2016-02-09, 20:12
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | منظومة الأجور.. أو الدلالات الحارقة ! | منظومة الأجور.. أو الدلالات الحارقة ! عبد اللطيف مجدوب الثلاثاء 09 فبراير 2016 - 07:45
المشهد العام منظومة الأجور ؛ في المغرب ، وبالنظر إلى حجم الفوارق المالية الهائلة بين أجور فئات الموظفين وخاصة في القطاع العام ؛ تبعث على طرح تساؤلات حقوقية ، من حيث علاقاتها بالمستوى السوسيوقتصادي الذي عليه المغرب ، وماليته العامة ، وأوجه صرفها ، وتداعيات البون الشاسع في سلالم الأجور ، وكذا الامتيازات المالية الخيالية التي تحظى بها فئة موظفين ؛ توجد خارج المنظومة ، أو تخضع ؛ في تواجدها داخل الميزانية العامة للدولة ؛ إلى مزاجات خاصة لا تطالها المراقبة المالية ! أجور الوظيفة العمومية يعد المغرب من بين الدول الأكثر وفاء لسياسة صندوق النقد الدولي ؛ الرامية إلى تقليص نفقات التسيير والتدبير ، لتوفير الموارد الضرورية خدمة للديون ، مما أجبر المغرب ؛ عبر حكومات متعاقبة ؛ على التوجه إلى قطاع الوظيفة العمومية بغرض الحد من فرص التوظيف ، والإبقاء على مستوى كتلة الأجور ، وتجميد أجور الموظفين ، والحيلولة دون الظفر بمكتسباتهم في العديد من التعويضات كالتنقل ، والسكن ، والمنح ...الخ ؛ إلى جانب الحد من الترقية ، والترسيم .. وزيادة استغلالهم ؛ من خلال إبرام العقد محدودة الآجال ، وعزم ـ الحكومة الحالية ـ على تمديد سن التقاعد الإداري إلى 62 سنة . وتبلغ نفقات الموظفين 65 مليار درهم ، برسم سنة 2015 ممثلة 40% من مجموع نفقات الميزانية العامة . وهذا الرقم الهائل يعود ؛ بجذوره ؛ لا إلى تضخم عدد الموظفين ، ولكن إلى البنية الطبقية الصارخة لكتلة الأجور في المغرب ، وطبيعة النظام السياسي القائم على تقوية نفوذ البيروقراطية ، وأصحاب رؤوس الأموال الكبرى والنفوذ داخل قطاعات مالية وإدارية واقتصادية عديدة . ونكاد نجزم بأن نسبة عدد الموظفين إلى السكان لا يتجاوز% 2,3 ، وهي نسبة ضعيفة مقارنة لها مع دول مجاورة كتونس %3,7 ، والجزائر %4,2 ، ومصر %6,2 ... وهذا يفصح ؛ في جوهره ؛ عن خصاص مهول تعاني منه الخدمات الاجتماعية العامة ، والبطء في الأداء ، مما يولد ؛ بين حين وآخر ؛ تشنجات اجتماعية تأخذ في التعاظم بين وآخر. وتبلغ كتلة الأجور % 14,5 من الناتج الداخلي الخام برسم سنة 2015 ، وهي نسبة عالية مقارنة مع دول أروبا %5,5 ، وأمريكا اللاتينية %5,4 ، وإفريقيا باستثناء المغرب %7,5 ، وآسيا %8,2 .. ويتركز وجود البيروقراطية البورجوازية ؛ المتشكلة من كبار الموظفين ؛ في الإدارة ، والجيش ، والأمن ... وتكاد تمتص نسبة %65 من كتلة الأجور العامة .(4) بنية الأجور تكريس للطبقية والفوارق الاجتماعية الفجة في تحقيقنا لمدلول " الزيادة في الأجور " الذي دأبت عليه الحكومات المتعاقبة على التصريح به ، نلاحظ ؛ من طرف الحكومة ؛ إجراء إداريا تستتبعه في آن واحد ومباشرة بإجراء اقتصادي بارتفاع الأسعار ، تمتصه أحيانا الزيادة الهزيلة في الأجور أو تزيد . فنجد ؛ في المحصلة ؛ أن الموظف وخاصة من ذوي السلالم ما بين 6 إلى 9 هو المتضرر ، فتتكشف اللعبة : " ادفع من هنا لتأخذ من هناك " . ونكاد نجزم بأن بنية الأجور ؛ لدى كبار موظفي الدولة ؛ من مدراء عامين ، ورؤساء ، وجنرالات لا يحدها حصر ، بفعل الهامش الكبير الذي تتمتع به بخصوص التعويضات (1) ، فنجد على سبيل المثال أن تنقل مسؤول سام مشيا على الأقدام من مكتب إلى مكتب آخر مجاور ؛ وفي نفس المصلحة يمنحه تعويضا بمبلغ 20 ألف درهم . وفي هذا السياق ، يمكن استعراض عينة من التعويضات ، والامتيازات والمنح التي لا تدخل في الصافي الشهري لهؤلاء الموظفين : * تعويض الإقامة والسكن ؛ مابين 20 إلى 30 ألف درهم ؛ * تعويض التنقل ، غير محدود يصل أحيانا إلى 5 ألف درهم/كلم ؛ * تعويض السفريات خارج المغرب ، والمنح .. غير محدود ؛ * تعويض البنزين ، 15 ألف درهم إلى 20 ألف درهم ؛ * تعويض عن قيام بمهمة ، غير محدود ؛ * تعويض استبدال سيارة الخدمة ، 500 ألف/سنويا ؛ * تعويض الحراسة ، من 10 إلى 15 ألف درهم هذا عدا الامتيازات التي يتمتعون بها كاستهلاك الماء والكهرباء والبنزين ، وفي أحيان كثيرة التملص من أداء مئات الملايين من الدراهم كضرائب ورسوم ، وجلب الهدايا ... فإذا كان المرتب الشهري لموظف من الوزن الثقيل في حدود 300 إلى 400 ألف درهم ، فقد يرتفع أجره الكامل بإضافة التعويضات ليصل إلى ما بين 600 إلى 700 ألف درهم/شهريا . في حين أن أجور موظفي السلالم محدودة ، وحتى تعويضاتهم جد هزيلة ، سيما أصحاب خارج السلم الإداري 11 والاستثنائي ، أما أجور السلالم 9 فما دون ، فليست لديهم تعويضات تذكر ، وهم يشكلون من %15 إلى %20 من كتلة الأجور ، في حين أن كتلة أجور الموظفين ؛ من العيار الثقيل ؛ تبتلع %60 إلى %70 من الكتلة العامة للأجور ، ويتضح ؛ من هذه البيانات ولو نسبية ؛ مدى الفجوة السحيقة التي تفصل بين مدير عام 700 ألف درهم ، وموظف السلم التاسع 7 ألف درهم ، أي 700 مرة!! وهذه الفجوة تترجم أحيانا الاحتقانات المتتالية التي يعرفها قطاع الوظيفة العمومية ، كما نجد لها تداعيات جد خطيرة ؛ تمتد إلى أداء الموظف فتؤثر على جودة عمله ، ونشاطه ، كما أنها ؛ ومن واجهة أخرى ؛ تكرس الميز الطبقي ، والفوارق الاجتماعية التي قد تشذ عن المقارنة . تأجيرنا وتأجير الآخرين يتقاضى رئيس الحكومة المغربي 8 ألف دولار/ش ، بينما رئيس حكومة الجزائر يحصل على 6 ألف دولار/ش ، في حين أن رئيس الحكومة التونسي يقل راتبه عن 2 ألف دولار/ش ، أما في إسبانيا التي يضاعف اقتصادها اقتصاد المغرب ب 20 مرة ؛ فإن رئيس حكومتها ؛ رغم ذلك ؛ لا يتجاوز 6,3 ألف دولار/ش . وبحسب إحصائيات دولية معتمدة (2)، فإن المغرب يمتلك أسطولا من السيارات المملوكة للدولة ؛ يستفيد منها الوزراء ، والبرلمانيون ، والموظفون السامون ، يبلغ عددها 184 ألف سيارة ، وبذلك يتفوق المغرب على دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ؛ صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم ، والتي لا تملك سوى 72 ألف سيارة تابعة للدولة ، وكندا 26 ألف سيارة ، أما اليابان فليس لديها سوى 4 ألف سيارة ، علما أن الموظفين بالمغرب لا يتجاوز عددهم 900 ألف موظف ، وهذا يكلف الخزينة العامة للدولة ما يقارب من 800 مليون درهم يوميا كفاتورة للوقود ، دون احتساب قسيمة إصلاحاتها ، وتجديدها ؛ حسب المجلس الأعلى للحسابات ؛ والمفارقة الغريبة أن سيارة الدولة لا تعمر ؛ في المتوسط ؛ أكثر من ست 6 سنوات ، حتى تنضم إلى حظيرة المتلاشيات .. ! دول سارعت إلى تخفيض أجور وزرائها ونوابها رغم أن العديد من الدول التي ليست لها الاختلالات في سلالم الأجور بنفس الحدة التي عليها المغرب ، فإنها تجرأت وأقدمت على تخفيض أجور وزرائها وبرلمانييها ، حفاظا على ضرائب الشعب من التبذير .. ففي شهر أبريل 2014 ، حينما كان منصف المرزوقي يتقلد كرسي الرئاسة ، خفض راتبه إلى الثلث كخطوة رمزية منه ، وبعد حين أقر مجلس الوزراء في تونس تخفيض رواتب الوزراء وكتاب الدولة بنسبة %10 ترشيدا للنفقات أمام التحديات الاقتصادية الصعبة التي تواجه تونس . أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ؛ فقد اتخذ قرارا بتخفيض رواتب الوزراء ـ حتى قبل ولوجه قصر الإليزيه ـ وهو ما تحقق بعد حين بتخفيض راتبه ورواتب جميع الوزراء بنسبة %30 ، كما أن معاشات البرلمانيين ؛ هي الأخرى ؛ تم تخفيضها إلى مبلغ 1200 أورو ، بعدما كانت تقارب 2000 أورو ، وهي أصلا أقل بكثير من معاشات البرلمانيين المغاربة الذين يستلمون تقاعدهم بمجرد مغادرتهم البرلمان ، وليس حتى بلوغهم سن التقاعد الإداري كما في بلدان العالم ! انعكاسات سلبية على عمل أصحاب الأجور المتدنية هناك نسبة ثلاثة أرباع من عدد موظفي الإدارة العمومية تتقاضى أجورا لا تفوق 3 ألف درهم/ش ؛ يقتسمها أغلبهم مع ذويهم بحكم اتساع دائرة البطالة ، وضعف نظام التغطية الاجتماعية . تتجلى الاختلافات في الأجر حسب قيمة التفاوت الذي يحدث بين موظفين ينتمون إلى عدة فئات أجرية ، رغم انتمائهم إلى نفس القطاع ، فنجد ؛ على سبيل المثال ؛ أستاذا مدرجا في السلم الإداري 11 ، أو خارج السلم يشتغل بنفس المؤسسة إلى جوار زميله في السلم 9 ، وتكاد هوة التأجير بينهما تصل إلى 5 ألف درهم ، وقد تتجاوزها إلى أكثر من 10 ألف درهم في قطاعات أخرى ، مما يساهم في تزايد الشعور بالإحباط في نفس المصلحة لدى العديد من الفئات الأقل أجرا ؛ وهذا يؤشر على وجود انحرافات حقيقية مختلة يعاني منها جدول الأرقام الاستدلالية ، منها محدودية التطور في الحياة الإدارية للموظفين والأعوان في سلالم الأجور . فبالنسبة للسلم 1 نجد الفرق فيما بين الرتبة الأولى وآخر رتبة يبلغ 24 نقطة ، و39 نقطة بالنسبة السلم 2 ، و55 نقطة بالنسبة للسلم 3 ... وقد يصل إلى 80 نقطة في السلمين 10 و 11 . ورغم أن التشريع ؛ في الوظيفة العمومية ؛ يخول للموظف حق التباري من سلم إداري إلى سلم موالي ؛ في نفس المصلحة ؛ كحافز مالي له ، فإن المناصب المالية تظل جد محدودة ، وبالتالي تبقى نسبة هائلة من الموظفين "خالدة" في نفس السلم تتأرجح في درجاته بحركية بطيئة ، من ثلاث إلى خمس سنوات بالأقدمية . وقد أوضحت الملاحظة الأمبريقية أن موظفا بهذه الوضعية والبطيء في درجات السلم الواحد أحيانا يحقق نتائج هائلة مقارنة مع نظيره في سلم أعلى ودرجات ممتازة . وما زال هذا الحيف الإداري ، وما يستتبعه من فوارق صارخة في الأجور إحدى المعضلات التي يعاني منها التشريع الإداري المغربي ، ومنظومة الأجور بصفة عامة .
* باحث ومفتش منسق بوزارة التربية الوطنية سابقا | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=825559 |
| |