخرُ يَسْألُ
فَقَالوا: لقد هرَّتْ بليلٍ كلابُنا
فقلنا أَذِئبٌ عسَّ أم عسَّ فُرْعُلُ
فلم تَكُ إلَّا نَبأَةٌ ثم هَوَّمتْ
فقلنا قَطاةٌ رِيعَ أم رِيعَ أَجْدَلُ
فإنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأَبرحُ طارقًا
وإِنْ يَكُ إنسًا ماكها الإِنْسُ تَفْعَلُ[11]


وكان الصعاليك يخرجون لهذه الغارات الرهيبة فرادى أحيانًا، وفي عصابات أحيانًا أخرى. وكان أكثرهم يُغير على رجليه، وبعضهم يغير على الخيل.

ففي أخبار الشنفرى أنه كان «يغير على الأزد على رجليه فيمن معه من فَهْم، وكان يُغير عليهم وحدَه أكثر ذلك»"[12]، ومن أخباره أيضا أنه خرج «في ثلاثين رجلًا معه تأبَّط شرًّا يريدون الغارة على بني سلامان»[13]. وفي أخبار السُّليك أنه خرج «على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به فيذهب بإبله»، وأنه التقى برجلين قصتهما مثل قصته "فاصطحبوا جميعا"[14]. وفي أخبار تأبَّط شرًّا أنه خرج "في عدَّة من فّهْم"[15]. وفي شعره حديث عن غزواته هو وصعاليكه على الخيل أحيانًا، وعلى الأرْجل أحيانًا أخرى:
فيوما بغزاء، ويوما بسربة *** ويما بخشخاش من الرجل هيضل[16]

وفي شعر عروة أحاديث كثيرة عن هذين الأسلوبين من أساليب الغزو. يقول متحدِّثًا عن امرأته التي تلومه على مخاطرته بنفسه في غاراته المتكررة تارة بأولئك الرجلين الذين يعتمدون في غزوهم على أرجلهم، وتارة بأولئك الفرسان الذين يغيرون على الخيل:
تقول: لك الويلاتُ، هل أنت تاركٌ *** ضُبُوءًا برَجْلٍ تارةً وبِمَنْسِرِ[17]
ويقول متحدِّثًا عن اعتماده على كلا الأسلوبين في بعض غاراته:
لعلَّ انطلاقي في البلاد، ورِحْلتي
وشدِّي حيازيم المطيَّة بالرَّحلِ

سيدْفعني يومًا إلى ربِّ هجْمةٍ
يدافعُ عنها بالعقوقِ وبالبُخْلِ

قليل تواليها وطالب وترها
إذا صِحتُ فيها بالفوارسِ والرِّجلِ[18]











    رد مع اقتباس
قديم 2020-05-02, 18:42 رقم المشاركة : 5
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي



وقد وفَّر الصعاليكُ لهذه الغارات كل ما يحقِّق لها النجاح، وبلوغَ الغاية، وإدراكَ الهدف. فإلى جانب ما وفَّروه لها من قوة الجسد، وشجاعة القلب، وصدق العزيمة، وسرعة العدو، وفروا لها سعة الحيلة، وعمق الدهاء، والقدرة على الخلاص من المآزق الضيقة، والمواقف الحرجة. ففي أخبار الشَّنفرَى أنه كان إذا سار في الليل نزع نعلًا ولبس نعلًا، وضرب برجله، حتى يموه على الناس، فيظنوه الضبع[19]. وفي أخباره أيضا أنه أقبل في ليلة على ماء لبني سلامان، فلما دنا من الماء، قال: إني أراكم، وليس يرى أحدًا، إنَّما يريد بذلك أن يخرج رصدًا إن كان ثمة من يترصَّد له[20]. وفي أخبار السُّليك أنه احتال على رجلٍ في سوق عُكاظ حتى عَرف منه منازلُ قومه، تمهيدًا للإغارة عليها[21].

وخبر الحيلة التي لجأ إليها تأبَّط شرًّا، حين حاصرتْه لحيان وهو يشتار العسل من غار في بلادهم، خبر ذائع مشهور[22]. وقصة احتياله هو الشَّنْفرى وابن براقة على بجيلة حين أسرته، حتى نجا ونجا معه صاحباه، وهي القصة التي أشار إليها في قافيته المفضَّلية، قصة مشهورة أيضا[23].

وإلى جانب هذا كله كان طبيعيًّا أن يوفر الصعاليك لغاراتهم السلاح الذي يعتمدون عليه في هجومهم ودفاعهم؛ لأن الشجاعة أو القوة أو غيرها من الصفات التي كانوا يمتازون بها لا تكفي وحدها «في تلك البادية الفوضوية التي لا يستطيع إنسان أن يعيش فيها ما لم يكن مزوَّدًا بسيف أو قوس»[24].

والواقع أن الصعاليك أعدُّوا لغاراتهم كل ما كانت تعرفه الجزيرة العربية من سلاح، سواء منه ما كان للهجوم وما كان للدفاع، ووصفوا في شعرهم كل ما كانوا يستخدمونه منه، وتحدثوا عن قيمته لهم في غزواتهم، بل في حياتهم كلها، فقد كانوا يرون فيه أهم شيء في حياتهم، وأغلى ما يملكون فيها، وما يخلفونه بعدها، فعمرو بن براقة يذكر أن سيفه هو "جُلُّ ماله"[25]، وعروة يذكر أنه لن يخلف بعد موته سوى سيفٍ ورمحٍ ودرع ومِغْفرٍ وجُوادٍ:
وذي أَملٍ يرجو تراثي، وإِن ما
يصيرُ له منه غدًا لقليلُ
وماليَ مالٌ غير درع، ومِغْفرٌ[26]
وأبيض من ماء الحديد صقيلُ
وأَسمرُ خطيُّ القناة مثقف
وأجردُ عريانُ السراة طويلُ[27]


هذا كلُّ ما يملكه أبو الصعاليك، وكلُّ ما سيُخلِّفه من بعده لوارثيه، وهذا كلُّ ما يُسجِّله في "وصيته" من "ثروته". وقد بلغ من شدَّة حرص صخر الغي الصعلوك على سلاحه أنه كان يراه ثيابًا له لا يخلعها عن جسدِه[28]، ويذكر الرواة أنَّ تأبَّط شرًّا «كان لا يفارقه السَّيفُ»[29].

المصدر: «الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي» (ص 46 - 54)





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 03:30 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd