2017-01-24, 22:20
|
رقم المشاركة : 2 |
إحصائية
العضو | | | رد: تذوق اللغة العربية الفصيحة و تنمية القدرة على استخدامها | المدرسة جزء رئيس من البيئة
حيث تتواصل عملية البناء للطفل بين البيت والمعهد . فتكون مسؤولية المربين في المدارس أن يتقنوا التحدّث بالفصحى ليتكونّ الجو المناسب الذي يرعى ويربى في الطفل تذوقه للفصحى واستخدامه لها . ثم يأَتي المسجد حيث يغلب أن لا يسمع المسلم في المسجد إلا الفصحى ، سواءً أكان ذلك بالقرآن الكريم أم الدروس التي تعطى فيه ، أم خطبة الجمعة أم غيرها من الأنشطة الإيمانية ، وبذلك يرتبط البيت والمعهد والمسجد برباط قوي بحيث تتعاون هذه المراكز الثلاثة فيما بينها على تحقيق الهدف . وتمتد ميادين البيئة بعد ذلك إلى ما يشاهده الطفل على التلفاز وسائر وسائل الإعلام ، وما يسمعه من أقربائه وزملائه في حياتهم العامة . ولكن هذه الميادين : البيت ، المدرسة ، المسجد ، المجتمع ، تكون كلها مسؤولية أُمَّةٍ واحدة ، تحمل رسالة واحدة ، رسالة الإسلام ، وتجاهد من أجله ، فيصبح غذاء الطفل في جميع مراحل نموِّه غذاء صالحاً ، بالفصحى والإيمان والخلق وغير ذلك . وفي هذه الميادين كلها ، يكون هنالك المربي المسؤول . ونودّ أن نشير هنا إلى قضية رئيسة ذلك أن المسؤولية لا تقف عند حدود المسؤولية المادية الدنيوية ، ولكنها مسؤولية ممتدة حتى الدار الآخرة ، بين يدي الله سبحانه وتعالى ، حين يحاسب كل إنسان عن عمله ونيته . والعامل الآخر الذي يساعد على تنمية التذوق للفصحى هو طبيعة اللغة العربية نفسها ، وعظمة خصائصها ، وأعتقد أن اللغة العربية وكذلك سائر اللغات انبثقت في أول مراحل تكوينها من لغـة آدم عليه السلام ، اللغة التي علمه الله إياها : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا .... ) [ البقرة :31] وخاطب الله آدم عليه السلام باللغة التي علّمه إياها ، وخاطب آدم عليه السلام ربـه بهذه اللغة . ثم تعلَّمها أولاده الذين تفرّقوا في الأرض باتجاهات مختلفة ، ومع كل اتجاه أخذت اللغة تنمو وتتطور في تاريخ طويل حتى أخذت الصـورة التي نجد اللغة عليها اليوم ، لغات مختلفة ، كان اختلافها آية من آيات الله : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ ) [ الروم :22] فهذه اللغات آية من آيات الله ونعمة من نعمه . فبها يتم التخاطب وتتعارف الشعوب ، وتقضى الحاجات . وللغة بصورة عامة أثرها الكبير في عملية التفكير لدى الإنسان ، حتى إن بعض العلماء المختصين ، اعتبروا اللغة هي التفكير ، وبعضهم اعتبرها وعاء التفكير . ويزداد أثر اللغة في التفكير كلما كانت اللغة أغنى وأقوى و أكثر نمُوّاً . وكان من فضل الله كذلك على الإنسان أن علمه البيان كما علمه القرآن : ( الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْأِنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) [ الرحمن :1ـ4 ] وإذا كان لكل لغة نعرفها اليوم تاريخ خاص تطورت من خلاله ، فللغة العربية تاريخ خاص متميز . فإذا قلنا إن أول أمرها كان مثل سائر اللغات انبثقت من لغة آدم عليه السلام . ثم تطورت حتى أصبحت اللغة العربية الفصحى على لسان إسماعيل عليه السلام : فعن عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن الرسول r قال : " أول من فُتِق لسانه بالعربية المبيَّنة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة " . [ الشيرازي في الألقاب ]([4]) ولقد كشفت الآثار أن لغة النبي صالح عليه السلام قريبة جداً من اللغة العربية الفصحى في حروفها وقواعدها ، مما يوحي أن اللغة العربية في كلّ مرحلة من مراحل نموّها كانت لغة نبيّ من الأنبياء ولغة الرسالة الربانية . وكأنها لغة النبوة في مسارها الطويل ، حتى إذا اكتمل نضجها نزل بها الوحي الكريم قرآناً عربياً غير ذي عوج . فزادت بركتها وزاد فضلها ، وأصبحت بميزان الإسلام والإيمان اللغة المتميزة بخصائص كثيرة من حيث الجمال ، والجرس ، والبيان ، والفصاحة ، وحتى ميَّزها الله في كتابه الكريم وأثنى عليها . ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) [ فصلت :3] وآيات أخرى كثيرة في كتاب الله كشفت عظمة هذه اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى وفضلها على لغات العالم كله . فتصبح هذه اللغة العربية منذ نشأتها قديماً وحتى اليوم لغة النبوّة الممتدة في التاريخ مع كل مرحلة من مراحل نموها ، على الشكل الذي كانت عليه في كل مرحلة . ولما فرض الله ورسوله طلب العلم وبخاصة من القرآن الكريم بلغته العربية الفصيحة أصبحت لغةُ القرآن الكريم ، لغةَ الإسلام ، لغةَ الرسالة الخاتمة التي جاءت للعالمين ، للناس كافة : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الأنبياء ] ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) [ سبأ:28] فهي أصبحت بذلك لغة كلّ مسلم آمن بالله واليوم الآخر ، وهي بذلك لغة الفطرة التي فطر الله الناس عليها . فهي رحمة من الله ،وهي بذلك كله لغة الإنسان تمتد مع امتداد الدعوة والبلاغ . وبذلك يكون تقبّلها وتذوّقها سهلاً عند الطفل الذي سلمت فطرته . وهذه خاصة رئيسة لتساعد على تنمية تذوق الفصحى عند الطفل في جميع مراحل نموه . فلم تعد اللغة العربية لغة قوم محدودين ، ولكنها أصبحت لغة الرسالة الممتدة للبشرية كلها . وإذا استعرضنا جميع الآيات الكريمة التي تحدَّثَتْ عن القرآن الكريم ولغته العربية ، لوجدنا أن اللغة العربية من خلال كتاب الله قد ارتبطت بميادين الحياة المختلفة ، مما جعلها ميسّرة في كل ميدان : فهي مرتبطة أولاً بالقرآن الكريم ووجوب تدبره ، بالتشريع والأحكام ، بالإيمان والتوحيد ، بالتقوى ، بالدعوة والبلاغ ، بالتذكير ، بالبشرى ، بالنذر ، بالعقل بالتفكير ، وبكل مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للناس في كتابه الكريم : (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) [ الزمر : 28،27 ] فحتى ننمِّي عند الطفل تذوّق اللغة العربية يجب أن ننمِّي معها خصائص الإيمان والتوحيد ، ونحمي فطرته ونغذِّي الطفل بلغة القرآن ، فذلك كله يُنمي تذوقه للغة العربية الفصيحة ، وينمّي قدرته على استخدامها ، وينمي إيمانه ، ويوفّر الحوافز الإيمانية لدى المسلم . وعندما انطلق المسلمون بفتوحاتهم ، أصبحت اللغة العربية لغة هذه الشعوب كلها ، وتقبلوها بيسر وسهولة مع تقبّل الإسلام والإيمان . وأصبح من أبناء هذه الشعوب علماء في اللغة العربية وأدباء وشعراء .
ولقد تحدّث عن عظمة اللغة العربية كثيرون من المسلمين ومن غير المسلمين ، حديث قناعة ، وحجّةٍ وبيان . وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " تعلّموا العربية فإنها تُثَبِّتُ العقل وتزيد المروءة " ([5]) وهذا نابع من ارتباطها بالفطرة والإيمان ، ومن فضل الله على الناس وعلى اللغة العربية . وقال عمـر بن الخطاب أيضاً : " تعلّموا النحو كما تتعلمون السنن والفرائض "([6]) وقال " تعلموا إِعراب القرآن كما تعلمون حفظه " ([7]) . وكأنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسم نهجاً ووضع خطة لتعلُّم العربية وترغيبها إلى النفوس .
ومرّ عمر بن الخطاب على قومٍ يسيئون الرمي فقرّعهم . فقالوا : إنا قوم متعلمين . فأعرض مغضباً وقال : لخطؤكم في لسانكم أشدُّ عليَّ من خطئِكم في رميكم . سمعت رسول الله r يقول : رحم الله امرءاً أصلح من لسانه " ! ولحن رجل أمام رسول الله r فقال : " علّموا أخاكم " ورويَ أن أبا عمرو بن العلاء كان يقـول : " لعلمُ العربيّـة هو الدين بعينه " ([8]) وهذه الخصائص كلها تسهل تنمية تذوق الفصحى عند الأطفال والشباب وأبناء الأمة المسلمة جميعاً . ومن الضروري أن نشير هنا إِلى أنه لا يحسن أن نعالج قضية تذوق الطفل للفصحى كقضية مستقلة معزولة . كلا ! إنها جزء لا يتجزّأ من رسالة الإسلام الخاتمة ودعوته التي يجب أن تمضي في الأرض إلى الناس كافة . فمن الأهداف الربانية الأولى هي تبليغ دعوة الله إلى الناس كافة كما أنزلت على محمد r وتعهّدهم عليها ، لتحقّق بذلك جوهر العبادة وغاية الأمانة وحقيقة الخلافة وضرورة عمارة الأرض بحضارة الإيمان . فقضية اللغة العربية قضية مرتبطة بالإسلام وبأمة الإسلام ، وبمدى قوتها وتشاطها وامتدادها. وفي جميع هذه الحالات لا بد من توافر الطاقة القادرة على تحفيز هذه المهمة والقيام بها . وتُطْلَقُ على هذه الطاقة بصفة عامة كلمة : " المربي " ! الذي يكون حيناً الوالدين ، وحيناً آخر الأساتذة المدرسين ، وحينا آخر المؤسسات المتخصصة من ناحية والمؤسسات العامة من ناحية أخرى ، إذ يجب على الجميع تبني موضوع اللغة العربية ونشرها وحمايتها وتغذية الأطفال بها ، وتنمية تذوقها لدى الأطفال والشباب ولدى الأمة كلها . وهذه الجهود يجب أن تلتقي كلها في نهج جامع وخطة متكاملة ، يحمل ذلك كله الوسائل والأساليب وصدق النيّة وإخلاصها لله سبحانه وتعالى .
والخطوة الأولى هي توفير البيئة الصالحة
يتبع | التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |