الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر3الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-08-18, 15:54 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة فصلت



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ حـمۤ } * { تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } * { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

اللغَة:
{ فصِّلتْ } بُيِّنت ووُضِّحت { أَكِنَّةٍ } جمع كنان وهو الغطاء { وَقْرٌ } صمم وثقل يمنع سماع الكلام { مَمْنُونٍ } مقطوع من مننْتُ الحبل إِذا قطعته قال الشاعر:
إني لعمرُك ما بابي بذي غلقٍ
***
على الصِّديق ولا خيري بممنون
{ صَرْصَر } الصَّرْصر: الريح الباردة العاصفة مع الصوت الشديد { نَّحِسَاتٍ } مشئومات من النَّحس بمعنى الشؤم وهو ضدُّ السَّعد قال الشاعر:
سواءٌ عليه أيَّ حينٍ أتيته
***
أساعة نحسٍ تُتَّقى أم بأسعد
{ أَخْزَىٰ } أشد إهانةً وإِذلالاً من الخزي بمعنى الإِهانة { ٱلْهُونِ } الإِهانة والذل.

التفسِير:

{ حـمۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن { تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } أي هذا القرآن المجيد منزَّل من الرحمن الرحيم، أنزله جل وعلا رحمة بعباده، وإِنما خصَّ هذين الإِسمين { الرحمن الرحيم } إشارة إلى أن نزوله من أكبر النعم، ولا شك أن القرآن نعمة باقية إلى يوم القيامة { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي كتابٌ جامع للمصالح الدينية والدنيوية، بُيِّنت معانيه، ووُضِّحت أحكامه، بطريق القصص والمواعظ والأحكام والأمثال، في غاية البيان والكمال { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي في حال كونه قرآناً عربياً، واضحاً جلياً نزل بلسان العرب { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي لقومٍ يفهمون تفاصيل آياته، ودلائل إعجازه، فإِنه في أعلى طبقات البلاغة، ولا يتذوق أسراره إلا من كان عالماً بلغة العرب { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي فأعرض أكثر المشركين عن تدبر آياته مع كونه نزل بلغتهم، فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل قال أبو حيان: المعنى أعرض أكثر أولئك القوم مع كونهم من أهل العلم، ولكن لم ينظروا النظر التام بل أعرضوا، فهم لإِعراضهم لا يسمعون ما احتوى عليه من الحجج والبراهين وقال القرطبي: السورةُ نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إِعجاز القرآن، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به، ثم أخبر تعالى عن عتوهم وضلالهم فقال { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } أي وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الإِيمان: قلوبنا في أغطية متكاثفة، لا يصل إليها شيءٌ مما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان { وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } أي وفي آذاننا صممٌ وثقلٌ يمنعنا من فهم ما تقول قال الصاوي: شبهوا أسماعهم بآذانٍ فيها صمَمٌ، من حيث إنها تمجُّ الحقَّ ولا تميل إلى استماعه { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } أي وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، فنحن معذورون في عدم اتباعك، لوجود المانع من جهتنا وجهتك { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي اعملْ أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا، واستمرَّ على دينك فإِنا مستمرون على ديننا { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي قل يا محمد لأولئك المشركين: لستُ إلا بشراً مثلكم خصّني الله بالرسالة والوحي، وأنا داعٍ لكم إلى توحيد خالقكم وموجدكم، الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته ووجوده، فلا داعي إلى تكذيبي { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ } أي توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإِيمان، والإِخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي دمارٌ وهلاك للمشركين الذين لا يفعلون الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله قال القرطبي: قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفي الآية دلالة على أن الكافر يُعذَّب بمنع الزكاة مع عذابه على كفره وقال ابن عباس: المراد زكاة الأنفس والمعنى: لا يطهرون أنفهسم من الشرك بالتوحيد، ولا يقولون لا إله الله { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي كفروا بالبعث والنشور، وكذَّبوا بالحساب والجزاء قال الصاوي: وإِنما خصَّ منع الزكاة وقرنه بالكفر بالآخرة، لأن المال شقيق الروح فإِذا بذله الإِنسان في سبيل الله كان دليلاً على قوته وثباته في الدين { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } لما ذكر حال الكفار ووعيدهم، أردفه بذكر حال المؤمنين وما لهم من الوعد الكريم والمعنى الذين صدَّقوا الله ورسوله، وجمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح، لهم في الآخرة أجرٌ غير مقطوع عند ربهم، بل هو دائم مستمر بدوام الجنة، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته فقال { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } الاستفهام للتوبيخ والتعجب أي كيف تكفرون بالله وهو الإِلهُ العليُّ الشأن، القادر على كل شيء، خالقُ الأرض في يومين؟ { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي تجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدونها معه { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ذلك الخالق المبدع هو ربُّ العالمين كلهم، فكيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإِلهية والمعبودية؟ قال الصاوي: الاستفهام { أَإِنَّكُمْ } للإِنكار والتشنيع عليهم والمعنى: أنتم تعلمون أنه لا شريك له في العالم العلوي والسفلي، فكيف تجعلون له شريكاً؟ { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } أي جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بالبشر { وَبَارَكَ فِيهَا } أي أكثر خيرها بما جعل فيها من المياه، والزروع، والضروع { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أي قدَّر أرزاق أهلها ومعاشهم قال مجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان، للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي عمد إلى خلقها وقصد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان قال ابن كثير: والمراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } أي قالت السموات والأرض أتينا أمرك طائعين قال الزمخشري: وهذا على التمثيل أي أنه تعالى أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المُطاع، والغرضُ تصوير أثر قدرته في المقدورات من غير أن يكون هناك خطاب وجواب، ومثله قول القائل: قال الحائطُ للمسمار لم تشقني؟ قل: سلْ من يدُقُّني، وروي عن ابن عباس قال قال الله تعالى للسماء: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين " قالتا أتينا أمرك طائعتين " واختاره ابن جرير { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } أي صنعهنَّ وأبدع خلقهن سبع سماواتٍ في وقت مقدَّر بيومين، فتمَّ خلق السماواتِ والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهنَّ بلمح البصر، ولكنْ أراد أن يعلّم عباده الحلم والأناة { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي أوحى في كل سماء ما أراده، وما أمر به فيها قال ابن كثير: أي رتَّب في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً } أي وزينَّا السماءَ الأولى القريبة منكم، بالكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، وحرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي ذلك المذكور من الخلق والإِبداع هو صنع الله، العزيز في ملكه، العليم بمصالح خلقه { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } أي فإِن أعرضوا عن الإِيمان بعد هذا البيان، فقل لهم: إني أخوفكم عذاباً هائلاً وهلاكاً مثل هلاك عاد وثمود، وعبَّر بالماضي إشارةً إلى تحققه وحصوله { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي حين جاءتهم الرسلُ من كل جوانبهم، واجتهدوا في هدايتهم من كل جهة، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتوَّ والإِعراض { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي بأن لا تعبدوا إلاّ اللهَ وحده { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } أي لو شاء ربُّنا إرسالَ رسولٍ لجعله ملكاً لا بشراً { فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي فإِنا كافرون برسالتكم، لا نتبعكم وأنتم بشرٌ مثلُنا، وفي قولهم { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ } ضربٌ من التهكم والسخرية بهم { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } هذا تفصيلٌ لما حلَّ بعاد وثمود من العذاب أي فأمَّا عادٌ فبغوا وعتوا وعصوا، وتكبروا على عبادِ الله " هود " ومن آمن منهم معه، بغير استحقاقٍ للتعظم والاستعلاء { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً }؟ أي وقالوا اغتراراً بقوتهم لمّا خُوّفوا بالعذاب: لا أحد أقوى منا فنحن نستطيع أن ندفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا قال أبو السعود: كانوا ذوي أجسام طوال، وخلق عظيم، وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل فيقتلعها بيده { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } جملة اعتراضية للتعجيب من مقالتهم الشنيعة والمعنى أغفلوا عن قدرة الله ولم يعلموا أن الله العظيم الجليل الذي خلقهم وخلق الكائنات، هو أعظم منهم قوةً وقدرة؟ { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } أي وكانوا بمعجزاتنا يجحدون قال الرازي: إنهم كانوا يعرفون أنها حقٌّ ولكنهم جحدوا كما يجحد المودعُ الوديعة { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } أي فأرسلنا على عاد ريحاً باردة شديدة البرد، وشديدة الصوت والهبوب، تُهلك بشدة صوتها وبردها { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي في أيامٍ مشئومات غير مباركاتٍ { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي لكي نذيقهم العذاب المخزي المذل في الدنيا قال الرازي: { عَذَابَ ٱلْخِزْيِ } أي عذاب الهوان والذل، والسبب أنهم استكبروا عن الإِيمان، فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الذل والهوان إليهم { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } أي ولعذابهم في الآخرة أعظم وأشدُّ إهانةً وخزياً من عذاب الدنيا، وليس لهم ناصر يدفع عنهم ذلك العذاب { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي وأمَّا ثمود فبينا لهم طريق الهدى، ودللناهم على سبيل السعادة، فاختاروا الضلالة على الهداية، والكفر على الإِيمان { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } أي فأخذتهم قارعة العذاب الموقع في الإِهانة والذل { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي بسبب إجرامهم وطغيانهم وتكذيبهم لنبيّ الله " صالح " قال ابن كثير: بعث الله عليهم صيحةً ورجفة وذلاً وهواناً، وعذاباً ونكالاً، بتكذيبهم صالح وعقرهم الناقة { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } أي ونجينا صالحاً ومن آمن به من ذلك العذاب.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=947710
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-18, 16:06 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة فصلت


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ظ±للَّهِ إِلَى ظ±لنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىظ° إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوغ¤اْ أَنطَقَنَا ظ±للَّهُ ظ±لَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـظ°كِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ظ±لَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ظ±لُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَظ±لنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ظ±لْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ظ±لْقَوْلُ فِيغ¤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ظ±لْجِنِّ وَظ±لإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ وَظ±لْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ظ±لَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ظ±للَّهِ ظ±لنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ظ±لَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ظ±لْجِنِّ وَظ±لإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ظ±لأَسْفَلِينَ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ ثُمَّ ظ±سْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ظ±لْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِظ±لْجَنَّةِ ظ±لَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَفِي ظ±لآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيغ¤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } * { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ظ±للَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ظ±لْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ظ±لْحَسَنَةُ وَلاَ ظ±لسَّيِّئَةُ ظ±دْفَعْ بِظ±لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ظ±لَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ظ±لشَّيْطَظ°نِ نَزْغٌ فَظ±سْتَعِذْ بِظ±للَّهِ إِنَّهُ هُوَ ظ±لسَّمِيعُ ظ±لْعَلِيمُ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ظ±لَّيلُ وَظ±لنَّهَارُ وَظ±لشَّمْسُ وَظ±لْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَظ±سْجُدُواْ لِلَّهِ ظ±لَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { فَإِنِ ظ±سْتَكْبَرُواْ فَظ±لَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِظ±لَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى قصة عاد وثمود، وما أصابهم من العقوبة في الدنيا بطغيانهم وإجرامهم، ذكر هنا ما يصيب الكفار عامةً في الآخرة من العذاب والدمار، ليحصل منه تمام الاعتبار، في الزجر والتحذير عن ارتكاب المعاصي والكفر بنعم الله.

اللغَة:

{ يُوزَعُونَ } يُحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا { تَسْتَتِرُونَ } تستخفون، من الاستتار بمعنى الاختفاء عن الأعين { أَرْدَاكُمْ } أهلككم وأوقعكم في المهالك { يَسْتَعْتِبُواْ } يطلبوا رضاء الله { ظ±لْمُعْتَبِينَ } جمع معتب وهو المقبول عتابه قال النابغة:
فإِن أكُ مظلوماً فعبدٌ ظلمته
***
وإنْ تكُ ذا عتبى فمثلك يُعتب
{ قَيَّضْنَا } هيأنا { نُزُلاً } ضيافة وكرامةً { يَسْأَمُونَ } يملُّون.

سَبَبُ النّزول:
عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفرٍ: قرشيان وثقفي، قليلٌ فقهُ قلوبهم، كثيرٌ شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون أنَّ الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إن جهرنا فهو يسمع إِذا أخفينا، فأنزل الله عز وجل { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ.. } الآية.

التفسِير:
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ظ±للَّهِ إِلَى ظ±لنَّارِ } أي واذكر يوم يُجمع أعداء الله المجرمون في أرض المحشر لسوقهم إلى النار { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي يُحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا قال ابن كثير: تجمع الزبانية أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا { حَتَّىظ° إِذَا مَا جَآءُوهَا } أي حتى إذا وقفوا للحساب { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي نطقت جوارحهم وشهدت عليهم بما اقترفوه من إجرامٍ وآثام، وفي الحديث " فيُختم على فيه - أي فمه - ثم يُقال لجوارحه انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يُخَّلى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل " { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } أي وقالوا لأعضائهم وجلودهم توبيخاً وتعجباً من هذا الأمر الغريب: لم أقررتم علينا وشهدتم بما فعلنا وإِنما كنا نجادل وندافع عنكم؟ { قَالُوغ¤اْ أَنطَقَنَا ظ±للَّهُ ظ±لَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أي قالوا معتذرين: ليس الأمر بيدنا وإِنما أنطقنا الله بقدرته، الذي ينطق الجماد والإِنسان والحيوان، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي هو أوجدكم من العدم، وأحياكم بعد أن لم تكونوا شيئاً، فمن قدر على هذا قدر على إِنطاقنا { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي وإِليه وحده تُردون بالبعث قال أبو السعود: المعنى ليس نطقنا بعجبٍ من قدرة الله، الذي أنطق كل حي، فإِن من قدر على خلقكم وإِنشائكم أولاً، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه ثانياً، لا يُتعجب من إِنطاقه لجوارحكم { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } أي وما كنتم تستخفون من هؤلاء الشهود في الدنيا حين مباشرتكم الفواحش، لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم قال البيضاوي: أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضيحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم فما استخفيتم منها، وفيه تنبيهٌ على أن المؤمن ينبغي ألاَّ يمر عليه حالٌ إلا وعليه رقيب { وَلَـظ°كِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } أي ولكنْ ظننتم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً من القبائح المخفية، ولذلك اجترأتم على المعاصي والآثام { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ظ±لَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } أي وذلكم الظنُّ القبيح برب العالمين - أنه لا يعلم كثيراً من الخفايا - هو الذي أوقعكم في الهلاك والدمار فأوردكم النار { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ظ±لُخَاسِرِينَ } أي فخسرتم سعادتكم وأنفسكم وأهليكم، وهذا تمام الخسران والشقاء { فَإِن يَصْبِرُواْ فَظ±لنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي فإِن يصبروا على العذاب فالنارُ مقامهم ومنزلهم، لا محيد ولا محيص لهم عنها { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ظ±لْمُعْتَبِينَ } أي وإِن يطلبوا إرضاء الله، فما هم من المرضي عليهم، قال القرطبي: والعُتبى: رجوعُ المعتوب عليه إلى ما يُرضي العاتب، تقول: استَعتبتُه فأعْتبني أي استرضيتُه فأرضاني { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } أي هيأنا للمشركين ويسَّرنا لهم قرناء سوء من الشياطين، ومن غواة الإِنس { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي حسَّنوا لهم أعمالهم القبيحة، الحاضرة والمستقبلة قال ابن كثير: حسنوا لهم أعمالهم فلم يروا أنفسهم إلا محسنين { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ظ±لْقَوْلُ } أي ثبت وتحقق عليهم كلمة العذاب، وهو القضاء المحتَّم بشقائهم { فِيغ¤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ظ±لْجِنِّ وَظ±لإِنْسِ } أي في جملة أمم من الأشقياء المجرمين قد مضت من قبلهم، ممن فعلوا كفعلهم من الجنِّ والإِنس { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } تعليلٌ لاستحقاقهم العذاب أي لأنهم كانوا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، فلذلك استحقوا العذاب الأبدي { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ } لما أخبر تعالى عن كفر عاد وثمود وغيرهم، أخبر عن مشركي قريش وأنهم كذبوا القرآن والمعنى قال الكافرون بعضهم لبعض لا تستمعوا لمحمد إذا قرأ القرآن، وتشاغلوا عنه.
{ وَظ±لْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } أي ارفعوا أصواتكم عند قراءته حتى لا يسمعه أحد لكي تغلبوه على دينه قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول { فَلَنُذِيقَنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } أي فوالله لنذيقنَّ هؤلاء الكفار المستهزئين بالقرآن عذاباً شديداً لا يخف ولا ينقطع { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ظ±لَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ولنجازينهم بشر أعمالهم، وسيء أفعالهم، أسوأُ وأقبح الجزاء { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ظ±للَّهِ ظ±لنَّارُ } أي ذلك العذاب الشديد - الذي هو أسوأُ الجزاء - هو نار جهنم جزاء المجرمين، أعداء الله ورسوله { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } أي لهم في جهنم دار الإِقامة، لا يخرجون منها أبداً { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } أي جزاءً لهم على كفرهم بالقرآن، واستهزائهم بآيات الرحمن قال الرازي: وسمَّى لغوهم بالقرآن جحوداً لأنهم لما علموا أن القرآن بالغٌ إلى حد الإِعجاز، خافوا إن سمعه الناس أن يؤمنوا به، فاخترعوا تلك الطريقة الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزاً إلا أنهم جحدوه حسداً { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ظ±لَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ظ±لْجِنِّ وَظ±لإِنسِ } أي ويقول الكفار إذا دخلوا جهنم ربنا أرنا كل من أغوانا وأضلنا من الجن والإِنس، وإِنما جاء بلفظ الماضي " وقال " لتحققه ومعناه المستقبل قال أبو حيان: والظاهر أن المراد بـ { الَّذِينَ } يراد بهما الجنس أي كل مغوٍ من هذين النوعين { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } أي نطأْهما بأقدامنا انتقاماً وتشفياً { لِيَكُونَا مِنَ ظ±لأَسْفَلِينَ } أي ليكونا في الدرك الأسفل من النار، وهي أشد عذاب جهنم لأنها درك المنافقين، ولما ذكر تعالى حال الأشقياء المجرمين، أردفه بذكر حال السعداء المؤمنين فقال { إِنَّ ظ±لَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ ثُمَّ ظ±سْتَقَامُواْ } أي آمنوا بالله إِيماناً صادقاً وأخلصوا العمل له، ثم استقاموا على توحيد الله وطاعته، وثبتوا على ذلك حتى الممات، عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد أن تلا الآية الكريمه: " استقاموا واللهِ على الطريقة لطاعته، ثم لم يروغوا روغان الثعالب " والغرضُ: أنهم استقاموا على شريعة الله، في سلوكهم، وأخلاقهم وأقوالهم، وأفعالهم، فكانوا مؤمنين حقاً، مسلمين صدقاً، وقد سئل بعض العارفين عن تعريف الكرامة فقال: الاستقامةُ عينُ الكرامة، وعن الحسن أنه كان يقول: اللهمَّ أنت ربنا فارزقنا الاستقامة { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ظ±لْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } أي تتنزل عليهم ملائكة الرحمة عند الموت بأن لا تخافوا ممَّا تقدمون عليه من أحوال القيامة، ولا تحزنوا على ما خلفتموه في الدنيا من أهلٍ ومالٍ وولد فنحن نخلفكم فيه { وَأَبْشِرُواْ بِظ±لْجَنَّةِ ظ±لَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } أي وأبشروا بجنة الخلد التي وعدكم الله بها على لسان الرسل قال شيخ زاده: إن الملائكة تتنزَّل حين الاحتضار على المؤمنين بهذه البشارة أن لا تخافوا من هول الموت، ولا من هو القبر، وشدائد يوم القيامة، وإِن المؤمن ينظر إلى حافظيه قائمين على رأسه يقولان له: لا تخف اليوم ولا تحزن، وأبشر بالجنة التي كنت توعد، وإِنك سترى اليوم أموراً لم تر مثلها فلا تهولنك فإِنما يراد بها غيرك { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَفِي ظ±لآخِرَةِ } أي تقول لهم الملائكة: نحن أنصاركم وأعوانكم في الدنيا والآخرة، نرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم في الدارين { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيغ¤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } أي ولكم في الجنة ما تشتهيه نفوسكم، وتقرُّ به عيونُكم من أنواع اللذائذ والشهوات، ولكم فيها ما تطلبون وتتمنون { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } أي ضيافة وكرامة من ربٍ واسع المغفرة، عظيم الرحمة لعباده المتقين { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ظ±للَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ظ±لْمُسْلِمِينَ } أي دعا إلى توحيد الله وطاعته، بقوله وفعله وحاله، وفعل الصالحات، وجعل الإِسلام دينه ومذهبه قال ابن كثير: وهذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير وهو نفسه مهتدٍ، وقال الزمخشري: والآية عامة في كل من جمع بين هذه الثلاث: أن يكون مؤمنا معتقدا لدين الإِسلام، عاملا بالخير، داعيا إليه، وما هم إلا طبقة العلماء العاملين { وَلاَ تَسْتَوِي ظ±لْحَسَنَةُ وَلاَ ظ±لسَّيِّئَةُ } أي لا يتساوى فعل الحسنة مع فعل السيئة، بل بينهما فرقٌ عظيم في الجزاء وحسن العاقبة { ظ±دْفَعْ بِظ±لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، مثل أن تدفع الغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإِساءة بالعفو قال ابن عباس: ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك { فَإِذَا ظ±لَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي فإِذا فعلت ذلك صار عدوك كالصديق القريب، الخالص الصداقة في مودته ومحبته لك { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ } أي وما ينال هذه المنزلة الرفيعة، والخصلة الحميدة، إلاّ من جاهد نفسه بكظم الغيظ واحتمال الأذى { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي وما يصل إليها وينالها إلا ذو نصيب وافر من السعادة والخير { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ظ±لشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَظ±سْتَعِذْ بِظ±للَّهِ } أي وإن وسوس إليك الشيطان بترك ما أُمرت به من الدفع بالتي هي أحسن، وأراد أن يحملك على البطش والانتقام، فاستعذ بالله من كيده وشره { إِنَّهُ هُوَ ظ±لسَّمِيعُ ظ±لْعَلِيمُ } أي هو السميع لأقوال العباد، العليم بأفعالهم وأحوالهم، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته الباهرة، وحكمته البالغة فقال { وَمِنْ آيَاتِهِ ظ±لَّيلُ وَظ±لنَّهَارُ وَظ±لشَّمْسُ وَظ±لْقَمَر } أي ومن علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته تعاقب الليل والنهار، وتذليل الشمس والقمر، مسخَّرين لمصالح البشر { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَظ±سْجُدُواْ لِلَّهِ ظ±لَّذِي خَلَقَهُنَّ } أي لا تسجدوا للمخلوق واسجدوا للخالق، الذي خلق هذه الأشياء وأبدعها { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي إن كنتم تفردونه بالعبادة فلا تسجدوا لأحدٍ سواه { فَإِنِ ظ±سْتَكْبَرُواْ } أي فإِن استكبر الكفار عن السجود لله { فَظ±لَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِظ±للَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ } أي فالملائكة الأبرار يعبدونه بالليل والنهار { وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } أي لا يملّون عبادته.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-19, 16:13 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة فصلت


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ظ±لأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ظ±لْمَآءَ ظ±هْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ظ±لْمَوْتَىظ° إِنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيغ¤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىظ° فِي ظ±لنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيغ¤ آمِناً يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ ظ±عْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِظ±لذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } * { لاَّ يَأْتِيهِ ظ±لْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } * { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } * { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيغ¤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـظ°ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ظ±لْكِتَابَ فَظ±خْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { مَّنْ عَمِلَ صَـظ°لِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـظ°مٍ لِّلْعَبِيدِ } * { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ظ±لسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىظ° وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوغ¤اْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } * { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { لاَّ يَسْأَمُ ظ±لإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ظ±لْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ظ±لشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـظ°ذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ظ±لسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىظ° رَبِّيغ¤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىظ° فَلَنُنَبِّئَنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ظ±لإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ظ±لشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ظ±للَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ظ±لآفَاقِ وَفِيغ¤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىظ° يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى صفات المؤمنين الأبرار، وأردفها بذكر الدلائل الدالة على وجوده سبحانه ووحدانتيه، وكمال علمه وحكمته، ذكر هنا ما يدل على البعث والنشور، من صفحات هذا الكون المنظور، ثم أعقبه بذكر الملحدين في آياته، المكذبين برسله وأنبيائه، وختم السورة الكريمة ببيان حال الأشقياء المجرمين، المنكرين للقرآن العظيم.

اللغَة:
{ يُلْحِدُونَ } يميلون عن الحق والاستقامة، والإِلحادُ: الميلُ والعدول يقال: ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل { أعْجَمِيّاً } بلغة العجم { وَقْرٌ } صممٌ مانع من سماعه { أَكْمَامِهَا } جمع كُمَّ وهو وعاء الثمرة بضم الكاف وكسرها { مَّحِيصٍ } فرار ومهرب من حاص يحيصُ حيصاً إذا هرب { نَأَى } تباعد وأعرض { ظ±لآفَاقِ } أقطار السماوات والأرض { مِرْيَةٍ } شك وارتياب عظيم.

التفسِير:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ظ±لأَرْضَ خَاشِعَةً } أي ومن البراهين والعلامات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، أنك ترى الأرض يابسة جرداء لا نبات فيها، تشبه الرجل الخاضع الذليل { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ظ±لْمَآءَ ظ±هْتَزَّتْ وَرَبَتْ } أي فإِذا أنزلنا عليها المطر تحركت حركة شديدة وانتفخت وعلت بالنبات، وأخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار { إِنَّ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ظ±لْمَوْتَىظ° } أي إن الإِله الذي أحيا الأرض بعد موتها هو الذي يحيي الأموات ويبعثهم من القبور { إِنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي لا يعجزه جل وعلا شيءٌ، فكما أخرج الزروع والثمار من الأرض المجدبة، فإِنه قادر على إحياء الموتى.. ثم توعَّد تعالى من يلحد في آياته بعد ظهور الأَدلة والبراهين على وجوده فقال { إِنَّ ظ±لَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيغ¤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } أي إن الذين يطعنون في آياتنا، بالتحريف والتكذيب والإِنكار لها لا يغيب أمرهم عنا فنحن لهم بالمرصاد، وفيه وعيد وتهديد قال قتادة: الإِلحادُ الكفر والعناد وقال ابن عباس: هو تبديلُ الكلام ووضعه في غير موضعه { أَفَمَن يُلْقَىظ° فِي ظ±لنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيغ¤ آمِناً يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ } أي أفمن يُطرح في جهنم مع الخوف والفزع أفضل أم من يكون في الجنة آمناً من عذاب الله يوم القيامة؟ قال الرازي: والغرضُ التنبيهُ على أن الملحدين في آيات الله يُلقون في النار، وأن المؤمنين بآيات الله يكونون آمنين يوم القيامة، وشتَّان ما بينهما { ظ±عْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } أي افعلوا ما تشاءون في هذه الحياة، وهو تهديدٌ لا إباحة ملفَّع بظل الوعيد، بدليل قوله تعالى { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي هو تعالى مطّلع على أعمالكم، لا تخفى عليه خافية، من أحوالكم، وسيجازيكم عليها { إِنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِظ±لذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } أي إن الذين كذبوا بالقرآن حين جاءهم من عند الله، وخبر " إنَّ " محذوفٌ لتهويل الأمر كأنه قيل: سيجازون بكفرهم جزاءً لا يكاد يوصف لشدة بشاعته وفظاعته { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } أي وإِنه لكتاب غالب بقوة الحجة، لا نظير له لما احتوى عليه من الإِعجاز، يدفع كل جاحد، ويقمع كلَّ معاند { لاَّ يَأْتِيهِ ظ±لْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أي لا يتطرق إليه الباطل من جهةٍ من الجهات، ولا مجال للطعن فيه قال ابن كثير: أي ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزَّل من رب العالمين { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أي هو تنزيلٌ من إله حكيم في تشريعه وأحواله وأفعاله، محمود من خلقه بسبب كثرة نعمه.
. ثم سلَّى تعالى نبيَّه على ما يصيبه من أذى الكفار فقال { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } أي ما يقول لك كفار قومك، إلاّ ما قد قال الكفار للرسل قبلهم من الكلام المؤذي، والطعن فيما أنزل الله قال القرطبي: يُعزّي نبيه ويُسلّيه من أذى وتكذيب قومه { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } أي إن ربك يا محمد لهو الغفور لذنوب المؤمنين، ذو العقاب الشديد للكافرين، ففوِّضْ أمرك إليه فإِنه ينتقم لك من أعدائك، ثم ذكر تعالى تعنُّت الكافرين و مكابرتهم للحقِّ بعد سطوعه وظهوره فقال { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } أي لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي لقال المشركون: هلاَّ بُيّنت آياته بلسانٍ نفهمه وهلاَّ نزل بلغتنا { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ }؟ استفهام إنكاري أي أقرآن أعجميٌ ونبيٌ عربي؟ قال الرازي: ذكروا أن الكفار كانوا يقولون لتعنتهم: هلاَّ نزل القرآن بلغة العجم؟! فأجيبوا بأن الأمر لو كان كما تقترحون لم تتركوا الاعتراض، ثم قال: والحقُّ عندي أن هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام واحدٌ متعلق بعضُه ببعض، وقد حكى تعالى عنهم في أول السورة أنهم قالوا
{*قُلُوبُنَا فِيغ¤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ*}
[فصلت: 5] فردَّ تعالى عليهم هنا بأنه لو أنزل هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا: كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب!! ولصحَّ لهم أن يقولوا
{*قُلُوبُنَا فِيغ¤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ*}
[فصلت: 5] لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه!! أما وقد نزل بلغة العرب، وهم من أهل هذه اللغة، فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك؟ فظهر أن الآية على أحسن وجوه النظم { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } أي قل لهم يا محمد: إن هذا القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة، وشفاء لهم من الجهل والشك والريب { وَظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيغ¤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } أي والذين لا يصدّقون بهذا القرآن، في آذانهم صممٌ عن سماعه، ولذلك تواصوا باللغو فيه { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } أي كما أن هذا القرآن رحمة للمؤمنين، هو شقاء وتعاسة على الكافرين كقوله تعالى
{*وَنُنَزِّلُ مِنَ ظ±لْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ظ±لظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً*}
[الإِسراء: 82] قال في حاشية البيضاوي: إن القرآن لوضوح آياته، وسطوع براهينه، هادٍ إلى الحق، ومزيل للريب والشك، وشفاء من داء الجهل والكفر والارتياب، ومن ارتاب فيه ولم يؤمن به، فارتيابه إِنما نشأ عن توغله في اتباع الشهوات، وتقاعده عن تفقد ما يُسعده وينجيه { أُوْلَـظ°ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي أولئك الكافرون بالقرآن، كمن يُنادى من مكان بعيد، فإِنه لا يسمع ولا يفهم ما يُنادى به، وهذا على سبيل التمثيل قال ابن عباس: يريد مثل البهيمة التي لا تفهم إلا دعاءً ونداءً { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ظ±لْكِتَابَ فَظ±خْتُلِفَ فِيهِ } أي والله لقد أعطينا موسى التوراة فاختلف فيها قومه ما بين مصدِّق لها ومكذِّب، هكذا حال قومك بالنسبة للقرآن قال القرطبي: وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم، فآمن به قوم وكذَّب به قوم { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي ولولا أن الله حكم بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة لعذَّبهم وأهلكهم في الدنيا { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أي وإِن هؤلاء الكفار لفي شكٍ من القرآن، لتبلد عقولهم وعمى بصائرهم، موقع لهم في أشد الريبة والاضطراب { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } أي من عمل شيئاً من الصالحات في هذه الدنيا فإِنما يعود نفع ذلك على نفسه، ومن أساء في الدنيا فإِنما يرجع وبال ذلك وضرره عليه { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي وليس الله منسوباً إلى الظلم حتى يعذِّب بغير إساءة، فهو تعالى لا يعاقب أحداً إلا بذنبه، ولا يعاقبه إلا بجرمه قال المفسرون: ليست صيغة " ظلاَّم " هنا للمبالغة، وإِنما هي صيغة نسبة مثل عطَّار، ونجَّار، وتمَّار، ولو كانت للمبالغة لأوهم أنه تعالى ليس كثير الظلم ولكنه يظلم أحياناً، وهذا المعنى فاسد لأنه يستحيل عليه الظلم جل وعلا { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ظ±لسَّاعَةِ } أي إليه تعالى وحده علم وقت الساعة لا يعلمه غيره قال الإِمام الفخر: أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلا اللهُ، ومناسبتُها لما قبلها أنه تعالى لما هدَّد الكفار بقوله { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } ومعناه أن جزاء كل أحدٍ يصل إليه في يوم القيامة، فكأن سائلاً قال: ومتى يكون ذلك اليوم؟ فبيَّن تعالى أن معرفة ذلك اليوم لا يعلمه إلا الله { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } أي وما تخرج ثمرةٌ من الثمرات من غلافها ووعائها { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىظ° وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي ولا تحمل أنثى جنيناً في بطنها، ولا تلده إلا ملتبساً بعلمه تعالى، لا يعزبُ عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي }؟ أي ويوم القيامة ينادي الله المشركين أين شركائي الذين زعمتم أنهم آلهة؟ وفيه تقريعٌ وتهكمٌ بهم { قَالُوغ¤اْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } أي قال المشركون: أعلمناك وأخبرناك الآن بالحقيقة ما مّنا من يشهد اليوم بأنَّ لك شريكاً قال المفسرون: لما عاينوا القيامة تبرءوا من الأصنام وتبرأت الأصنم منهم، وأعلنوا إيمانهم وتوحيدهم في وقت لا ينفع فيه إِيمان { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } أي وغاب عنهم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من الآلهة المزعومة { وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي وأيقنوا أنه لا مهرب ولا مخلص لهم من عذاب الله { لاَّ يَسْأَمُ ظ±لإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ظ±لْخَيْرِ } أي لا يملُّ الإِنسان من سؤاله ودعائه بالخير لنفسه، كالمال والصحة العز والسلطان { وَإِن مَّسَّهُ ظ±لشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أي وإِن أصابه فقر أو مرض فهو عظيم اليأس، قانطٌ من روح الله ورحمته { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } أي ولئن أعطيناه غنى وصحة من بعد شدة وبلاء { لَيَقُولَنَّ هَـظ°ذَا لِي } أي ليقولنَّ هذا بسعْيي واجتهادي قال أبو حيان: سمَّى النعمة رحمة إذ هي من آثار رحمة الله { وَمَآ أَظُنُّ ظ±لسَّاعَةَ قَآئِمَةً } أي وما أعتقد أن القيامة ستكون { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىظ° رَبِّيغ¤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىظ° } أي وعلى فرض أن القيامة حاصلة، فليحسننَّ إليَّ ربي كما أحسن إليَّ في هذه الدنيا قال ابن كثير: يتمنى على الله عز وجل مع إساءته العمل وعدم اليقين { فَلَنُنَبِّئَنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } أي فواللهِ لنعلِمنَّ هؤلاء الكافرين بحقيقة أعمالهم، ولنبصرنَّهم بإِجرامهم { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي ولنعذبنَّهم أشد العذاب، وهو الخلود في نار جهنم { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ظ±لإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعرض عن شكر ربه، واستكبر عن الانقياد لأوامره، وشمخ بأنفه تكبراً وترفعاً { وَإِذَا مَسَّهُ ظ±لشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } أي وإِذا أصابه المكروه فهو ذو دعاء كثير، يديم التضرع ويكثر من الابتهال، وهكذا طبيعة الإِنسان الجحود والنكران، يعرف ربه في البلاء وينساه في الرخاء قال الرازي: استعير العرض لكثرة الدعاء، كما استعير الغلظ لشدة العذاب { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ظ±للَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } أي قل لهم يا محمد: أخبروني يا معشر المشركين، إن كان هذا القرآن من عند الله، وكفرتم به من غير تأمل ولا نظر، كيف يكون حالكم؟ { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } الاستفهام إِنكاري بمعنى النفي أي لا أحد أضلُّ منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم، قال أبو السعود: وضع الموصول " من أضلُّ " موضع الضمير " منكم " شرحاً لحالهم، وتعليلاً لمزيد ضلالهم { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا } أي سنظهر لهؤلاء المشركين دلالاتنا وحججنا على أن القرآن حقٌ منزل من عند الله { فِي ظ±لآفَاقِ } أي في أقطار السماواتِ والأرض من الشمس والقمر والنجوم، والأشجار والنبات وغير ذلك من العجائب العلوية والسفلية { وَفِيغ¤ أَنفُسِهِمْ } أي وفي عجائب قدرة الله في خلقهم وتكوينهم قال القرطبي: المراد ما في أنفسهم من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة، حتى سبيل الغائط والبول، فإِن الرجل يأكل ويشرب من مكان واحدٍ، ويتميز ذلك من مكانين، ومن بديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء، ينظر بهما من الأرض إلى السماء، مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة، وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه { حَتَّىظ° يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ } أي حتى يظهر لهم أن هذا القرآن حق { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }؟ أي أولم يكفهم برهاناً على صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء؟ وأنه مطَّلع على كل شيء لا تخفى عليه خافية؟ { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } ألا استفتاحٌ لتنبيه السامع إلى ما يقال أي ألا فانتبهوا أيها القوم إن هؤلاء المشركين في شكٍ من الحساب والبعث والجزاء، ولهذا لا يتفكرون ولا يؤمنون { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } أي ألا فانتبهوا فإِنه تعالى قد أحاط علمه بكل الأشياء جملة وتفصيلاً، فهو يجازيهم على كفرهم.

البَلاَغَة:
تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق بين { بَشِيراً.. وَنَذِيراً } وبين { طَوْعاً.. و كَرْهاً } وبين { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.. وَمَا خَلْفَهُمْ } وبين { ظ±لْحَسَنَةُ.. و ظ±لسَّيِّئَةُ } وبين { مَغْفِرَةٍ.. و عِقَابٍ } وبين { ءَاعْجَمِيٌّ.. وعَرَبِيٌّ } وبين { تَحْمِلُ.. و تَضَعُ } وبين { ظ±لْخَيْرِ.. و ظ±لشَّرُّ }.

2- طباق السلب { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ.. وَظ±سْجُدُواْ لِلَّهِ } وكذلك { آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَظ±لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

3- الالتفات
{*فَإِنْ أَعْرَضُواْ*}
[فصلت: 13] بعد قوله
{*قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ*}
[فصلت: 9] وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، وناسب الإِعراض عن مخاطبتهم لكونهم أعرضوا عن الحق، وهو تناسب حسن.

4- الاستعارة التمثيلية
{*فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ظ±ئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً*}
[فصلت: 11] مثَّل تأثير قدرته تعالى في السماوات والأرض بأمر السلطان لأحد رعيته أو عبيده بأمر من الأمور وامتثال الأمر سريعاً.

5- الاستعارة التصريحية
{*وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيغ¤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ*}
[فصلت: 5] ليس هناك على الحقيقة شيء مما قالوه، وإِنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن، وجوامع البيان، فكأنهم من شدة الكراهية له قد صُمَّت أسماعهم عن فهمه، وقلوبهم عن علمه.

6- الاستعارة أيضاً { أُوْلَـظ°ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } شبّه حالهم في عدم قبول المواعظ، وإِعراضهم عن القرآن وما فيه بحال من يُنادى من مكان بعيد، فلا يسمع ولا يفهم ما يُنادى به، والجامع عدم الفهم في كلٍ.

8- الأمر التهديدي { ظ±عْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } خرج الأمر عن صيغته الأصلية إلى معنى الوعيد والتهديد.

9- التشبيه المرسل المجمل
{*كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*}
[فصلت: 34] ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه فهو مرسل مجمل.

10- إن اللسان عاجز عن تصوير البلاغة في جمال الأسلوب القرآني، فتأمل الروعة البيانية في قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ظ±لأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ظ±لْمَآءَ ظ±هْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ظ±لْمَوْتَىظ° إِنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وتصور التناسق الفني في التعبير والأداء، وتأمل لفظ الخشوع والاهتزاز والانتفاخ للأرض الميتة يبعثها الله كما يبعث الموتى من القبور، إنه جو بعث وإِخراج وإِحياء، ويا له من تصوير رائع يأخذ بالألباب.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:40 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة فصلت





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 14:01 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd