منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   التربية الإسلامية-الاجتماعيات-الفلسفة-التربية البدنية-الترجمة-التوثيق (https://www.profvb.com/vb/f417.html)
-   -   حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة (https://www.profvb.com/vb/t177837.html)

صانعة النهضة 2017-07-24 11:12

حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة
 
حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة

مع الدكتورعبد المجيد بنمسعود



http://dix.ampei.ampei.ma/wp-content..._fsgUN-9E2.png




تسعد”مجلة “تربيتنا الرقمية” بإجراء هذا الحوار الفكري معكم، اعتبارا لازدواجية تكوينكم المعرفي في الفلسفة أولا ثم التربية الإسلامية والعلوم الشرعية ثانيا، وذلك لمناقشة قضية أثارت كثيرا من المداد، يتعلق الأمر بالجدل الذي حصل بين مادة التربية الإسلامية ومادة الفلسفة، ونشكركم على قبول المساهمة في هذا الحوار الذي لا نشك أنه سيميط الكثير من الغموض عن هذا الموضوع.



مجلة تربيتنا: بداية، كيف يمكن للدكتور عبد المجيد بنمسعود أن يقدم نفسه للقارئ؟

عبد المجيد بنمسعود، من مواليد 8 يوليو 1952، بوجدة – المغرب،
* حاصل على الإجازة في علم الاجتماع.
* حاصل على الدكتوراه في الآداب، تخصص مصطلحات القرآن والحديث وعلومهما.
* مفتش ممتاز لمادة التربية الإسلامية بأكاديمية الجهة الشرقية، وجدة المغرب.( سابقا)
*منسق اللجنة الجهوية للتعليم الأصيل الجديد، لجهة الشرق حاليا.
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

* له عدة إصدارات

(كتب ومقالات…) وهذه بعض الكتب:


– القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر.( سلسلة كتاب الأمة)
– التفكك الأسري، دعوة للمراجعة، بالاشتراك.( سلسلة كتاب الأمة)
– الأخدود، مجموعة قصصية (مترجم إلى الإنجليزية).
– منظومتنا التربوية، إلى أين؟ أضواء نقدية وأفق البديل.
– التعليم بالمغرب بين تحديات العولمة والإصلاح المنشود، بالاشتراك.
– مفهوم السلطة في ضوء المنظومة التربوية الإسلامية.
– مقالات في الشهود الحضاري.
– أية هوية لأية تربية؟ دراسة للنظام التربوي المغربي.
– مفهوم النعمة في القرآن الكريم دراسة مصطلحية وتفسير موضوعي.
– النظم الأصيلة والتحديات المعاصرة( بحث في إطار مشروع نظام تربوي أصيل بدولة قطر.)
– خروق في سفينة المجتمع( يصدر قريبا إن شاء الله).
* له مشاركات عديدة في الحقل التربوي (ندوات، محاضرات، تأطير دورات تكوينية، لقاءات، حوارات…)

======


مجلة تربيتنا:: يزخر الفكر الإسلامي تاريخيا بأطروحات ومواقف مختلفة حول العلاقة بين الدين والفلسفة ونظرة كل منهما للآخر ، فما طبيعة العلاقة بين الدين والفلسفة أو الحكمة والشريعة بتعبير ابن رشد؟


من المعلوم في سنن العمران البشري، أن من خصائص الحضارات الحية والخلاقة، أن تمتلك قابلية عليا للتفاعل مع غيرها من الحضارات، أخذا وعطاء، وربما اتخذ ذلك التفاعل في بعض المحطات والمراحل، صيغة من الصراع الحاد، الذي تكون الغلبة فيه لهذا الطرف أو ذاك من الطرفين المتفاعلين.


وقد يختلف أحد الطرفين عن الآخر من حيث طبيعة موقع كل منهما- حالة جريان التفاعل- على مستوى الحيوية أو الركود الحضاري، أومن حيث طبيعة النظرة أو درجة الانبهار التي يعبر عنها الطرف المتحفز للأخذ من الطرف محل الأخذ والاقتباس، مما يؤثر على طبيعة نتائج هذا الأخير ومآلاته، أي على الصيغ والنماذج، أو القوالب والأنساق الفكرية التي تمثل نتيجة أو خلاصة التفاعل الفكري، سواء أكان ذلك التفاعل هادئا ناعما، أو حادا محتدما. كما أن من شأن متانة البناء الحضاري لأمة من الأمم، وما يتميز به من عمق في مرجعيته الفكرية والفلسفية، بسبب تميزه على المستوى العقدي، أن يمنحه خصوبة عالية من حيث ما يمكن أن يعبر عنه من فهوم ومواقف.


وإذا نحن استصحبنا مضمون هذا الكلام كإطار للجواب على السؤال المطروح حول طبيعة العلاقة بين الفلسفة والدين في نطاق الحضارة الإسلامية، ألفينا انطباقا لكثير من عناصره على ما نحن بصدد بيانه وتحليله في شأن تلك العلاقة.





يمكن للجواب على هذا السؤال أن يتخذ منحيين: منحى تاريخيا، ومنحى تأمليا نقديا. أما فيما يتعلق بالمنحى الأول فيمكن القول بأن العلاقة بين الشريعة – ممثلة في الإسلام باعتباره رؤية للكون والحياة والإنسان والمصير، من جهة- وبين الفلسفة، أو الحكمة بتعبير ابن رشد في كتابه” فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”- باعتبارها نتاجا للفكر البشري وهو ينظر في مختلف القضايا والإشكالات التي فرضها الواقع الموضوعي، أو تمخضت عنها حركة التفلسف في مستواه التجريدي الصرف من جهة أخرى- كانت علاقة بالغة التنوع في صيغها وأساليبها، أو على مستوى مناهج التناول والتحليل،

ورغم ذلك التنوع، فإن الطابع الغالب لاتجاه الفلاسفة في علاقتهم بالشريعة قد تمثل في التوافق، على أساس ما كانوا يعتقدونه من وحدة الغاية بين كل من الدين والفلسفة، أو الشريعة والحكمة، إذ إن كلا منهما ينشد الحقيقة، وتمكين الإنسان من بلوغ السعادة. وعلى أساس ذلك الاعتقاد راح الفلاسفة على مختلف مشاربهم وأساليبهم يقيمون أنساقهم ونظرياتهم المعبرة عن ذلك التوافق (الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، ابن طفيل…).

غير أن تعبير الفلاسفة الإيجابي في مجمل مواقفهم من الشريعة، ما كان ليحجب بعض منزلقاتهم على مستوى الفهم والتأويل، التي تمثلت في مخالفة بعض حقائق الشرع الكلية والجزئية على حد سواء1. وهذا ما جعلهم غرضا لسهام النقد من طرف الفقهاء وعلماء الدين (ابن تيمية(728ه)، ابن الصلاح الشهرزوري(643ه)، الراغب الأصفهاني( 502ه)، بل وحتى ممن جمعوا بين الفقه والفلسفة ( الإمام الغزالي( 505ه)، رحمهم الله جميعا.

وحتى تتضح بعض دواعي هؤلاء على الفلاسفة، وليس على الفلسفة في حد ذاتها، أسوق هنا نموذجا يمثل حقيقة موقفهم منهم، يقول الراغب الأصفهاني في كتاب “تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين” :” واعلم أن العقل بنفسه قليل الغناء، ولا يكاد يتوصل إلا إلى معرفة كليات الأشياء دون جزئياتها، نحو أن يعلم جملة حسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطي الجميل، وحسن استعمال العدالة وملازمة العفة، ونحو ذلك من غير أن يعرف ذلك في شيء شيء، ولا يعرفنا العقل مثلا أن لحم الخنزير والدم والخمر محرم، وأنه يجب أن يتحامى من تناول الطعام في وقت معلوم، وأن لا تنكح ذوات المحارم، وأن لا تجامع المرأة في حال الحيض، فإن أشباه ذلك لا سبيل إليها إلا بالشرع، فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة، والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضل سواء السبيل2”.


وأما فيما يتعلق بالمنحى الثاني، وهو المنحى النقدي، فأسوق هنا تصورا بالغ العمق نابعا من نظرة ثاقبة، كشف عنه الفيلسوف المغربي الكبير الدكتور طه عبد الرحمن، في سياق تحليله لموقف الفيلسوف العلامة بديع الزمان النورسي من العلاقة بين الدين والفلسفة.

فبعد إجراء خطوة يراها أساسية، تتمثل في التصحيح المصطلحي-وذلك بتخصيص لفظ الفلسفة بالمعرفة التي هي نتاج بشري، وتخصيص لفظ الحكمة بالمعرفة التي جاء بها الوحي، ليكون ذلك بديلا عن الصيغة المألوفة عند القدماء، ( وهي استخدام لفظ الحكمة للدلالة على الفكر الفلسفي، مقابل استخدام لفظ الشريعة للدلالة على الدين)، درءا لما يمكن أن يترتب من خلط عن التسمية القديمة، تخرج بمقتضاه الشريعة من دائرة الحكمة.)، انتقل إلى بسط ملابسات انتقال بديع الزمان النورسي:



من موقفه القديم الذي يتبنى من خلاله أطروحة الوصل أو الجمع بين الفلسفة والدين،( على غرار الفلاسفة المسلمين)، وهو جمع يميز فيه:
بين جمع التداخل، الذي يعني أن” الفلسفة والحكمة تدخل إحداهما في الأخرى، فما تقرره الحكمة( أي الدين) تثبته الفلسفة وما تدعيه الفلسفة تؤيده الحكمة، بحيث تنزلان منزلة الأختين الشقيقتين؛ ويقوم هذا الوصل التداخلي، حسب ما جاء في نصوص بديع الزمان، على مبدأين أساسيين:
أحدهما، مبدأ تأسيس النقل على العقل: ومقتضاه أن النقل يُؤوَّل على مقتضى العقل متى ظهر تعارضه معه.
والثاني، مبدأ التوسل بالعقل في النقل: ومقتضاه أن المفاهيم العقلية تكون وسائط في بيان الحقائق النقلية.
وبين جمع التصاحب بين الفلسفة والحكمة: ( الذي معناه) أن الفلسفة والحكمة، ولو أنهما تعبِّران عن حقيقة واحدة، تبقيان مستقلتين إحداهما عن الأخرى، إذ تكون لكل واحدة منهما لغتها وجمهورها ومنهجيتها ومقصديتها الخاصة، فتكون العلاقة بينهما علاقة تساوق وترافق أشبه بترافق الصديقتين؛ والأصل في القول بهذا الوصل التصاحبي هو الاعتقاد بأن الفلسفة تأخذ بمبادئ ثلاثة لا تأخذ بها الحكمة:



أحدها، مبدأ الاندهاش: ومقتضاه أن فعل التفلسف يتولد من الشعور بالدهشة – أو العجب – إزاء الآثار في النفس أو إزاء الأشياء في الأفق.

والثاني، مبدأ الاستشكال: ومقتضاه أن الفيلسوف لا يفتأ يضع الأسئلة تلو الأخرى، باحثا عن الأجوبة عنها.

والثالث، مبدأ الاستدلال: ومقتضاه أن الفلسفة تستند في إثبات حقائقها إلى الأدلة العقلية التي قد تبلغ أعلى مراتب اليقين.




مجلة تربيتنا:: ما هي في رأيكم الاعتبارات المعرفية التي تجعل بعض الفقهاء يحذرون من دراسة الفلسفة واتباع منهجها في التفكير عندما يتعلق الأمر بقضايا إيمانية صرفة؟


يتبع





صانعة النهضة 2017-07-24 11:17

رد: حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة
 
مجلة تربيتنا:: ما هي في رأيكم الاعتبارات المعرفية التي تجعل بعض الفقهاء يحذرون من دراسة الفلسفة واتباع منهجها في التفكير عندما يتعلق الأمر بقضايا إيمانية صرفة؟


أعتقد أن مضمون الجواب على السؤال السابق يفيد في تسليط الضوء على تلك الاعتبارات، وخلاصة ذلك، أن منهج التفكير الفلسفي يقوم على التأمل والاستدلال العقلي بشتى أنواعه، وهذا الاستدلال يتأسس على معطيات الحس والتجربة، التي تزود العقل بمادة مقدماته التي ينبني عليها ما يخلص إليه من نتائج، لا تتجاوز في طبيعتها الطابع الكلي العام. فالعقل الإنساني من خلال ممارسته التفكير الفلسفي، يستطيع أن يخلص إلى فكرة وجود إله وراء هذا الكون، ولكنه يعجز تماما عن الوصول إلى تفاصيل الصفات المتعلقة بذلك الإله المدبر للوجود، فعلى سبيل المثال، أرسطو، وهو من أعظم العقول في تاريخ الفلسفة، ويسمى بالمعلم الأول، يصف الله بأنه يعلم الكليات دون الجزئيات، وهي فكرة تتنافى مع حقيقة الألوهية وصفاتها الحقة التي منها أن الله عز وجل لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يقول الله عز وجل:”(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) سورة الأنعام: 59.


ومن ثم فإن ممارسة التفكير الفلسفي لا يخلو من محاذير، ما لم تتوفر الشروط لدى من يقوم بذلك.



مجلة تربيتنا: يدعو الفكر التربوي المعاصر إلى ضرورة انفتاح المواد بعضها على بعض، ونعتقد أن الإسلام سبق لذلك نظريا وعمليا، فهل لكم أن تحدثونا عن الأسس والغايات التربوية لهذا التوجه العالمي؟




مما لا شك فيه أن هذا التوجه العالمي إلى ضرورة الانفتاح المتبادل بين المواد والعلوم، أو ما يسمى بالتكامل المعرفي، قد تبلور لدى القيادات الفكرية والعلمية، نتيجة لوعي حاد منها بجملة من المشاكل والاختلالات، التي نجمت على مستوى كل علم أو حقل معرفي على حدة، نتيجة خلل في الرؤية المنهجية التجزيئية، فكان ذلك مظهرا ليقظة علمية وفكرية شكلت انعطافا هاما في مجال بناء المنهجية المعرفية، تمخض عن ثمار طيبة، إن على الصعيد المنهجي النظري، أو المستوى النظري التطبيقي.

والتكامل المعرفي قد يتخذ مستويات متعددة من حيث سعة المجال الذي يستغرقه ويستهدف العمل في نطاقه، وفق مقاصد محددة.


فقد يكون الحقل الذي يجري فيه التكامل مرتبطا بموضوع التربية والتعليم، والتكوين، وفي هذه الحالة نكون أمام جملة متكاملة من العلوم والتخصصات، تستثمر مبادئها وحقائقها وقوانينها في سبيل البناء الرصين لاستراتيجية التربية والتكوين، من أجل الارتقاء بالمخرجات المتوخاة من البرامج والمدخلات، وكذا التمشيات والتقنيات، في أفق الحصول على مردود يتسم بالجودة والفاعلية.

هذا على سبيل التأطير النظري الذي يصطلح عليه بعلوم التربية بمختلف تشعباته، وهناك مستوى آخر يتجلى فيه التكامل المعرفي، هو مستوى المواد المقررة في المنظومة التربوية التعليمية، بحيث يفترض أن تندرج تلك المواد ضمن نسق تربوي متراص العناصر، بسبب استرشاده بفلسفة تربوية واضحة المعالم ثابتة الأركان.

وغير خاف على العارفين بطبيعة الحضارة الإسلامية، أنها حضارة المنهجية، وحضارة التكامل المعرفي بامتياز، وحضارة التي هي أقوم في كل شيء، بموجب كتابها (القرآن الكريم) الذي يهدي للتي هي أقوم، مصداقا لقول الله تعالى:

” إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ”. سورة الإسراء: 9.


والذي يحكم خاصية التكامل، بل خاصية الوحدة، هو مبدأ التوحيد الذي يقتضي الاجتماع على كلمة سواء، والدخول في السلم كافة، ومبدأ الجمع والانسجام بين آيات الكتاب المسطور، وآيات الكتاب المنظور. وإن من شأن الخروج على هذه السنن والمقتضيات، أن يؤدي إلى سقوط كارثي مهول في فصام نكد، وتشوه ذميم، تتجرع الإنسانية عواقبه المشؤومة.




مجلة تربيتنا: في إطار هذا التوجه كيف تقيمون العوامل الثقافية التي مازالت في وقتنا الحالي تدعو إلى استمرار مواقف الرفض المتبادل بين المواد النقلية والمواد العقلية؟




يتبع


صانعة النهضة 2017-07-28 10:32

رد: حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة
 
مجلة تربيتنا: في إطار هذا التوجه كيف تقيمون العوامل الثقافية التي مازالت في وقتنا الحالي تدعو إلى استمرار مواقف الرفض المتبادل بين المواد النقلية والمواد العقلية؟


من الواضح أن أبرز العوامل الثقافية التي تكمن وراء هذا التنازع والشقاق الذي لا يزال قائما بين المواد النقلية والمواد العقلية، يتمثل في افتقاد المجتمع إلى استراتيجية موحدة على مستوى البناء التربوي والثقافي، وإلى سيادة الاضطراب والتذبذب على مستوى تدبير دواليب المنظومة التربوية، التي تتميز بميزة ذميمة هي كونها تجمع في تلافيفها بين شركاء متشاكسين، فأنى لمنظومة هذا ديدنها وهذه طبيعتها أن يقوم بداخلها سلام بين المعارف والمواد؟

إن فقدان البوصلة، وضياع الربابنة بين اختيارات متناقضة لا ينجم عنه رفض متبادل بين الفرقاء على ساحة ” المنظومة” المنكوبة، فحسب، بل إنها لمرشحة لاقتتال دموي عنيف، واستنزاف رهيب للطاقات، يخلف وراءه ركاما من الضحايا والأشلاء.







مجلة تربيتنا: باعتباركم أحد الدارسين للفلسفة إلى جانب الفكر الإسلامي ألا يمكن اعتبار موقف بعض الفاعلين المنتمين لمادة الفلسفة ومادة التربية الإسلامية ما زال يعكس صعوبة معينة لتحقيق التكامل المعرفي بين المادتين؟





أعتقد أن المعضلة أبعد بكثير من مجرد تعارض بين فئتين متعارضتين من الأساتذة، يختص كل منهما بمادة من المواد الحساسة داخل مواد المنهاج الدراسي، إنها مشكلة نظام بأكمله، فاقد لبوصلة السير والإبحار، وسط خضم متلاطم الأمواج، متعدد التيارات، منذر بالأعاصير. إن ما يمثل خطوة إيجابية للانطلاق في الحل والوفاق، هو توحيد الغذاء، على أن يكون هذا الغذاء خاليا من السموم والمنغصات، محملا بعناصر القوة، خاضعا لعملية دائمة من التعهد والرقابة والتجديد.


مجلة تربيتنا: ما رأيكم في الحوار بين قيادات الجمعيتين على أرضية المشترك وتنظيم لقاءات وندوات مشتركة كحل لتجاوز هذه الوضعية، علما بأن الجمعية سبق لها أن استدعت ممثلي جمعية مدرسي الفلسفة في بعض أنشطتها وفي الجلسات الافتتاحية لاثنين من مؤتمراتها.



مما لا شك فيه، أن الحوار على صعيد واحد، لا يأتي إلا بخير، وكما قلت سابقا، فإن مما يعين على نجاح مثل هذا الحوار، الاحتكام للمرجعيات والمواثيق التي تحكم منظومة التربية والتعليم في البلاد، ومعرفة كل الأساتذة على حد سواء، بما فيهم أساتذة التربية الإسلامية وأساتذة الفلسفة، أن الضحية الأولى لأي تنازع وشقاق بين المدرسين، هم الناشئون، الذين ينعكس ذلك على نفسياتهم الغضة تمزقا وتذبذبا واضطرابا، خاصة وأنهم في مرحلة حساسة من العمر، يخشى عليهم فيها من الانحراف والشعور بالإحباط، الأمر الذي يجعل هؤلاء الأساتذة في قفص الاتهام، إن هم أساؤوا التصرف، ويصمهم بالأنانية وضيق الأفق الفكري، وعدم تقديرهم لمصلحة الأجيال، ومصلحة الوطن العليا.



مجلة تربيتنا: من القيم التي يلزم أن تحكم التفاعل الفكري بين مختلف الاتجاهات داخل المدرسة كما داخل المجتمع احترام الحق في الاختلاف والقبول بالآخر والاتجاه نحو المتفق عليه، فكيف تفسرون تجاهل هذه القيم في الدفاع عن أي مادة دراسية؟


المفروض في المدرسة المغربية، لو سارت الأمور على ما كان ينبغي أن تسير عليه، أن تكون موحدة الوجهة، محددة المقاصد، وفقا لهوية الوطن الأصيلة المصونة باللغة والدين، إذ لا رسوخ لها ولا تألق بغير ذلك، والمفروض في التفاعل الفكري وحرية الابتكار والتجديد والإبداع، أن تجري في ظل ذلك الإطار المسيج المتين، المصون من أي اختراقات تنخر الوحدة وتنقض الإجماع، والمفروض في الاختلاف على صعيد الوطن أن يكون اختلاف رحمة لا اختلاف فرقة وعذاب، يتمزق في ظله الوعاء الثقافي، فيتحول إلى ما يشبه ثوبا ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفات، ولكن وقد وقع ونزل، وتعرض الوطن إلى بلاء التشتت الفكري والإيديولوجي، على مستوى النخب المثقفة التي بيدها أمر التربية والتشكيل، فلم يعد هناك من اختيار إزاء واجب الحوار الهادف البناء، الذي يحترم فيه الرأي والرأي الآخر، ويتم فيه الالتقاء على المشترك والمتفق عليه كما تفضلتم بالإشارة إليه، في اتجاه رأب الصدوع والتشققات، والسعي الصادق إلى استعادة الوحدة القائمة على ثوابت الأمة العقدية والثقافية، بما يحفظ لها وجودها في معترك التدافع بين الهويات والتكتلات.


مجلة تربيتنا: هل لديكم إضافة تودون إبرازها في نهاية هذا الحوار؟


ما يمكن أن يضاف كثير، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كما يقال، وأجدني مدينا لكم بالشكر الجزيل، على هذه الفرصة التي أتحتموها لي للإدلاء بدلوي في شأن تربوي ذي بال، وعلى ما تبذلونه في إطار جمعيتكم العتيدة، الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، من أجل الإسهام البناء في الارتقاء بتدريس التربية الإسلامية، حتى تؤدي وظيفتها، بل ورسالتها في تحصين الأجيال، وإعدادهم لمستقبل الوطن، والله الموفق للصواب، وهو يهدي السبيل.





مجلة تربيتنا: في الختام نشكركم على رحابة صدركم وعلى تفاعلكم الإيجابي مع دعوة المجلة لإجراء هذا الحوار المهم والمثمر.




الهوامش

1 – ينظر في هذا الموضوع كتاب تهافت الفلاسفة على سبيل المثال،
2 – نقلا عن كتاب:” تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية لمصطفى عبد الرازق ط3 مطبعة النهضة المصرية. ص: 67.

بالتوفيق 2017-08-07 09:18

رد: حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة
 
شكرا جزيلا لكم على تقاسم هذا الحوار الهام

حول موضوع هام و آني

حفظكم الله

صانعة النهضة 2017-08-12 14:45

رد: حوار حول جدلية العلاقة بين التربية الإسلامية والفلسفة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بالتوفيق (المشاركة 947187)
شكرا جزيلا لكم على تقاسم هذا الحوار الهام

حول موضوع هام و آني

حفظكم الله


بورك تفاعلك الطيب يا أخي توفيق

والله اشتقنا لبصماتك الوازنة في المنتدى

فلا تبخل علينا بحرفك الممزوج بعبق الأقحوان


https://img-fotki.yandex.ru/get/9258...ec_fb31b5a0_XL



الساعة الآن 16:41

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd