الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر3الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-07-26, 16:05 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة سبأ



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } * { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

اللغَة:
{ يَلِجَ } يدخل والولوج الدخول ومنه
{*حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ*}
[الأعراف: 40] { يَعْرُجُ } يصعد ومنه المعراج لأنه صعودٌ إِلى السماوات. { يَعْزُبُ } يغيب يقال: عزب عن عينه أي غاب عنها { مِثْقَالُ } وزن ومقدار { جِنَّةٌ } بكسر النون بمعنى الجنون وبضمها بمعنى الوقاية والحجاب { كِسَفاً } قطعاً { أَوِّبِي } سبحي والتأويب: التسبيح { سَابِغَاتٍ } واسعات كاملات يقال: سبغ الدرعُ والثوبُ إذا غطَّى كل البدن وفضل منه شيء قال أبو حيان: السابغات: الدروع وأصله الوصف بالسبوغ وهو التمام والكمال، وغلب على الدروع فصار كالأبطح، قال الشاعر:
عليها أُسودٌ ضارياتٌ لبُوسُهم
***
سوابغُ بيضٌ لا يخرقها النَّبل
{ ٱلسَّرْدِ } النسج، وهو نسج حلق الدروع قال القرطبي: وأصله من الإِحكام، قال لبيد:
صنع الحديد مضاعفاً أسراده
***
لينال طول العيش غير مروم
{ ٱلْقِطْرِ } النحاس المذاب { جِفَانٍ } جمع جفنه وهي القصعة الكبيرة { ٱلْجَوَابِ } جمع جابية وهي الحوض الكبير يجمع فيه الماء، قال الأعشى:
نفى الذم عن آل المحلَّق جفنةٌ
***
كجابية الشيخ العراقي تفهق
{ مِنسَأَتَهُ } المنسأة: العصا سميت بذلك لأنه يُنسأ بها أي يُطرد ويزجر، قال الشاعر:
إِذا دببتَ على المنْساة من كبر
***
فقد تباعد عنك اللهو والغزل
التفسِير:
{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي الثناء الكامل على جهة التعظيم والتبجيل لله الذي له كل ما في الكون خلقاً وملكاً وتصرفاً، الجميع ملكه وعبيده وتحت قهره وتصرفه، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته، وفي الآخرة لواسع رحمته { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } أي وله الحمد بأجمعه لا يستحقه أحد سواه، لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } أي الحكيم في صنعه، الخبير بخلقه، فلا اعتراض عليه من فعلٍ من أفعاله { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } تفصيل لبعض معلوماته جلَّ وعلا أي يعلم ما يدخل في جوف الأرض من المطر والكنوز والأموات، وما يخرج من الأرض من الزروع والنباتات وماء العيون والأبار { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي وما ينزل من السماء من المطر والملائكة والرحمة، وما يصعد إليها من الأعمال الصالحات، والدعوات الزاكيات { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } أي الرحيم بعباده، الغفور عن ذنوب التائبين حيث لا يعالجهم بالعقوبة، ثم حكى تعالى مقالة المنكرين للبعث والقيامة فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } أي وقال المشركون من قومك لا قيامة أبداً ولا بعث ولا نشور، قال البيضاوي: وهو إِنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاءً بالوعد به { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } أي قل لهم يا محمد: أقسم بالله العظيم لتأتينكم الساعة، فإِنها واقعة لا محالة، قال ابن كثير: هذه إِحدى الآيات الثلاث التي أمر الله رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوعها، والثانية في يونس
{*قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ*}
[يونس: 53]، والثالثة في التغابن
{*قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ*}
[التغابن: 7] { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي هو جل وعلا العالمُ بما خفي عن الأبصار، وغاب عن الأنظار، لا يغيب عنه مقدار وزن الذرة في العالم العلوي أو السفلي { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ } أي ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي إِلا ويعلمه الله تعالى وهو في اللوح المحفوظ، والغرضُ أن الله تعالى لا تخفى عليه ذرة في الكون فكيف يخفى عليه البشر وأحوالهم؟ فالعظام وإِن تلاشت وتفرقت وتمزقت، فهو تعالى عالمٌ أين ذهبت وتفرقت، ثم يعيدها يوم القيامة { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي أثبت ذلك في الكتاب المبين لكي يثيب المؤمنين الذين أحسنوا في الدار الدنيا بأحسن الجزاء { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق حسن كريم في دار النعيم { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي وأما الذين بذلوا جهدهم وجدّوا لإِبطال القرآن مغالبين لرسولنا، يظنون أنهم يعجزونه بما يثيرونه من شبهات حول رسالته والقرآن { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أي فهؤلاء المجرمون لهم عذاب من أسوأ العذاب، شديد الإِيلام، قال قتادة: الرجزُ: سوء العذاب { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي ويعلم أولو العلم من أصحاب النبي عليه السلام ومن جاء بعدهم من العلماء العاملين { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ } أي يعلمون أن هذا القرآن الذي أُنزل عليك يا محمد هو الحق الذي لا يأتيه الباطل { وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } أي ويرشد من تمسك به إِلى طريق الله الغالب الذي لا يُقهر، الحميد أي المحمود في ذاته وصفاته وأفعاله، ثم ذكر تعالى أساليب المشركين في الصدِّ عن دين الله، والسخرية برسول الله فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقال الكافرون من مشركي مكة المنكرون للبعث والجزاء { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } أي هل نرشدكم إلى رجلٍ يحدثكم بأعجب الأعاجيب؟- يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - { إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي إذا بليتم في القبور، وتفرقت أجسادكم في الأرض، وذهبت كل مذهب بحيث صرتم تراباً ورفاتاً { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }؟ أي إنكم ستخلقون خلقاً جديداً بعد ذلك التمزيق والتفريق؟ والغرضُ من هذا المقال هو السخرية والاستهزاء قال أبو حيان: والقائلون هم كفار قريش قالوه على جهة التعجب والاستهزاء، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على قصة غريبة نادرة؟ ولما كان البعث عندهم من المحال جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه، ونكّروا اسمه عليه { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } مع أن اسمه أشهر علم من قريش بطريق الاستهزاء { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } أي هل اختلق الكذب على الله، أم به جنون فهو يتكلم بما لا يدري؟ قال تعالى رداً عليهم: { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } { بَلِ } للإِضراب أي ليس الأمر كما يزعمون من الكذب والجنون، بل الذي يجحدون البعث ولا يصدّقون بالآخرة { فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } أي بل هؤلاء الكفار من ضلالٍ وحيرةٍ عن الحق توجب لهم عذاب النار، فهم واقعون في الضلال وهم لا يشعرون وذلك غاية الجنون والحماقة، ولما ذكر تعالى ما يدل على إِثبات الساعة، ذكر دليلاً آخر يتضمن التوحيد مع التهديد فقال: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي ألم يشاهدوا ما هو محيط بهم من جميع جوانبهم من السماء والأرض؟ فإِن الإِنسان أينما توجه وحيثما نظر رأى السماء والأرض أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله، وهما يدلان على وحدانية الصانع، أفلا يتدبرون ذلك فيعلمون أن الذي خلقهما قادر على بعث الناس بعد موتهم؟ ثم هددهم بقوله: { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي لو شئنا لخسفنا بهم الأرض كما فعلنا بقارون، أو أسقطنا عليهم قطعاً من السماء كما فعلنا بأصحاب الأيكة، فمن أين لهم المهرب؟ قال ابن الجوزي: المعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئتُ خسفتُ بهم الأرض، وإن شئتُ أسقطت عليهم قطعة من السماء { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي إن فيما يشاهدون من آثار القدرة الوحدانية لدلالة وعبرة لكل عبد تائب رجّاع إلى الله، متأمل فيما يرى، قال ابن كثير: يريد أن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها، قادر على إِعادة الأجسام، ونشر الرميم من العظام، ثم ذكر تعالى قصة داود وما خصَّه الله به من الفضل العظيم فقال: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } اللام موطئة لقسم محذوف تقديره وعزة الله وجلاله لقد أعطينا داود منا فضلاً عظيماً واسعاً لا يُقدر قال المفسرون: الفضل هو النبوة، والزبور، وتسخير الجبال، والطير، وإِلانة الحديد، وتعليمه صنع الدروع إِلى غير ذلك { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } أي وقلنا يا جبال سبحي معه ورجّعي التسبيح إِذا سبَّح وكذلك أنت يا طيور، قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إِذا سبَّح، وكان إِذا قرأ لم تبقَ دابةٌ إِلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } أي جعلنا الحديد ليناً بين يديه حتى كان كالعجين، قال قتادة: سخر الله له الحديد فكان لا يحتاج أن يدخله ناراً، ولا يضربه بمطرقة، وكان بين يديه كالشمع والعجين { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي اعمل منه الدروع السابغة التي تقي الإِنسان شر الحرب، قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، ويصنع الدرع في بعض يوم يساوي ألف درهم فيأكل ويتصدق، والسابغات صفة لموصوف محذوف تقديره دروعاً سابغات، وهي الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } أي وقدر في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقاتها، قال الصاوي: أي اجعل كل حلقة مساوية لأختها ضيقة لا ينفذ منها السهم لغلظها، ولا تثقل حاملها واجعل الكل بنسبةٍ واحدة { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } أي واعملوا يا آل داود عملاً صالحاً ولا تتكلوا على عز أبيكم وجاهه { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي إِني مطلع على أعمالكم مراقب لها وسأجازيكم بها قال الامام الفخر: ألان الله لداود الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير، فإِنه يَلين بالنار حتى يصبح كالمداد الذي يكتب به، فأي عاقلٍ يستبعد ذلك على قدرة الله؟ وهو أول من صنع الدروع حلقاً وكانت قبل ذلك صفائح ثقالاً كما قال تعالى:{*وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ*}
[الأنبياء: 80]، ثم ذكر تعالى ما أنعم به على ولده " سليمان " من النبوة والملك والجاه العظيم قال: { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي وسخرنا لسليمان الريح تسير بأمره، وسيرها من الصباح إِلى الظهر مسيرة شهر للسائر المجد، ومن الظهر إِلى الغروب مسيرة شهر، قال المفسرون: سخّر الله له الريح تقطع به المسافات الشاسعة في ساعات معدودات، تحمله مع جنده فتنتقل به من بلدٍ إلى بلد، تغدو به مسيرة شهر إِلى نصف النهار، وترجع به مسيرة شهر إلى آخر النهار، فتقطع به مسيرة شهرين في نهار واحد { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أي وأذبنا له النحاس حتى كان يجري كأنه عين ماء متدفقة من الأرض، قال المفسرون: أجرى الله لسليمان النحاس، كما ألان لداود الحديد، آية باهرة، ومعجزة ظاهرة { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي وسخرنا له الجن تعمل بأمره وإِرادته ما شاء مما يعجز عنه البشر، وكل ذلك بأمر الله وتسخيره { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أي ومن يعدل منهم عمّا أمرناه به من طاعة سليمان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } أي نذقه النار المستعرة في الآخرة، ثم أخبر تعالى عما كلف به الجنُّ من الأعمال فقال { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ } أي يعمل هؤلاء الجن لسليمان ما يريد من القصور الشامخة { وَتَمَاثِيلَ } أي والتماثيل العجيبة من النحاس والزجاج، قال الحسن: ولم تكن يومئذٍ محرمة، وقد حرمت في شريعتنا سداً للذريعة لئلا تُعبد من دون الله { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } أي وقصاعٍ ضخمة تشبه الأحواض، قال ابن عباس: " كالجواب " أي كالحياض { وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } أي وقدورٍ كبيرة ثابتات لا تتحرك لكبرها وضخامتها، قال ابن كثير: والقدور الراسياتُ أي الثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } أي وقلنا لهم اشكروا يا آل داود ربكم على هذه النعم الجليلة، فقد خصكم بالفضل العظيم والجاه العريض، واعملوا بطاعة الله شكراً له جل وعلا { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } أي وقليل من العباد من يشكر الله على نعمه، قال ابن عطية: وفيه تنبيه وتحريض على شكر الله، ثم أخبر تعالى عن كيفية موت سليمان فقال { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ } أي حكمنا على سليمان بالموت ونزل به الموت { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } أي ما دلَّ الجنَّ على موته إلا تلك الحشرة وهي الأَرَضة ـ السوسة التي تأكل الخشب ـ تأكل عصا سليمان { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ } أي فلما سقط سليمان عن عصاه ظهر للجن واتضح لهم أنهم لو كانوا يعرفون الغيب كما زعموا { مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } أي ما مكثوا في الأعمال الشاقة تلك المدة الطويلة، قال المفسرون: كانت الإِنس تقول: إِن الجن يعلمون الغيب الذي يكون في المستقبل، فوقف سليمان في محرابه يصلى متوكئاً على عصاه، فمات ومكث على ذلك سنةً والجنُّ تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته، حتى أكلت الأَرَضةُ عصا سليمان فسقط على الأرض فعلموا موته، وعلم الإِنس أن الجنَّ لا تعلم الغيب لأنهم لو علموه لما أقاموا هذه المدة الطويلة في الأعمال الشاقة وهم يظنون أنه حي وهو عليه السلام ميت.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان نوجزها فيما يلي:

1- تعريف الطرفين لإِفادة الحصر { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ومعناه لا يستحق الحمد الكامل إِلا الله.

2- الطباق بين { يَلِجُ..و.. يَخْرُجُ } وبين { يَنزِلُ..و.. يَعْرُجُ } وبين { أَصْغَرُ..و.. أَكْبَرُ }.

3- صيغة فعيل وفعول للمبالغة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }.

4- المقابلة بين { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } الآية وبين { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } فقد جعل المغفرة والرزق الكريم جزاء المحسنين، وجعل العذاب والرجز الأليم جزاء المجرمين.

5- الاستفهام للسخرية والاستهزاء { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } وغرضهم الاستهزاء بالرسول ولم يذكروا اسمه إِمعاناً في التجهيل كأنه إِنسان مجهول.

6- التنكير للتفخيم { آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } أي فضلاً عظيماً، وتقديم داود على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إِلى المؤخر.

7- الإِيجاز بالحذف { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي غدوها مسيرة شهر ورواحها مسيرة شهر.

8- التشبيه { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } ويسمى التشبيه المرسل المجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=946750
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-27, 15:57 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة سبأ


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَظ±شْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ظ±لْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَظ°لِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَظ°زِيغ¤ إِلاَّ ظ±لْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ظ±لْقُرَى ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ظ±لسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوغ¤اْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَظ±تَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِظ±لآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { قُلِ ظ±دْعُواْ ظ±لَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ظ±للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَلاَ فِي ظ±لأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ظ±لشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىظ° إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ظ±لْحَقَّ وَهُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ قُلِ ظ±للَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىظ° هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِظ±لْحَقِّ وَهُوَ ظ±لْفَتَّاحُ ظ±لْعَلِيمُ } * { قُلْ أَرُونِيَ ظ±لَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ظ±للَّهُ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحْكِيمُ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىظ° هَـظ°ذَا ظ±لْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } * { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ وَلاَ بِظ±لَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىظ° إِذِ ظ±لظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىظ° بَعْضٍ ظ±لْقَوْلَ يَقُولُ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُوغ¤اْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ظ±لْهُدَىظ° بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ظ±لَّيلِ وَظ±لنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِظ±للَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ظ±لنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ظ±لْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ظ±لأَغْلاَلَ فِيغ¤ أَعْنَاقِ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

المنَاسَبَة:

لما بيَّن تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر " داود " و " سليمان " بيَّن حال الكافرين لأنعمه بقصة سبأ، موعظةً لقريش وتحذيراً وتنبيهاً على ما جرى من المصائب والنكبات على من كفر بأنعم الله، ثم ذكَّر كفار مكة بنعمه ليعبدوه ويشكروه.

اللغَة:
{ سَبَإٍ } قبيلة من العرب سكنت اليمن سميت باسم جدهم " سبأ بن يشجب بن قحطان " { ظ±لْعَرِمِ } الحاجز بين الشيئين قال النحاس: وما يجتمع من مطر بين جبلين وفي وجهه مُسنَّاة - أي حاجز - فهو العرم { خَمْطٍ } الخمط: المرُّ البشع، قال الزجاج: كل نبتٍ فيه مرارةٌ لا يمكن أكله فهو خمط وقال المبرد: هو كل ما تغيَّر إلى ما لا يُشتهى، واللبنُ إِذا حمض فهو خمط { أَثْلٍ } الأثل: شجر لا ثمر له قال الفراء: وهو شبيه بالطرفاء إِلا أنه أعظم منه طولاً ومنه اتخذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والواحدة أثلة { سِدْرٍ } قال الفراء: هو السَّرو، وقال الأزهري: السدر نوعان: سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عصفة لا تؤكل، وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول { ظَهِيرٍ } معين { ظ±لْفَتَّاحُ } القاضي والحاكم بالحق.

التفسِير:
{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } اللام موطئة للقسم أي والله لقد كان لقوم سبأ في موضع سكناهم باليمن آية عظيمة دالة على الله جل وعلا وعلى قدرته على مجازاة المحسن بإِحسانه، والمسيء بإِساءته، فإِن قوم سبأ لما كفروا نعمة الله خرَّب الله ملكهم، وشتَّت شملهم، ومزَّقهم شرَّ ممزَّق، وجعلهم عبرةً لمن يعتبر، ثم بيَّن تعالى وجه تلك النعمة فقال: { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أي حديقتان عظيمتان فيهما من كل أنواع الفواكه والثمار عن يمين الوادي بساتين ناضرة، وعن شماله كذلك، قال قتادة: كانت بساتينهم ذات أشجار وثمار، تسرُّ الناس بظلالها، وكانت المرأة تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل، فيتساقط من الأشجار ما يملؤه من غير كلفةٍ ولا قطاف لكثرته ونضجه وقال البيضاوي: ولم يرد بستانين اثنين فحسب، بل أراد جماعتين من البساتين، جماعة عن يمين بلدهم، وجماعة عن شماله سميت كل جماعة منها جنة لكونها في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَظ±شْكُرُواْ لَهُ } أي وقلنا لهم على لسان الرسل: كلوا من فضل الله وإِنعامه واشكروا ربكم على هذه النعم { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي هذه بلدتكم التي تسكنونها بلدةٌ طيبة، كريمة التربة، حسنة الهواء، كثيرة الخيرات، وربكم الذي رزقكم وأمركم بشكره ربٌ غفورٌ لمن شكره { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ظ±لْعَرِمِ } أي فأعرضوا عن طاعة الله وشكره، واتباع أوامر رسله، فأرسلنا عليهم السيل المدمّر المخرب الذي لا يطاق لشدته وكثرته، فغرَّق بساتينهم ودورهم، قال الطبري: وحين أعرضوا عن تصديق الرسل، ثقب ذلك السدُّ الذي كان يحبس عنهم السيول، ثم فاض الماء على جناتهم فغرَّقها، وخرَّب أرضهم وديارهم { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } أي وأبدلناهم بتلك البساتين الغناء، بساتين قاحلة جرداء، ذات أُكل مرٍّ بشع { وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } وشيء من الأشجار التي لا ينتفع بثمرها كشجر الأثل والسِّدر، قال الرازي: أرسل الله عليهم سيلاً غرَّق أموالهم، وخرَّب دورهم، والخمطُ كلُّ شجرة لها شوك وثمرتها مرة، والأثلُ نوع من الطرفاء، ولا يكون عليه ثمرة إِلا في بعض الأوقات، يكون عليه شيء كالعفص أو أصغر منه في طعمه وطبعه، والسدر معروف وقال فيه { قَلِيلٍ } لأنه كان أحسن أشجارهم، وقد بيَّن تعالى بالآية طريقة الخراب، وذلك لأن البساتين التي فيها الناس تكون فيها الفواكة الطيبة بسبب العمارة، فإِذا تركت سنين تصبح كالغيضة والأجمة تلتفُّ الأشجار بعضها ببعض وتنبتُ المفسدات فيها، فتقل الثمار وتكثر الأشجار قال المفسرون: وتسمية البدل " جنتين " فيه ضربٌ من التهكم، لأن الأثل والسدر وما كان فيه خمط لا يسمى جنة، لأنها أشجار لا يكاد ينتفع بها، وإنما جاء التعبير على سبيل المشاكلة { ذَظ°لِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } أي ذلك الجزاء الفظيع الذي عاقبناهم به إِنما كان بسبب كفرهم { وَهَلْ نُجَظ°زِيغ¤ إِلاَّ ظ±لْكَفُورَ }؟ أي وما نجازي بمثل هذا الجزاء الشديد إِلا الكافر المبالغ في كفره، قال مجاهد: أي ولا يعاقب إِلا الكفور، لأن المؤمن يكفِّر الله عنه سيئاته، والكافرُ يجازى بكل سوءٍ عمله { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ظ±لْقُرَى ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } هذا من تتمة ذكر ما أنعم الله به عليهم أي وجعلنا بين بلاد سبأ وبين القرى الشامية التي باركنا فيها للعالمين قرى متواصلة من اليمن إِلى الشام، يُرى بعضها من بعض لتقاربها، ظاهرة لأبناء السبيل { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ظ±لسَّيْرَ } أي جعلنا السير بين قراهم وبين قرى الشام سيراً مقدراً من منزل إِلى منزل، ومن قرية إِلى قرية { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } أي وقلنا لهم سيروا بين هذه القرى متى شئتم لا تخافون في ليل ولا في نهار، قال الزمخشري: كان الغادي منهم يقيل في قرية، والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام، لا يخاف جوعاً ولا عطشاً ولا عدواً، ولا يحتاج إِلى حمل زاد ولا ماء، وكانوا يسيرون آمنين لا يخافون شيئاً { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } إِخبارٌ بما قابلوا به النعم من الكفران أي أنهم حين بطروا النعمة، وملوا العافية، وسئموا الراحة طلبوا من الله أن يباعد بين قراهم المتصلة ليمشوا في المفاوز ويتزودوا للأسفار، فعجَّل الله إِجابتهم، بتخريب تلك القرى وجعلها مفاوز قفاراً { وَظَلَمُوغ¤اْ أَنفُسَهُمْ } أي وظلموا أنفسهم بكفرهم وجحودهم النعمة { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي جعلناهم أخباراً تُروى اللناس بعدهم { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي وفرقناهم في البلاد شذر مذر { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي إن فيما ذكر من قصتهم لعبراً وعظات لكل عبد صابرٍ على البلاء، شاكر في النعماء، والمقصود من ذكر قصة سبأ تحذير الناس من كفران النعمة لئلا يحل بهم ما حل بمن قبلهم، ولهذا أصبحت قصتهم يضرب بها المثل فيقال: " ذهبوا أيدي سبأ " ثم ذكر تعالى سبب ضلال المشركين فقال { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } أي تحقق ظن إِبليس اللعين في هؤلاء الضالين، حيث ظنَّ أنه يستطيع أن يغويهم بتزيين الباطل لهم، وأقسم بقوله

{*وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*}
[الحجر: 39] فتحقق ما كان يظنه، قال مجاهد: ظنَّ ظناً فكان كما ظن فصدَّق ظنَّه { فَظ±تَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } أي فاتبعه الناس فيما دعاهم إِليه من الضلالة إِلا فريقاً هم المؤمنون فإِنهم لم يتبعوه قال القرطبي: أي ما سلم من المؤمنين إِلا فريق، وعن ابن عباس أنهم المؤمنون كلُّهم فتكون { مِّنَ } على هذا للتبيين لا للتبعيض، وإِنما علم إِبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب، لأنه لمَّا نفذ له في آدم ما نفذ، غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته وقد وقع له تحقيق ما ظنَّ { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي وما كان لإِبليس تسلط واستيلاء عليهم بالوسوسة والإِغواء { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِظ±لآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي إِلا لحكمة جليلة وهي أن نظهر علمنا للعباد بمن هو مؤمن مصدِّق بالآخرة، ومن هو شاك مرتاب في أمرها، فنجازي كلاً بعمله قال القرطبي: أي لم يقهرهم إِبليس على الكفر، وإِنما كان منه الدعاء والتزيين وقال الحسن: واللهِ ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إِلا غروراً وأماني دعاهم إِليها فأجابوه { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } أي وربك يا محمد على كل شيء رقيب، لا تخفى عليه خافية من أفعال العباد، فهو الذي يحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نياتهم وأحوالهم، قال الصاوي: الشيطان سبب الإِغواء لا خالق الإِغواء، فمن أراد الله حفظه منع الشيطان عنه، ومن أراد إِغواءه سلَّط عليه الشيطان، والكل فعل الله تعالى، وإِنما سبقت حكمته بتسليط الشيطان على الإِنسان ابتلاءً وامتحاناً ليميز الله الخبيث من الطيب، والمراد بقوله { لِنَعْلَمَ } أي لنظهر للخلق علمنا، وإِلا فالله تعالى عالم بما كان وما يكون { قُلِ ظ±دْعُواْ ظ±لَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ظ±للَّهِ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين ادعوا شركاءكم الذين عبدتموهم من الأصنام، وزعمتم أنهم آلهة من دون الله، أُدعوهم ليجلبوا لكم الخير، ويدفعوا عنكم الضر قال أبو حيان: والأمر بدعاء الآلهة للتعجيز وإِقامة الحجة عليهم { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي لا يملكون وزن ذرة من خيرٍ أو نفعٍ أو ضر { فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَلاَ فِي ظ±لأَرْضِ } أي في العالم العلوي أو السفلي، وليسوا بقادرين على أمرٍ من الأمور في الكون بأجمعه { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } أي وليس لتلك الآلهة شركة مع الله لا خلقاً ولا ملكاً ولا تصرفاً { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } أي وليس له تعالى من الآلهة معينٌ يُعينه في تدبير أمرهما، بل هو وحده الخالق لكل شيء، المنفرد بالإِيجاد والإِعدام، ثم لما نفى عنها الخلق والملك، نفى عنها الشفاعة أيضاً فقال { وَلاَ تَنفَعُ ظ±لشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي لا تكون الشفاعة لأحدٍ عند الله من ملكٍ أو نبي، حتى يُؤذن له في الشفاعة، فكيف يزعمون أن آلهتهم يشفعون لهم؟ قال ابن كثير: أي أنه تعالى لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترىء أحدٌ أن يشفع عنده في شيءٍ إِلا بعد إِذنه له في الشفاعة كقوله:{*مَن ذَا ظ±لَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ*}
[البقرة: 255] وقوله:
{*وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ظ±رْتَضَىظ°*}
[الأنبياء: 28] وإِنما كانت الشفاعة لسيد ولد آدم إِظهاراً لمقامه الشريف، فهو أكبر شفيع عند الله، وذلك حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم { حَتَّىظ° إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي حتى إِذا زال الفزع والخوف عن قلوب الشفعاء، من الملائكة والأنبياء { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ظ±لْحَقَّ } أي قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم في أمر الشفاعة؟ فأجابوهم بقولهم: قد أذن فيها للمؤمنين قال القرطبي: إِن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة، وهم على غاية الفزع من الله، لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل، والخوف الشديد أن يقع منهم تقصير، فإذا سُرِّي عنهم قالوا للملائكة فوقهم: ماذا قال ربكم؟ أي بماذا أمر الله؟ قالوا: الحقَّ أي إِنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين { وَهُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ } أي هو تعالى المتفرد بالعلو والكبرياء، العظيم في سلطانه وجلاله قال أبو السعود: وهذا من تمام كلام الشفعاء، قالوه اعترافاً بغاية عظمة جناب الله عز وجل، فليس لأحدٍ أن يتكلم إِلا بإِذنه، ثم وبَّخ تعالى المشركين في عبادتهم غير الخالق الرازق فقال { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي قل لهم يا محمد من الذي يرزقكم من السماوات بإِنزال المطر، ومن الأرض بإِخراج النبات والثمرات؟ { قُلِ ظ±للَّهُ } أي قل لهم: اللهُ الرازق لا آلهتكم، قال ابن الجوزي: وإِنما أُمر عليه السلام أن يسأل الكفار عن هذا احتجاجاً عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقاً سواه، ولهذا جاء الجواب { قُلِ ظ±للَّهُ } لأنهم لا يجيبون بغير هذا { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىظ° هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي وأحد الفريقين منا أو منكم لعلى هدى أو ضلال بيِّن، وهذا نهاية الإِنصاف مع الخصم، قال أبو حيان: أخرج الكلام مخرج الشك، ومعلوم أن من عبد الله وحده كان مهتدياً، ومن عبد غيره من جماد كان ضالاً، وفي هذا إنصافٌ وتلطفٌ في الدعوى، وفيه تعريضٌ بضلالهم وهو أبلغ من الردّ بالتصريح، ونحوه قول العرب: أخزى الله الكاذب مني ومنك، مع تيقن أن صاحبه هو الكاذب { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي لا تؤاخذون على ما ارتكبنا من إِجرام، ولا نؤاخذ نحن بما اقترفتم، وإِنما يعاقب كل إِنسانٍ بجريرته، وهذه ملاطفة وتنزُّلٌ في المجادلة إِلى غاية الإِنصاف، قال الزمخشري: وهذا أدخل في الإِنصاف وأبلغ من الأول، حيث أسند الإِجرام لأنفسهم والعمل إِلى المخاطبين { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِظ±لْحَقِّ } أي يجمع الله بيننا وبينكم يوم القيامة ثم يحكم بيننا ويفصل بالحقِّ { وَهُوَ ظ±لْفَتَّاحُ ظ±لْعَلِيمُ } أي وهو الحاكم العادل الذي لا يظلم أحداً، العالم بأحوال الخلق، فيدخل المحقَّ الجنة، والمبطل النار { قُلْ أَرُونِيَ ظ±لَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ } توبيخٌ آخر على إِشراكهم وإِظهارٌ لخطئهم العظيم أي أروني هذه الأصنام التي ألحقتموها بالله وجعلتموها شركاء معه في الألوهية، لأنظر بأي صفةٍ استحقت العبادة مع الذين ليس كمثله شيء؟ قال أبو السعود: وفيه مزيد تبكيتٍ لهم بعد إِلزام الحجة عليهم { كَلاَّ بَلْ هُوَ ظ±للَّهُ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحْكِيمُ } ردعٌّ لهجر وزجر أي ليس الأمر كما زعمتم من اعتقاد شريك له، بل هو الإِله الواحد الأحد، الغالب على أمره، الحكيم في تدبيره لخلقه، فلا يكون له شريك في ملكه أبداً { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } أي وما أرسلناك يا محمد للعرب خاصة وإِنما أرسلناك لعموم الخلق، مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين من عذاب الجحيم { وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ولكنَّ هؤلاء الكافرين لا يعلمون ذلك فيحملهم جهلهم على ما هم عليه من الغيّ والضلال { وَيَقُولُونَ مَتَىظ° هَـظ°ذَا ظ±لْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي ويقول المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية: متى هذا العذاب الذي تخوفوننا به إِن كنتم صادقين فيما تقولون؟ والخطاب للنبي والمؤمنين { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } أي لكم زمان معيَّن للعذاب يجيء في أجله الذي قدَّره الله له، لا يستأخر لرغبة أحد، ولا يتقدم لرجاء أحد، فلا تستعجلوا عذاب الله فهو آتٍ لا محالة، ثم أخبر تعالى عن تمادي المشركين في العناد والتكذيب فقال { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ وَلاَ بِظ±لَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي لن نصدِّق بالقرآن ولا بما سبقه من الكتب السماوية الدالة على البعث والنشور { وَلَوْ تَرَىظ° إِذِ ظ±لظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } أي ولو شاهدت يا محمد حال الظالمين المنكرين للبعث والنشور في موقف الحساب { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىظ° بَعْضٍ ظ±لْقَوْلَ } أي يلوم بعضهم بعضاً ويؤنب بعضهم بعضاً، وجواب { لَوْ } محذوف للتهويل تقديره لرأيت أمراً فظيعاً مهولاً { يَقُولُ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } أي يقول الأتباع للرؤساء: لولا إِضلالكم لنا لكنا مؤمنين مهتدين { قَالَ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُوغ¤اْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ظ±لْهُدَىظ° بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ }؟ أي قال الرؤساء جواباً للمستضعفين: أنحن منعناكم عن الإِيمان بعد أن جاءكم؟ لا، ليس الأمر كما تقولون { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } أي بل أنتم كفرتم من ذات أنفسكم، بسبب أنكم مجرمين راسخين في الإِجرام { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ ظ±سْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ظ±سْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ظ±لَّيلِ وَظ±لنَّهَارِ } أي وقال الأتباع للرؤساء: بل مكركم بنا في الليل والنهار هو الذي صدَّنا عن الإِيمان { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِظ±للَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي وقت دعوتكم لنا إِلى الكفر بالله، وأن نجعل له شركاء، ولولا تزيينكم لنا الباطل ما كفرنا { وَأَسَرُّواْ ظ±لنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ظ±ْلَعَذَابَ } أي أخفى كل من الفريقين الندامة على ترك الإِيمان حين رأوا العذاب، أخفوها مخافة التعيير { وَجَعَلْنَا ظ±لأَغْلاَلَ فِيغ¤ أَعْنَاقِ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وجعلنا السلاسل في رقاب الكفار زيادةً على تعذيبهم بالنار { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لا يجزون إِلا بأعمالهم التي عملوها ولا يعاقبون إِلا بكفرهم وإِجرامهم.


البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق بين لفظ { يَمِينٍ..و.. شِمَالٍ } وبين { بَشِيراً..و.. نَذِيراً } وبين { تَسْتَقْدِمُونَ..و.. تَسْتَأْخِرُونَ } وبين { ظ±سْتُضْعِفُواْ..و.. ظ±سْتَكْبَرُواْ } وهو من المحسنات البديعية.

2- جناس الاشتقاق { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ظ±لسَّيْرَ سِيرُواْ } فإِن كلمة { سِيرُواْ } مشتقة من السير.

3- التعجيز بدعاء الجماد الذي لا يسمع ولا يحس { قُلِ ظ±دْعُواْ ظ±لَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ظ±للَّهِ }.

4- التوبيخ والتبكيت { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ }؟

5- حذف الخبر لدلالة السياق عليه { قُلِ ظ±للَّهُ } أي قل الله الخالق الرازق للعباد ودل على المحذوف سياق الآية.

6- المبالغة بذكر صيغ المبالغة { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فإِن فعَّال وفعيل وفعول من صيغ المبالغة ومثلها { وَهُوَ ظ±لْفَتَّاحُ ظ±لْعَلِيمُ }.

7- حذف الجواب للتهويل والتفزيع { وَلَوْ تَرَىظ° إِذِ ظ±لظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } حذف الجواب للتهويل أي لو ترى حالهم لرأيت أمراً فظيعاً مهولاً.

8- المجاز العقلي { بَلْ مَكْرُ ظ±لَّيلِ وَظ±لنَّهَارِ } أسند المكر إِلى الدليل والمراد مكر المشركين بهم في الليل ففيه مجاز عقلي.

9- الاستعارة { لَن نُّؤْمِنَ بِهَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ وَلاَ بِظ±لَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ليس للقرآن يدان ولكنه استعارة لما سبقه من الكتب السماوية المنزلة من عند الله.

10- مراعاة الفواصل لما لها من وقع حسن على السمع مثل { وَهَلْ نُجَظ°زِيغ¤ إِلاَّ ظ±لْكَفُورَ.. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } الخ.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-28, 16:15 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة سبأ


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِظ±لَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىظ° إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ظ±لضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ظ±لْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } * { وَظ±لَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـظ°ئِكَ فِي ظ±لْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } * { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـظ°ؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ظ±لْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } * { فَظ±لْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ظ±لنَّارِ ظ±لَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـظ°ذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـظ°ذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـظ°ذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىظ° وَفُرَادَىظ° ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ظ±للَّهِ وَهُوَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِظ±لْحَقِّ عَلاَّمُ ظ±لْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ظ±لْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ظ±لْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىظ° نَفْسِي وَإِنِ ظ±هْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } * { وَلَوْ تَرَىظ° إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوغ¤اْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىظ° لَهُمُ ظ±لتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِظ±لْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }


المنَاسَبَة:
لمّا ذكر تعالى قصة أهل سبأ وكفرهم بنعم الله، وما أعقب ذلك من تبديل النعمة إلى النقمة، ذكر هنا اغترار المشركين بالمال والبنين، وتكذيبهم لرسول الله عليه السلام، وختم السورة الكريمة ببيان مصرع الغابرين، تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخويفاً وتحذيراً للمشركين.

اللغَة:

{ مُتْرَفُوهَآ } المترف: المنعَّم المتقلب في الغنى والعز والجاه { يَبْسُطُ } يوسّع { وَيَقْدِرُ } يقتّر { زُلْفَىظ° } قربى { إِفْكٌ } كذب مختلق { مِعْشَارَ } المعشار: العُشر، قال الجوهري: ومعشار الشيء عشره، فهما لغتان { نَكِيرِ } أصلها نكيري حذفت الياء لمراعاة الفواصل قال الزجاج: النكير: اسم بمعنى الإِنكار { جِنَّةٍ } بكسر الجيم أي جنون { فَوْتَ } نجاة ومهرب { ظ±لتَّنَاوُشُ } التناول قال الزمخشري: والتناوش والتناول أخوان، إِلا أن التناوش تناولٌ سهلٌ لشيء قريب، ومنه المناوشة في القتال وذلك عند تداني الفريقين، قال ابن السكيت: يقال للرجل إِذا تناول رجلاً ليأخذه ناشَه.

التفسِير:

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي لم نبعث في أهل قريةٍ رسولاً من الرسل ينذرهم عذابنا { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي إِلا قال أهل الغنى والتنعم في الدنيا { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي لا نؤمن برسالتكم ولا نصدقكم بما جئتم به، قال قتادة: المترفون هم جبابرتهم وقادتهم ورؤساؤهم في الشر، وهم الذين يبادرون إِلى تكذيب الأنبياء، والقصد بالآية تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب أكابر قريش له { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } أي وقال مشركو مكة: نحن أكثر أموالاً وأولاداً من هؤلاء الضعفاء المؤمنين { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي إِن الله لا يعذبنا لأنه راضٍ عنا، ولو لم يكن راضياً عنا لما بسط لنا في الرزق، قاسوا أمر الدنيا على الآخرة، وظنوا أن الله كما أعطاهم الأموال والأولاد في الدنيا لا يعذبهم في الآخرة، قال أبو حيان: نصَّ تعالى على المترفين لأنهم أول المكذبين للرسل، لما شُغلوا به من زخرف الدنيا، وما غلب على عقولهم منها، فقلوبهم أبداً مشغولة منهمكة، بخلاف الفقراء فإِنهم خالون من مستلذات الدنيا، فقلوبهُم أقبل للخير ولذلك كانوا أكثر أتباع الأنبياء { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي قل لهم يا محمد: إِن توسعة الرزق وتضييقه ليس دليلاً على رضى الله، فقد يوسّع الله على الكافر والعاصي، ويضيق على المؤمن والمطيع ابتلاءً وامتحاناً، فلا تظنوا أن كثرة الأموال والأولاد دليل المحبة والسعادة، بل هي تابعة للحكمة والمشيئة { وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ولكنَّ أكثر هؤلاء الكفرة لا يعلمون الحقيقة، فيظنون أن كثرة الأموال والأولاد للشرف والكرامة، وكثيراً ما يكون للاستدراج كما قال تعالى:
{*سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ*}
[الأعراف: 182] ولهذا أكَّد ذلك بقوله: { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِظ±لَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىظ° } أي ليست أموالكم ولا أولادكم التي تفتخرون بها وتكاثرون هي التي تقربكم من الله قربى، وإِنما يقرّب الإِيمان والعمل الصالح، قال الطبري: الزلفى: القربى، ولا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، ولهذا قال تعالى بعده { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } أي إِلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله، ويعلّم ولده الخير ويربيه على الصلاح فإِن هذا الذي يقرّب من الله { فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ظ±لضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } أي تضاعف حسناتهم، الحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى سبعمائة ضعف { وَهُمْ فِي ظ±لْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي وهم في منازل الجنة العالية آمنون من كل عذاب ومكروه، ولما ذكر جزاء المؤمنين، ذكر عقاب الكافرين، ليظهر التباين بين الجزاءين فقال { وَظ±لَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي يسعون في الصدِّ عن سبيل الله، واتباع آياته ورسله، معاندين لنا يظنون أنهم يفوتوننا بأنفسهم { أُوْلَـظ°ئِكَ فِي ظ±لْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي فهم مقيمون في العذاب، محضرون يوم القيامة للحساب { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي قل يا محمد: إِن ربي يوسّع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويقتّر على من يشاء، فلا تغتروا بالأموال التي رزقكم الله إِيَّاها، قال في التسهيل: كررت الآية لاختلاف القصد، فإِنَّ القصد بالأول الكفار، والقصد هنا ترغيب المؤمنين بالإِنفاق { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي وما أنفقتم في سبيل الله قليلاً أو كثيراً فإِن الله تعالى يعوّضه عليكم إِما عاجلاً أو آجلاً { وَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } أي هو تعالى خير المعطين، فإِنَّ عطاء غيره بحساب، وعطاؤه تعالى بغير حساب، قال المفسرون: لما بيَّن أنَّ الإِيمان والعمل الصالح هو الذي يقرب البعد إِلى ربه، ويكون مؤدياً إِلى تضعيف حسناته، بيَّن أن نعيم الآخرة لا ينافي سعة الرزق في الدنيا، بل الصالحون قد يبسط لهم الرزق في الدنيا، مع ما لهم في الآخرة من الجزاء الأوفى والمثوبة الحسنى بمقتضى الوعد الإِلهي { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي واذكر يوم يحشر الله المشركين جيمعاً من تقدم ومن تأخر للحساب والجزاء { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـظ°ؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ }؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ للمشركين أي أهؤلاء عبدوكم من دوني وأنتم أمرتموهم بذلك؟ قال الزمخشري: هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار، وارد على المثل السائر " إِيَّاك أعني واسمعي يا جارة " ونحوه قوله تعالى {*أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ظ±تَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـظ°هَيْنِ مِن دُونِ ظ±للَّهِ*}
[المائدة: 116]؟ وقد علم سبحانه أن الملائكة وعيسى منزهون عما نُسب إليهم، والغرض من السؤال والجواب أن يكون تقريع للمشركين أشد، وخجلهم أعظم { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } أي تعاليت وتقدست يا ربنا عن أن يكون معك إِله، أنت ربنا ومعبودنا الذي نتولاه ونعبده ونخلص له العبادة، ونحن نتبرأ إِليك منهم { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ظ±لْجِنَّ } أي بل كانوا يعبدون الشياطين لأنهم هم الذي زينوا لهم عبادة غير الله فأطاعوهم { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } قال الطبري: أي أكثرهم بالجنّ مصدقون يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً قال تعالى رداً على مزاعم المشركين { فَظ±لْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } أي ففي هذا اليوم - يوم الحساب - لا ينفع العابدون ولا المعبودون بعضهم لبعضٍ، لا بشفاعة ونجاة، ولا بدفع عذاب وهلاك، قال أبو السعود: يخاطبون بذلك على رءوس الأشهاد إِظهاراً لعجزهم وقصورهم عن نفع عابديهم، وإِظهاراً لخيبة رجائهم بالكلية، ونسبة عدم النفع والضر إِلى البعض للمبالغة في المقصود، كأن نفع الملائكة لعبدتهم في الاستحالة كنفع العبدة لهم { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي ونقول للظالمين الذين عبدوا غير الله { ذُوقُواْ عَذَابَ ظ±لنَّارِ ظ±لَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } أي ذوقوا عذاب جهنم التي كذبتم بها في الدنيا فها قد وردتموها، ثم بيَّن تعالى لوناً آخر من كفرهم وضلالهم فقال: { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي وإِذا تُليت على هؤلاء المشركين آيات القرآن واضحات المعاني، بينات الإِعجاز، وسمعوها غضة طريةً من لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم { قَالُواْ مَا هَـظ°ذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } أي ما هذا الذي يزعم الرسالة إِلا رجلٌ مثلكم يريد أن يمنعكم عمَّا كان يعبد أسلافكم من الأوثان والأصنام { وَقَالُواْ مَا هَـظ°ذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } أي ما هذا القرآن إِلا كذبٌ مختلق على الله { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـظ°ذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي وقال أولئك الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله ومكابرتهم للحقِّ النيّر: ما هذا القرآن إِلا سحرٌ واضح ظاهر لا يخفى على لبيب، قال الزمخشري: وفيه تعجيب من أمرهم بليغ، حيث بتّوا القضاء على أنه سحر، ثم بتّوه على أنه بيِّن ظاهر، كل عاقلٍ تأمله سمَّاه سحراً وفي قوله: { لَمَّا جَآءَهُمْ } المبادهة بالكفر من غير تأمل، ثم بيَّن تعالىأنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، ولم يكذبوا محمداً عن يقين، بل عن ظنٍّ وتخمين فقال: { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } أي وما أنزلنا على أهل مكة كتاباً قبل القرآن يقرءون فيه ويتدارسونه { وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } أي وما بعثنا إِليهم قبلك يا محمد رسولاً ينذرهم عذاب الله، فمن أين كذبوك؟ قال الطبري: أي ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إِليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } أي وكذَّب قبلهم أقوام من الأمم السابقين وما بلغ كفار مكة عشر ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوة والمال وطول العمر قال ابن عباس: { مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } أي من القوة في الدنيا { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي وحيث كذبوا رسلي جاءهم إِنكاري بالتدمير والاستئصال، ولم يُغن عنهم ما كانوا فيه من القوة، فكيف حال هؤلاء إِذا جاءهم العذاب والهلاك؟ وفيه تهديدٌ لقريش { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إِنما أنصحكم وأوصيكم بخصلةٍ واحدة ثم فسرها بقوله: { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىظ° وَفُرَادَىظ° } أي هي أن تتحرَّوا الحق لوجه الله والتقرب له مجتمعين ووحداناً، أو اثنين اثنين وواحداً واحداً، قال القرطبي: وهذا القيام معناه القيام إِلى طلب الحق، لا القيام الذي هو ضدُّ القعود { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } أي ثم تتفكروا في أمر محمد لتعلموا أن من ظهر على يديه هذا الكتاب المعجز لا يمكن أن يكون مسٌّ من الجنون أو يكون مجنوناً، قال أبو حيان: ومعنى الآية: إِنما أعظكم بواحدة فيها إِصابتكم الحقَّ وهي أن تقوموا لوجه الله متفرقين اثنين اثنين، وواحداً واحداً، ثم تتفكروا في أمر محمد وما جاء به، وإِنما قال { مَثْنَىظ° وَفُرَادَىظ° } لأن الجماعة يكون مع اجتماعهم تشويش الخاطر والمنع من التفكر، كما يكون في الدروس التي يجتمع بها الجماعة، وأما الاثنان إِذا نظرا نظر إِنصاف وعرض كل واحدٍ منهما على صاحبه ما ظهر له فلا يكاد الحقُّ أن يعدوهما، وإِذا كان الواحد جيّد الفكر عرف الحق، فإذا تفكروا عرفوا أن نسبته عليه السلام للجنون لا يمكن، ولا يذهب إلى ذلك عاقل { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } أي ما هو إِلا رسول منذر لكم إِن كفرتم من عذاب شديدٍ في الآخرة { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } أي لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً قال الطبري: المعنى إني لم أسألكم على ذلك جُعلاً فتتهموني وتظنوا أني إِنما دعوتكم إِلى اتباعي لمالٍ آخذه منكم { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ظ±للَّهِ } أي ما أجري وثوابي إِلا على الله رب العالمين { وَهُوَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي هو تعالى رقيب وحاضر على أعمالي وأعمالكم، لا يخفى عليه شيء وسيجازي الجميع، قال أبو السعود: أي هو مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِظ±لْحَقِّ } أي يبيِّن الحجة ويظهرها قال ابن عباس: يقذف الباطل بالحق كقوله: {*بَلْ نَقْذِفُ بِظ±لْحَقِّ عَلَى ظ±لْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ*}
[الأنبياء: 18] { عَلاَّمُ ظ±لْغُيُوبِ } أي هو تعالى الذي أحاط علماً بجميع الغيوب التي غابت وخفيت عن الخلق { قُلْ جَآءَ ظ±لْحَقُّ } أي جاء نور الحق وسطع ضياؤه وهو الإِسلام { وَمَا يُبْدِىءُ ظ±لْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي ذهب الباطل بالمرَّة فليس له بدءٌ ولا عودٌ، قال الزمخشري: إِذا هلك الإِنسان لم يبقَ له إبداءٌ ولا إعادة، فجعلوا قولهم لا يبدىء ولا يعيد مثلاً في الهلاك والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى:

{*وَقُلْ جَآءَ ظ±لْحَقُّ وَزَهَقَ ظ±لْبَاطِلُ*}
[الإِسراء: 81] { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىظ° نَفْسِي } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إِن حصل لي ضلالٌ - كما زعمتم - فإِن إِثم ضلالي على نفسي لا يضر غيري { وَإِنِ ظ±هْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } أي وإِن اهتديتُ إِلى الحق فبهداية الله وتوفيقه { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } أي سميعٌ لمن دعاه، قريب الإِجابة لمن رجاه، قال أبو السعود: يعلم قول كلٍ من المهتدي والضال وفعله وإِن بالغ في إِخفائهما { وَلَوْ تَرَىظ° إِذْ فَزِعُواْ } أي ولو ترى يا محمد حال المشركين عند فزعهم إِذا خرجوا من قبورهم { فَلاَ فَوْتَ } أي فلا مخلص لهم ولا مهرب { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي أخذوا من الموقف - أرض المحشر - إِلى النار، وجواب { لَوْ } محذوف تقديره: لرأيت أمراً عيظماً وخطباً جسيماً ترتعد له الفرائص { وَقَالُوغ¤اْ آمَنَّا بِهِ } أي وقالوا عندما عاينوا العذاب آمنا بالقرآن وبالرسول { وَأَنَّىظ° لَهُمُ ظ±لتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي ومن أين لهم تناول الإِيمان وهم الآن في الآخرة ومحل الإِيمان في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت منهم بمكان بعيد؟ قال أبو حيان: مثَّل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعدٍ كما يتناوله الآخر من قرب { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } أي والحال أنهم قد كفروا بالقرآن وبالرسول من قبل ذلك في الدنيا، فكيف يحصل لهم الإِيمان بهما في الآخرة! { وَيَقْذِفُونَ بِظ±لْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي يرمون بظنونهم في الأمور المغيبة فيقولون: لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار قال القرطبي: والعربُ تقول لكل من تكلم بما لا يعرف هو يقذف ويرجم بالغيب، وعلى جهة التمثيل لمن يرمي ولا يصيب { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } أي وحيل بينهم وبين الإِيمان ودخول الجنان { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } أي كما فعل بأشباههم في الكفر من الأمم السابقة { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } أي كانوا في الدنيا في شك وارتياب من أمر الحساب والعذاب، وقوله: { مَّرِيبٍ } من باب التأكيد كقولهم: عجبٌ عجيب.

البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق بين { يَبْسُطُ..و.. يَقْدِرُ } وبين { نَّفْعاً..و.. ضَرّاً } وبين { مَثْنَىظ°..و.. فُرَادَىظ° }.

2- المقابلة بين عاقبة الأبرار والفجار { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً.. وَظ±لَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ }.

3- الالتفات من الغائب إلى المخاطب { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } والغرض المبالغة في تحقيق الحق.

4- أسلوب التقريع والتوبيخ { أَهَـظ°ؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ }؟ الخطاب للملائكة تقريعاً للمشركين.

5- وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل جريمة الكفر عليهم { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ } والأصل وقالوا.

6- الإِيجاز بالحذف لدلالة السياق عليه { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِظ±لَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىظ° } حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه أي ما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم عندنا.

7- الاستعارة { بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } استعار لفظ اليدين لما يكون من الأهوال والشدائد أمام الإِنسان.

8- الكناية اللطيفة { وَمَا يُبْدِىءُ ظ±لْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } كناية عن زهوق الباطل ومحو أثره.

9- الاستعارة التصريحية { وَيَقْذِفُونَ بِظ±لْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } شبّه الذي يقول بغير علم، ويظن ولا يتحقق، بالإِنسان يرمي غرضاً وبينه وبينه مسافة بعيدة فلا يكون سهمه صائباً واستعار لفظ القذف للقول.

10- توافق الفواصل لما له من جميل الوقع على السمع مثل { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } ، { أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، { وَهُمْ فِي ظ±لْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:44 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة سبأ





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 21:47 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd