....كان يقطع مسافة تعد بالكيلومترات ، وهو يتجه نحو " لمدينة لقديمة " قادما من حيه الهامشي ، أو لنقل السيء السمعة ..كانت الفرحة تملأ قلبه وهو يتجول بين أزقة المدينة ، مدينة تشمل العديد من الأحياء الحرفية و المآثر الإسماعيلية الخالدة...رائحة دروبها لا تشبه رائحة حيه العفن ، وأصوات و لكنة سكانها تمتاز بطعم خاص وهي تلج الأذن .

رغم سن الصبا ، ونهاية عهد الطفولة فقد كان يتجول بكل كبرياء ، ويتوقف للحظات أمام زقاقات الحرفيين يمتع النظر بأجمل الصناعات اليدوية ، هنا حدادين ، وهناك سلالين و نجارين و نحاسين ، وهنالك دباغين و خياطين للأقمصة التقليدية ، وبينهما فتحت مقاهي شعبية تترنم بنغمات طرب الملحون ، الفن الذي لا يختلف إثنان عن عشقه بمدينة مكناس .

أصوات رفع الآذان للصلاة ، تشكل سنفونية ربانية تحمل السامع للهرولة نحو أقرب مسجد .. وهي فرصة لصاحبنا كي يؤدي الفريضة ، ويستريح من عناء الجولة ....وبعد الصلاة ينسل وسط الراجلين إلى أن يصل إلى أكبر شارع تجاري بالمدينة القدية : شارع السكاكين الذي يضم أكبر المتاجر التي تبيع بالجملة و التقسيط ، ويصعب المرور بوسطه لكثرة " الفراشة " الذين يصرون على وضع بضاعاتهم أرضا مهما كلف الأمر ، بالنسبة للفرد الواحد مثله لا يجد عناء في قطع مسافة الشارع الطويل ، أما الأمهات و أطفالهن فالله يعلم بحالهن ...

في نهاية الشارع ، يجد صاحبنا نفسه وجها لوجه أمام أزقة " باب الجديد " ...يشعر بشعور مليء بالخوف و الرهبة وهو يعبر تلك الأزقة الواسعة ، والسبب ظنه بأن " باب الجديد " مليئ باللصوص و السكارى ...هذا هو الإعتقاد السائد عند الكثير من المكناسيين آنذاك !!!!!
فرغم جيبه المثقوب أصلا ، فهو يعتقد دائما أن أحدا سيضع يده على " بزطامه "!
وبعد هنيهات قليلة ، يجد نفسه أمام تجمع " لحلاقية " التي كانت تصنع فرجتها و حكاياتها قرب ضريح " الشيخ الكامل " الهادي بنعيسى .....